• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (6)

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (6)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/6/2020 ميلادي - 18/10/1441 هجري

الزيارات: 8389

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (6)

 

الحمدُ للهِ، الأولِ والآخر، والواحد الأحد، الفرد الصمد، فلا وزراءَ ولا أُمراءَ، ولا أبناءَ ولا شركاءَ، الظاهر القاهر، فليس فوقهُ شيءٌ، الباطن القادر، فليس دونهُ شيءٌ، سبحانه وبحمده: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، كلمَةٌ قامت بها الأرضُ والسماوات، وفطرَ اللهُ عليها جميعَ المخلوقات، فلو تكلمتِ الأحجارُ، ونطقتِ الأشجارُ، وخطبتِ الأطيارُ، لقالت: لا إلهَ إلا اللهُ الملكُ الجبارُ، جلَّ جلالهُ: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾ [الزمر: 5]، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ وسولهُ، وصفيهُ وخليلهُ، نبيٌّ شرحَ اللهُ لهُ صدرهُ، ورفعَ لهُ ذكرهُ، ووضعَ عنهُ وزرهُ، وأعلى في العالمين قدرهُ، وجعلَ الذِّلةَ والصَّغارَ على من خالفَ أمرهُ، صلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آله وأصحابهِ البررةِ، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

 

أمَّا بعدُ:

فاتَّقوا اللهَ حقَّ تُقاتهِ، واسعوا في مرضاتهِ، وأيقنوا من الدنيا بالفناء، ومن الآخرةِ بالبقاء، واعملوا لما بعدَ الموتِ، فكأنكم بالدنيا كأن لم تكن، وكأنكم بالآخرة كأن لم تزل، فرحمَ اللهُ امرَأً نظرَ لنفسهِ، ومهَّدَ لرِمسهِ، وأخذَ لغدهِ من أمسهِ، قبلَ أن ينفدَ أجلُهُ، وينقطِعَ عملُهُ، ويخيبَ أملُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

 

وبعد أحبتي في الله، فهذه هي الحلقة السادسةٌ من سلسلة حلقات الحيدة، المناظرة الكبرى بين الشيخ عبدالعزيز الكناني من أهل السنة والجماعة، وبين بشرٍ المريسي زعيم القائلين بخلق القرآن، تعالى الله وكلامه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، وكنَّا قد ذكرنا في الحلقة السابقة كيف أثبت الشيخ عبدالعزيز أن قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾؛ أي: إنا صيَّرناه قرآنًا عربيًّا، وليس إنا خلقناه قرآنا عربيًّا، كما زعم بشرٌ، وتوقَّفنا عند قول بشرٍ: يا أمير المؤمنين، إن عبدالعزيز قد وصف القرآن بأسوأ صفةٍ، حين سماهُ مُوصَلًَا ومفصَّلًا، ومعلومٌ أن الموصَلَ أقلَ شأنًا من التام الصحيحِ الكامل، والموصَلُ هو الملفقُ الذي قد وصِّلَ بعضهُ ببعضٍ إلى آخر ما قاله بشرٌ.

 

قال الشيخ عبدالعزيز: وهذا أيضًا من جهلك بكتاب الله عز وجل يا بشر، حيثُ تزعم إني وصفتُ كتابَ الله بأسوأ صفةٍ، وما قلت إلا ما قاله الله عزَّ وجلَّ عن كتابهُ، وما وصف به كلامه، بينما أنت من انتقص كلام الله وكتابهُ، حين زعمت أنه مخلوقٌ، وشبهته بكلام المخلوقين، تعالى اللهُ عما يقولُ الظالمون علوًّا كبيرًا، فقال بشرٌ: وأين سماهُ اللهُ موصلًا ومفصلًا؛ قال الشيخ: في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص: 51]، فهكذا سمى اللهُ عزَّ وجلَّ كلامهُ موصولًا، بنص التنزيلِ لا بتأويلٍ ولا بتفسيرٍ، وفي المقابل ذمَ اللهُ عزَّ وجلَّ الذين قطعوا ما أمرَ اللهُ بصلتهِ ولعنهم، وجعلهم من الخاسرين، فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [الرعد: 25]، فهذا ذمُّ اللهِ ووعيدُه لمن قطعَ ما وصلهُ اللهُ، وأمرَ بصلتهِ، ثم مدح الله كتابه الكريم بأنه مفصل، فقال عز وجل: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، وقال تعالى: ﴿ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 1 - 3]، فهذا قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ عن الوصل والفصل، وهذه تسميته لكتابه ولكلامه بلا تأويلٍ ولا تفسير، ثم قال الشيخ: يا أمير المؤمنين: إنما يقصْدُ بشرٌ أن يذمَّ كلامَ العربَ ولغتَهم وينتقصَهَم؛ لأنه ليسَ من العرب، وإلا فمعلومٌ أن العربَ تسمي كلام الله تعالى موصلًا ومفصلًا، وكذلك تسمي كلامها مفصًّلًا وموصلًا، وتراها أوصافًا حسنةً جميلةً، قال بشرٌ: وهل هو واجبٌ على الخلقِ أن يتعلموا لغة العرب، وهل تعبد الله أولادَ العجمِ بإتقان لغة العرب، إنما يُكلفُ الإنسانُ بحسب لغته وبقدر معرفته؛ قال الشيخ: وهل كلَّفك الله يا بشرُ أن تتكلم في كتاب الله بما لا تعلم، أوما ادَّعيت يا بشرٌ العلمَ، وتكلمت في القرآن العظيم برأيك، وادعيت أنه مخلوق، وتأوَّلت كتاب الله وكلامه على غير ما أراده الله، وليتك توقَّفت عند هذا، بل إنك قد دعوت الخلق إلى اتباعك، وكفَّرت من خالفك وأبحت دمه، قال بشرٌ: أخطب يا عبدالعزيز كما تشاء، فلن أدعك حتى تجيب سؤالي، قال الشيخ: أيَّ سؤالٍ تعني، قال بشرٌ: هل تَعَبدَ اللهُ الخلقَ بمعرفة هذا الموصلِ والمفصَّلِ، وهل يضرُ الخلقَ ألا يعرفوا ذلك وألا يتعلموه؟ قال الشيخُ عبدالعزيز: نعم، لقد تعبدَ اللهُ الخلقَ أن يعرفوا ذلك ويتعلموهُ؛ لئلا يصلوا ما فصَل الله، أو يفصِلوا ما وصلَ اللهُ عزَّ وجلَّ، قال بشر: فما دليلك؟ قال عبدالعزيز: فأخبرني يا بشرُ عمن زادَ أو نقصَ أو غيَّرَ في كتاب اللهَ، ما حُكمهُ عندك؟ قال بشرٌ: من فعلَ شيئًا من ذلك فقد كفرَ، قال الشيخ: وأنا أقول مثل ذلك، فحين يقولُ الله تبارك وتعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]، فاللهُ تعالى قد أخبرَ أنه لا إله إلا هو، وشهِدَ بذلك لنفسه، وشهِدت له الملائكةُ بمثل ذلك، وكذلك شهِدَ له أولو العلمِ، فلو أن رجلًا قرأ هذه الآية هكذا: "شهِدَ اللهُ أنه لا إله"، وقطعَ الكلامَ ولم يصِلَهُ بما بعدهُ عمدًا، فإنه يكفرُ بذلك؛ لأنه قلبَ شهادةَ اللهِ والملائكةِ وأولو العلمِ، وجعلها دليلًا على بُطلَان الربوبية، أما إذا وصلَ الكلام بما بعده، كما وصله اللهُ عزَّ وجلَّ، فقال: "شهِدَ اللهُ أنه لا إله إلا هو والملائكةُ وأولو العلم"، كان بذلكَ صادقًا، وكان قد قالَ ما يوافقُ مرادَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وما شهِدَ اللهُ به لنفسهِ وشهِدت له به الملائكةُ وأولو العلم، ومثلُ ذلك في قولهِ تعالى في سورة الأحزاب: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الأحزاب: 53]، فلو قرأها رجلٌ: هكذا: "والله لا يستحيي"، وقطع الصِلةَ عامدًا، لكان بذلك كافرًا حلالَ الدمِ، إلا أن يصلَ ما وصلَه اللهُ تعالى ولا يقطعهُ، فيقول: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾، ومثلُ هذا في القرآن كثيرٌ جدِّا، وأمَّا العكسُ من ذلك وهو المفصَّلُ الذي لا يجوزُ وصلُهُ، فكقولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ﴾ [النحل: 60]، فها هنا تَمَّ الكلامُ، ثم يبتدئُ القارئُ، فيقول: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60]، فلو قرأها رجلٌ متصلةٌ هكذا: ﴿ للذين لا يؤمنون بالآخرة مثلُ السَوءِ وللهِ ﴾، ثم قطعَ الكلامَ عامدًا، لكان بذلك كافرًا حلالَ الدمِ؛ لأنهُ زعمَ أن للهِ مثلُ السوءِ أيضًا، ومثلهُ قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى ﴾ [التوبة: 40]، فها هنا تَمَّ الكلامُ، ثم يبتدئ القارئ، فيقرأ: ﴿ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ﴾ [التوبة: 40]، فلو قرأها رجلٌ هكذا: ﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ ﴾، ثم قطع عامدًا، لكان بذلك كافرًا حلالَ الدمِ؛ لأنه زعم أن كلمة اللهِ أيضًا سُفلى، فقال المأمون: أحسنتَ أحسنتَ يا عبدالعزيز، يكفي هذا، ثم أقبل الخليفة على بشرٍ، فقال: يا بشرُ، هل عندك شيءٌ تَحتجُّ به، أو تسألُ عبدالعزيز عنه، فقد ظهرت حُجتهُ عليك، ووضحَ قولهُ عندنا، قال بشرٌ: يا أمير المؤمنين، إنه يُريدُ نصَّ التنزيلِ بكلِّ شيء يتكلمُ به، ولا يقبلُ التأويلَ ولا التفسيرَ؛ لأنه يحفظ القرآنَ كمن يشاهدُ المصحفَ، وهذا ما لا أُحسنهُ أنا، ولو كان الأمرُ كما يقولُ لبطُلَ التفسيرُ، ولتحيَّرَ الناس في كلام اللهِ عزَّ وجلَّ؛ قال الشيخ: يا أمير المؤمنين، يقول الله تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، ويقول تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء ﴾ [النحل: 89]، فليس شيءٌ يحتاجُ الناسُ لمعرفته إلا وهو موجودٌ في القرآن، عقَلهُ مَن عقَلَهُ وجهِلَهُ من جَهِلَهُ، وهنا قامَ أحدُ كبارِ أصحابِ بشرٍ، يلقبُ بابن الجَهم، قام على ركبتيه وقال: يا عبدالعزيز، تزعمُ أن كلَّ شيءٍ يحتاجُ الناسُ لمعرفته موجودٌ في كتاب اللهِ بنص التنزيل بلا تأويلٍ ولا تفسير، قال الشيخ: نعم، قال ابن الجهمِ: فأوجد لنا بنص التنزيل أن هذا الحصيرَ مخلوقٌ أو غيرُ مخلوقٍ، وضربَ بيده على الحصيرٍ الذي كان يجلسُ عليه، قال الشيخ: نعم، عليَّ أن أوجدَ لك ذلك بإذن الله، وهذا ما سنعرفهُ في الخطبة الثانية إن شاء الله، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

♦♦♦♦♦

 

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وكماله وعظيم سلطانه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وكونوا من أهل الحق وأنصاره، قال الشيخ عبدالعزيز: أخبرني يا ابن الجهم عن هذا الحصير، أليس هو من سعَف النخلِ وجلودِ الأنعامِ؟ قال ابن الجهم: نعم، قال الشيخ: فهل فيه شيءٌ غيرُ هذا؟ قال ابن الجهم: لا، قال الشيخ: بلى، فبمَ صارَ حصيرًا يُجلس عليه، أليس بالإنسانِ الذي صنعه؛ قال ابن الجهم: بلى، قال الشيخ: قال الله عزَّ وجلَّ عن خلق الأنعام: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ﴾ [النحل: 5]، وقال تعالى عن خلق السعفِ: ﴿ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُونَ ﴾ [الواقعة: 72]، وقال عن خلق الإنسان: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ﴾ [المؤمنون: 12]، فقد كملُ خلقُ الحصيرِ بنص القرآن، بلا تأويلٍ ولا تفسيرٍ، فهل عندك في خلق القرآن مثلَ هذا؛ لتحتج به وتدعو الناس لبدعتك، وإلا فقد بطلَ زعمُكم أن القرآن مخلوق، وثبت لكم أن كلام الله تعالى منزلٌ غير مخلوق، فصاح المأمون: يا بن الجهم، مالك وللكلام، خلِّ بين الرجل وصاحبهِ، قال الشيخ عبدالعزيز وكان خلف ظهري رجلٌ كلما أردتُ أن أتكلم قرَّبَ رأسهُ من أذني، فيضل يهذي خلفي ليشوش عليَّ، ويقطعني عن حُجتي، فشكوته لأميرِ المؤمنين، فصاح به وباعدهُ عني، فلما قلت لبشرٍ: ما من شيءٍ يحتاجُ الناسُ لمعرفته وعِلمِه إلا وقد ذكره الله عزَّ وجلَّ في كتابه، عقَله مَن عقَله، وجهِله مَن جهِله، فإذا به يضربُ يدهُ على فَخِذه، ويقول: يا سبحان الله، ما أعظمَ هذه الفرية؟

 

قال الشيخ عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، أطال الله بقاءك، إن هذا ينكرُ أن يكونَ اللهُ عزَّ وجلَّ يعلمُ ما يكونُ قبل أن يكون، فقال المأمون: وما تقول أنت في هذا، قال الشيخ: إن أذنت لي - أطال الله بقاءك - رددتُ عليه بآيةٍ واحدةٍ فقط، فقال المأمون: قل ما تريد، قال الشيخ عبدالعزيز: فقلت له: أتنكر أن الله يعلمُ ما يكونُ قبل أن يكونَ، قال: نعم، أنا أنكر هذا، فقلت: فوالله يا أمير المؤمنين لقد علم الله ما لم يكن أن لو كان كيف كان سيكون، فصاح الرجل: ما أجرأك على الكذب، الحمدُ لله الذي أخذك بلسانك، فقال المأمون: أعد هذا الكلام يا عبدالعزيز، قال الشيخ: نعم والله لقد علِم الله ما لم يحدث أن لو كان حدث كيف كان سيحدث، فقال المأمون: ومن أين هذا يا عبدالعزيز، قال الشيخ: من كتاب الله عزَّ وجلَّ، قال المأمون: فهاته، قال الشيخ: قال الله عز وجل: ﴿ وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 27، 28]، فطلبُ الكفارِ للرجوع للدنيا، مما لا يمكنُ أن يحدثَ، لا لهم ولا لغيرهم، فأخبر اللهُ عزَّ وجلَّ بعلمه السابقِ فيهم أنهم لو رُدوا للدنيا، فلن يؤمنوا ولن يصدقوا، وهذا مما لا يمكن أن يحدُث لو أنه حدث، فكيف كان سيحدثُ ويكون، فقال المأمون: أحسنت يا عبدالعزيز، وما قلتَ في يومك هذا أحسنَ ولا أدقَّ من هذا؟ قال الشيخ: فقد أكذبت بحمد الله أهل هذه المقالة، وكسرت قولهم، ودحضت حُجتهم، وأبطلت مذهبهم بنص التنزيل بلا تأويل ولا تفسير، الله أكبر، جاء الحقُّ وزهق، ثم أقبل الخليفة على بشرٍ، فقال: يا بشر، هل عندك شيءٌ تناظرُ به عبدالعزيز قبل أن نقوم، فقد فات وقت الصلاةِ، قال بشرٌ: يا أميرَ المؤمنين، عندي أشياءُ كثيرةٌ، إلا أنه يقولُ بنص التنزيل، وأنا أقول بالنظر والمنطق والقياس، فليدع مطالبتي بنص التنزيل، وليناظرني بالنظر والقياس والمنطق، فإن لم يدع قوله ويرجِع عنه، ويقول بقولي، ويقرَّ بخلق القرآن الساعة، فدمي له حلال، قال الشيخ عبدالعزيز: فأنا أقبلُ يا أمير المؤمنين ما يقول، وسأدعُ مطالبتَهُ بنص التنزيلِ، وأناظرهُ كما طلب بالقياس والمنطق.

 

هذا ما تيسَّر ذكره اليوم، نتوقف هنا ونُكمل بإذن الله في الخطبة القادمة، ولعلها تكون الحلقة الأخيرة إن شاء الله تعالى.

 

ويا بن آدم، عِش ما شئت فإنك ميت، وأحبِب من شئت فإنك مفارقه، واعمَل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يَبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت. اللهم صلِّ وسلم على نبيك محمد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (2)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (3)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (4)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (5)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (7)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (8)

مختارات من الشبكة

  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إسلام 50 شخصا بعد مناظرة دعوية بقرية أوندي في ملاوي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المناظرات الإعلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المناظرة عند ابن قيم الجوزية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • بين الكتاب والمقال صورة من فنون المناظرة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فن المناظرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر المناظرة والمذاكرة في الدرس الفقهي التراثي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المناظرة في العقيدة الواسطية(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مخطوطة رسالة في فن المناظرة (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تعريف السياسة الشرعية ( حقيقته وما تجري المناظرة فيه PDF )(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب