• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/1/2020 ميلادي - 5/5/1441 هجري

الزيارات: 31582

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

 

باب المراقبة:

قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [الشعراء: 218، 219]، وقال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14]، وقال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، والآيات في الباب كثيرة معلومة.

 

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:

لما ذكر المؤلف - رحمه الله - باب الصدق، وذكر الآيات والأحاديث الواردة في ذلك أعْقَبَ هذا بباب المراقبة.

 

المراقبة لها وجهان:

الوجه الأول: أن تراقب الله عز وجل.

 

والوجه الثاني: أن الله تعالى رقيب عليك؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ﴾ [الأحزاب: 52].

 

أما مراقبتك لله فأن تعلم أن الله تعالى يعلم كل ما تقوم به من أقوال وأفعال واعتقادات؛ كما قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [الشعراء: 218، 219]؛ يراك حين تقوم؛ أي: في الليل حين يقوم الإنسان في مكان خال لا يطَّلِع عليه أحد، فالله سبحانه وتعالى يراه، حتى ولو كان في أعظم ظلمة وأحلك ظلمة؛ فإن الله تعالى يراه.

 

وقوله: ﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾؛ أي: وأنت تتقلب في الذين يسجدون في هذه الساعة؛ يعني: تقلبك فيهم؛ أي: معهم، فإن الله سبحانه وتعالى يرى الإنسان حين قيامه وحين سجوده.

 

وذكر القيام والسجود؛ لأن القيام في الصلاة أشرف من السجود بذكره، والسجود أفضل من القيام بهيئته.

أما كون القيام أفضل من السجود بذكره؛ فلأن الذكر المشروع في القيام هو قراءة القرآن، والقرآن أفضل الكلام.

 

أما السجود فهو أشرف من القيام بهيئته؛ لأن الإنسان الساجد أقرب ما يكون من ربه عز وجل، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ»[1].

 

ولهذا أمرنا أن نكثر من الدعاء في السجود، كذلك من مراقبتك لله، أن تعلم أن الله يسمعك، فأي قول تقوله؛ فإن الله تعالى يسمعك؛ كما قال الله: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80]؛ بلي: يعني: نسمع ذلك.

 

ومع هذا فإن الذي تتكلم به - خيرًا كان أم شرًّا، معلنًا أم ميسرًّا - فإنه يُكتب لك أو عليك؛ كما قال الله تبارك وتعالى:﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

 

فراقب هذا الأمر، وإياك أن تُخرج من لسانك قولًا تحاسَب عليه يوم القيامة، اجعل دائمًا لسانك يقول الحق أو يصمت؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

 

الثالث: أن تراقب الله في سرك وفي قلبك، انظر ماذا في قلبك من الشرك بالله والرياء، والانحرافات، والحقد على المؤمنين، وبغضاء، وكراهية، ومحبة للكافرين، وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا يرضاها الله عز وجل.

 

راقب قلبك، تفقده دائمًا؛ فإن الله يقول: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه ﴾ [ق: 16]، قبل أن ينطق به.

 

فراقب الله في هذه المواضع الثلاثة: في فعلك، وفي قولك، وفي سريرتك، وفي قلبك، حتى تتم لك المراقبة؛ ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان قال: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».

 

اعبد الله كانك تراه، كأنك تشاهده رأي عين، فإن لم تكن تراه فانزل إلى المرتبة الثانية: «فَإِنَّهُ يَرَاكَ».

فالأول: عبادة رغبة وطمع، أن تعبد الله كأنك تراه، والثاني: عبادة رهبة وخوف؛ ولهذا قال: «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».

 

فلابد أن تراقب ربك، وأن تعلم أن الله رقيب عليك، أي شيء تقوله، أو تفعله، أو تضمره في سرك فالله تعالى عليم به، وقد ذكر المؤلف رحمه الله من الآيات ما يدل على هذا، فبدأ بالآية التي ذكرناها؛ وهي قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الشعراء: 217- 220].

 

الآية الثانية التي ساقها المؤلف رحمه الله تعالى في باب المراقبة: قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]؛ الضمير (هو) يعود على الله؛ أي: الله سبحانه وتعالى مع عباده أينما كانوا: في بر أو بحر، أو جو، أو في ظلمة، أوفي ضياء، وفي أي حال؛ هو معكم أينما كنتم؛ وهذا يدل على كمال إحاطته عز وجل بنا علمًا وقدرة وسلطانًا وتدبيرًا وغير ذلك. ولا نعني أنه سبحانه وتعالى معنا في نفس المكان الذي نحن فيه؛ لأن الله فوق كل شيء؛ كما قال الله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وقال: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: 18]، وقال تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الملك: 16]، وقال: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، وقال: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أنه فوق كل شيء، لكنه عز وجل ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته، وهو عليٌّ في دنوه، قريب في عُلوِّه جل وعلا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، ولكن يجب أن نعلم أنه ليس في الأرض، لأننا لو توهمنا هذا لكان فيه إبطال لعلو الله سبحانه وتعالى. وأيضًا فإن الله سبحانه لا يسعه شيء من مخلوقاته: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255].

 

الكرسي محيط بالسماوات والأرض كلها، والكرسي هو موضع قدمي الرحمن عز وجل، والعرش أعظم وأعظم وأعظم، كما جاء في الحديث: «إِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِيينَ السَّبْعَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُرْسِيِّ كَحَلَقِةٍ أُلْقِيَتْ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ».

 

حلقة كحلقة المغفر صغيرة في فلاة من الأرض؛ أي: مكان متسع، نسبة هذه الحلقة إلى الأرض ليست بشيء.

 

قال: «وَإِنَّ فَضْلَ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْحَلْقَةِ»[2]، فما بالك بالخالق جل وعلا! الخالق سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون في الأرض؛ لأنه سبحانه وتعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم ﴾ [الحديد: 4].

 

واعلم أن المعية التي أضافها الله إلى نفسه تنقسم بحسب السياق والقرائن؛ فتارة يكون مقتضاها الإحاطة بالخلق علمًا وقدرة وسلطانًا وتدبيرًا وغير ذلك، مثل هذه الآية: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم ﴾، ومثل قوله تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ ﴾ [المجادلة: 7].

 

وتارة يكون المراد بها التهديد والإنذار، كما في قوله تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108]؛ فإن هذا تهديد وإنذار لهم أن يبينوا ما لا يرضي من القول يكتمونه عن الناس، يظنون أن الله لا يعلم، والله سبحانه عليم بكل شيء.

 

وتارة يراد بها النصر والتأييد والتثبيت وما أشبه ذلك؛ مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، وكما في قوله تعالى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35]، والآيات في هذا كثيرة.

 

وهذا القسم الثالث من أقسام المعية تارة يضاف إلى المخلوق بالوصف، وتارة يضاف إلى المخلوق بالعين.

 

فقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، هذا مضاف إلى المخلوق بالوصف، فأيُّ إنسان يكون كذلك فالله معه.

 

وتارة يكون مضافًا إلى المخلوق بعين الشخص؛ مثل قوله تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]؛ فهذا مضاف إلى الشخص بعينه، وهي للرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر رضي الله عنه وهما في الغار؛ لَمَّا قال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا؛ لأن قريشًا كانت تطلب الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه بكل جد! ما من جبل إلا صعدت عليه، وما من واد إلا هبطت فيه، وما من فلاة إلا بحثت، وجعلت لمن يأتي بالرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر مائتي بعير، مائة للرسول، ومائة لأبي بكر، وتعب الناس وهم يطلبونها، ولكن الله معهما، حتى وقفوا على الغار، يقول أبو بكر: لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، فيقول له الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا، فَمَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟».

 

والله ظننا لا يغلبهما أحد، ولا يقدر عليهما أحد، وفعلًا هذا الذي حصل؛ ما رأوهما مع عدم المانع، فلم يكن هناك عِشٌّ كما يقولون، ولا حمامة وقعت على الغار، ولا شجرة نبتت على فم الغار، وما كان إلا عناية الله عز وجل؛ لأن الله معهما.

 

وكما في قوله سبحانه لموسى وهارون، لما أمر الله موسى وأرسله إلى فرعون هو وهارون: ﴿ قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه 45، 46].

 

الله أكبر: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾؛ إذا كان الله معهما هل يمكن أن يضرهما فرعون وجنوده؟ لا يمكن، فهذه معية خاصة مقيدة بالعين: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾.

 

المهم أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى مع الخلق، لكنه فوق عرشه ولا يساميه أحد في صفاته، ولا يدانيه أحد في صفاته، ولا يمكن أن تورد على ذهنك أو على غيرك كيف يكون الله معنا وهو في السماء؟

 

نقول: الله عز وجل لا يقاس بخلقه، مع أن العلو والمعية لا منافاة بينهما حتى في المخلوق؛ فلو سألنا سائل: أين موضع القمر؟ لقلنا: في السماء، كما قال الله: ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ﴾ [نوح: 16]، وإذا قال: أين موضع النجوم؟ قلنا في السماء، واللغة العربية يقول المتكلمون فيها: ما زلنا نسير والقمر معنا، وما زلنا نسير والنجم معنا! مع ان القمر في السماء والنجم في السماء، لكن هو معنا؛ لأنه ما غاب عنا؛ فالله تعالى وهو على عرشه سبحانه فوق جميع الخلق.

 

وتقتضي هذه الآية بالنسبة للأمر المسلكي المنهجي بأنك إذا آمنت بأن الله معك، فإنك تتقيه وتراقبه؛ لأنه لا يخفى عليه عز وجل حالك مهما كنت، لو كنت في بيت مظلم ليس فيه أحد ولا حولك أحد فإن الله تعالى معك، لكن ليس في نفس المكان، وإنما محيط بك عز وجل لا يخفى عليه شيء من أمرك؛ فتراقب الله، وتخاف الله، وتقوم بطاعته، وتترك مناهيه. والله الموفق؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴾.

 

الآية الثالثة التي ساقها المؤلف رحمه الله تعالى في باب المراقبة: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]؛ ﴿ شَيْءٌ ﴾؛ نكرة في سياق النفي في قوله: ﴿ لَا يَخْفَى ﴾؛ فتعم كل شيء، فكل شيء لا يخفى على الله في الأرض ولا في السماء، وقد فصل الله هذا في قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

 

قال العلماء: إذا كانت الأوراق الساقطة يعلمها؛ فكيف بالأوراق النامية التي ينبتها ويخلقها؛ فهو بها أعلم عز وجل.

 

أما قوله: ﴿ وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ ﴾؛ ﴿ حَبَّةٍ ﴾؛ نكرة في سياق النفي المؤكد بمن؛ إذًا يشمل كل ورقة صغيرة كانت أو كبيرة.

 

ولنفرض أن حبة صغيرة منغمسة في طين البحر، فهي في خمس ظلمات:

الظلمة الأولى: ظلمة الطين المنغمسة فيه.

الثانية: ظلمة الماء في البحر.

الثالثة: ظلمة الليل.

الرابعة: ظلمة السحاب المتراكم.

الخامسة: ظلمة المطر النازل.

 

خمس ظلمات فوق هذه الحبة الصغيرة؛ والله عز وجل يعلمها.

 

وقوله: ﴿ وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾؛ مكتوب، مبيَّن، بيِّن، ظاهر، معلوم عند رب العالمين عز وجل.

 

إذًا من كان هذا سعة علمه فعلى المؤمن أن يراقب الله سبحانه وتعالى، وأن يخشاه في السر كما يخشاه في العلانية؛ لأن خشية الله في السر أقوى في الإخلاص؛ لأنه ليس عندك أحد؛ لأن خشية الله في العلانية ربما يقع في قلبك الرياء ومراءاة الناس.

 

فاحرص - يا أخي المسلم - على مراقبة الله عز وجل، وأن تقوم بطاعته امتثالًا لأمره، واجتنابًا لنهيه، ونسأل الله العون على ذلك؛ لأن الله إذا لم يُعِنَّا، فإننا مخذولون؛ كما قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]؛ فإذا وفق العبد للهداية والاستعانة في إطار الشريعة فهذا هو الذي أنعم الله عليه؛ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 5، 6]، لابد أن تكون العبادة في نفس هذا الصراط المستقيم، وإلا كانت ضررًا على العبد.

 

فهذه ثلاثة أمور هي منهج الذين أنعم الله عليهم؛ ولهذا قال ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7].

 

الآية الرابعة التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى في باب المراقبة: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14]، وهذه الآية ختم الله بها ما ذكره من عقوبة عاد ﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 7- 14]؛ فبيَّن عز وجل أنه بالمرصاد لكل طاغية، وأن كل طاغية فإن الله تعالى يقصم ظهره ويبيده ولا يبقي له باقية.

 

فعادٌ إرم ذات العماد، ذات البيوت العظيمة المبنية على العُمُد القوية، أعطاهم الله قوة شديدة فاستكبروا في الأرض وقالوا: من أشد منا قوة؟! فقال الله عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّة ﴾ [فصلت: 15]؛ فبيَّن الله عز وجل أنه هو أشد منهم قوة، واستدل لذلك بدليل عقلي، وهو أن الله هو الذي خلقهم؛ ولهذا قال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ ﴾ [فصلت: 15]؛ ولم يقل: (أو لم يروا أن الله هو أشد منهم قوة)؛ قال ﴿ الَّذِي خَلَقَهُمْ ﴾؛ لأنه من المعلوم بالعقل علمًا ضروريًّا أن الخالق أقوى من المخلوق، فالذي خلقهم هو أشد منهم قوة؛ و﴿ كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15]؛ فأصابهم الله سبحانه وتعالى بالقحط الشديد، وأمسكت السماء ماءها، فجعلوا يستقون؛ أي: ينتظرون أن الله يغيثهم، فأرسل الله عليهم الريح العقيم؛ في صباح يوم من الأيام أقبلت ريح عظيمة تحمل من الرمال والأتربة ما صار كأنه سحاب مركوم؛ ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الأحقاف: 24]، حكمة من الله عز وجل، لم تأتهم الريح هكذا، وإنما جاءتهم وهم يؤملون أنها غيث ليكون وقعها أشد، شيء أقبل فظنوه ريحًا تسقيهم فإذا هو ريح تدمرهم، فكون العذاب يأتي في حال يتأمل فيها الإنسان كشف الضرر يكون أعظم وأعظم.

 

مثل ما لو مَنَّيْت شخصًا بدراهم ثم سحبتها منه، صار أشد وأعظم؛ ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الاحقاف: 24]؛ لأنهم كانون يتحدون نبيهم؛ يقولون: إن كان عندك عذاب فأت به إن كنت صادقًا، فجاءتهم ﴿ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ﴾؛ والعياذ بالله هاجت عليهم سبع ليال وثمانية أيام؛ لأنها بدأت من الصباح وانتهت بالغروب، فصارت سبع ليال وثمانية أيام حسومًا متتابعة قاطعة لدابرهم تحسمهم حسمًا، حتى إنها تحمل الواحد منهم إلى عنان السماء، ثم ترمي به، فصاروا كأنهم أعجاز نخل خاوية؛ أي: مثل أصول النخل الخاوية ملتوين على ظهورهم والعياذ بالله كهيئة السجود؛ لأنهم يريدون أن يتخلصوا من هذه الريح بعد أن تحملهم وتضرب بهم الأرض، ولكن لم ينفعهم هذا؛ قال الله تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [فصلت: 16] والعياذ بالله.

 

أما ﴿ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴾ [الفجر: 9]؛ فهم أيضًا عندهم عُتُوٌّ وطغيان وتحدٍّ لنبيهم؛ حتى قالوا له: ﴿ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا ﴾ [هود: 62]؛ أي: كنا نرجوك ونظنك عاقلًا، أما الآن فأنت سفيه؛ لأنه ما من رسول أُرسل إلا قال له قومه: ساحر أو مجنون؛ كما قال الله: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذريات: 52].

 

فأنظرهم ثلاثة أيام؛ ﴿ فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [هود: 65]؛ فلما تمت الثلاثة والعياذ بالله ارتجفت بهم الأرض، وصيح بهم؛ فأصبحوا كهشيم المحتظر؛ أي: مثل سعف النخل إذا طالت عليه المدة صار كأنه هشيم محترق من الشمس والهواء، صاروا كهشيم المحتظر وماتوا عن آخرهم.

 

أما فرعون، وما أدراك ما فرعون، فهو ذلك الرجل الجبار المتكبر، الذي طغى وأنكر الله عز وجل، وقال لموسى: ما رب العالمين؟ وقال لقومه: ما لكم من إله غيري، نعوذ بالله، وقال لهامان وزيره: ﴿ ابْنِ لِي صَرْحًا ﴾؛ يعني: بناء عاليًا؛ ﴿ لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ﴾ يقوله تهكمًا والعياذ بالله، ﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾ [غافر: 36، 37]؛ وكذب في قوله: وإني لأظنه كاذبًا؛ لأنه يعلم أنه صادق؛ كما قال الله تعالى في مناظرته مع موسى، قال له موسى: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ ﴾ يا فرعون ﴿ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [الإسراء: 102]، ما أنكر، ما قال: ما علمت؛ بل سكت، والسكوت في مقام التحدي والمناظرة يدل على الانقطاع وعدم الجواب.

 

وقال الله تعالى عنه وعن قومه: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14].

 

فهم - والعياذ بالله - فرعون وجنوده يعلمون أن موسى صادق، لكنهم مستكبرون جاحدون.

ماذا حصل لهم؟ حصل لهم والعياذ بالله هزائم، أعظمها الهزيمة التي حصلت للسحرة

 

جمع جميع السحرة في بلاده باتفاق مع موسى عليه الصلاة والسلام وموسى هو الذي عيَّن الموعد أمام فرعون، مع أن موسى أمام فرعون يُعتبر ضعيفًا؛ لولا أن الله نصره وأيده.

 

قال لهم موسى: ﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ [طه: 59]؛ يوم الزينة يوم العيد؛ لأن الناس يتزينون فيه ويلبسون الزينة؛ وقوله: ﴿ وَأَنْ يُحْشَرَ ﴾؛ يُجمع ﴿ النَّاسُ ضُحًى ﴾؛ لا في الليل في الخفاء؛ فجمع فرعون جميع من عنده من عظماء السحرة وكبرائهم، واجتمعوا بموسى عليه الصلاة والسلام وألقوا حبالهم وعصيهم - الحبال معروفة، والعصا معروفة - ألقوها في الأرض فصارت الأرض كلها ثعابين - حيَّات - تمشي، أرهبت الناس كلهم، حتى موسى أوجف في نفسه خيفة، فأيَّده الله وقال له: ﴿ لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ ﴾ [طه: 68، 69].

 

فالقى ما في يمينه وهي العصا، عصا واحدة فقط؛ فإذا هي تلقف ما يأفكون، كل الحبال والعصي أكلتها هذه العصا، سبحان الله العظيم، وأنت تعجب: أين ذهبت العصا؟ ليست كبيرة حتى تأكل كل هذا، لكن الله عز وجل على كل شيء قدير، فالتهمت الحبال والعصي، وكان السحرة أعلم الناس بالسحر بلا شك، فعرفوا أن الذي حصل لموسى وعصاه ليس بسحر، وأنه آية من آيات الله عز وجل، فألقي السحرة ساجدين.

 

وانظر إلى كلمة (ألقي) كأن هذه السجود جاء اندفاعًا بلا شعور، ما قال: سجدوا! ألقوا ساجدين، كأنهم من شدة ما رأوا اندفعوا بدون شعور ولا اختيار؛ حتى سجدوا مؤمنين بالله ورسوله.

 

﴿ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾؛ فتوعدهم فرعون واتهمهم، وهو الذي جاء بهم، فقال: ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ [طه: 71]؛ سبحان الله! علمهم السحر! وأنت الذي أتيت بهم؟! سبحان الله! لكن المكابرة تجعل المرء يتكلم بلا عقل.

 

قال: ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ﴾؛ أقطع اليد اليمنى والرجل اليسري، ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71]، ما الذي قالوا له؟ ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾؛ ما يمكن أن نُقدِّمك على ما رأينا من البينات! أنت كذاب لست برب، الرب رب موسى وهارون؛ ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾ [طه: 72]؛ انظر إلى الإيمان إذا دخل القلوب! رخصت عليهم الدنيا كلها؛ ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾؛ أي: افعل ما تريد؛ ﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾؛ إذا قضيت علينا أن نفارق الدنيا، ﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ﴾؛ لأنه قد أكرهمم لكي يأتوا ويقابلوا موسى، ﴿ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 73]؛ فالإيمان إذا دخل القلب، واليقين إذا دخل القلب لا يفتته شيء، وإلا فإن السحرة جنود فرعون، كانوا في أول النهار سحرة كفرة، وفي آخر النهار مؤمنين برره، يتحدون فرعون؛ لِمَا دخل في قلبهم من الإيمان، فهذه هزيمة نكراء لفرعون، لكن مع ذلك ما زال في طغيانه.

 

وفي النهاية جمع الناس على أنه سيقضي على موسى، فحرج موسى في قومه هربًا منه، متجهًا بأمر الله إلى البحر الأحمر؛ ويسمى «بحر القلزم»؛ متجهًا إليه مشرقًا، فتكون مصر خلفه غربًا، فلما وصل إلى البحر وإذا فرعون بجنوده العظيمة وجحافله القوية خلفهم والبحر أمامهم، ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾؛ البحر أمامنا وفرعون وجنوده خلفنا، أين نفر؟ ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، اللهم صل وسلم عليه، هكذا يقين الرسل عليهم الصلاة والسلام في المقامات الحرجة الصعبة، تجد عندهم من اليقين ما يجعل الأمر العسير - بل الذي يظن أنه متعذر - أمرًا يسيرًا سهلًا، ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾؛ فلما فوَّض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى أوحى الله إليه: أن اضرب بعصاك البحر الأحمر، فضرب البحر بعصاة ضربة واحدة فانفلق البحر اثني عشر طريقًا؛ لأن بني إسرائيل كانوا اثنتي عشرة قبيلة، اثني عشر سبطًا، والسبط بمعني القبيلة عند العرب.

 

فضربه، وبلحظة يبس؛ ﴿ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ﴾ [طه: 77]؛ فعبَر موسى بقومه في أمن وأمان؛ الماء بين هذه الطرق مثل الجبال؛ كأنه جبل واقف، الماء جوهر سيال، لكنه بأمر الله صار واقفًا كالجبال.

 

حتى إن بعض العلماء قال: إن الله سبحانه وتعالى جعل في كل طود من هذه المياه، جعل فيها فرجًا حتى ينظر بنو إسرائيل بعضهم إلى بعض؛ لئلا يظنوا أن أصحابهم قد غرقوا وهلكوا، من أجل أن يطمئنوا.

 

فلما انتهى موسى وقومه خارجين، دخل فرعون وقومه، فلما تكاملوا أمر الله البحر أن يعود على حاله فانطبق عليهم، وكان بنو إسرائيل من شدة خوفهم من فرعون وقع في نفوسهم أن فرعون لم يغرق، فأظهر الله جسد فرعون على سطح الماء، قال: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [يونس: 92]؛ حتى يشاهدوه بأعينهم، واطمانوا أن الرجل قد هلك.

 

فتأمل هؤلاء الأمم الثلاث الذين هم في غاية الطغيان، كيف أخذهم الله عز وجل وكان لهم بالمرصاد، وكيف أُهلكوا بمثل ما يفتخرون به.

فقوم عاد قالوا: ﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾؛ فأُهلكوا بالريح، وهي أصلًا لطيفة وسهلة.

وقوم صالح: أُهلكوا بالرجفة والصيحة.

 

وفرعون أُهلك بالماء والغرق، وكان يفتخر بالماء، يقول لقومه: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴾ [الزخرف: 51- 53]؛ فأغرقه الله تعالى بالماء.

 

فهذه جملة ما تشير إليه هذه الآية الكريمة: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].

 

الآية الخامسة: قوله عز وجل: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]؛ يعلم؛ يعني: الله عز وجل ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾؛ وخائنة الأعين: خيانتها؛ فالخائنة هنا مصدر كالعاقبة والعافية وما أشبهها.

 

ويجوز أن تكون اسم فاعل على أنها من خان يخون؛ فيكون من باب إضافة الصفة إلى موصوفها.

 

على كل حال هذه مسألة نحوية ما تهم هنا، المهم أن للأعين خيانة، وذلك أن الإنسان ينظر إلى الشيء ولا تظن أنه ينظر إليه نظرًا محرمًا، ولكن الله عز وجل يعلم أنه ينظر نظرًا محرمًا.

 

كذلك ينظر إلى الشخص نظر كراهية، والشخص المنظور لا يدري أن هذا نظر كراهية، ولكن الله تعالى يعلم أنه ينظر نظر كراهية، كذلك ينظر الشخص إلى شيء محرم ولا يدري الإنسان الذي يرى هذا الناظر أنه ينظر إلى الشيء نظر إنكار أو نظر رضا، ولكن الله سبحانه هو يعلم ذلك، فهو سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين، ويعلم أيضًا ما تخفي الصدور؛ أي: القلوب؛ لأن القلوب في الصدور، والقلوب هي التي يكون بها الفهم، ويكون بها التدبير، كما قال الله: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

 

سبحان الله! كأن هذه الآية تنزل على حال الناس اليوم، بل حال الناس في القديم؛ يعني: هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب؟

هذه مسألة أشكلت على كثير من النظار الذين ينظرون إلى الأمور نظرة مادية لا يرجعون فيها إلى قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

وإلا فالحقيقة أن الأمر فيها واضح أن العقل في القلب، وأن القلب في الصدر؛ ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾، وقال ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]؛ ولم يقل: (القلوب التي في الأدمغة)؛ قال: ﴿ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾؛ فالأمر فيه واضح جدًّا أن العقل يكون في القلب، ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».

 

فما بالك بأمر شهد به كتاب الله، والله تعالى هو الخالق العالم بكل شيء، وشهدت به سنة الرسول صلي الله عليه وسلم!

 

إن الواجب علينا إزاء ذلك أن نطرح كل قول يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن نجعله تحت أقدامنا، وأن لا نرفع به رأسًا.

 

إذًا القلب هو محل العقل ولاشك، ولكن الدماغ محل التصور، ثم إذا تصورها وجهزها بعث بها إلى القلب، ثم القلب يأمر أو ينهى؛ فكأن الدماغ (سكرتير) يُجهِّز الأشياء ثم يدفعها إلى القلب، ثم القلب يوجِّه، يأمر أو ينهى، وهذا ليس بغريب؛ ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذريات: 21]، وفي هذا الجسم أشياء غريبة تحار فيها العقول، فليس بغريب أن الله سبحانه وتعالى يجعل التصور في الرأس، فيتصور الدماغ وينظم الأشياء، حتى إذا لم يبق إلا الأوامر أرسلها إلى القلب، ثم القلب يحرك، يأمر أو ينهى.

 

لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ»؛ فلولا أن الأمر للقلب ما كان إذا صلح صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد كله.

 

إذًا، فالقلوب هي محل العقل والتدبير للشخص، ولكن لا شك أن لها اتصالًا بالدماغ؛ ولهذا إذا اختل الدماغ فسد التفكير وفسد العقل! فهذا مرتبط بهذا، لكن العقل المدبر في القلب، والقلب في الصدر ﴿ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

 

المصدر: «شرح رياض الصالحين»



[1] أخرجه مسلم (482).

[2] أخرجه الطبري في «تفسيره» (1/ 332)، وصححه الألباني في «الصحيحة» (109).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات مع الصيام وفضائله وآدابه "من رياض الصالحين"
  • معية الله للذاكرين في رياض الصالحين (خطبة)
  • طاعة الله جل جلاله رياض الصالحين وبهجة المتقين
  • رياض الصالحين ومجالس الذاكرين
  • شرح باب الصبر من كتاب رياض الصالحين
  • شرح أول باب الصدق من كتاب رياض الصالحين
  • شرح باب التقوى من كتاب رياض الصالحين
  • شرح باب اليقين والتوكل من كتاب (رياض الصالحين)
  • شرح باب الاستقامة من كتاب رياض الصالحين
  • شرح باب التفكر في عظيم مخلوقات الله
  • شرح باب المبادرة إلى الخيرات من كتاب رياض الصالحين
  • شرح باب المجاهدة من كتاب رياض الصالحين
  • شرح (باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر) من كتاب رياض الصالحين
  • شرح باب بيان كثرة طرق الخير من كتاب رياض الصالحين
  • المراقبة (خطبة)
  • شرح باب التحذير من إيذاء الصالحين
  • شرح باب احتمال الأذى
  • شرح باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء

مختارات من الشبكة

  • العناية بشروح كتب الحديث والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة شرح رياض الصالحين (الفوائد المترعة الحياض في شرح كتاب الرياض)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح باب فضل ضعفة المسلمين من كتاب رياض الصالحين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح باب الإصلاح بين الناس من كتاب رياض الصالحين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح باب تعظيم حرمات المسلمين من كتاب رياض الصالحين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من كتاب رياض الصالحين (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من كتاب رياض الصالحين (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح باب: النصيحة من كتاب «رياض الصالحين»(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح باب التعاون على البر والتقوى من كتاب رياض الصالحين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح باب فيمن سن سنة حسنة أو سيئة من كتاب رياض الصالحين(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب