• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (4)

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (4)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/5/2020 ميلادي - 23/9/1441 هجري

الزيارات: 8450

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (4)

 

الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الواقِي من اتَّقاه، الهادي لمن استَهداه، المستجيب لمن دعاه، لا ناقضَ لما بناه، ولا باني لما أوهاه، ولا مانعَ لما أعطاه، ولا رادَّ لما قضاه، ولا مُضِلَّ لمنْ هَداه، ولا هاديَ لمن أغواه، بقدرته أنشأَ الكون وسواه، وبحكمته دبَّر الأمر وأجراه، ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 23]، أحمَده سبحانه وأشكرُه على جزيلِ ما أولاه، وعظيم ما أسداه، ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا معبودَ بحقٍّ سِواه، الله ربي لا إله سواهُ، الشمـس والقمر مـن أنـوار حكمتـه، والبـر والبحـر فـيـضٌ مــن عطـايـاهُ، الطـيـرُ سبـَّحـهُ، والـوحــشُ مـجــدهُ، والـمــوجُ كـبَّــرهُ، والـحــوتُ نـاجــاهُ، والنمـلُ تحـت الصخـور الصُّم قدَّسـهُ، والنحـلُ يهتـفُ حمـدًا فــي خـلايـاهُ، والنـاسُ يعصونـهُ جهـرًا فيسترهـم، والعـبـدُ ينـسـى وربــي لـيـس ينـسـاهُ، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه ومصطفاه، وخليلهُ وخيرتهُ ومجتباه، من قرَّبَه ربه وأدناه، وآواه وأعطاه، وأرضاه وزكاه، وأراه من عظيمِ ملكُوته ما أراه، صلى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا لا حدَّ لمُنتهاه.

 

أما بعد:

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله ما استطعتم، واستدركوا بالتوبة ما أضعتم، وبادروا بالأعمال الصالحة ما فرَّطتم، من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لدينه يسَّر الله له أمر دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله، أحسن الله فيما بينه وبين الناس، فاتقِ الله يا عبد الله حيثما كنت، وأحفظ الله يحفظك، وأتبِع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

 

وبعد أحبتي في الله، فهذه هي الحلقة الرابعة من سلسلة حلقات الحيدة، المناظرة الكبرى بين الشيخ عبدالعزيز الكناني من أهل السنة والجماعة، وبين بشر المريسي زعيم القائلين بخلق القرآن، تعالى الله وكلامه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، وكنا قد ذكرنا في الحلقة السابقة كيف رد الشيخ على الفهم الخاطئ في تعميم قوله تعالى: ﴿ كُلُّ شيء ﴾، وأنها ليست دائمًا على إطلاقها، فالريح التي قال الله عنها ﴿ تدمر كُلَّ شيء ﴾، لم تدمر الجبال والمساكن، ثم ذكرنا كيف حاد بشرٌ وراغ عن الجواب حين سأله الشيخ عبدالعزيز: أتقرُّ أن لله علمًا، كما أخبر سبحانه عن نفسه بقوله: ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ﴾ [النساء: 166]، فأجاب بشرٌ بأن الله لا يجهل، وتوقَّفنا حين قال الخليفة المأمون لبشر: يأبى عليك عبدالعزيز إلا أن تقرَّ أن للهِ علمًا، فأجبهُ ولا تَحِد عن جوابهِ، فقال بشر: قد أجبته أن معنى العلم أن الله لا يجهل، ولكنه يتعنت، قال الشيخ: صحيحٌ أن الله لا يجهل، ولكني يا أمير المؤمنين لم أسأله عن هذا، وإنما سألته عن الإقرار بعلم الله، فإما أن يثبت ويقرَّ أن لله علمًا كما أخبر سبحانه عن نفسه، أو أن يردَّ نص التنزيل، أو أن يحيد عن الجواب ويراوغ كما فعل بقوله: إن الله لا يجهل.

 

فقال بشرٌ: هذا هو الجواب، وليس عندي غيره، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن من الواجب على الخلق جميعًا أن يثبتوا ما أثبت الله لنفسه، وأن يقرُّوا له بذلك، وأن ينفوا ما نفى الله عن نفسه، وأن يسكتوا عما سكت الله عنه، قال الخليفة: فلو أقرَّ بشرٌ أن لله علمًا، فماذا سيكون عليه في ذلك يا عبدالعزيز؟

 

قال الشيخ: فإني سأسأله يا أمير المؤمنين عن علم الله، هل هو داخل في الأشياء المخلوقة حين احتج بقوله تعالى: ﴿ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾، وزعم أنه لم يبق شيءٌ إلا وقد شمله هذا الخبر العام، فإن قال: نعم، علمُ الله مخلوق، فقد نسب الجهل والنقص لله قبل خلق العلم، وشبه اللهَ بخلقه الذين أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئًا، والله أعظم وأجلُّ من أن يُنسَب إليه شيءٌ من النقص أو الجهل، ومن قال ذلك فقد كفر وحلَّ دمُه، وإن قال لا، وأقرَّ أن علم الله ليس من الأشياء المخلوقة، فمثله كذلك كلام الله، فهو أيضًا ليس من الأشياء المخلوقة، وبذلك يكون قد ترك قوله وأبطَل مذهبه، وثبتت عليه الحجة يا أمير المؤمنين، فقال المأمون: أحسنت، أحسنت يا عبدالعزيز، وإنما فرَّ بشرٌ من أن يجيبك لهذا، فقال بشرٌ: قد زعمت أن لله علمًا، فأيُّ شيءٍ هو علمُ الله، فقال الشيخ: هذا مما تفرد الله بعلمه، ألم تسمع إلى قوله عز وجل: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة: 255].

 

فقال بشر: لا بد أن تقول أي شيءٍ هو عِلمُ اللهِ، أو يقفُ أمير المؤمنين أطال الله بقاءه على حيدتك عن الجواب، فأكون أنا وأنت في الحيدة سواء، فقال الشيخ: إنما تأمرني بما نهاني الله عنه وحرَّم علي القول به، وتأمرني بما أمرني به الشيطان، فتبسم الخليفة وقال: يا عبدالعزيز أأمرك بشرٌ بما نهاك الله عنه وأمرك به الشيطان؟ قال الشيخ: نعم يا أمير المؤمنين، قال الخليفة: وكيف ذلك؟ قال الشيخ: من كتاب الله وكلامه بنص التنزيل، قال الخليفة: فهاته، قال الشيخ: قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]، فحرَّم الله على الخلق أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، وقال عزَّ وجل عن الشيطان: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 168، 169]، فكثُر تبسُّم المأمون حتى غطى فمه بيده.

 

فقال بشرٌ: فلو جاءك يا عبدالعزيز شخصان قد تنازعا في علم الله عز وجل، فحلف أحدهما بالطلاق أن علم الله هو الله، وحلف الآخر بالطلاق أن علم الله غيرُ الله، فماذا سيكون جوابك لهما، قال الشيخ: الجواب تركهما بغير جواب، قال بشرٌ: يلزمك إن كنت تدَّعي العلم أن تجيبهما، وإلا فأنت وهما في الجهل سواء، فقال الشيخ: هل يجب عليَّ يا بشر أن أُجيب كل من سألني عن مسألة، ولو لم أجد لها جوابًا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال بشرٌ: نعم، يجبُ عليك أن تجيبهُ، فإنه لا بدَّ لكلِّ مسألة من جواب، قال الشيخ: بل هذا من أجهل الجهل، فلو جاءك يا أمير المؤمنين ثلاثة نفرٍ يتنازعون في الكوكب الذي أخبر الله عز وجل أن إبراهيم عليه السلام قد رآه بقوله: ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ [الأنعام: 76]، فقال أحدهم: حلفت بالطلاق إنه المشترى، وقال الآخر: حلفت بالطلاق إنه الزهرة، وقال الثالث حلفت بالطلاق إنه المريخ، فأفتنا في أيماننا وأجبنا في مسألتنا، أكان عليَّ أن أُجيبهم في مسألتهم، وأُفتِيهم في أيمانهم، وذلك مما لم يخبرنا الله عز وجل به ولا رسوله، ولا أجد لجوابه سبيلًا صحيحًا، هذه واحدة، ولو جاءك ثلاثةُ نفرٍ قد تنازعوا في المؤذن الذي يؤذن بين أهل الجنة والنار كما أخبر الله عز وجل في سورة الأعرف بقوله: ﴿ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 44]، فقال أحدهم: حلفت بالطلاق أن المؤذن من الملائكة، وقال الآخر: حلفت بالطلاق أن المؤذن من الإنس، وقال الثالث: حلفت بالطلاق أن المؤذن من الجن، فأجبنا عن مسألتنا، وأفتنا في أيماننا، وذلك مما لا أجده في كتاب الله عز وجل ولا في سنه نبيه صلى الله عليه وسلم، أكان علي يا أمير المؤمنين أن أجيبهم في مسألتهم وأفتيهم في أيمانهم، فقال المأمون: لا، ليس عليك إجابتهم ولا يلزمك إفتاؤهم، فقال بشرٌ: واحدة بواحدة يا أمير المؤمنين، سألني عبدالعزيز أن أقول أن لله علمًا فلم أجبه، وسألته ما هو عِلمُ الله فلم يُجبني، فقد استوينا في الحيدة عن الجواب، ونخرج من هذه المسألة متساويين سواءً بسواء، من غير حُجة تَثبُتُ لأحدنا على صاحبه.

 

قال عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، أطال الله بقاءك، إن بشرًا حين أُفحم وانقطع عن الجواب، لجأ إلى مسألةِ مُحال، لا جواب لها، لكي يقول: سألني عبدالعزيز عن مسألة فلم أُجبه، وسألته عن مسألةٍ فلم يجبني عنها فقد تعادلنا، ونحن لسنا كذلك؛ لأنني سألته عن مسألةٍ جوابها في كتاب الله، شهد الله بها لنفسه وشهدت له بها الملائكة، وأمر الله الناس أن يؤمنوا بها، وآمن النبي صلى الله عليه وسلم وأقرَّ بها، وبشرٌ يا أمير المؤمنين يأبى أن يؤمن ويقرَّ بها، وسألني بشرٌ عن مسألةٍ أخفى الله علمها عن الخلق جميعًا، فلم يكن لي أن أجيبه عن مسألته، وإنما يدخلُ النقص عليَّ يا أمير المؤمنين لو كان بشرٌ يعلم جواب ما سألني عنه، فأما إن كنت أنا وهو وسائر الخلق سواءً في الجهل بهذه المسألة، فمسألتينا ليستا بسواءٍ، فقال الخليفة: أنتما في مسألتيكما على غير السواء، وقد صح قولك في هذه المسألة يا عبدالعزيز، وظهرت حُجتك على بشرٍ فيها، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، أطال الله بقاءك، قد انقطع بشرٌ وظهرت الحجةُ لي عليه، ومع ذلك فسأدع مسألةَ علم اللهِ، لأُبطلَ مذهبه بشيء آخر، فقال المأمون: هات ما عندك يا عبدالعزيز، قال الشيخ: أطال الله بقاءك من اكتال بمكيالٍ وُفِّي به، ألست يا بشرُ تزعمُ أن قوله تعالى: ﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ لفظهٌ عامة شاملة، لا يخرج عنها شيءٌ البتةَ؟ قال بشر: نعم، هكذا قلت وهكذا أقول، ولستُ أرجعُ عنه أبدًا، فقال الشيخ: فقد قال الله يا بشر: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ [آل عمران: 28]، وقال أيضًا: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54]، أفتُقر يا بشر أنَّ لله نفسًا كما أخبرنا الله عزَّ وجلَّ بهذه الأخبار؟ قال بشرٌ: نعم، أقرُّ أن لله نفسًا، قال الشيخ عبدالعزيز: فقد قال الله عز وجل: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، أفتقول يا بشر أن نفسَ ربِّ العالمين داخلة في هذا؟ فصاح المأمون بأعلى صوته وكان جهير الصوت: معاذ الله، معاذ الله، قال الشيخ: فرفعت صوتي وقلت: ومعاذ الله، معاذ الله أن يكون كلامُ الله داخلًا في الأشياء المخلوقة، كما أن نفسهُ العلية ليست بداخلة في الأنفسِ الميتة، وأن كلامُه ليس من الأشياءِ المخلوقةِ، كما أن نفسهُ العلية ليست من الأنفس الميتة، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، قد كسرتُ قولهُ بقوله، ودحضتُ حُجتهُ بحجته، وبطلَ ما كان يدعو إليه من بدعته، فقال المأمون: نعم يا عبدالعزيز قد وضَحت حُجتك، وبان قولك، وانكسرَ قولُ بشرٍ، لكن نحتاج أن تشرح ذلك بشكل أوسع، وتفصِّل هذه الأخبار التي في القرآن ومعانيها، وما أراد الله عز وجل بها ليسمع من بحضرتنا، فقد أتيت اليوم بأشياء كثيرة يحتاج من سمعها إلى معرفتها وفَهْمها، وهذا ما سنعرفه بإذن الله في الخطبة الثانية فبارك الله لي ولكم في القرآن...

♦    ♦    ♦


الحمد لله كما ينبغي لجلاله وكماله وعظيم سلطانه، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله وكونوا من أهل الحق وأنصاره، قال الشيخ عبدالعزيز: أجل يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل من حيث العموم والخصوص أنزل أخبار القرآن على أربعة أقسام، فالأول: خبرٌ لفظه عام ومعناه عام؛ كقوله عز وجل: ﴿ وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 91]، فيشمل هذا الخبر كلَّ الخلقِ والأمرِ، لا يُستثنى من ذلك شيءٌ، مما هو مخلوق وغير مخلوق، فهذا خبرُ لفظه عام ومعناه عام، والثاني: خبرٌ لفظه خاص ومعناهُ عام؛ كقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾ [النجم: 49]، فكان لفظُ الخبر خاص، ولكن معناه عام؛ إذ إن الجميع يَعقِلُ أن الله عز وجل كما أنه هو ربُّ الشعرى، فهو أيضًا ربُّ غيرها من النجوم والمخلوقات، والثالث: خبرٌ لفظه خاص ومعناه خاص؛ كقوله عز وجل: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]، فكان لفظُ الخبر خاص بآدم وعيسى عليهما السلام، وكذلك معناه فهو خاص بهما فقط، ثم قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ [الحجرات: 13]، والناسُ لفظٌ عام يشملُ آدم وعيسى، لكن المؤمنين عقلوا عن الله عز وجل أن هذا اللفظ العام لا يشملُ آدم وعيسى عليهما السلام؛ لأنه قد قدم في حقهما ذلك خبر خاص، فكان الخبر لفظه عام لهما ولغيرهما، ومعناه خاص بالناس دونهما، وهذا هو القسم الرابع: خبرٌ لفظه عام ومعناهُ خاص، ومثله قوله تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، فالمؤمنون قد عقلوا عن الله عز وجل عند نزول هذا الخبر العام أنه لم يشمل إبليس وأتباعه، فلا تشملهم رحمة الله؛ لأن الله قد قدَّم فيهم خبرًا خاصًّا قبل ذلك؛ قال تعالى: ﴿ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ص: 85]، فإبليس وأتباعه قد خرجوا بهذا الخبر الخاص من رحمة الله التي وسعت كل شيء، فهذا خبرٌ لفظه عام ومعناه خاص، ومثله كذلك حين أخبرنا الله عز وجل عن نفسه العلية خبرًا خاصًّا أنه حيٌّ لا يموت بقوله: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: 58]، ثم أنزل خبرًا لفظه عام ومعناه خاص، فقال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، فعقل المؤمنون أن الله عز وجل لم يشمل نفسه مع هذه النفوس الميتة؛ لأنه قد قدم إليهم في الخبر الخاص أنه حي لا يموت، ومثله كذلك حين قدم الله إلينا في كتابه خبرًا خاصًّا عن كلامه، فقال عز وجل: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40]، فدل على أن قوله ليس من الأشياء المخلوق، بل إنه تعالى إنما يخلق الأشياء بقوله للشيء المخلوق: كن فيكون، ثم قال الله عز وجل: ﴿ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾، فعقَل المؤمنون عن الله عز وجل عند نزول هذا الخبر العام، إنه لم يشمل كلامه وقوله في الأشياء المخلوقة؛ لأنه قد قدم في ذلك خبرًا خاصًّا، وأن الأشياء المخلوقة إنما تخلق بقوله، فقوله إذًا ليس من الأشياء المخلوقة، فقال المأمون: أحسنت، أحسنت يا عبدالعزيز.

 

قال بشر: قد تركتك تخطب وتهذي، ومعي الآن آية من كتاب الله لا يتهيَّأ لك معارضتها ولا دفعها، كما فعلت في غيرها، وإنما أخَّرتها لتكون قاطعة لحجتك، ويكون بها سفك دمك، وهذا ما تيسَّر ذكره اليوم، نتوقَّف هنا، ونكمل بإذن الله في الخطبة القادمة.

 

ويا بن آدم، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجزي به، البر لا يَبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، اللهم صلِّ على نبيك محمد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (1)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (2)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (3)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (5)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (6)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (7)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (8)

مختارات من الشبكة

  • إسلام 50 شخصا بعد مناظرة دعوية بقرية أوندي في ملاوي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المناظرات الإعلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المناظرة عند ابن قيم الجوزية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • بين الكتاب والمقال صورة من فنون المناظرة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فن المناظرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر المناظرة والمذاكرة في الدرس الفقهي التراثي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المناظرة في العقيدة الواسطية(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مخطوطة رسالة في فن المناظرة (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تعريف السياسة الشرعية ( حقيقته وما تجري المناظرة فيه PDF )(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أدب المناظرة(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب