• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    السهر وإضعاف العبودية لله (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطورة إنكار البعث (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    مسألة تلبس الجان بالإنسان
    إبراهيم الدميجي
  •  
    خطبة: المثلية والشذوذ عند الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    المعتزلة الجدد وتأويل النص القرآني
    د. محمد عبدالفتاح عمار
  •  
    من مائدة الحديث: التحذير من الإضرار بالمسلمين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    صلوا عليه وسلموا تسليما
    بكر البعداني
  •  
    بشارة القرآن لأهل التوحيد (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    حقوق اليتيم (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    الحافظ الدارقطني (ت 385 هـ) وكتاباه «الإلزامات» ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    حديث: أن رجلا ظاهر من امرأته، ثم وقع عليها
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    السنة النبوية وبناء الأمن النفسي: رؤية سيكولوجية ...
    د. حسام الدين السامرائي
  •  
    خطبة: الشهود يوم القيامة
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    كيف تترك التدخين؟
    حمد بن بكر العليان
  •  
    خطبة: تهديد الآباء للأبناء بالعقاب
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في النصيحة والأمانة
علامة باركود

اعفوا واصفحوا يغفر الله لكم (خطبة)

اعفوا واصفحوا يغفر الله لكم (خطبة)
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/12/2019 ميلادي - 17/4/1441 هجري

الزيارات: 20691

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اعفوا واصفحوا يغفر الله لكم

 

أَمَّا بَعدُ، فَـ﴿ اأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، الإِنسَانُ اجتِمَاعِيٌّ بِطَبعِهِ وَفِطرَتِهِ، يُحِبُّ الخُلطَةَ وَيَأنَسُ بِمَن حَولَهُ، وَلا يَنفَكُّ في حَيَاتِهِ عَن عِلاقَاتٍ تَربِطُهُ بِالآخَرِينَ، بَدءًا بِوَالِدَيهِ وَإِخوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، وَأَعمَامِهِ وَأَرحَامِهِ وَأَقَارِبِهِ، ثم جِيرَانِهِ وَزُمَلائِهِ وَأَصدِقَائِهِ، وَهَكَذَا تَتَّسِعُ دَوَائِرُ اتِّصَالِهِ بِالآخَرِينَ أَو تَضِيقُ، وَتَقوَى صِلَتُهُ بِهِم أَو تَضعُفُ؛ تَأَثُّرًا بِأَسبَابٍ مُختَلِفَةٍ وَدَوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ، غَيرَ أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَت عِلاقَةُ المَرءِ بِالنَّاسِ قَوِيَّةً طَيِّبَةً، وَصِلاتُهُ بِمَن يَعرِفُهُم مَتِينَةً وَمُستَمِرَّةً، وَقَلبُهُ قَابِلاً لاختِلافِ وُجهَاتِ النَّظَرِ، وَصَدرُهُ مُتَّسِعًا لِقَبُولِ الرَّأيِ الآخَرِ وَتَحَمُّلِ مَا يَصدُرُ عَنِ الآخَرِينَ مِن خَطَأٍ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى صِدقِ تَدَيُّنٍ وَكَمَالِ عَقلٍ، وَمُنبِئًا عَن سَعَةِ أُفُقٍ وَحُسنٍ خُلُقٍ، وَعَلامَةً عَلَى زَكَاءِ قَلبٍ وَصَفَاءِ نَفسٍ وَسَدَادِ رَأيٍ، وَكُلَّمَا كَانَ سَرِيعًا إِلى صَرمِ العِلاقَاتِ لأَتفَهِ الأَسبَابِ، مُبَادِرًا إِلى الهَجرِ عِندَ أَدنى اختِلافٍ أَوِ ارتِيَابٍ، كَانَ ذَلِكَ مُؤَشِّرًا عَلَى هَشَاشَةِ تَدَيُّنِهِ وَضَعفِ عَقلِهِ، وَضِيقِ أُفُقِهِ وَسُوءِ خُلُقِهِ، بَل وَفَسَادِ رَأيِهِ وَنَزَقِهِ وَحُمقِهِ.

 

وَإِنَّهُ لَمَّا صَارَ النَّاسُ في زَمَانِنَا إِلى مَا صَارُوا إِلَيهِ وَفُتِنُوا بِالدُّنيَا، وَشُغِلُوا بِالتَّنَافُسِ فِيهَا عَنِ التَّسَابُقِ إِلى مَا يُقَرِّبُهُم إِلى اللهِ، خَفَّتِ العُقُولُ وَطَاشَتِ الأَلبَابُ، وَضَاقَتِ الصُّدُورُ وَشَحَّتِ النُّفُوسُ، وَانطَوَى كُلٌّ مِنهُم عَلَى نَفسِهِ، وَصَارَ هَمُّهُ إِرضَاءَ نَزَوَاتِهَا وَتَحقِيقَ رَغَبَاتِهَا، فَمَن كَانَ لَهُ عِندَهُ مَصلَحَةٌ عَاجِلَةٌ تَحَمَّلَهُ وَوَصَلَهُ، وَمَن لم يَكُنْ لَهُ عِندَهُ مَصلَحَةٌ لم يُبَالِ بِهِ وَلم يَهتَمَّ لِقُربِهِ أَو بُعدِهِ، وَلَو كَانَ مِن أَرحَامِهِ أَو مِمَّن تَجِبُ صِلَتُهُ وَالإِحسَانُ إِلَيهِ.

 

أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – لَقَد ظَهَرَ في وَاقِعِنَا أَن تَرَى أَخًا لا يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ، وَقَرِيبًا لا يُطِيقُ رُؤيَةَ قَرِيبِهِ، وَرِجَالاً عَادَوا أَصهَارَهُم، وَآخَرِينَ هَجَرُوا أَنسَابَهُم، وَاثنَينِ إِذَا لَمَحَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ في طَرِيقٍ أَو جَمَعَهُ بِهِ مَجلِسٌ دُونَ عِلمِهِ، تَخَلَّصَ مِنهُ مُسرِعًا وَصَدَّ عَنهُ، وَقَد يَكُونَانِ مِن جَمَاعَةِ مَسجِدٍ أَو زَمِيلَي عَمَلٍ أَو رَفِيقَي مِهنَةٍ، أَو كَانَت بَينَهُمَا صَدَاقَةٌ قَدِيمَةٌ وَمَوَدَّةٌ طَوِيلَةٌ، ثم يَتَصَارَمَانِ وَيَتَهَاجَرَانِ وَيَتَدَابَرَانِ، وَتَحدُثُ بَينَهُمَا وَحْشَةٌ شَدِيدَةٌ وَصَدٌّ وَقَطِيعَةٌ، وَتَذهَبُ اللَّيَالي وَالأَيَّامُ، وَتَتَعَاقَبُ السَّنَوَاتُ وَالأَعوَامُ، وَتَتَصَرَّمُ الأَعمَارُ وَتَدنُو الآجَالُ، وَالأَعمَالُ مَردُودَةٌ وَالحَسَنَاتُ غَيرُ مَقبُولَةٍ، وَالصُّدُورُ ضَيِّقَةٌ وَالقُلُوبُ مَشحُونَةٌ، وَالوُجُوهُ عَابِسَةٌ وَالأُنُوفُ وَارِمَةٌ، فَإِلى اللهِ المُشتَكَى مِن قَسوَةِ القُلُوبِ وَاستِحكَامِ الغَفلَةِ!

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّهُ مَا مِن مُسلِمٍ عَاقِلٍ حَصِيفٍ، يَعرِفُ هَوَانَ الدُّنيَا وَسُرعَةَ زَوَالِهَا، إِلاَّ وَهُوَ يُرِيدُ أَن يَحيَا فِيهَا مَحبُوبًا مَقبُولاً، وَأَن يُدعَى لَهُ وَيُثنَى عَلَيهِ بِخَيرٍ بَعدَ رَحِيلِهِ، وَأَن تَدُومَ بَعدَ ذَلِكَ حَسَنَاتُهُ وَتَنقَطِعَ سَيِّئَاتُهُ، وَإِنَّهُ لا سَبِيلَ لِذَلِكَ بَعدَ تَقوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ وَحُسنِ الصِّلَةِ بِهِ، إِلاَّ بِالإِحسَانِ إِلى النَّاسِ وَكَسبِ قُلُوبِهِم...

 

أَحسِنْ إِلى النَّاسِ تَستَعبِدْ قُلُوبَهُمُ *** فَطَالَمَا استَعبَدَ الإِنسَانَ إِحسَانُ

 

وَإِنَّ مِن أَحسَنِ الإِحسَانِ وَأَجمَلِهِ وَأَسهَلِهِ، أَن يَعِيشَ المُسلِمُ عَفُوًّا مُسَامِحًا، غَضِيضَ الطَّرفِ عَنِ الزَّلاَّتِ، مُتَذَكِّرًا لِلحَسَنَاتِ، مُتَنَاسِيًا لِلسَّيِّئَاتِ، رَفِيقًا رَقِيقًا، حَلِيمًا رَحِيمًا، جَامِعًا غَيرَ مُفَرِّقٍ، مُؤَلِّفًا غَيرَ مُبَدِّدٍ، مُحتَسِبًا كُلَّ مَا يَأتِيهِ أَو يَجتَنِبُهُ لِبَقَاءِ عِلاقَةٍ وَدَوَامِ تَوَاصُلٍ، غَيرَ مُعَامِلِ لِلنَّاسِ بِالمِثلِ، وَلا مُكَافِئًا لَهُم عَلَى مَا يَصنَعُونَ، وَلا طَالِبًا مِنهُم فَوقَ مَا يُطِيقُونَ.

 

وَإِنَّهُ لا يُقَالُ إِنَّ عَلَى المَرءِ أَن يَكُونَ كَمَن لا كَبِدَ لَهُ وَلا إِحسَاسَ لَدَيهِ، فَيَقبَلَ كُلَّ خَطَأٍ مَهمَا كَبُرَ، وَيَتَحَمَّلَ كُلَّ مُخطِئٍ مَهمَا ثَقُلَ، فَهَذَا قَد يَكُونُ صَعبًا أَو مُستَحِيلاً، وَمَا مِن امرِئٍ إِلاَّ وَلَهُ قَلبٌ يَتَأَثَّرُ وَنَفسٌ تَشعُرُ، وَصَدرٌ يَتَّسِعُ بِالإِكرَامِ وَيَضِيقُ بِالإِهانَةِ، وَخَاطِرٌ يُجبَرُ بِالإِحسَانِ وَيُكسَرُ بِالعُدوَانِ، وَلَكِنَّ المُوَفَّقَ مَن كَانَ سَرِيعَ الفَيءِ إِلى الحَقِّ إِذَا ذُكِّرَ بِهِ، سَرِيعَ الرُّجُوعِ عَنِ البَاطِلِ إِذَا نُهِيَ عَنهُ، سَرِيعَ التَّنَازُلِ عَنِ المُخطِئِ كَثِيرَ النِّسيَانِ لِلخَطَأِ، يَمسَحُ المَاضِيَ لِيَطِيبَ لَهُ الحَاضِرُ، وَيَتَجَاهَلُ الفَائِتَ لِيَجمُلَ لَهُ القَادِمُ، وَيَمحُو مِن ذَاكِرَتِهِ كُلَّ مَوقِفٍ سَيِّئٍ، لأَنَّهُ يَعلَمُ أَنَّ ما حَصَلَ فَقَد حَصَلَ وَانتَهَى، وَأَنَّ الخَطَأَ لا يُعَالَجُ بِخَطَأٍ مِثلِهِ أَو أَكبَرَ مِنهُ، وَلَكِنَّ المُتَعَيِّنَ حِينَئِذٍ أَن يُدرِكَ المُخطِئُ خَطَأَهُ فَيَعتَذِرَ، وَأَن يَتَوَاضَعَ المُخطَأُ في حَقِّهِ فَيَقبَلَ العُذرَ وَيُبَادِرَ بِالعَفوِ، وَبِذَلِكَ تَصفُو النُّفُوسُ وَتَطِيبُ الخَوَاطِرُ، وَتَطمَئِنُّ القُلُوبُ وَتَنشَرِحُ الصُّدُورُ، وَتَعُودُ الأُمُورُ إِلى سَابِقِ عَهدِهَا، وَتُوأَدُ الفِتنَةُ في مَهدِهَا، وَيَستَمِرُّ التَّوَاصُلُ وَيَدُومُ المَعرُوفُ والإِحسَانُ، وَيَخسَأُ الشَّيطَانُ وَيَرضَى الرَّحمَنُ، بِخِلافِ مَا لَوِ استَنكَفَ المُخطِئُ وَلم يَعتَذِرْ، أَو بَادَرَ المُخطَأُ في حَقِّهِ بِاللَّومِ قَبلَ سَمَاعِ العُذرِ، أَو سَمِعَ العُذرَ فَتَكَبَّرَ وَلَم يَقبَلْهُ، ظَانًّا أَنَّ قَبُولَهُ إِهانَةٌ لَهُ، أَو أَنَّهُ جُبنٌ مِنهُ وَضَعفٌ في شَخصِيَّتِهِ، فَحِينَئِذٍ تَضِيقُ الصُّدُورُ وَتَغلِي القُلُوبُ، وَتَتَّسِعُ الفَجَوَاتُ وَتَتَّقَطَّعُ الصِّلاتُ، وَتَستَحكِمُ الشَّحنَاءُ وَتَدُومُ البَغضَاءُ، وَذَلِكَ هُوَ عَينُ مَا يُرِيدُهُ الشَّيطَانُ وَيَسعَى إِلَيهِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ الشَّيطَانَ قَد أَيِسَ أَنْ يَعبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ في التَّحرِيشِ بَينَهُم" رَوَاهُ مُسلم.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ مِمَّا يُؤسَفُ لَهُ، أَنَّ اعتِذَارَ المُخطِئِ وَقَبُولَ المُخطَأِ عَلَيهِ العُذرَ، صَارَ ثَقِيلاً عَلَى نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنَّا، فَاستَمَرَّت بِذَلِكَ الخِلافَاتُ وَطَالَتِ النِّزَاعَاتُ، حَتى تَحَوَّلَت إِلى قَضَايَا مُتَدَاخِلَةٍ، أَضَاعَتِ الأَوقَاتَ وَبَدَّدَتِ الجُهُودَ، وَخَرِبَت بها بُيُوتٌ وَتَشَتَّت أُسَرٌ، وَقُطِّعَت أَرحَامٌ وَهُدِمَت صَدَاقَاتٌ، وَأُرِيقَت دِمَاءٌ وَأُحدِثَت عَدَاوَاتٌ، وَقَد كَانَ يَكفِي لِوَأدِ تِلكَ المَصَائِبِ في مَهدِهَا كَلِمَةُ اعتِذَارٍ صَادِقَةٌ، وَعِبَارَةُ تَأَسُّفٍ في تَوَاضُعٍ وَرَغبَةٍ في الإِصلاحِ، لَكِنَّ الاعتِذَارَ صَارَ ثَقِيلاً، وَالسَّبَبُ في ذَلِكَ غَالِبًا هُوَ الخَلَلُ في التَّنشِئَةِ الاجتِمَاعِيَّةِ، وَاجتِرَارُ التَّقَالِيدِ الجَاهِلِيَّةِ، حَيثُ لا يَسمَعُ بَعضُنَا مِن بَعضٍ إِلاَّ اعتِدَادًا بِالنَّفسِ وَافتِخَارًا، وَلا نَرَى إِلاَّ تَعَالِيًا عَلَى الآخَرِينَ وَاستِكبَارًا، يُرَبَّى صِغَارُنَا عَلَى أَنَّ الاعتِذَارَ ضَعفٌ وَانسِحَابٌ، وَأَنَّ العَفوَ ذِلٌّ وَهَزِيمَةٌ وَانكِسَارٌ، وَأَنَّ الصَّفحَ إِهدَارٌ لِلكَرَامَةِ أَو تَقلِيلٌ مِنَ المَهَابَةِ، وَأَنَّهُ لا يَتَنَازَلُ عَن حَقِّهِ إِلاَّ العَاجِزُ الضَّعِيفُ، وَأَنَّ مَن لم يَكُنْ ذِئبًا أَكَلَتهُ الذِّئَابُ، وَمَن لم يَرُدَّ الصَّاعَ بِصَاعَينِ استَضعَفَهُ النَّاسُ وَاحتَقَرُوهُ!

 

وَهَكَذَا يُصبِحُ النَّاسُ وَكَأَنَّهُم لم يُخلَقُوا لِعِبَادَةٍ، وَلم يُدعَوا لِبَذلِ مَعرُوفٍ وَلا مَدِّ يَدٍ بِإِحسَانٍ، وَإِنَّمَا خُلِقُوا لِلتَّنَافُسِ عَلَى الدُّنيَا وَطَردِ الحُطَامِ، وَتَبَادُلِ العَدَاوَاتِ فِيهَا وَإِظهَارِ القُدرَةِ عَلَى الانتِقَامِ... فَيَا للهِ، كَيفَ يَكُونُ خَوفُ الشَّخصِ مِن تَأنِيبِ قَومِهِ أَو سُخرِيَتِهِم بِهِ لَو عَفَا، مَانِعًا لَهُ مِن فِعلِ الخَيرِ، وَحَائِلاً بَينَهُ وَبَينَ احتِسَابِ الأَجرِ، وَيَا للهِ، كَيفَ يُقَدَّمُ هَوَى النُّفُوسِ عَلَى مَا عِندَ اللهِ مِنَ الأُجُورِ، وَكَأَنَّنَا لم نَسمَعْ قَولَهُ – تَعَالى – في وَصفِ المُتَّقِينَ:﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134] وَقَولَهُ – تَعَالى -: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]" وَقَولَهُ – تَعَالى -: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22] وَقَولَ الصَّادِقِ المَصدُوقِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا" رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَقَولَهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يَهجُر أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلتَقِيانِ فيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا، وَخَيرُهُمَا الَّذي يَبدَأُ بِالسَّلامِ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَقَولَهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثٍ، فَمَن هَجَرَ فَوقَ ثَلاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ" رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَولَهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "تُفتَحُ أَبوَابُ الجَنَّةِ يَومَ الاثنَينِ وَالخَمِيسِ، فَيُغفَرُ لِكُلِّ عَبدٍ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا، إِلاَّ رَجُلاً كَانَ بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنظِرُوا هَذَينِ حتى يَصطَلِحَا، أَنظِرُوا هَذَينِ حتى يَصطَلِحَا، أَنظِرُوا هَذَينِ حتى يَصطَلِحَا" رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

فهَيَّا يَا عِبَادَ اللهِ، اُعفُوا وَاصفَحُوا، وَتَجاوَزُوا وَسَامِحُوا، وَاخرُجُوا مِن شِدَّةِ المُعاسَرَةِ إلى لِينِ المُعَاشَرَةِ، وَصِلُوا حِبَالَ الأُخُوَّةِ، وَمُدُّوا جُسُورَ المُوَدَّةِ، وَاعتَذِرُوا إِذَا أَخطَأتُم، وَاقبَلُوا العُذرَ إِذَا قُدِّمَ إِلَيكُم، وَكُونُوا مِنَ الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 21] وَادفَعُوا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ؛ فَقَد قَالَ رَبُّكُم - جَلَّ وَعَلا - ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 34 - 36]

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ...

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَمَّا كَانَتِ الجَنَّةُ هِيَ دَارَ السَّلامِ، جَعَلَ اللهُ مِن نَعيمِ أَهلِهَا خُلُوَّ صُدُورِهِم مِنَ الغِلِّ، قَالَ – تَعَالى -: ‏﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47] وَمِن ثَمَّ كَانَ عَلَى مَن أَرَادَ أَن يَعِيشَ في دُنيَاهُ في جَنَّةٍ مُعَجَّلَةٍ، أَن يُجَاهِدَ نَفسَهُ صَادِقًا عَلَى نَزعِ مَا فِيهَا مِن غِلٍّ، وَأَن يُدَرِّبَهَا عَلَى العَفوِ وَالصَّفحِ.

 

وَلْيَعلَمِ العَاقِلُ أَنَّهُ وَإِن خُيِّلَ إِلَيهِ أَنَّهُ يَجِدُ لَذَّةً في التَّشَفِي وَالانتِقَامِ مِمَّن أَخطَأَ في حَقِّهِ، فَإِنَّهَا لَذَّةٌ شَيطَانِيَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ، يَلحَقُهَا الذَّمُّ الدَّائِمُ وَالنَّدَمُ الطَّوِيلُ، وَأَمَّا لَذَّةُ العَفوِ وَالمُسَامَحَةِ فَإِنَّهَا وَإِن لم تُستَطعَمْ عَاجِلاً وَفي حِينِهَا، فَإِنَّهَا حَاصِلَةٌ وَلا بُدَّ، مَحمُودَةُ العَاقِبَةِ وَلا شَكَّ، فَإِلى مَتى المُكَابَرَةُ وَالمُغَالَطَةُ؟ لِمَاذَا لا نَعمَلُ بما عَلِمنَا وَنُعَوِّدُ أَنفُسَنَا الخَيرَ، فَإِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعلُّمِ وَالحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ "وَالخَيرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ" وَمَا أَحوَجَ نُفُوسَنَا إِلى أَن تُكسَرَ فِيهَا حِدَّةُ العُجبِ وَالغُرُورِ، وَأَن تُعَالَجَ مِن دَاءِ الكِبرِ وَالتَّعَالي! وَمَن نَصَحَ لِنَفسِهِ عَلِمَ أَنَّ حَظَّهَا مِنَ الكِبرِ هُوَ حَظُّهَا مِنَ الهَوَانِ وَالصَّغَارِ عِندَ اللهِ في هَذِهِ الدُّنيَا وَيَومَ القِيَامَةِ، قَالَ – سُبحَانَهُ -: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83] وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كَانَ في قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ" رَوَاهُ مُسلِمٌ، وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "مَن تَعَظَّمَ في نَفسِهِ أَوِ اختَالَ في مِشيَتِهِ لَقِيَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهُوَ عَلَيهِ غَضبَانُ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفرَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضائل العفو
  • سلسلة أنواع القلوب (8) القلب العفو
  • طلب العفو من المظلوم (بطاقة)
  • خلق العفو والصفح (خطبة)
  • آيات عن العفو والصفح
  • ليلة القدر بين السلام والعفو
  • سلوا الله العفو والعافية
  • خطر المشاحنة والمخاصمة وفضل العفو والمسامحة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: كف الأذى عن الناس صدقة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شموع (36)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أفشوا السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السهر وإضعاف العبودية لله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطورة إنكار البعث (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة: المثلية والشذوذ عند الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بشارة القرآن لأهل التوحيد (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة: الشهود يوم القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: تهديد الآباء للأبناء بالعقاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: ماذا بعد الحج(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/1/1447هـ - الساعة: 15:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب