• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

لأنك ربي القريب (درس المسجد)

لأنك ربي القريب (درس المسجد)
نجلاء جبروني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/9/2021 ميلادي - 14/2/1443 هجري

الزيارات: 6685

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لأنك ربي القريب

(درس المسجد)

 

الحمد لله حمد الشاكرين، حمد التائبين، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، الحمد لله ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيءٍ بعد:

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

 

اللهم لك الحمد عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك.

 

اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد أبدًا أبدًا، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

(هل تشعر بالوحدة؟!

هل تُحِسُّ أن بينك وبين أعز الناس عليك حاجزًا منيعًا؟!

لم يعد يفهمك، لم يعد يشعر بما في داخلك؟

هل خذلتكِ صديقتكِ المقربة في وقتٍ كنتِ تحتاجين إليها؟!

هل روحك تشتاق إلى حبيبٍ تبث إليه شكواها؟!

إنه الله، إنه القريب، أقرب إليك من حبل الوريد.

 

أخبرني صاحبي أنه دخل المسجد وما زال أثر ماء الوضوء في أذنيه، فاتجه إلى الصف الأول مقابل جهاز التكييف؛ ما جعل الهواء البارد يدخل إلى أذنيه على أثر الماء، بعد ساعة بدأ يشعر بالألم في أذنه، لم يفتح شفتيه وإنما قال بقلبه: يا ألله، لقد كان ذلك من أجلك، فإذا بالألم يرتفع بدون مقدمات وبلا تدرج.

 

أي قربٍ هذا؟! الذي يعلم معه ما تحدِّث به نفسك دون أن تحرك به شفتيك؟)[1].

 

إنه الله، إنه القريب، ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16].

 

(في أحد الأسفار مع النبي صلى الله عليه وسلم سأله أصحابه: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ كل سؤال سأله الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم كان يُوحَى إليه ﴿ قُلْ ﴾: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [الأنفال: 1]، ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة: 189]، ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 220].

 

أما هذا السؤال، لم يُوحَ إليه ﴿ قُلْ ﴾، وإنما قال الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، هل رأيت أقرب من هذه الإجابة؟)[2].

 

حين نسافر ونترك الأهل والأولاد، نقول في دعاء السفر: ((اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل))[3].

 

ما أجمل قرب الله عز وجل، (فهو سبحانه مع المسافر في سفره، ومع أهله في وطنه)[4].

 

إنه القريب سبحانه وبحمده، القريب الذي ليس ببعيد، إنه القريب مع أنه على العرش استوى، إلا أنه قريب، لا يتنافى قربه مع علوه على عرشه، وفوقيته على عباده: ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 1 - 5].

 

قريب مع علوه، عالٍ في قربه، قريب من كل أحد، قريب بعلمه، قريب بسمعه، قريب ببصره، بإحاطته، قريب بشهوده لكل خلقه ومشاهدته ومراقبته، قرب عامٌّ من كل خلقه؛ يسمع كلامهم ويرى أعمالهم ويعلم أحوالهم.

 

وقرب خاص من عباده الصالحين، من أوليائه وأحبائه، يحفظهم ويرعاهم، ينصرهم ويوفقهم، (يسمع دعاءهم، يجيب نداءهم، يعطيهم سؤلهم)[5]، ييسر لهم طاعته يوفقهم لجنَّته.

 

قريب بالعلم والإحاطة من عامة خلقه، وقريب باللطف والنصر والتأييد من أوليائه وأحبائه.

 

((مِن قُرْبِهِ أنه يسمع دبيب النملة السوداء، على الصفاة الصماء، في الليلة الظلماء؛ يقول تعالى: ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، تخيل عدد الأشجار، ثم عدد أوراقها، تخيَّلها وهي تتناثر في فصل الخريف، يعلمها كلها: يعلم عددها وأشكالها وأنواعها، وكل شيءٍ يخصها))[6].

 

إنه الله، إنه القريب.

 

لأنك ربي القريب: أشعر بالراحة والأمان، لا أخاف من أحد، وهل يكون أحد في ظلمه وبطشه كفرعون؟!

 

لما أوحى الله عز وجل إلى موسى وهارون: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 43]، ولكن، كيف يذهبان إليه وهو ظالم؟ يقتل الناس بلا سبب، يقتل حتى الأطفال الرضع؟ ﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 45، 46].

 

هذه أكبر حماية؛ أن الله معنا، يجب ألَّا نخاف من أحد، لأنه لا أحد يخرج عن حكمه وسلطانه، الكل خاضع له، ﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ [هود: 56].

 

لأنك ربي القريب: أتوكل عليك، ألجأ إليك، أستعين بك، أحتمي بحماك.

 

أتفكر يا ربي في قدرتك وسلطانك، أستحضر بقلبي ملائكتك، حافين من حول عرشك، لهم صوت بالتسبيح والتحميد، والتقديس والتكبير.

 

يتنزل أمرك بين سماواتك وأرضك، تحيي أناسًا وتميت آخرين، تعز قومًا وتذل آخرين، تعطي وتمنع، تحفض وترفع، يسألك من في السماوات والأرض، كل يومٍ هو في شأن؛ تغفر ذنبًا، تفرج كربًا، تنصر مظلومًا، تأخذ ظالمًا، تغني فقيرًا، تشفي مريضًا، تعطي سائلًا، تهدي حائرًا، تؤمِّن خائفًا، تجير مستجيرًا، تغيث ملهوفًا، أنت يا رب قريب من عبادك، لا تخفى عليك منهم خافية.

 

وكيف لا يكون قريبًا، وهو ربهم الذي خلقهم، يعلم سرهم ونجواهم، إنه ربي، إنه القريب.

 

إذا هاجمتني المخاوف، تذكرت يا رب قربك.

 

(إنه القريب، فقط حرِّك شفتيك بذكره؛ تفتح أبواب السماء لصوتك، كان يونس عليه السلام في بطن الحوت ينادي)[7]: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]؛ قال الله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88].

 

أنت يا رب القريب.

من الذي سألك فما أعطيته؟!

ومن الذي دعاك فما لبيَّته؟!

ومن الذي استنصرك فما نصرته؟!

 

يا رب حمدًا ليس غيرك يحمد
يا من له كل الخلائق تصمد
أبواب غيرك ربنا قد أوصدت
ورأيت بابك واسعًا لا يُوصَد

 

(ومن معاني قربه أنه يريك في كل شيءٍ من حولك معنى يذكِّرك به: أرى قدرتك يا رب في رفع السماء بلا عمد.

أرى رحمتك في إنزال المطر وإنبات الشجر.

أرى عظمتك في شموخ الجبال.

أرى حكمتك في دقة تركيب المخلوقات)[8].

 

أرى لطفك في كربٍ كشفته، في همٍّ فرَّجتَهُ.

 

"إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيءٍ أستبين علاك"

 

إنه الله، إنه القريب.

إذا كنت وحدك، وأردت أن تناجيه، فلا ترفع صوتك؛ لأنه القريب إنه يسمعك.

وإذا كان قريبًا، فكيف ابتعدتَ عن دعائه؟!

كيف انقطعتَ عن ذكره وشكره وعبادته؟!

إنه الله، إنه القريب.

إذا كنت وحدك، وراودتك نفسك على معصية، فتذكر أنه القريب.

عندما تذهب إلى أي مكانٍ بعيد، تسافر إلى بلد الغربة، حيث لا يراك أحد ممن تعرف، تذكر أنه القريب.

وإذا كان قريبًا، فكيف تجرأت على معصيته؟!

 

يقول صاحب كتاب (لأنك الله): "قال لي صديقي مرة قبل أن يخرج من زيارتي في غرفتي بإسكان الجامعة: اكتب لي في هذه الورقة كلمة لأقرأها وأنا عائد إلى غرفتي، فكتبت له: "إنه يراك الآن"، أخْبَرَني فيما بعد أنه فُجع بها"[9].

 

إذا كان قربه يخيفك، فاهرب، ولكن إلى أين؟

كل أحدٍ إذا خِفْتَهُ هربت منه، إلا الله؛ إذا خفته هربت إليه؛ ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾ [الذاريات: 50].

قال ابن المبارك رحمه الله لرجل: راقِبِ الله، قال: كيف؟! قال: كن أبدًا كأنك تراه.

سُئل الحارث المحاسبي رحمه الله عن المراقبة فقال: "عِلْمُ القلب بقرب الرب".

 

قال رجل لسليمان بن علي رحمه الله: عِظْني، فقال: "لئن كنت إذا عصيته ظننت أنه يراك، فقد اجترأت على أمرٍ عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك، فقد كفرتَ".

 

عن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تهامة بيضًا، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا، قال ثوبان: يا رسول الله، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا، ألَّا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جِلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها))[10].

 

معاصي الخلوات:

وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ
والنفس داعية إلى الطغيانِ
فاستحي من نظر الإله وقل لها
إن الذي خلق الظلام يراني

 

قال تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108].

 

اعلم أنه قريب لا يستُرُك من الله ظلام ولا سحاب، ولا سقف ولا باب؛ ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4].

 

أول درجات المراقبة إيمانك بأنه القريب.

 

مدَّ يدك الآن إليه، أقبل عليه، عُدْ إليه، لن يغلق بابه في وجهك، لو تعلم كم هو رحيم، غفور، ودود، يفرح بتوبة عبده إذا تاب؛ قال سبحانه: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]، وقال الله تعالى في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني، غفرتُ لك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرةً))[11].

 

يا قريبًا ممن دعاه، يا قريبًا ممن رجاه، يا قريبًا ممن سأله.

يا قريبًا ممن تاب وعاد إليك.

 

مجيبَ السائلين حملت ذنبي
وسِرْتُ على الطريق إلى حماك
وروحت أدق بابك مستجيرًا
ومعتذرًا ومنتظرًا رضاك
دعوتك يا مفرج كل كربٍ
ولستَ تردُّ مكروبًا دعاك
وتبت إليك توبة من تراه
غريقًا في الدموع ولا يراك

 

لأنك ربي القريب سأعود إليك بالتوبة، بالإنابة، لأزداد قربًا منك: ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61].

 

لأنك ربي القريب سوف أقترب أكثر، ولكن كيف؟ كيف أتقرب إليك يا ألله؟ وما الذي يقربني إليك؟ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37].

 

قال تعالى في الحديث القدسي: ((ومن تقرب إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إليَّ ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإذا أقبل إليَّ يمشي، أقبلت إليه أهرول))[12].

 

كل محاولة اقتراب منك إليه بالطاعة، يعقُبها اقتراب منه إليك بالقبول والثواب.

 

كيف نتقرب إلى الله تعالى؟

الجواب من خلال هذا الحديث القدسي؛ قال سبحانه: ((وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))[13].

 

1- أول ما يُتقرَّب به إلى الله الفرائض التي فرضها الله عز وجل:

ما هي أول فريضة فرضها الله تعالى على عباده؟

أول فريضة هي التوحيد؛ توحيد الله عز وجل، التوحيد هو الغاية من الخلق؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]؛ ﴿ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾: أي: إلا ليوحدوني بالعبادة؛ لأن العبادة لا تصلح إلا بالتوحيد؛ إذ لو أن إنسانًا صلى لله وصلى لحجر أو قبر أو شجرة؟ هل يكون صلى لله؟


الجواب: لا، لم يصلِّ لله؛ لأن العبادة يجب أن تكون لله وحده، لا يصح أن يشرك معه غيره.

 

لو دعا الله ودعا الحسين مثلًا، لو قال: يا ألله اشفني، ويا حسين اشفني، هل يكون دعا الله؟

الجواب: لا، بل أشرك مع الله؛ لأن العبادة مبناها وأساسها على التوحيد، لا بد من إفراد الله بالعبادة وإخلاص العبادة لله وحده، هذا أول فرض افترضه الله عز وجل.

 

لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبلٍ إلى نحو أهل اليمن، قال له: ((إنك تقدُم على قومٍ من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى))[14].

 

هذه أول دعوة الرسل، كل رسول يأتي يقول لقومه: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]، يدعوهم إلى توحيد الله عز وجل، وإخلاص الدين له.

 

فالتوحيد أول فريضة افترضها الله عز وجل أن تكون صلاتي لله وحده، صيامي لله وحده، دعائي لله وحده، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، لا أتوكل إلا على الله، لا أتوكل على طبيب في حصول شفاء، ولا على الدواء، وإنما الشفاء من عند الله عز وجل، فضلًا عن أن الإنسان يتعلق بتميمة أو يتعلق بخرزة أو يتعلق بخمسة، حتى الأسباب المشروعة لا يجوز التعلق بها، وإنما القلب يتعلق بربه جل وعلا.

 

الدواء هذا سبب، ولكن الدواء قد ينفع وقد لا ينفع، لا بد حتى ينفع أن يقدر الله عز وجل الشفاء، وإلا لم ينفع الدواء، لم ينفع الأطباء، لا تعتمد على حولك وقوتك ومجهودك، وقدراتك وعقلك وأفكارك، وإنما اعتمد على ربك عز وجل، فالتوفيق من عند الله، والشفاء بيد الله، والعطاء من الله، والهداية من الله، والحفظ من عند الله.

 

هذا هو معنى توحيد الله؛ أي: إفراده بالعبادة، بالصلاة، بالدعاء، بالتوكل، بالاستعانة والاستغاثة، والذبح و النذر، وغيرها من أنواع العبادة، لا أصرف أي نوع من أنواع العبادة، ولا حتى سجدة واحدة أو ركعة واحدة، أو استغاثة ولو مرة واحدة، لا أصرف ذلك إلا لله وحده، لا أصلي إلا لله، لا أسجد ولا أركع إلا لله، لا أحلف إلا بالله، الحلف بالنبي، والحلف بالكعبة، والحلف برحمة فلان، والحلف بالأمانة، والحلف بحياة فلان، كل هذا من الحلف بغير الله ومن الشرك بالله؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد أشرك))[15].

 

لا أذبح تقربًا إلا لله، الذين يذبحون للأولياء وللقبور وعند الأضرحة، ويذبحون على عتبات المنازل يعتقدون أنه لا بد أن يفعلوا ذلك حتى يدخلوا المنزل الجديد، وإلا سيصيبهم الجن ويصيبهم الشر، هذا ذبح للجن، هذا شرك بالله تعالى، والذين يذهبون للسحرة والكهَّان، يأمرهم الساحر أن يذبحوا ديكًا له صفات معينة أو دجاجة أو خروفًا له صفات معينة، هذا ذبح للجن، ذبح لغير الله، شرك أكبر، لأن الذبح عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، ومن ذبح لغير الله فقد أشرك؛ قال تعالى: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾ [الأنعام: 162، 163].

 

وقال صلى الله عليه و سلم: ((لعن الله من ذبح لغير الله))[16].

 

أن يكون دعائي وصلاتي واستعانتي واستغاثتي بالله وحده؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 9]، ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].

 

أن يكون خوفي من الله، رجائي في الله، طمعي فيما عند الله، تعلقي بالله، هذا هو التوحيد الذي خلقني الله عز وجل لأجله وأوجدني لتحقيقه، هذا أول فرض أنشغل به.

 

ومن الفرائض أيضًا الصلوات الخمس في أوقاتها؛ قال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة: 238].

 

الذين يضيعون الصلوات ويأخرونها عن أوقاتها؛ قال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5].

 

فويل لمن؟ للمصلين، يصلون ومع ذلك لهم ويل لهم عذاب، لماذا؟

لأنهم يضيعون أوقات الصلوات ويؤخرون الصلوات عن أوقاتها، ربما بسبب ضيوف أو مصيف، أو رحلة أو مكالمة هاتف، أو برنامج على الإنترنت أو الفيس أو الواتس، كيف نضيع الصلاة لهذه الأسباب أو لغيرها؟!

 

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني))[17].

 

من الفرائض أيضًا صيام رمضان، الزكاة المفروضة، الحج على المستطيع، بر الوالدين، صلة الرحم، غض البصر، البعد عن الحرام، كل هذا من الفرائض، كذلك ترك المحرمات، ترك الشرك، والغِيبة والنميمة، والعقوق، والخمر والربا، والكذب والغش، والسب والشتم، والقذف واللعن، واتهام الناس وتضييع الصلوات والبدع والمنكرات، والنظر المحرم والكلام المحرم، كل هذه من الأمور التي افترض الله عز وجل أن نتركها أيضًا، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله افترض فرائض فلا تضيعوها، وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها))[18].

 

ماذا بعد الفرائض حتى نتقرب إلى الله؟


2- الأمر الثاني الذي يُتقرَّب به إلى الله عز وجل: النوافل:

((وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))[19].

 

نوافل العبادة نوافل الصلوات، اثنتا عشرة ركعة في كل يومٍ وليلة، من واظب عليها، بنى بها بيتًا في الجنة؛ ركعتان قبل الفج، أربع قبل الظهر، واثنتان بعدها، اثنتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.

 

أيضًا صلاة الضحى صلاة الأوابين؛ ركعتان من الضحى تعدل ثلاث مائة وستين صدقة؛ قال صلى الله عليه و سلم: ((يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحةٍ صدقة، وكل تحميدةٍ صدقة، وكل تهليلةٍ صدقة، وكل تكبيرةٍ صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى))[20].

 

صلاة الوتر ولو ركعة: ((إن الله وتر يحب الوتر))[21].

 

صيام ثلاثة أيام من كل شهر: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر.

 

قال أبو هريرة رضي الله عنه: ((أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: بصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد))[22].

 

((وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه))[23].

 

ما معنى هذا الكلام؟

بعض أصحاب البدع والضلال من غلاة الصوفية أصحاب عقيدة الحلول والاتحاد - هذه العقيدة الباطلة - يستدلون بهذا الحديث على اعتقادهم الفاسد؛ يقولون: (إن الله يحل في المخلوق)، وهذا ضلال مبين، هذا كفر بالله عز وجل؛ لأن الله تعالى لا يحل في أحد.

 

الله عز وجل بذاته على عرشه وهو معنا بعلمه وبإحاطته وبسمعه وبصره، معنا يعلم أحوالنا ويرى أعمالنا؛ قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5].

 

مستوٍ على عرشه، بائن عن خلقه، منفصل عن خلقه، لا يحل في أحد، القول بحلول الله في المخلوقات هذا كلام النصارى؛ تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

 

إذًا ما معنى: ((كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها))؟

 

لقد وُجِّه إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سؤال حول حديث: ((كنت سمعه الذي يسمع به...))، الذي يستدل به الصوفية على اعتقادهم الباطل، فكان الجواب كما يلي:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه؛ أما بعد:

فالجواب: إذا أدى المسلم ما فُرض عليه ثم اجتهد في التقرب إلى الله تعالى بنوافل الطاعات، واستمر على ذلك وُسْعه، أحبه الله تعالى، وكان عونًا له في كل ما يأتي ويذر، فإذا سمعه كان مسددًا من الله في سمعه، فلا يستمع إلا الخير، ولا يقبل إلا الحق، وإذا أبصر بعينه أو قلبه، أبصر بنور من الله، فكان في ذلك على هدى من الله وبصيرة نافذة بتأييد الله وتوفيقه، فيرى الحق حقًّا والباطل باطلًا، وإذا بطش بشيء بطش بقوة من الله، فكان بطشه من بطش الله نصرة للحق، وإذا مشى فكان مشيه في طاعة الله طلبًا للعلم وجهادًا في سبيل الله، وبالجملة كان عمله بجوارحه الظاهرة والباطنة بهداية من الله وقوة منه سبحانه.

 

وبهذا يتبين أنه ليس في الحديث دليل على حلول الله في خلقه أو اتحاده بأحد منهم، ويرشد إلى ذلك ما جاء في آخر الحديث من قوله تعالى: ((ولئن استعاذ بي لأعيذنه))، وما جاء في بعض الروايات من قوله: ((فبي يسمع وبي يبصر...؛ إلخ))؛ فإن ذلك إرشاد إلى المراد في أول الحديث، وتصريح بسائل ومسؤول، ومستعيذ ومعيذ، ومستعين ومعين، لكن أرباب الهوى يتبعون ما تشابه من النصوص ويُعرِضون عن المحكم منها فضلُّوا سواء السبيل".

 

وجاء في فتاوى ابن العثيمين رحمه الله في الكلام عن هذا الحديث:

"ولا ريب أنه لا يراد من الحديث أن يكون الله تعالى وتقدس عين سمع الولي، وبصره، ويده، ورجله، ولا يمكن أن يُقال: إن هذا ظاهر الحديث لمن تدبره تدبرًا جيدًا، حتى يُقال: إنه يحتاج إلى التأويل بصرفه عن ظاهره، فإن في سياق الحديث ما يمنع القول بهذا، وذلك أن الله تعالى قال فيه: ((وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))، وقال: ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه))، فأثبت عبدًا ومعبودًا، ومتقرِّبًا ومتقرَّبًا إليه، ومحبًّا ومحبوبًا، وسائلًا ومسؤولًا، ومعطيًا ومعطًى، ومستعيذًا ومستعاذًا به، ومعيذًا ومعاذًا، فسياق الحديث يدل على اثنين متباينين، كل واحد منهما غير الآخر، وعلى هذا فيمتنع أحدهما أن يكون وصفًا في الآخر، أو جزءًا من أجزائه، ولا يمكن لأحد أن يفهم هذا الفهم من مثل هذا السياق أبدًا، إلا أن المراد به تسديد الله تعالى للعبد إدراكًا وعملًا، بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره بالله ولله وفي الله، وكذلك عمله بجوارحه فيتم له بذلك كمال الاستعانة والإخلاص، والمتابعة غاية التوفيق، وهذا ما فسره به السلف"؛ ا.هـ.

 

يعني أن الله يوفقه في أعضائه وجوارحه، يكون مسددًا موفقًا في هذه الأعضاء، لا يسمع إلا ما يرضي الله، لا يسمع الموسيقى والغناء أو الغيبة أو غيرها من المحرمات؛ لأن الله سدد سمعه، ولا يرى ببصره إلا ما يرضي الله، لا يرى مشاهد محرمة، ولا مسلسلات ولا أفلام، ولا صورًا عارية، ولا مشاهد ومقاطع تغضب الله عز وجل، أصبح البصر مسددًا موفقًا، ولا يفعل بيده شيء إلا فيما يرضي الله، ولا يذهب إلى مكان إلا فيه مرضاة الله، لا تستطيع أن تذهب إلى حفلات وسهرات محرمة وأفراح وأعراس فيها اختلاط وموسيقى وغناء، لا تذهب إلى مصايف فيها عريٌ وانكشاف عورات.

 

يعني أن الله تعالى يسدده في قوله وفعله، وحركاته وسكناته، وسمعه وبصره، يجعله موفقًا في حياته، موفقًا لاغتنام أوقاته وساعاته.

 

3- الأمر الثالث الذي يتقرب به إلى الله عز وجل: الصلاة وكثرة السجود؛ قال تعالى: ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 19].

 

أعظم قربة إلى الله عز وجل الصلاة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأكثروا الدعاء))[24].

 

عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: ((كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوَضوئه وحاجته، فقال لي: سَلْ، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود))[25].

 

رجل من ألمانيا أسلم لأنه رأى المسلمون يصلون، يسجدون في صلاتهم، فسأل عن هذه الهيئة: لماذا يفعلون هكذا؟!

 

قالوا: هذه صلاة المسلمين، وكان كلما شعر بتعب وأراد الاسترخاء هوى على الأرض على نفس تلك الهيئة التي يفعلها المسلمون في صلاتهم، فلما علم ذلك أسلم، وهداه الله للإسلام.

 

صلاتك براءة لك من النفاق.

ناهية لك عن الفواحش والمنكرات.

نور لك يوم القيامة.

راحة وسعادة.

حفظ وحماية.

نجاة من عذاب القبر ومن عذاب النار.

 

فكيف بمن يعرف كل هذه الفضائل عن الصلاة ثم يتكاسل عنها، أو يؤخرها عن أوقاتها؛ النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا مستلقيًا على قفاه، وآخر قائمًا على رأسه بصخرة يهوي بها على رأسه، فيشق رأسه فيتدحرج الحجر، فإذا ذهب ليأخذه عاد رأس الأول كما كان، فيفعل فيه مثلما فعل في المرة الأولى حتى يوم القيامة.

 

هذه صورة من صور عذاب القبر؛ سأل النبي صلى الله عليه وسلم من هذا؟! فقيل له: هذا من ينام عن الصلاة المكتوبة.

 

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا، قال: ((أما الذي يثلغ رأسه بالحجر، فإنه يأخذ القرآن، فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة))[26].

 

عرف ربه القريب من اغتنم سجوده، ورفع حاجاته إلى ربه، وطلب مغفرة ذنبه.

ما عرف ربه القريب من نقر سجوده نقر الغراب؛ فما تلذذ ولا نال المراد.

 

4- في جوف الليل الآخر؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن))[27].

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والناس في آخر الليل يكون في قلوبهم من التوجه والتقرب والرقة ما لا يوجد في غير ذلك الوقت"[28].

 

عرف ربه القريب من حرص أن يكون قريبًا منه في وقت الأسحار بالصلاة والاستغفار.

 

5- ترك الحرام:

عرف ربه القريب من تقرب إليه إلى ما يرضيه، وابتعد عن معاصيه.

قال الحارث المحاسبي: "من كان يحب القرب من الله، فليترك ما يباعد عن الله".

 

6- الدعوة إلى الله:

قال ابن الجوزي رحمه الله: "ألست تبغي القرب منه اشتغل بدلالة عباده عليه".

 

لأنك ربي القريب؛ سوف أقترب منك بأداء الفرائض وترك المحرمات، بالمواظبة على الطاعات والمحافظة على الصلوات، بالاجتهاد في النوافل والمستحبات.

 

بالخلوة بك في جوف الليل الآخر، بالدعوة إليك ودلالة الخلق عليك.

 

لأنك ربي القريب؛ سوف أحاسب نفسي كل يوم، سوف أسألها هل تقربت اليوم إليه بنافلة من صلاةٍ أو صيامٍ أو صدقة؟ هل أكثرت اليوم من السجود والدعاء؟ هل حرصت على قيام الليل وشهود الأسحار؟ لأنك ربي القريب

 

أسكن وأطمئن.

لأنك ربي القريب

أدعوك وأرجوك وحدك.

لأنك ربي القريب

أعود إليك ولا أعصيك.

لأنك ربي القريب

أسعى في تقريب العباد إليك ودلالتهم عليك.

 

إلهنا ضعفت قوتنا وقلت حيلتنا، لا منجا منك إلا إليك، يا قريب، إن أوْحَشَ قلوبنا البعد عنك، فآنسها بطاعتك، ولذة القرب منك.

 

نشكو إليك يا ربنا قسوة قلوبنا، وجمود أعيننا، وكثرة ذنوبنا، وقلة عزيمتنا، وضعف همتنا وتقصيرنا.

يا قريب، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

وارزقنا يا ربنا القرب منك في أحب الأوقات إليك، لا تحرمنا عطاءك بالليل بذنوبنا بالنهار.

يا قريب، أقرب إلينا من حبل الوريد، امنُنْ علينا بالقرب منك، فلا نشكو بعدها وحشة أبدًا.

اللهم اهدِنا واهدِ بنا واجعلنا سببًا لمن اهتدى.

اللهم اغفر لنا واعفُ عنا وارحمنا وتب علينا يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، واهدِ أولادنا وأولاد المسلمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم تولَّ أمرنا، وارحم ضعفنا، واغفر ذنبنا، وطهِّر قلوبنا، وحسن أخلاقنا يا رب العالمين.

اللهم لا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، واغفر لنا يا أكرم الأكرمين.

اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين.

اللهم كن للمسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم أطعم جائعهم واشفِ مريضهم، وتولَّ صغارهم.

اللهم كن لنا ولا تكن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.

 

واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، وارزقنا القرب منك يا رب العالمين. يا ربنا القريب، يا ربنا المجيب، يا ربنا الودود، يا ربنا الرحيم، قربنا إليك، ومتعنا بلذة النظر إلى وجهك الكريم في جناتٍ النعيم يا رب العالمين.

 

وارزقنا شهادةً في سبيلك يا أكرم الأكرمين، يا رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



[1] (لأنك الله) علي بن جابر الفيفي، ص: (171 - 173).

[2] حلقات (يا ألله) الشيخ نبيل العوضي، اسم الله (القريب).

[3] صحيح مسلم (1342).

[4] (النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى)، د: محمد الحمود النجدي، ص: (516).

[5] (فقه الأسماء الحسنى)، عبدالرزاق عبدالمحسن البدر، ص: (289).

[6] (لأنك الله)، علي بن جابر الفيفي، ص: (174).

[7] (لأنك الله)، علي بن جابر الفيفي، ص: (178).

[8] ) المصدر السابق، ص: (179)، بتصرف يسير.

[9] ) (لأنك الله)، ص: (175).

[10] صححه البوصيري في "مصباح الزجاجة" (4/ 246)، والألباني في "الصحيحة".

[11] صحيح الجامع (4338)، حديث حسن.

[12] صحيح مسلم (2675).

[13] صحيح البخاري (6502).

[14] صحيح البخاري (7372).

[15] الجامع الصغير (8623)، صحيح.

[16] صحيح مسلم (1978).

[17] صحيح مسلم (85).

[18] أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 338، تحت رقم 3492)، والدارقطني في سننه (2/ 170، تحت رقم 4443)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 407، تحت رقم 314)، والحاكم في المستدرك (4/ 115، تحت رقم 7114)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 12)، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 1045، تحت رقم 2012).

[19] صحيح البخاري (6502).

[20] صحيح مسلم (720).

[21] صحيح الترمذي (453).

[22] صحيح مسلم (721).

[23] صحيح البخاري (6502).

[24] صحيح مسلم (482).

[25] صحيح مسلم (489).

[26] صحيح البخاري (1143).

[27] صحيح الترمذي (3579).

[28] مجموع فتاوى ابن تيمية (5/ 240).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لأنك ربي القريب
  • أنا المسجد (خطبة)
  • القريب جل جلاله وتقدست أسماؤه

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة لأنك الله(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • لأنك الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لأنك نور (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مقطوعات شعرية من ديوان "لأنك مسلم"(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • لأنك آليت ( قصيدة )(مقالة - موقع د. حيدر الغدير)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب