• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

فضل التوحيد وأهميته

فضل التوحيد وأهميته
نجلاء جبروني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/9/2020 ميلادي - 9/2/1442 هجري

الزيارات: 266386

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضل التوحيد وأهميته

 

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك، وما كان معه من إله، الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، ومالك يوم الدين، وأشهد أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين.

 

أما بعد:

فما أول واجب على العبد؟

أول واجب على العبد أن يعرف ربه وأن يوحده جل وعلا؛ يعرف أن الله عز وجل هو رب هذا الكون، يعرف أنه هو الخالق المالك الرازق المدبر، أنه هو الإله المعبود المستحق وحده للعبادة، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، أول واجب على العبد أن يعرف ربه وأن يوحده؛ لأن هذا هو الغاية من الخلق؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]؛ إلا ليوحدوني بالعبادة.

 

ما أهمية التوحيد؟

1- التوحيد هو الغاية التي خلق الله الخلق لأجلها:

قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

 

2- التوحيد هو حق الله عز وجل:

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ((كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم على حمارٍ يُقال له: عُفَيْرٌ، فقال: يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألَّا يعذبَ مَن لا يشرك به شيئًا))[1].

 

قلنا: إن التوحيد هو الغاية التي خلق الناس لأجلها، هذه هي الوظيفة التي خلق الله عز وجل الناس لأجلها، الله تعالى خلق الناس لعبادته، وأرسل الرسل لدعوة الناس إلى توحيده جل وعلا بالعبادة.

 

وما العبادة؟

العبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

 

فالصلاة عبادة، والصوم عبادة، والصدقة عبادة، والحج عبادة، والخوف والرجاء والتوكل والمحبة، هذه أيضًا داخلة في العبادة، كل هذه عبادات يجب أن تكون لله عز وجل، إذًا توحيد الله بالعبادة هو الغاية من الخلق، ما الدليل؟ ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

 

الأمر الثاني في أهمية التوحيد: أنه حق الله، كل إنسان يحاول أن يؤديَ ما عليه من حقوق؛ حق الأولاد، وحق الزوج، وحق الجار، وحق الأهل، أهم هذه الحقوق هو حق مَن؟ هو حق الله عز وجل.

 

وما حق الله؟

حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا؛ لذلك نريد أن نعرف كيف نعبد الله حتى نقوم بحقه؛ يعني: إنسان لا يعرف أصلًا كيف يعبد الله، فكيف سيؤدي هذا الحق؟ إنسان لا يعرف شيئًا أصلًا عن التوحيد: ما التوحيد؟ وما أهمية التوحيد؟ وما أفراد التوحيد؟ وما ضد التوحيد؟ وهو الشرك، لا يستطيع أن يأتيَ بالتوحيد كما ينبغي، لا يستطيع أن يكمل توحيده، ولا أن يحذر من الشرك إلا إذا تعلَّم؛ لذلك أريد أن أتعلم التوحيد؛ حتى أستطيع أن أعبد الله عز وجل كما أمرني، أن أوحِّده بالعبادة؛ لأن العبادة أساسها التوحيد؛ يعني: لو أن إنسانًا عبد الله وعبد غيره، فهل هذا يكون موحدًا؟

الجواب: لا، بل يكون مشركًا؛ يعني: لو عبد الله وعبد مثلًا مَلَكًا من الملائكة، أو كوكبًا من الكواكب، أو عبد الشمس، أو القمر، أو عبد عيسى كالنصارى الذين يشركون مع الله عز وجل المسيح - فلو عبد الله وعبد غيره، فكأنه ما عبد الله؛ لأن العبادة أساسها التوحيد.

 

ما معنى كلمة "لا إله إلا الله"؟

معناها: لا معبودَ بحق إلا الله.

لا إله: هذا نفي؛ نفي كل أنواع العبادة عن غير الله.

إلا الله: هذا إثبات، إثبات استحقاق العبادة لله تعالى وحده.

 

إذًا هذا معنى التوحيد: الإفراد؛ أن نُفْرِدَ الله عز وجل بالعبادة: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]؛ إلا ليعبدون: يعني: إلا ليوحدوني بالعبادة؛ لأن العبادة أساسها التوحيد.

 

فالتوحيد هو الغاية من الخَلْقِ، والتوحيد هو حق الله؛ فحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.

 

3- التوحيد هو الغاية من إرسال الرسل:

لماذا أرسل الله عز وجل الرسل؟

لدعوة الناس إلى توحيد الله؛ قال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [الزخرف: 45]، هذا هو معنى التوحيد؛ نعبد الله ولا نعبد غيره، لا نعبد هذه الطواغيت التي اتخذها الناس آلهة من دون الله، هذه الغاية من إرسال الرسل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((خير الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير))[2]، جميع الأنبياء والرسل بدؤوا دعوتهم بالتوحيد، والنبي صلى الله عليه وسلم ظلَّ ثلاث عشرة سنة في مكة لا يدعو إلى شيء إلا التوحيد، يدعو فقط إلى شيء واحد؛ وهو التوحيد، وكتب الكتب والمراسلات إلى قيصر، وإلى كسرى، وإلى غيرهم يدعوهم إلى توحيد الله عز وجل، وكان يعلِّم أصحابه ويربيهم على توحيد الله تبارك وتعالى، يقول لابن عباس رضي الله عنهما: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجدْهُ تُجاهك، إذا سألت فاسألِ الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعتِ الأقلام وجفَّتِ الصحف))[3].

 

4- التوحيد هو أول ما يُدعى إليه:

لقد علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يـبدؤوا دعوتهم للناس بالتوحيد، ما الدليل على هذا الأمر؟

 

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذًا إلى اليمن، النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الصحابة ينشرون دعوة الإسلام، ويدعون الناس في البلاد المختلفة، وكان يكتب إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى الإسلام، فلما أرسل معاذًا أرسله إلى اليمن معلمًا وقاضيًا ومفتيًا، وأمره فقال: ((إنك تأتي قومًا أهل كتاب - يعني: يا معاذ، إنك ستأتي قومًا من اليهود والنصارى - قال: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله))[4]، وفي رواية: ((فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحِّدوا الله))[5]، إذًا هذا يدل على أهمية التوحيد، فهو أول شيء يُبدَأُ به في الدعوة إلى الله عز وجل.

 

أصلًا أول شيء يُسأل عنه الإنسان في قبره: من ربك؟ ما دينك؟ مَن نبيك؟ ويوم القيامة لن تزول أقدام العباد حتى يُسألوا عن هذين السؤالين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟

 

ماذا كنتم تعبدون؟ هذا سؤال عن التوحيد.

وماذا أجبتم المرسلين؟ هذا سؤال عن الاتباع.

 

فأول واجب على كل من أراد أن يدعوَ أن يبدأ دعوته بالتوحيد، هذا هو منهج الأنبياء والرسل، ما من رسول إلا وبدأ دعوته بتوحيد الله عز وجل؛ فلنبدأ بما بدأ به الرسل والأنبياء؛ يعني: لا داعيَ أن نشغل الناس بأمور قد لا يستفيدون منها، نريد أن نشغلهم وندعوهم إلى أمر الدين، أول شيء يوحدوا الله عز وجل، نعلِّمهم كيف يوحدون الله عز وجل، وكيف يعبدونه حق العبادة، وكيف ينتهون عن المعاصي والذنوب، قبل أن نكلمهم في أي أمور أخرى؛ أمور دنيوية، أو أمور سياسية، أو أمور ثقافية، أو أشياء قد لا تفيدهم أصلًا، فالدعوة التي تُهمِل جانب التوحيد، وجانب بيان الدين للناس، وجانب العقيدة الصحيحة والعبادة الصحيحة - هذه دعوة لن تؤتيَ ثمارها، فالتوحيد هو أول ما يُدعى إليه، ما الدليل؟

 

((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله))، وفي رواية: ((إلى أن يوحدوا الله)).

 

5- التوحيد شرط لقبول العمل الصالح وانتفاع العبد به في الدنيا والآخرة:

لو أن إنسانًا نصرانيًّا أو مشركًا؛ يعني: يعبد الله عز وجل ويعبد المسيح، يدَّعي أن المسيح ابن الله، أو أن الله ثالث ثلاثة، أو غير ذلك من مذاهبهم الباطلة، هذا الإنسان لو تصدَّق بصدقة، أو أعطى فقيرًا مالًا، أو بنى مستشفى، أو فعل أمرًا فيه صلة، أو بِرٌّ، أو إحسان إلى الناس أو الجيران - هل يُقبَل منه عند الله؟

الجواب: لا يقبل، لماذا؟ لأنه مشرك.

إذًا شرط قبول العمل هو توحيد الله عز وجل.

 

ما الدليل على ذلك؟ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19].

 

لا بد أن يكون مؤمنًا، لا بد أن يكون موحِّدًا، إذًا حتى يكون السعي مشكورًا، حتى يكون العمل مقبولًا، لا بد أن يأتي بالتوحيد، مهما يفعل من الصالحات، أو من أمور الخير أو أمور البر، أو مهما يتصدق بصدقات، ومهما يكن حَسَنَ الخلق، كل هذا غير مقبول من المشرك، ولقد أخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن الشرك محبِطٌ للعمل؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، فالتوحيد شرط لقبول العمل: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5].

 

إذًا لا بد من الإخلاص، فالذي عمِلَ بلا توحيد كالذي صلى بلا وضوء، هل تُقبَل صلاته؟ فالذي يعمل الصالحات وليس عنده توحيد، لا يُقبَل عمله مهما كان.

 

هذا التوحيد شرط لقبول العمل الصالح، إذًا هذه خمس نقاط في أهمية التوحيد، كل نقطة عليها دليل، وهذا هو العلم، العلم هو الدليل من القرآن والسنة؛ قال ابن القيم رحمه الله في النونية:

العـلم قال الله قال رسولـه *** قال الصحابة هم أولو العرفانِ

 

فلا بد أن يكون الدليل معك، حتى إذا دعوت الناس أو تناقشت مع أحد في مسألة، لا بد أن يكون معك الدليل، حاضر في ذهنك، ليس فقط كلامًا مرسلًا: افعلوا كذا، أو لا تفعلوا كذا، هم يريدون الأدلة من القرآن والسنة، فنريد دائمًا أن نحفظ الدليل، نحفظ كل نقطة بدليلها.

 

التوحيد هو الغاية التي خلق الناس لأجلها؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، التوحيد هو حق الله على العباد: ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا))، التوحيد هو الغاية من إرسال الرسل؛ الله عز وجل يقول: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].

 

كل الأمم أرسل الله عز وجل إليها الرسل، لماذا يا رب أرسلتهم؟ ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾.

 

التوحيد أول ما يُدعى إليه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادْعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تُؤْخَذُ من أغنيائهم فتُرَدُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب))[6].

 

يقصد الصدقة الواجبة وهي الزكاة، إذًا هذا دليل على الأولويات، المهم فالأهم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم رتَّب الأولويات.

 

مثال: لو أن إنسانًا مثلًا يفعل شيئًا من الشرك، وفي نفس الوقت لا يصلي، بماذا أبدأ في دعوته؟ أنهاه أولًا عن الشرك، وأقول له: إنه يجب عليه ألَّا يفعل ذلك؛ لأن هذا مخالف للتوحيد والإيمان، ثم بعد ذلك أدُلُّه على الصلاة، هذا في ترتيب الأولويات.

 

إذًا الإنسان لن ينتفع بعمله إلا إذا كان على التوحيد، فمهما كان المشرك خَيِّرًا وأخلاقه حسنة ويفعل من الخير والبر - لا يُقبَل هذا العمل إلا إذا أتى بشرط القبول؛ وهو التوحيد.

 

6- القرآن كله يدعو إلى تحقيق التوحيد ولوازمه:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه (مدارج السالكين): "إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه؛ فإن القرآن إما خبرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله؛ فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يُعبَد من دونه؛ فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر أو نهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره؛ فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة؛ فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النَّكَال، وما يحل بهم في العُقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد؛ فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم"[7]؛ انتهى كلامه.

 

إذًا هذه بعض النقاط عن أهمية التوحيد.

فما فضل التوحيد؟ إذا وحَّد الإنسان الله عز وجل، فما فضل هذا التوحيد؟

ومن فضل التوحيد على أهله


التوحيد له فضائل عظيمة، وآثار حميدة، فخير الدنيا والآخرة من فضائل التوحيد وثمراته؛ ومن ذلك ما يأتي:

1- التوحيد يغفر الله به الذنوب ويكفِّر به السيئات:

ففي الحديث القدسي عن أنس رضي الله عنه يرفعه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنانَ السماء ثم استغفرتني، غفرتُ لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُرابِ الأرض خطايا ثم لقِيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتُك بقُرابها مغفرةً)).

 

هذا هو جزاء التوحيد أن الله عز وجل يغفر به الذنوب، مهما يكون الإنسان فعل من خطايا ومعاصٍ لله عز وجل، يغفر له إن شاء أن يغفر له، إذا أتى بالتوحيد، أصحاب الكبائر الذين ماتوا على الكبائر ولم يتوبوا منها تحت مشيئة الله، إن شاء غفر لهم، وإن شاء عذَّبهم، ولو عذَّب الله عز وجل صاحب المعصية، هل يخلُدُ في النار، إذا مات على التوحيد؟

الجواب: لا يخلد في النار، إذًا التوحيد يمنعه من الخلود في النار، حتى لو دخل النار بسبب معاصيه وذنوبه، وشاء الله عز وجل أن يعذبه، فسيخرج منها في النهاية ويدخل الجنة.

 

2- التوحيد أعظم أسباب دخول الجنة والنجاة من النار:

فعن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من شهِدَ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريمَ ورُوحٌ منه، وأن الجنة والنار حقٌّ أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء))[8].

 

إذًا التوحيد أعظم سبب من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لقِيَ الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيَهُ يشرك به دخل النار))[9]، وفي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة))[10].

 

التوحيد يمنع دخول النار بالكلية إذا كَمَلَ في القلب؛ ففي حديث عتبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله))[11].

 

• ويمنع الخلود في النار إذا كان في القلب منه أدنى حبة من خردل من إيمان؛ ففي حديث الشفاعة: ((فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقالَ دينارٍ من إيمان فأخرجوه، ويحرِّم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون مَن عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني، فاقرؤوا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ﴾ [النساء: 40])) [12]، حتى لو دخل النار بسبب الكبائر التي مات عليها، ولم يَتُبْ منها، وشاء الله أن يعذبه بها - فإنه يغفر له، ويدخل الجنة في النهاية؛ يعني: التوحيد يمنعه من الخلود في النار، أمَّا لو كان عنده ذنوب ومعاصٍ، ولكن لم تصل إلى الشرك، فالله عز وجل قد يغفرها له، وقد يُعذَّب بها، لكن في النهاية سيدخل الجنة؛ لأنه مات على التوحيد.

 

تعرفون قصة هذا الرجل الذي معه تسعة وتسعون سجِّلًا، كل سجل مدُّ البصر، إلى أقصى مدى يمكن أن يراه الإنسان، هذا حجم السجل الواحد، طبعًا هذه السجلات كلها ذنوب ومعاصٍ، فيُقال له: هل تنكر شيئًا من هذه الذنوب والمعاصي التي فعلها في الدنيا؟ فيقول: لا يا رب، فيخرج له بطاقة صغيرة، فيقول: ما هذه البطاقة مع هذه السجلات العظيمة التي كلها ذنوب ومعاصٍ؟ فتُوضع السجلات المليئة بالذنوب والمعاصي في كِفَّةٍ، وتُوضع هذه البطاقة التي فيها الشهادة في كفة، فما الذي يحصل؟ طاشتِ السجلات، وثقُلَتِ البطاقة، فنعم كان عنده ذنوب ومعاصٍ، لكنه كان موحِّدًا أخلص توحيده لله عز وجل، ولم يقع في الشرك، فهذا التوحيد نفعه يوم القيامة، وغفر الله له كل هذه الذنوب والمعاصي، ودخل الجنة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فيُنشَرُ له تسعة وتسعون سجلًا، كل سجل مد البصر، ثم يقول الله عز وجل: هل تنكر من هذا شيئًا؟ فيقول: لا، يا رب، فيقول: أظلمتك كتبتي الحافظون؟ ثم يقول: ألك عن ذلك حسنة؟ فيهاب الرجل، فيقول: لا، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسناتٍ، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج له بِطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، قال: فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تُظْلَمُ، فتُوضع السجلات في كِفَّةٍ، والبطاقة في كِفَّةٍ، فطاشتِ السجلات، وثقُلتِ البطاقة))[13].

 

إذًا الفضيلة الأولى من فضائل التوحيد: أن التوحيد يغفر الله به الذنوب، ما الدليل على ذلك؟ ((يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة))، الفضيلة الثانية: أن التوحيد أعظم أسباب دخول الجنة والنجاة من النار؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار))[14].

 

3- التوحيد يسهِّل على العبد فعل الخير وترك المنكرات:

فالمُخْلِصُ لله في إيمانه وتوحيده تَخِفُّ عليه الطاعات؛ لِما يرجو من ثواب ربه ورضوانه، ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي؛ لِما يخشى من سخطه وعقابه.

 

كلما كمل التوحيد في القلب، زاد الإيمان في القلب، كلما كان الإنسان مقبلًا على طاعة الله، بعيدًا عما حرم الله عز وجل، تكون الطاعة خفيفة عليه، تسهُلُ عليه، حتى لو كان هناك مشقة، وحتى لو كان الأمر صعبًا فيه تعب وفيه مشقة، ولكن الإيمان الذي في قلبه، والتوحيد الذي في قلبه، وحب الله عز وجل الذي في قلبه - سيجعل هذه الأمور سهلة ويسيرة عليه.

 

4- التوحيد يخفف عن العبد المكارهَ ويهوِّن عليه الآلام والمصائب:

فبحسب كمال التوحيد والإيمان، يكون تلقي العبد للمكاره والآلام بقلب منشرح، ونفس مطمئنة، وتسليم ورضًا بأقدار الله المؤلمة.

فالتوحيد يخفف عن العبد المكاره والآلام التي قد تحصل له، والمصائب التي قد تحصل له في الدنيا، وبحسب كمال توحيد العبد وإيمانه، يكون انشراحه وطمأنينة قلبه عند حصول هذه المصائب؛ لأن الإنسان لما يعلم أن كل شيء بقدر الله عز وجل؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعتِ الأقلام، وجفَّتِ الصحف))[15]، المؤمن في مصائبه يفزع إلى توحيده، إلى إيمانه، إن أصابه شيءٌ يفزع إلى إيمانه: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له))، فالإنسان عندما يحصل له بلاء، فإن توحيده لله عز وجل يهون عليه هذه المصائب، يعلم أن هذا حصل بقدر الله، وأن الله عز وجل كتب وقدَّر كل شيء عنده، وأن الله عز وجل حكيم في فعله، وأن الله عز وجل رحيم سبحانه وتعالى، وأنه ما أراد به إلا الخير، هذه المعاني لو استقرت ورسخت في القلب تُهَوِّن على الإنسان المصيبة، أما الإنسان الذي ليس عنده هذه المعاني في قلبه، وليس عنده هذه الأمور الإيمانية، كيف يتلقى المصيبة؟ يتسخط ويجزع ويشتكي، وقد يلطم الخَدَّ، ويضرب رأسه أو يشق ملابسه، يفعل أشياء فيها سخط ولا يرضى، وبعض الناس من كثرة الجهل يسألون الله عز وجل: لمَ فعل كذا؟ هؤلاء الناس عندهم ضعف في الإيمان، أما المؤمن الموحِّد لمَّا تصيبه المصيبة، يقول دعاء الكرب؛ كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوات عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض رب العرش الكريم))[16]، فيشعر الإنسان بأن هذا الكرب وهذا البلاء قد زال عن قلبه، وأبدله الله عز وجل راحة وطمأنينة وسَكِينة، يرضى بقدر الله، هذا من معاني الإيمان والتوحيد.

 

الكلمة التي قالها يونس عليه السلام: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]؛ ففرَّج الله همَّه، كلمة تتضمن إقرار العبد بتوحيده لله عز وجل، واعتراف بأنه ظالم لنفسه بالذنوب والمعاصي، فيها رجوع وتوبة إلى الله عز وجل، هذا فضل التوحيد.

 

التوحيد هو الذي يطرد عن الإنسان الشيطان والوساوس، ويحميه من شرِّ كل ذي شرٍّ، فتقرأ في أذكار الصباح والمساء، كل الأذكار هذه فيها توحيد لله عز وجل وإخلاص له، وصدق التوكل عليه، وتفويض الأمر إليه تبارك وتعالى، أو تقرأ مثلًا سورة الإخلاص أو المعوذات، وتقرأ الأدعية التي فيها توكل على الله عز وجل: ((حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم))، توحيد وتوكل على الله عز وجل، تسليم الأمر لله تبارك وتعالى، الله عز وجل يحفظ بهذه الأذكار الإنسان من بين يديه ومن خلفه، ولا يكون للشيطان سلطانٌ عليه: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ [الحجر: 42]، فهذا من فضائل التوحيد.

 

5- ومن أعظم فضائله: أنه يحرر العبد من رِقِّ المخلوقين، والتعلق بهم، وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم:

فيكون متعبدًا لله تعالى وحده، لا يرجو سواه، ولا يخشى إلا إياه، ولا ينيب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، وبذلك تتحقق عبوديته لله تعالى وحده.

 

قال ابن القيم رحمه الله: "فَعِلْمُ العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة - يُثمِرُ له عبودية التوكل عليه باطنًا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا، وعلمه بسمعه تعالى وبصره وعلمه، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات والأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور - يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يُرضِي الله، وأن يجعل تعلُّقَ هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه؛ فيثمر له ذلك الحياء باطنًا، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح، ومعرفة غِناه وجوده وكرمه، وبِرِّه وإحسانه ورحمته - تُوجِبُ له سَعَةَ الرجاء، ويثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه.


وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزته تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعًا من العبودية الظاهرة هي موجباتها"[17]؛ انتهى كلامه رحمه الله.

 

فالإنسان الموحد لا يخاف إلا الله، لا يتوكل إلا على الله، لا يخشى إلا الله، يعلم أن الله عز وجل هو المتفرد بالنفع والضر، والعطاء والمنع، هو الذي يعطي ويمنع، هو الذي يخلق ويرزق، هو الذي يحيي ويميت، فيتوكل عليه ويلجأ إليه، يعلم أن الله عز وجل يعلم السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فيراقب الله عز وجل في أفعاله، وفي كلماته، ويحفظ لسانه، يحفظ حتى خطرات قلبه، الأشياء التي تخطر في قلبه لا بد أن تُرضِيَ الله عز وجل؛ لأنه يوحد الله تبارك وتعالى، يعلم أنه سميع وبصير، هذا يثمر له الخوف والمحبة، والتوكل والبعد عن المحرمات؛ يعني: هذه الأمور القلبية تثمر أيضًا عبادات وأعمالًا بالجوارح، يتقرب إلى الله عز وجل بالعبادة، يمتلئ قلبه برجاء الله تبارك وتعالى، والخوف من الله تبارك وتعالى، وتعظيم الله عز وجل، وهذا يثمر له أنواعًا أخرى من العبادة والتقرب إلى الله تبارك وتعالى؛ هذا كله من فضل التوحيد على أهله.

 

6- التوحيد سلامة للنفس من التمزق والصراع:

فالموحد تكون نفسه مطمئنة قد تميزت في الحياة وجهته، وتوحدت غايتها؛ فليس لها إلا إله واحد، تتجه إليه في الشدة والرخاء، وتدعوه في السراء والضراء، بخلاف المشرك الذي تقسَّمت قلبه الآلهة والمعبودات، فمرة يتجه إلى الأحياء، ومرة يتجه إلى الأموات؛ قال تعالى حكاية عن نبيه يوسف عليه السلام: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39].

 

فالمؤمن يعبد إلهًا واحدًا، والمشرك يعبد آلهة عديدة، هذا يأخذه إلى اليمين، وهذا يأخذه إلى اليسار، وهو بينهم مشتت لا قرار له.

 

7- التوحيد مصدر للأمن والاهتداء:

إن الموحد الذي وحد الله، وتخلص من الشرك قولًا وعملًا واعتقادًا - يحصل له الهدى الكامل، والأمن التام في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]؛ الذين آمنوا: يعني: وحدوا الله عز وجل، ولم يلبسوا: يعني: لم يخلطوا إيمانهم، بظلم: يعني: بشركٍ، ماذا سيكون لهم؟

 

أولـئك لهم الأمن وهم مهتدون؛ لأن التوحيد يملأ نفس صاحبه أمنًا وطمأنينة، فلا يخاف غير الله، وقد سدَّ منافذ الخوف على الرزق والنفس والأهل، والخوف من الإنس والجن والموت، وغيرها من المخاوف، والمؤمن الموحد لا يخاف أحدًا إلا الله؛ ولهذا تراه آمنًا إذا خاف الناس، مطمئنًا إذا قلِقَ الناس.

 

الذين وحَّدوا الله عز وجل لهم الأمن ولهم الهداية في الدنيا وفي الآخرة، هو يأمن في الدنيا، عنده أمنٌ داخلي، عنده راحة داخلية، عنده استقرار نفسي، يطمئن لقضاء الله عز وجل وقدر الله تبارك وتعالى، لا يجزع ولا يخاف، يعلم أن كل الأمور بيد الله تبارك وتعالى، كذلك يأمن في الآخرة من العذاب، وله الهداية أيضًا في الدنيا إلى طريق الخير، إلى شرع الله تبارك وتعالى، يهتدي إلى توحيد الله عز وجل، وإلى الإيمان وإلى العمل الصالح، وكذلك في الآخرة يهتدي إلى الجنة؛ فالأمن والهداية تكون في الدنيا وتكون في الآخرة.

 

فهذه الآية تبشر المؤمنين الموحدين الذين لم يلبسوا إيمانهم بشرك، فابتعدوا عنه، أن لهم الأمن التام من عذاب الله في الآخرة، وأولئك هم المهتدون في الدنيا.

 

8- التوحيد مصدر لقوة النفس:

لأنه يمنح صاحبه قوة نفسية هائلة؛ لِما تمتلئ به نفسه من الرجاء في الله، والثقة به، والتوكل عليه، والرضا بقضائه، والصبر على بلائه، والاستغناء عن خلقه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألت، فاسألِ الله، وإذا استعنت فاستعن بالله))[18].

 

9- التوحيد أعظم الأسباب لنَيْلِ شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم:

إن من فضل التوحيد على أهله، أنه أعظم الأسباب لنَيْلِ شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام؛ فقد سأل أبو هريرة رضي الله عنه، قال: ((يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال صلى الله عليه وسلم: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة: من قال لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه، أو نفسه))[19].

 

• تكفَّل الله لأهل التوحيد بالفتح والنصر والتمكين، وحصول الهداية والأمن والحياة الطيبة، وإصلاح الأحوال، والتسديد في الأقوال والأفعال، والسعادة في الدنيا والآخرة:

أهل التوحيد تكفَّل الله عز وجل لهم بالنصر وبالتمكين، وبحصول الأمن والهداية، وبالتسديد في الأقوال والأفعال، والسعادة في الدنيا والآخرة؛ قال عز وجل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقال ابن تيمية رحمه الله: "ليس للقلوب سرورٌ ولذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه، ولا تتم محبة الله عز وجل إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا الله"؛ قال عز وجل: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]؛ فالنصر والتمكين والرِّفْعَةُ، والحياة الطيبة والسعادة والطمأنينة، وراحة القلب وطيب العيش - لأهل التوحيد والإيمان، لأهل الطاعة لله عز وجل، ومن أجل التوحيد، أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، وقامت سوق الجنة والنار، وانقسم الناس إلى مؤمنين وكفار.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وليس للقلوب سرور ولذة تامة إلا في محبة الله تعالى، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تتم محبة الله إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا الله"؛ [مجموع الفتاوى، (32/ 28)].

 

قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى: "اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل... قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]؛ ولهذا كان أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك، كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم، بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يُؤمَرُ به العبد الشهادتان... فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به في الدنيا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، دخل الجنة))، وهو أول واجب، وآخر واجب، فالتوحيد أول الأمر وآخره؛ أعني: توحيد الألوهية"[20]؛ وكما قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، دخل الجنة(("[21].

 

اللهم ارزقنا الجنة وما قرَّب إليها من قول أو عمل، جزاكم الله خيرًا، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



[1] أخرجه البخاري (2856) واللفظ له، ومسلم (30)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.

[2] صحيح الترمذي (3585).

[3] صحيح الترمذي (2516).

[4] جامع الرسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/15).

[5] صحيح البخاري (7372).

[6] صحيح البخاري (1496)، من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.

[7] مدارج السالكين (3/450).

[8] صحيح ابن حبان (207).

[9] صحيح مسلم (93)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه.

[10] صحيح مسلم (93).

[11] صحيح البخاري (5401).

[12] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (7439) صحيح البخاري.

[13] صحيح ابن ماجه (3488)، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه.

[14] صحيح مسلم (93)، من حديث جابر بن عبدالله.

[15] صحيح الترمذي (2516)، من حديث عبدالله بن عباس.

[16] أخرجه البخاري (6346)، ومسلم (2730)، والترمذي (3435)، والنسائي في "السنن الكبرى" (7674)، وابن ماجه (3883)، وأحمد (2537) واللفظ له.

[17] مفتاح دار السعادة (2/ 510 - 513) نقلًا عن موقع الدرر السَّنية - الموسوعة العقدية.

[18] سبق تخريجه.

[19] صحيح البخاري (99)، من حديث أبي هريرة.

[20] شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي (77، 78).

[21] أخرجه مسلم (917)، والترمذي (976)، وابن ماجه (1444) مختصرًا، وابن حبان (3004) باختلاف يسير.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
  • فضل التوحيد في القرآن الكريم والسنة النبوية
  • القول السديد في فضل التوحيد

مختارات من الشبكة

  • مفهوم الفضائل والمناقب والخصائص والبركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل القرآن وفضل أهله وأهمية قراءته للمسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل الإيمان وأهميته في قلوب الأبناء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العلم وأهميته(مادة مرئية - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • شهر شعبان: فضله وأهميته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل الإخلاص وأهميته(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • نبذة مختصرة عن فضل العلم وأهميته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل قيام الليل وأهميته(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • فضل الصوم وأهميته(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • فضل العلم وأهميته(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
2- العلم الذي ينتفع به
عبدالله الحربي - السعودية 29-09-2020 06:02 AM

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
"إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"
وتعليم الناس وتذكيرهم فيما يخص العقيدة
والتوحيد أمر في غاية الأهمية وهو من أعظم وأشرف العلم الذي ينتفع به من قام به في حياته وبعد وفاته. والله الموفق.

1- نعمة توحيد الله وإفراده بالعبادة
عبدالله الحربي - السعودية 27-09-2020 01:56 PM

تحتاج شكر لله تعالى على نعمة التوحيد فنحمدالله تعالى ونشكره عليها
والابتداء بالدعوة إليه منهج جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام. ومن مات على التوحيد وعافاه الله تعالى من الشرك سلم ونجا وفاز .
اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب