دور التطليق للشقاق في ارتفاع نسبة الطلاق بالمغرب

1) مفهوم التطليق للشقاق عند الفقهاء: قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35].

• معنى الخوف في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾: ذهب كثير من أهل العلم إلى أن المراد بالخوف هنا العلم؛ أي: إن قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ ﴾ معناه: وإن علمتم، أما المخاطب بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ ﴾، فقد ذهب كثير من أهل اعلم إلى أن المخاطب هم الحكماء والأمراء، ونقل الحافظ عن ابن بطال أنه قال: "أجمع العلماء على أن المخاطب بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾ الحكام"[1]، بينما ذهب الطبري إلى أن المخاطب هم الناس.

• أما معنى: ﴿ شِقَاقَ ﴾ في الآية، فقد جاء في تفسير الطبري: "القول في تأويل قوله: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾، وإن علمتم أيها الناس ﴿ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾؛ وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيانه ما يشق عليه من الأمور ... و(الشقاق) مصدر من قول القائل: شاقَّ فلانٌ فلانًا إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشق عليه من الأمور"[2]، والشقاق: هو النزاع الشديد بسبب الطعن في الكرامة ... كالشتم والتقبيح المخل بالكرامة[3].

• أما المخاطب في قوله تعالى: ﴿ فَابْعَثُوا ﴾: فهم الحكام، وذلك قول أكثر أهل العلم وهو الراجح، بينما ذهب آخرون أن المأمور بذلك الرجل والمرأة[4]، والمخاطب في قوله تعالى: ﴿ إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا ﴾ على قول الأكثر الحَكَمان، والمراد بقوله تعالى: ﴿ بَيْنَهُمَا ﴾ هما الزوجان على القول الراجح[5].

2) دور الحَكَمين عند الفقهاء:

ذهب كثير من أهل العلم إلى أن السلطان يبعث الحكمين، وحكمُهما ماضٍ على الزوجين في الجمع والتفريق، وهذا قول أكثر أهل العلم، وقد نُقل الإجماع على ذلك[6]؛ فعثمان وعلي وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم جعلوا الحكم - بالجمع أو التفريق - إلى الحكمين، ولا يُعرف لهم من الصحابة مخالف، وإنما يعرف الخلاف بين التابعين فمن بعدهم[7]، وهذا رأي المالكية كذلك في الفرقة والاجتماع بغير توكيل الزوجين ولا إذنٍ منهما؛ لما رواه مالك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في الحكمين: "إليهما التفرقة والجمع"[8].

وذهب آخرون إلى أن الذي يبعث الحكمين هو السلطان، ولكنه يبعثهما للإصلاح ومعرفة الظالم من المظلوم والشهادة على الظالم بظلمه، أما التفريق فليس إليهما، وهذا رأي الحسن البصري وقتادة وأحمد بن حنبل وغيرهم، ودليلهم أن الله عز وجل قال: ﴿ إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾، ولم يذكر التفريق[9].

3) حكم التطليق للشقاق:

أجاز المالكية التفريق للشقاق منعًا للنزاع، وحتى لا تصبح الحياة الزوجية جحيما وبلاء[10]، وإذا أوقعه القاضي كان طلاقًا بائنًا؛ لأن الضرر لا يُزال إلا به، ولأنه إذا كان رجعيًّا تمكن الزوج من مراجعة المرأة في العدة، والعودة إلى الضرر[11].

المحور الثاني: التطليق للشقاق في مدونة الأسرة المغربية:

نصت المادة 94 من مدونة الأسرة المغربية: (إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حلَّ نزاع بينهما يُخاف منه الشقاق، وجب عليها أن تقوم بكل المحاولات لإصلاح ذات البَيْنِ طبقًا لأحكام المادة 82).

هذه المادة - مادة 82 - جاء في منطوقها: (عند حضور الطرفين، تُجري المناقشات بغرفة المشورة، بما في ذلك الاستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في الاستماع إليه، وللمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات، بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة، أو من تراه مؤهلًا لإصلاح ذات البين، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يومًا، إذا تم الإصلاح بين الزوجين، حُرِّر به محضر وتم الإشهاد به من طرف المحكمة).

1) دور الحكمين في مدونة الأسرة المغربية:

• يتحدد دور الحكمين في الإصلاح دون التفريق بين الزوجين، وكذا تحديد أسباب الخلاف بينهما، ورفع تقرير للمحكمة؛ كما جاء في منطوق المادة 95 من مدونة الأسرة المغربية: (يقوم الحكمان أو من في حكمهما باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين، وببذل جهدهما لإنهاء النزاع).

إذا توصل الحكمان إلى الإصلاح بين الزوجين، حرَّرا مضمونه في تقرير من ثلاث نسخ يوقِّعها الحكمان والزوجان، ويرفعانها إلى المحكمة التي تُسلِّم لكل واحد من الزوجين نسخة منه، وتحفظ الثالثة بالمِلف ويتم الإشهاد على ذلك من طرف المحكمة).

• وفي حالة ما إذا اختلف الحكمان في تحديد أسباب الخلاف، فقد نصت المادة 96: (إذا اختلف الحكمان في مضمون التقرير أو في تحديد المسؤولية، أو لم يقدماه خلال الأجل المحدد لهما - أمكن للمحكمة أن تجري بحثًا إضافيًّا بالوسيلة التي تراها ملائمة).

2) حالة تعذر الإصلاح في مدونة الأسرة المغربية:

• في حالة تعذر الإصلاح نصت المادة 97: (في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، تُثبِتُ المحكمة ذلك في محضر، وتحكم بالتطليق وبالمستحقات طبقًا للمواد 83 و84 و85 أعلاه، مراعية مسؤولية كلٍّ من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر).

(يُفصل في دعوى الشقاق في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب).

• إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين، حددت المحكمة مبلغًا يودعه الزوج بكتابة الضبط بالمحكمة داخل أجلٍ أقصاه ثلاثون يومًا لأداء مستحقات الزوجة والأطفال الملزم بالإنفاق عليهم المنصوص عليها في المادتين الآتيتين:

المادة 84: (تشمل مستحقات الزوجة: الصَّداق المؤخر إن وُجد، ونفقة العدة، والمتعة التي يُراعى في تقديرها: فترة الزواج، والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه.

تسكن الزوجة خلال العدة في بيت الزوجية، أو للضرورة في مسكن ملائم لها وللوضعية المادية للزوج، وإذا تعذر ذلك، حددت المحكمة تكاليف السكن في مبلغ يُودَع كذلك ضمن المستحقات بكتابة ضبط المحكمة).

المادة 85: (تحدد مستحقات الأطفال الملزم بنفقتهم طبقًا للمادتين 168 و190 بعده، مع مراعاة الوضعية المعيشية والتعليمية التي كانوا عليها قبل الطلاق).

المحور الثالث: آثار التطليق للشقاق في نسبة الطلاق بالمغرب:

إن معرفة آثار التطليق للشقاق إيجابًا أو سلبًا في تحديد نسبة الطلاق بالمغرب، يجعلنا نقف على التقرير الصادر سنة 2016م المعنون بـ"عشر سنوات على تطبيق مدونة الأسرة: أي تغييرات في تمثلات ومواقف وممارسات المواطنين والمواطنات؟ دراسة ميدانية"؛ إعداد وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بشراكة مع وزارة العدل والحريات.

هذا التقرير وما تضمنه من نسب لأنواع التطليق في المغرب سيمكننا من معرفة آثار التطليق للشقاق في مدى ارتفاع نسبة الطلاق أو انخفاضها، وذلك من خلال ما يلي[12]:

حسب إحصائيات وزارة العدل والحريات في تقريرها الصادر شهر مايو 2014، لقد عرفت مسطرة التطليق للشقاق منذ دخول مدونة الأسرة المغربية حيز التنفيذ سنة 2004 ارتفاعًا في استعمالها من قِبَلِ الأزواج نساءً ورجالًا لإنهاء العلاقة الزوجية؛ بحيث انتقلت من (4865) حالة سنة 2005 إلى (39836) حالة سنة 2013[13]، وواقع الممارسة يدل على أن القضاء قضى بـ(43438) حالة تطليق للشقاق؛ أي: ما يمثل %97.82 من مجموع حالات التطليق القضائي سنة 2014[14]، مقابل %2.28 بالنسبة لأنواع التطليق الأخرى؛ فمثلًا طلبات التطليق للضرر أصبحت نادرة جدًّا، وذلك بفعل لجوء النساء إلى التطليق للشقاق، فطلبات التطليق للضرر لم تعد تشكل سوى %1.09 من مجموع دعاوى التطليق بمعدل (484) قضية[15]، بينما أصدر القضاء المغربي (375) حكمًا لللتطليق للغيبة خلال سنة 2014؛ أي: ما يمثل %0.84 من مجموع أحكام التطليق القضائي[16].

ما يبين أن التطليق للشقاق يعد السبب الرئيس في نسبة ارتفاع الطلاق بالمغرب؛ حيث جاء في التقرير آنف الذكر: (التطليق بسبب الشقاق أضحى السبب الرئيس لانحلال ميثاق الزوجية)، فما هي الأسباب المؤدية لارتفاع نسبة التطليق للشقاق بالمغرب؟

المحور الرابع: أسباب الارتفاع الملحوظ في نسبة التطليق للشقاق في المغرب:

إن معرفة الأسباب المؤدية لارتفاع نسبة التطليق للشقاق في المغرب يمكن إبرازها من خلال النقاط الآتية:

1- مسؤولية بعض المنتمين للشأن القضائي في ارتفاع نسبة التطليق للشقاق؛ بحيث إن نصف المجتمع المغربي يجهل به كما هو واضح في الجدول 327 المبين أعلاه، لكن بعد وصولهم إلى المحكمة تصل نسبة التطليق للشقاق %97.82.

2- كثرة ملفات الطلاق المعروضة كل يوم على المحاكم؛ ما يصعِّب التركيز على عملية الصلح، وضعف مؤسسات الوساطة الأسرية.

3- سهولة مسطرة التطليق للشقاق.

4- المحكمة ملزمة بالحكم بالتطليق للشقاق إذا تعذر الإصلاح بنص المادة 97 التي جاء فيها: (في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، تثبت المحكمة ذلك في محضر، وتحكم بالتطليق وبالمستحقات ...)، حتى وإن لم يتبين لها أدنى سبب في التطليق، فإن القاضي ملزم بالحكم بالتطليق للشقاق إذا أصرَّ أحد الزوجين على ذلك؛ كما قال الدكتور المحامي (سعيد ناوي) عند حديثه عن مسطرة الشقاق، وهذا ما يفتح الباب أمام كل من سوَّلت له نفسه الافتراق بأن يلجأ إلى هذه المسطرة؛ ما ترتب عنها ارتفاع نسبة الطلاق.

5- دور الحكمين في مدونة الأسرة محصورٌ في محاولة الصلح، وبيان أسباب الاختلاف، وتحديد المسؤول، وليس كما ذهب عثمان وعلي وابن عباس ومعاوية، وإجماع العلماء منهم المالكية الذين جعلوا الحكم - بالجمع أو التفريق - إلى الحكمين؛ لما رواه مالك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في الحكمين: "إليهما التفرقة والجمع".

6- عمومية مصطلح الشقاق وعدم حصر أسبابه يجعل كل أنواع التطليق الأخرى تدخل تحته؛ فمثلًا نصت مدونة الأسرة في المادة 120/ 2: (إذا أصرَّت الزوجة على طلب الخلع، ولم يستجب لها الزوج، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق)، وفي المادة 124/ 3: (يجب على القاضي قبل الخطاب على وثيقة الرجعة استدعاء الزوجة لإخبارها بذلك، فإذا امتنعت ورفضت الرجوع، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المادة 94 أعلاه)، وهذا ما ضيَّق الخناق على أنواع الطلاق أو التطليق الأخرى، وأقفل الباب على إمكانية الرجعة؛ ما جعل نسبة الطلاق ترتفع.

المحور الخامس: حلول مقترحة للتقليل من التطليق للشقاق:

للتقليل من ظاهرة الطلاق عامة والتطليق للشقاق خاصة، أقترح الحلول آتية الذكر:

1- القيام بدورات تكوينية للشباب المقبل على الزواج؛ لمعرفة ما له وما عليه، وتأهيله للحياة الزوجية.

2- إحداث مؤسسات للوساطة الأسرية بمرجعية دينية.

3- إلزامية مرور طلبات الطلاق عامة والتطليق على المجالس العلمية، أو مؤسسات الوساطة الأسرية، أو الحكمين.

4- تعديل المادة 97 التي جاء فيها: (في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، تثبت المحكمة ذلك في محضر، وتحكم بالتطليق وبالمستحقات ...)، والذي يلزم المحكمة بالاستجابة للراغب في التطليق للشقاق، بحالة ما إذا تبين لها استحالة العيش معًا.

5- توسيع دور الحكمين في مدونة الأسرة بأن يتعدى مجرد محاولة الصلح وبيان أسباب الاختلاف، وتحديد المسؤول، إلى ما ذهب عثمان وعلي وابن عباس ومعاوية، وإجماع العلماء منهم المالكية الذين جعلوا الحكم - بالجمع أو التفريق - إلى الحكمين؛ لما رواه مالك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في الحكمين: "إليهما التفرقة والجمع".

6- تضييق مصطلح الشقاق وحصر أسبابه.