• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

فضل إحسان الإنسان إلى غيره

فضل إحسان الإنسان إلى غيره
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/1/2020 ميلادي - 22/5/1441 هجري

الزيارات: 38126

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضل إحسان الإنسان إلى غيره [1]

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هَدْيُ رسوله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:

فيقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].

 

أيها المسلمون، هذا أمر من الله تعالى لعباده بالقيام بالإحسان الذي هو فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي، فيجتمع بذلك الفعل وإكماله وإتمامه وإتقانه، ووعدَهم سبحانه وتعالى على إحسانهم بإحسانه إليهم بمحبته لهم، وهذا فضل عظيم، و﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].

 

والمتتبع لآيات القرآن الكريم، يجد حديث القرآن العزيز عن فضيلة الإحسان حديثًا مفصَّلًا؛ فقد تحدَّث القرآن العظيم عن الأمر به والحث عليه، ودعوة الناس إليه، وذكر أعمال الإحسان وخصاله، ووعد المحسنين بالبشارة والزيادة، والمحبة والثواب والجنة، وهذا فضلٌ عظيمٌ، وخيرٌ كثيرٌ، يغتنمه الإنسان من عبادة الإحسان.

 

إن الإحسان عملٌ عظيمٌ، ينتج عن النفوس السليمة التي يدبُّ فيها الخير؛ ليتَّجه إلى جهات كثيرة؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) [2].

 

عباد الله، إن أولى من يحسن إليه الإنسان: نفسه التي بين جنبيه، التي سيُسأل عنها، ويُحاسب على أفعالها في دُنْياه وأُخْراه؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38]، فكيف تُحسِن إلى نفسك أيها الإنسان؟

 

أحسِنْ إلى نفسك بأن تسلك بها الصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، فإذا أقبلت على العبادة، فأقمْها بإتقان، واعملها بلا رياءٍ وابتغاء الخَلْق، فعمل العبادة وإتقانها من أحسن الإحسان.

 

وأحسِنْ إلى نفسك بأن تحبسها على الحقِّ، وتحول بينها وبين الباطل، وتُلجِمها بلجام الصبر عن اتِّباع الهوى، والأمر بالسوء.

 

وأحسِنْ إلى نفسك بأن تعزَّها عن مواطن الذُّلِّ، وتُبْقِيها في هامات العزِّ، وأحسِنْ إلى نفسك بأن تأخُذ لها من الدنيا ما يكفيها، ولا يُلهيها، ويكرمها ولا يُهينها، ويُحييها ولا يُهلكها بهمِّ جَمْعِها وخوف فواته عليها.

 

وأحسِنْ إلى نفسك بأن تؤدي إلى الناس حقوقهم من نفسك، وتُبعِد نفسك عن الإضرار بهم.

لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها *** لنفسي على نفسي من الناس شاغل

 

معشر المسلمين، إن أحق الخلق على الإنسان - بعد نفسه - بالإحسان إليه: والداه اللذان دخل إلى هذه الحياة بسببهما، ووصل إلى ما وصل إليه بعد جهدهما ورعايتهما، فما أجملَ أن يُحسِنَ إليهما بالوجه المبتسم والكلمة الطيبة، وبطاعة أوامرهما، والاعتناء بهما، وتفقُّد أحوالهما، وجلب ما يسرُّهما، وإبعاد ما يضرُّهما، وخفْض الجناح لهما، والسؤال عنهما، وإكرام أصدقائهما، والنفقة عليهما، والدعاء لهما حيَّينِ أو ميِّتَينِ.

 

قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].

 

وعن عبدالله بن دينار عن ابن عمر: "أنه كان إذا خرج إلى مكة، كان له حمار يتروَّح عليه إذا ملَّ ركوب الراحلة، وعمامة يشدُّ بها رأسَه فبينا هو يومًا على ذلك الحمار إذ مرَّ به أعرابي، فقال: ألست ابن فلان بن فلان؟ قال: بلى، فأعطاه الحمار وقال: اركب هذا، والعمامة اشدُد بها رأسك، فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك، أعطيت هذا الأعرابي حمارًا كنت تروح عليه، وعمامة كنت تشدُّ بها رأسك؟! فقال: إني سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أبرِّ البِرِّ صلة الرجل أهل ودِّ أبيه، بعد أن يولي، وإن أباه كان صديقًا لعمر" [3].

 

أيها الأحبة، ومن الإحسان العظيم: الإحسان بين الزوجين، أن يُحْسِنَ الرجل إلى زوجته بحُسْن معاشرتها، وحثِّها على الخير والطاعة، والنفقة عليها بالمعروف، وإعطائها حقوقها المالية والنفسية والفراشية المشروعة، من غير ظلم، ولا مانع من التأديب بالقول أو بالفعل عند الحاجة من غير كسر أو جرح أو تعذيب؛ فإن تقويم النساء عند الميل والزيغ إحسان مطلوب؛ قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما حقُّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تُطعِمَها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقبِّح، ولا تهجر، إلا في البيت))[4].

 

وعلى الزوجة أن تُحسِن إلى زوجها: بطاعته بالمعروف، والسعي في مراضيه قدر ما تستطيع، والاعتناء ببيته وماله وأولاده، وصيانة نفسها عما يخدش العرض والشرف؛ قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34]، وعن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة، فقال: ((أي هذه، أَذَاتُ بَعْلٍ؟))، قلت: نعم، قال: ((كيف أنت له؟))، قالت: ما آلوه - أي: لا أقصر في طاعته وخدمته - إلا ما عجزت عنه، قال: ((فانظري أين أنت منه؛ فإنما هو جنَّتُكِ ونارُكِ)) [5]؛ أي: سبب دخولك الجنة بطاعتك له في الحق، أو سبب دخولك النار بمعصيتك له.

 

عباد الله، ومن مجالات الإحسان: إحسان الوالدين إلى أولادهما، بداية باختيار الأب للأم، واختيار الأم للأب، فهذا أول إحسان إليهم، قال أب لأولاده:

وأوَّلُ إحساني إليكم تخيُّري *** لماجدة الأعراق بادٍ عفافُها

 

ثم الإحسان بتربيتهم التربية الصالحة وتنشئتهم التنشئة النافعة، التي تقوم على لين بلا ضعف، وحزم بلا عنف، وتقويم بلا تضييق، واختيار للصديق والجليس من غير إجبار. فيا من شغله ماله وتجارته عن أولاده، اعلم أن تربية الأولاد أهم من تربية الأموال، وحراستهم أولى من حراستها؛ لأن خسارتها تعوض وتسترد، وأما خسارتهم فقد لا تعوض ولا تسترد، فكما تحسن إليهم في غذائهم وكسائهم ودوائهم، فأحْسِنْ إليهم بهدايتهم إلى الطريق الصحيح الذي ينقذهم في الدنيا والآخرة، فلا تغش ولدك في صغرهم بنسيانك وإهمالك، فيغشوك في كبرك بتركك وعقوقك.

 

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا كُلُّكم راعٍ، وكُلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته، فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيَّته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بَعْلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكُلُّكم مسؤول عن رعيته)) [6].

 

عباد الله، ومن مجالات الإحسان: الإحسان إلى الأقارب، فهم أولى بالإحسان من غيرهم؛ لأن الإحسان إليهم صِلةٌ ومعروفٌ، ويكون الإحسان بصلتهم وحسن تعهُّدهم، وبذل الخير لهم، والسؤال عنهم، ووصل قاطعهم، والحلم عن جاهلهم، والعفو عن مُسيئهم، وصنع المعروف لهم. والإحسان إلى الأقارب يُعمِّق هذه الرابطة، ويُحافظ عليها، ويقضي على أسباب تصدُّعها، وهو نجاة من القطيعة، ونجاة من الطَّرْد من رحمة الله، وسبب لبركة العمر وسعة الرزق؛ قال تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أحَبَّ أن يُبْسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليَصِلْ رحمه)) [7].

 

أيُّها الفضلاء، الجيران في المنزل أو العمل أو الدراسة لهم حق من الإحسان، فما زال جبريل يوصي النبي عليه الصلاة والسلام بالجار حتى ظنَّ أنه سيُورِّثه من جاره؛ لعِظَم حقِّ الجار على جاره، فمن الإحسان إلى الجيران: بذلُ المعروف لهم، وكفُّ الأذى عنهم، وحمايتُهم، والدفاعُ عنهم، والصبرُ على ما يصدُر منهم من سوء، وتفقُّد أحوالهم، وهذا كلُّه من إكرام الجار؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقُلْ خيرًا أو ليصمُت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرم ضيفه)) [8].

 

أيها المسلم، بثَّ إحسانك - بعد ذلك - بين إخوانك المسلمين، فابذل لهم المعروف القولي والفعلي، آخِهم وأرشدهم، وأغِثْهم وأصلِحْ بينَهم، وأفْشِ السلام فيهم، وآثرهم، وتعاون معهم في الحق، عظِّم حُرُماتهم، وفرِّج كرباتهم، تواضَعْ لهم وتودَّدْ إليهم، وأثْنِ عليهم بما تعرف من الخير عنهم، واشفَعْ لهم شفاعةً حسنةً، وأحسن مُعاملتهم، وأحسِن الظنَّ بهم، وادْعُ لهم، وارحمهم، وارفُق بهم، واسترْهم، وواسِ فقيرَهم، واعطف على أراملهم ويتاماهم، وتجاوُز عن مُعْسِرهم إذا أسلفته، وسامحهم، واعْفُ عنهم، وأنصِفهم من نفسك، واكتم أسرارَهم، واصبر على أذاهم، عُدْ مريضَهم، وشمِّتْ عاطسَهم، وأجب داعيهم إلى الخير، واتبع جنازتهم، فإن فعلت ذلك - مع الإيمان - فإن ذلك سعادة الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله - وأحسبه قال - كالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر)) [9].

 

عباد الله، ومن مجالات الإحسان: الإحسان إلى العمال والأُجَراء والموظَّفين، بإعطائهم حقوقهم، والتخفيف عليهم واحترامهم، وإبعاد الظُّلْم عنهم.

 

قال صاحب مدين لموسى عليه السلام حين أراد استئجاره في رعي الغنم: ﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [القصص: 27]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما خففت عن خادمك من عمله، فهو أجر لك في موازينك يوم القيامة)) [10]. وقال: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقُه)) [11].

 

ومن مجالات الإحسان أيضًا: معاملة غير المسلم بإعطائه حقوقه، وتمثُّل الإسلام الصحيح أمامه، ودعوته إلى الإسلام بالأسلوب الحسن؛ فقد يكون الإحسان إليه سببَ هدايته، وقد حصل هذا في الواقع كثيرًا، وهذا خيرٌ عظيمٌ يُساق إلى المحسِن؛ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((والله لأنْ يهدي اللهُ بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم)) [12].

 

ومن مجالات الإحسان كذلك: الإحسان إلى الميت، بحسن تجهيزه، وتغسيله وتكفينه، والصلاة عليه ومواراته، وعدم سبِّه، والابتعاد عن كسْرِ عضو من أعضائه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدَّمُوا)) [13]، وقال: ((إن كسر عظم المسلم ميتًا ككَسْره حيًّا)) [14].

 

ومن مجالات الإحسان أيضًا: الإحسان إلى الحيوان بعدم إيذائه، وتوفير ما يكفيه من الطعام والشراب، وعدم العبث به وتعذيبه، وإحسان ذبحه إن كان مما يذبح؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينما رجل يمشي بطريق، اشتدَّ عليه الحَرُّ، فوجد بئرًا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان مني، فنزل البئر، فملأ خُفَّه ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له))، قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال: ((في كل كبد رطبة أجر)) [15]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال: ((أفلا قبل هذا؟ أو تريد أن تميتها موتات؟!)) [16].

 

قلتُ ما سمِعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أيها المسلمون، إن من فضل الله تعالى على عباده أنْ عجَّل لهم بعض ثواب أعمالهم في الدنيا قبل الآخرة؛ حتى يذوقوا حلاوة الجزاء الحسن؛ ليستمروا على تلك الأعمال الصالحات، ويدعو غيرهم إليها، بعد أن عرَفوا طيبها، فلهذا فإن الإحسان يُثمِر لأهله ثمرات يانعة في الحياة الدنيا، وفي الآخرة كذلك.

 

فالإحسان إلى الخلق يُورِث صاحبه انشراحَ الضمير، وسرور النفس، والسعادة والطمأنينة؛ بل قد يجد المحسن من اللذَّة والراحة أكثرَ ممن أحسن إليه، وكم يفرح المحسن حينما يرى أثر إحسانه ظاهرًا بين الناس في نجدة ملهوف، أو شفاء مريض، أو إيواء طريد، أو إسعاد أسرة مُتعفِّفة، أو قضاء على مشكلة في المجتمع، فعندما يشاهد هذه الآثار الحسنة يحمد الله على إعانته على هذا الخير، ويسأله أن يكون لوجهه خالصًا، فيقول: هذا من فضل ربي، فما يجده من هذه الآثار إحسانٌ من الله إليه؛ جزاء إحسانه إلى خلقه، و﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].

 

عباد الله، إن المحسن قد تُدفَع عنه مصائب، وتصرف عنه جوائح، وسبب ذلك: إحسانه إلى عباد الله تعالى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ نفَّس عن مؤمن كُرْبةً من كُرَب الدنيا نفَّسَ الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومَنْ سترَ مسلمًا سترَهُ الله في الدنيا والآخرة، ومَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يَسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عَوْن العبد ما كان العَبْدُ في عَوْنِ أخيه)) [17]. وقال أيضًا: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء)) [18]، والجزاء من جنس الأعمال.

 

أيها الكِرام الفضلاء، أما الجزاء الأوفى والثواب الأوفر للمحسنين، فهو بانتظارهم عند الله الكريم يوم لقائه، يحبُّهم، ويرضى عنهم، ويُكرِم نُزُلَهم، ويغفر خطاياهم، وُيدخِلهم جنةً عرضها السماوات والأرض؛ قال تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 26].

 

نسأل الله أن يجعلنا ممن أحسنوا عبادة الله، وأحسنوا إلى خلق الله، هذا وصلُّوا وسلِّموا على البشير النذير والسراج المنير.



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 13 /1432هـ، 14 /7 /2011م.

[2] رواه مسلم.

[3] رواه مسلم.

[4] رواه أبو داود وابن حبان، وهو صحيح.

[5] رواه أحمد والنسائي، وهو صحيح.

[6] متفق عليه.

[7] متفق عليه.

[8] متفق عليه.

[9] متفق عليه.

[10] رواه ابن حبان والبيهقي، وهو صحيح.

[11] رواه ابن ماجه والبيهقي، وهو حسن.

[12] متفق عليه.

[13] رواه البخاري.

[14] رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، صحيح.

[15] متفق عليه.

[16] رواه الطبراني والحاكم، وهو صحيح.

[17] رواه مسلم والأربعة.

[18] رواه الطبراني، وهو حسن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آيات عن الإحسان إلى الأقارب
  • آيات عن الإحسان
  • الإحسان
  • آيات عن الإحسان لابن السبيل
  • آيات عن الإحسان لليتامى
  • لنعش مع بعضنا بإحسان
  • بر وإحسان.. لا تنازل عن الدين!
  • إحسان الوضوء وصلاة ركعتين بحضور قلب

مختارات من الشبكة

  • مفهوم الفضائل والمناقب والخصائص والبركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العفو والصفح - فضل حسن الخلق - فضل المراقبة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ظلم الإنسان لأخيه الإنسان(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • تفسير: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أنت أيها الإنسان؟ (2) بداية خلق الإنسان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدين روسيا بانتهاك حقوق الإنسان في الشيشان(مقالة - المترجمات)
  • الإنسان ذئب الإنسان خصوصًا في هذا الزمان...(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)
  • حكم الوضوء من فضل الإنسان(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • ما جاء في بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب