• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

إتقان الصنائع والحرف والمهن سبيل الأمم المتقدمة

إتقان الصنائع والحرف والمهن سبيل الأمم المتقدمة
المعتز بالله الكامل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/1/2021 ميلادي - 17/6/1442 هجري

الزيارات: 9762

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إتقان الصنائع والحرف والمهن سبيل الأمم المتقدمة

 

الحمد لله رب العالمين، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله ربه بين يدى الساعة هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

 

فإن الحق تبارك وتعالى خلق عباده في هذه الحياة الدنيا لا ليُكثروا العمل، وإنَّما ليُحسنوا العمل، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في آيتين كريمتين من كتابه الكريم أولى هاتين الآيتين في سورة هود؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [هود: 7].


والآية الثانية في سورة الملك، قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]، فمدار الأمر ليس على كثرة العمل، وإنما مداره على إحسان العمل وإتقانه، فالله عز وجل لا يرضى عن العامل إذا كثُر عمله، وإنَّما يرضى عنه إذا حسُن عملُه، فليست العبرة بالكثرة، وإنما العبرة بالتجويد والإتقان، ربما يعمل المرؤ عملًا قليلًا ويأجره الله عز وجل أجرًا كبيرًا، وربما يأتي العبد ربه يوم القيامة بأمثال جبال تهامة بيضًا من الحسنات، فيجعلها الله هباءً منثورًا، ذلك أن هذه الأعمال لم تكن متقنة.

 

ولقد حضَّنا الشرع الحنيف على إتقان العمل بأساليب متنوعة، فمن هذه الأساليب أنَّ الحق تبارك وتعالى جعل الإتقان صفة من صفاته سبحانه، فقال في وصف خلقه سبحانه: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88].


وأمر به عباده، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].


وبيَّن لعباده أن أعمالهم بنظر الله، وأنه سبحانه مطلع عليها، وسيجزيهم عنها، فقال سبحانه:﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].


وسيُجزى المسيء بمقتضى إساءته، والمحسن بما يكافئ إحسانه؛ قال تبارك وتعالى: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم: 31].


وبيَّن سبحانه أنه أمر أعلى خلقه قدرًا وأعظمهم منزلة بإحسان العمل، فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51].


وأما السنة النبوية، فجاءت نصوص كثيرة تحضُّ على إتقان العمل وإحسانه، ويكفى لبيان أهمية إتقان العمل أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الله عز وجل يُحب من عبده أن يتقن عمله، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه)؛ رواه البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها، فالله عز وجل يحب من عباده أن يتقنوا أعمالهم، ولا يرضى سبحانه عن العمل غير المُتقن، والمؤمنون ينبغي لهم أن يكونوا أتقن الناس لأعمالهم، وأحرصهم على تجويدها، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إتقان العمل فرضًا واجبًا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته)؛ رواه مسلم عن شداد بن أوس رضي الله عنه.


قال ابن رجب رحمه الله: ولفظ الكتابة يقتضي الوجوب عند أكثر الفقهاء والأصوليين خلافًا لبعضهم، وإنما يُعرف استعمال لفظ الكتابة في القرآن فيما هو واجب حتم؛ كقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].


وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43].


أو فيما هو واقع قدرًا لا محالة؛ كقوله: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].


وقوله: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105]، وقوله: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].


وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قيام شهر رمضان: (إني خشيت أن يكتب عليكم)، وقال عليه السلام: (أُمرت بالسواك حتى خشيت أن يُكتب علي).


وحينئذ فهذا الحديث نص في وجوب الإحسان، وقد أمر الله تعالى به، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]؛ (جامع العلوم والحكم، ص:380/381).


وقد قص علينا القرآن الكريم قصة ذي القرنين، وبيَّن الحق تبارك وتعالى أن ذا القرنين قد بنى سدًّا محكمًا لم يستطع يأجوج ومأجوج رغم قوتهم أن يعلوه، ولا أن يتخذوا فيه نقبًا ينفذون منه؛ قال تعالى: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 97].


وهذا يدل على إتقانه لبنائه ومبالغته في تحسينه وتجويده.


إنَّ الإسلام يحض أتباعه على تقديم المحسنين المتقنين، وفي هذا حض على الإتقان والإحسان؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)؛ رواه مسلم.


ولما اجتمع المسلمون للتشاور في أمر الأذان، وتحيروا ماذا يختارون ليكون وسيلة يعلموا بها ميقات الصلاة، رأى عبدالله بن زيد في منامه رجلًا، فأملى عليه هذا الرجل ألفاظ الأذان؛ يقول عبدالله بن زيد رضي الله عنه:لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ ِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ:اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ، قَالَ: وَتَقُولُ: إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ: «إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ»؛ رواه أبو داود.


فهذا عبدالله بن زيد رضي الله عنه قد رأى رؤيا الأذان، وهو أحفظ الناس لألفاظها، ومع ذلك يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلِّمها لبلال ليُؤذن بها، لماذا؟ لأن بلالًا أندى صوتًا، إذًا هو أتقن وأحسن أداءً لها من غيره، وهذا يدل على تقديم الإسلام للمتقنين المحسنين على غيرهم.


وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتقي لأداء العمل أشد أصحابه إتقانًا لهذا العمل، ويغض الطرف عن مقومات أخرى ليست أساسية في العمل المطلوب، فلما أسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه أمَّره النبي على سريَّة ذات السلاسل، وفيها من كبار الصحابة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى ظنَّ عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قدمه لمحبته له أكثر من غيره، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فبيَّن له النبي صلى الله عليه وسلم منازل الصحابة رضوان الله عليهم.


يقول عمرو رضي الله عنه: لَمَّا بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ:"أَيُّ النَّاسِأَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أَبُوهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ»، فَعَدَّ رِجَالًا؛ رواه مسلم.


وقد ظهر في هذه الغزوة ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قدَّمه لعلمه بالحرب وإتقانه لإدارة شؤونها، ففي مصنف ابن أبي شيبة عَنْ قَيْسٍ, قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرًا عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ إِلَى لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَمَسَانِفِ الشَّامِ, قَالَ: وَكَانَ فِي أَصْحَابِهِ قِلَّةٌ، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ عَمْرُو:"لَا يُوقِدَنَّ أَحَدٌمِنْكُمْ نَارًا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَكَلَّمُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُكَلِّمَ عَمْرًا، فَكَلَّمَهُفَقَالَ: لَا يُوقِدُ أَحَدٌ نَارًا إِلَّا أَلْقَيْتُهُ فِيهَا، فَقَابَلَ الْعَدُوَّ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَاسْتَبَاحَ عَسْكَرَهُمْ، فَقَالَ النَّاسُ: أَلَا نَتْبَعُهُمْ؟ فَقَالَ: لَا، إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَرَاءَ هَذِهِ الْجِبَالِ مَادَّةٌ يَقْتَطِعُونَ بِهَا الْمُسْلِمِينَ، فَشَكَوْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعُوا، فَقَالَ: صَدَقُوا يَا عَمْرُو؟ قَالَ: كَانَ فِي أَصْحَابِي قِلَّةٌ فَخَشِيتُ أَنْ يَرْغَبَ الْعَدُوُّ فِي قَتْلِهِمْ، فَلَمَّا أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالُوا: اتْبَعْهُمْ، قُلْتُ: أَخْشَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ وَرَاءَ هَذِهِ الْجِبَالِ مَادَّةٌ يَقْتَطِعُونَ بِهَا الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ أَمْرَهُ".


فهذا رجل قد أسلم حديثًا، فليس له في الإسلام سابقة تؤهله لأن يتولى القيادة، لكن الذي أهَّله لتولي هذا المنصب إنما هو علمه وإتقانه لأمور الحرب، وهكذا تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لخالد رضي الله عنه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم إنما كان يقوم على اختيار المتقن المحسن للأمر الذى يُختار له.


ولَمَّا جاء وفد تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: جئناك نفاخرك، فأذِن رسول الله صلى الله عليه وسلملخطيبهم أن يقول، فلما انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: قمْ فأجِب الرجل في خطبته، ثم قالوا: يا محمد، ائذن لشاعرنا، فأذن له، فقام فأنشد، فلما انتهى بعث رسول الله إلى حسان وكان غائبًا، فلما جاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُمْ يا حسان، فأجِب الرجل فيما قال، فقام حسان فأنشد، فلما انتهى، قَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَأَبِي إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمُؤَتًى لَهُ! لَخَطِيبَةٌ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَأَصْوَاتُهُمْ أَعْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا.


فاستِدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لثابت وحسان إنما كان لأنهم أتقن لهذا الأمر من غيرهم، وإلا ففي الصحابة رضوان الله عليهم الكثير من الخطباء والشعراء، لكنْ لِثابت وحسان من الإتقان ما يجعل المنافر والمفاخر يُسلم ويُذعن بالفضل والسبق للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.


ولم يكن حضُّ النبي لأصحابه قاصرًا على القول فقط، بل طبَّق النبي صلى الله عليه وسلم الإتقان عمليًّا، ففي سنن أبي داودعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِغُلَامٍ وَهُوَ يَسْلُخُ شَاةً،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ»، فَأَدْخَلَ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبِطِ.


فهنا نرى النبي صلى الله عليه وسلم يمر بصبي لا يُحسن سلخ الشاة، فيعلِّمه النبي صلى الله عليه وسلم الإتقان عمليًّا، ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بالقول، وإنما أضاف إلى ذلك الفعل.


إن الأمم التي لا تتقن عملها لا تنهض من سُباتها، ولا تصحوا من غفلتها، وستأتي هذه الأمة في ذيل الأمم.


إن دينَنا يَحُضُّنا على الإتقان، وكتاب ربنا ينادي فينا ليلًا ونهارًا: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].


فهل يليق بنا بعد ذلك أن نخالف أمرَ ربِّنا أو دعوة نبينا، يوم أن نفعل ذلك فلن يكون لنا عذرٌ بين يدي الله.


إن ديننا جعل الإتقان واجبًا، فمن لم يتقن عمله، كان آثمًا وسيندم غدًا إذا نُصبت الموازين حين يرى عمله هباءً منثورًا.


هل يليق بنا بعد كلِّ ما سمعناه من كتاب ربِّنا وسنة نبينا أن نسمع أن موشيه ديَّان وزير الدفاع الإسرائيلي استعرض لصحفي هندي خطة إسرائيل لكسب الحرب سريعًا عشية انطلاقها، فاستغرب الصحفي الهندي إعلان موشيه إستراتيجية الحرب، فقال ديَّان: "إن العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون".

 

فهل يليق بالمسلمين أن تكون هذه هي فكرة غيرهم عنهم، ومما يؤسف له أن نقول: إن هذه الفكرة التي أخذها غيرُنا عنا، فكرة صحيحة لا نستطيع أن ننكرها، وكيف ننكرها وحالنا خير شاهد على تخلُّفنا عن ركْب المتقنين، إن صناعاتنا تأتي في ذيل الصناعات، وإن بلادنا أصبحت أسواقا لمنتجات غيرنا، وإنَّ من يريد منا شراءَ سلعة، فإنه يبحث عن إنتاج لدولة أخرى، ويفر من منتجاتنا، وما ذلك إلا لأن منتجاتنا فقدت الإتقان والجودة، فإذا أردنا أن تعود لنا ريادتنا ويثق غيرنا في منتجاتنا، فعلينا أن نتبع أمرَ ربنا وهدْي نبيِّنا، وأن نسعى لإتقان عملنا حتى يغير الله ما بنا.

 

أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول، فيتَّبعون أحسنَه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صنائع المعروف
  • صنائع المعروف أمان من المخوف
  • فضل صنائع المعروف وإغاثة الملهوف
  • صنائع المعروف تقي مصارع السوء

مختارات من الشبكة

  • إتقان العمل في ضوء القرآن وسنة النبي العدنان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صناعة الكراهية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أنظار في كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام الكاساني الحنفي(كتاب - آفاق الشريعة)
  • منهج المتأخرين في تدوين الخلاف الفقهي: الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي وكتابه بدائع الصنائع نموذجا(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منهج الإمام الكاساني الحنفي في الخلاف الفقهي من خلال كتابه بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحفة العمال بثمرات إتقان الأعمال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة بدائع الأفكار في صنائع الأشعار(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • صناعة الكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ألف حرف ولام حرف وميم حرف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تجربة الجزائر في تنمية قطاع الصناعة التقليدية والحرف (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
عبدالله شعبان عبد التواب عبدالصمد - مصر 31-01-2021 06:11 PM

الشيخ المعتز بالله الكامل بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على العلم الذي تنفع به الناس
ونرجوا المزيد من المقالات على الموقع

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب