• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مصارع العُشَّاق: تشخيص الداء، ووصف الدواء (WORD)
    د. لحرش عبد السلام
  •  
    الصدقات سبب في نزول البركة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس الثامن والعشرون: حقوق الزوج على الزوجة
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    بناء الإنسان قيمة حضارية (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    أيها الداعي! اعزم مسألتك وعظم رغبتك (خطبة)
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
  •  
    أفضل الخلق بعد الأنبياء (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    العام الجديد والتغيير المنشود (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    عام تصرم وعام يتقدم (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    فضل صلاة الضحى
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: ﴿ قل يا أهل الكتاب ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    حر الصيف (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    وما خرفة الجنة؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    معنى كلام خديجة رضي الله عنها
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    حياة من الجن وجن من الحيات (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    تحريم صرف الخشية لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    شروط الدعاء
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

ويل لكل أفاك أثيم (خطبة)

ويل لكل أفاك أثيم (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/2/2020 ميلادي - 25/6/1441 هجري

الزيارات: 35340

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ ابْتَلَى عِبَادَهُ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ، وَهَدَاهُمْ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كِتَابَهُ الْمُبِينَ؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النَّمْلِ: 40]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزُّخْرُف: 84]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَسْلِمُوا لِأَمْرِهِ، وَالْتَزِمُوا دِينَهُ، وَسَلُوهُ الثَّبَاتَ إِلَى الْمَمَاتِ، وَتَعَوَّذُوا مِنَ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَقُودُ إِلَيْهِ الْعَقْلُ وَحْدَهُ، فَكَمْ مِنَ الْأَذْكِيَاءِ مَنْ صَدَفَ عَنِ الْحَقِّ، وَتَنَكَّبَ الطَّرِيقَ، وَكَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الْكَهْف: 17].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: آيَاتُ اللَّهِ تَعَالَى يَسْمَعُهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَالْمُؤْمِنُ يَزْدَادُ بِهَا إِيمَانًا، وَالْكَافِرُ قَدْ يَهْتَدِي بِهَا، وَقَدْ تَزِيدُهُ عُتُوًّا وَنُفُورًا. وَهَذَا النَّوْعُ الَّذِي يَنْفِرُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ لَهُمْ عَلَامَاتٌ وَدَلَالَاتٌ وَأَوْصَافٌ، وَأَهْلُهُ مُتَوَعَّدُونَ بِأَشَدِّ الْعَذَابِ ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ [الْجَاثِيَة: 7]، وَالْأَفَّاكُ: كَثِيرُ الْإِفْكِ، وَهُوَ أَسْوَأُ الْكَذِبِ، وَالْأَثِيمُ: هُوَ مُرْتَكِبُ الْإِثْمِ بِقَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ. فَتَوَعَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَيْلِ، وَهُوَ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ بِمَا يَنْتَظِرُهُ مِنَ الْعَذَابِ. وَهَذَا الْأَفَّاكُ الْأَثِيمُ الَّذِي تَوَعَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ فِي الْآيَاتِ بِوَصْفَيْنِ:

فَالْوَصْفُ الْأَوَّلُ لِهَذَا الْأَفَّاكِ الْأَثِيمِ: الْإِصْرَارُ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ سَمَاعِ الْآيَاتِ، وَالِاسْتِكْبَارِ عَنْ قَبُولِهَا رَغْمَ وُضُوحِهَا ﴿ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 8]. وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُبَيِّنُ حَالَ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَكْبِرِينَ عِنْدَ سَمَاعِهِمْ لِآيِ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، مِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 25]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ [الْحَجِّ: 72]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لُقْمَانَ: 7]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 16].

 

وَالْوَصْفُ الثَّانِي لِهَذَا الْأَفَّاكِ الْأَثِيمِ: الِاسْتِهْزَاءُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُرْآنِ حَالَ سَمَاعِهِ وَالْعِلْمِ بِهِ ﴿ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 9]، وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي بَيَانِ ذَلِكَ مِنْهَا قَولُ اللهِ تَعَالَى ﴿ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ﴾ [الْكَهْفِ: 56]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ [الْكَهْفِ: 105- 106]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 34- 35].

 

وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ الْعُقُوبَةَ الَّتِي تَنْتَظِرُ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَكْبِرِينَ، وَلَمَّا عَلِمُوا بِهَا اتَّخَذُوهَا هُزُوًا فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 10]؛ أَيْ: جَهَنَّمُ أَمَامَهُمْ، وَهُمْ قَادِمُونَ عَلَى عَذَابِهَا، نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 15- 16].

 

وَقَدْ يَكُونُونَ فِي الدُّنْيَا رُؤُوسًا فِي أَقْوَامِهِمْ، يَمْلِكُونَ الْجَاهَ الرَّفِيعَ، وَالْمَالَ الطَّائِلَ الْوَفِيرَ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا ﴿ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 10]، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ [اللَّيْلِ: 11]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴾ [الْمَسَدِ: 1 - 3]، وَيَقُولُ قَائِلُهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ الْعَصِيبِ: ﴿ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [الْحَاقَّةِ: 27 - 29]. وَلِذَا دَعَا الْخَلِيلُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: ﴿ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 87 - 89]، فَلَا الْمَالُ يَنْفَعُ، وَلَا الْجَاهُ يَشْفَعُ، وَلَا كَثْرَةُ الْجَمْعِ تَنْصُرُ؛ فَمَا ثَمَّ إِلَّا الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ.

 

وَأَوْلِيَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا لَا يَنْفَعُونَهُمْ شَيْئًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ﴿ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 10]، سَوَاءٌ كَانَ هَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءُ مِنْ مَعْبُودَاتِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَهِيَ الْأَصْنَامُ وَالْأَنْدَادُ الَّتِي عَبَدُوهَا، أَمْ كَانُوا مِنَ الْبَشَرِ الَّذِينَ صَرَفُوهُمْ عَنِ الدِّينِ، وَأَغْوَوْهُمْ بِعَدَمِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَزَيَّنُوا لَهُمْ رُكُوبَ الْبَاطِلِ؛ كَمَا فَعَلَ رُؤُوسُ الْكُفْرِ فِي مَكَّةَ بِأَبِي طَالِبٍ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ؛ إِذْ كَادَ أَنْ يُسْلِمَ فَقَالُوا لَهُ: «أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، فَمَاتَ وَهُوَ يَقُولُ: «عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، فَحَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ.

 

وَمَنِ اتَّخَذُوا فِي الدُّنْيَا أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَنْصِرُونَ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَخْذُلُونَهُمْ أَحْوَجَ مَا يَكُونُونَ إِلَيْهِمْ. وَالْآيَاتُ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، سَوَاءٌ كَانَ خِذْلَانُهُمْ لَهُمْ حَالَ نُزُولِ الْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ بِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ [هُودٍ: 101]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾ [الْقَصَصِ: 64].

 

وَكَذَلِكَ لَا يَنْفَعُونَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ حَالِهِمْ: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 166- 167]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 81- 82]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الْأَحْقَافِ: 5-6].

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِقَامَةَ عَلَى أَمْرِهِ، وَالثَّبَاتَ عَلَى دِينِهِ، وَالْعَمَلَ فِيمَا يُرْضِيهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 223].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: بَانَ بِمَا سَبَقَ عَرْضُهُ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ فِي وَصْفِ الْأَفَّاكِ الْأَثِيمِ، وَمَا يَنْتَظِرُهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ: أَنَّ كُلَّ كُفَّارٍ عَنِيدٍ فَهُوَ أَفَّاكٌ أَثِيمٌ؛ لِأَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي فِيهَا الْهِدَايَةُ وَالرَّشَادُ، وَرَادٌّ لَهَا، وَمُسْتَهْزِئٌ بِهَا.

 

وَفِيمَنْ يَنْتَسِبُونَ لِلْإِسْلَامِ مَنْ يَقَعُونَ فِي ذَلِكَ الْعِنَادِ وَالِاسْتِكْبَارِ تُجَاهَ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ وُقُوعُهُمْ فِيهِ كُلِّيًّا؛ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ الْخُلَّصُ، أَمْ كَانَ وُقُوعُهُمْ فِيهِ جُزْئِيًّا فِي آيَةٍ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، أَوْ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَسْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَزَقَهُ الِاسْتِسْلَامَ الْكَامِلَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعِهِ، وَالتَّصْدِيقَ بِآيَاتِهِ وَخَبَرِهِ، وَهُمْ مَنْ سَلِمَتْ قُلُوبُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَاسْتَسْلَمَتْ وُجُوهُهُمْ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَجَعَلُوا شَرِيعَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَبِلُوهَا بِكَامِلِهَا وَلَمْ يُفَرِّقُوهَا فَيَقْبَلُوا مَا يَهْوَوْنَ، وَيَرْفُضُونَ مَا لَا يَهْوَوْنَ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 159].

 

فَالْمُنَافِقُونَ الْخُلَّصُ ضَاقُوا ذَرْعًا بِالنُّصُوصِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَوَقَفُوا مِنْهَا مَوْقِفَ الْمُعَانِدِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، فَيَرُدُّونَهَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَيُقَدِّمُونَ عَلَيْهَا مَا نَتَجَ عَنْ أَهْوَائِهِمْ أَوْ أَهْوَاءِ غَيْرِهِمْ.

 

وَأَمَّا مَنْ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَهُمْ مَنْ عَسُرَ عَلَيْهِمْ قَبُولُ بَعْضِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فَتَأَوَّلُوهَا، أَوْ بَعْضِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَرَفَضُوهَا، إِمَّا اتِّبَاعًا لِأَهْوَائِهِمْ، وَإِمَّا مُسَايَرَةً لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَمُجَامَلَةً لَهُمْ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ اشْتِدَادِ الْحَمْلَةِ الْعَالَمِيَّةِ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَحَمَلَتِهَا، وَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 71]، ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النُّورِ: 51]، ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النُّورِ: 63].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم

مختارات من الشبكة

  • {ويل لكل همزة لمزة} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أباطيل شاعر أفاك(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير: (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تقوى الله طريق النجاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معجم الأمثال التي بدأت بكلمة: لكل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • لكل داء دواء فتداووا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لكل داء دواء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لكل شيء بداية ونهاية ( خطبة )(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/1/1447هـ - الساعة: 14:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب