• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

غنائم الأذكار (خطبة)

غنائم الأذكار (خطبة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/7/2019 ميلادي - 4/11/1440 هجري

الزيارات: 42540

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غنائم الأذكار [1]


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها المسلمون، إذا عرضتْ للناس أرباح مالية، أو سمعوا عن غنائم دنيوية، فإنهم سيسابقون إليها، ويحرصون على الظفر بها؛ لأن وراءها منالاً كبيراً للرغبات، ومصالح تجلب لهم راحة ونعيماً، وتدفع عنهم أضراراً ومضائق، ولا حرج في ذلك ما دامت تلك الغنائم والأرباح مشروعة.


غير أن المحزن هو ذلك التسابق الكثير إلى شهوات الدنيا، مع التباطؤ الكبير في العمل للجنة، فهناك تقاعس واضح من كثير من الناس عن أرباح الآخرة، وغنائمها الثمينة، التي لا تساويها غنائم الدنيا بل ولا تدانيها؛ فأرباح الدنيا وغنائمها قليلة وناقصة وفانية ومنغصة، وأما غنائم الآخرة وأرباحها فهي كثيرة وتامة وباقية ولا نغص يلحقها.


عباد الله، إن من أرباح الآخرة التي ينبغي لنا أن نسارع إليها، ونسابق إلى فضلها: ذكرَ الله عز وجل.

ذكر الله تعالى الذي هو خير الأعمال وأزكاها وأرفعها وأحبها إلى الله تعالى، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ؟ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ غَدًا فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ). قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: (ذِكْرُ اللهِ)[2].


وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أيضًا قال: إن آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قلت: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله)[3].


ذكر الله تعالى الذي هو أكبر الطاعات وأعظم القربات، قال تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


ذكر الله تعالى الذي هو حصن حصين من الشيطان، فعن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن) فمن تلك الكلمات الخمس قوله: (وآمركم بذكر الله كثيراً، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سِراعًا في أثره حتى أتى حصنًا حصينًا فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله)[4].


ذكر الله تعالى الذي هو حياة، والغفلة عنه موت، قال النبي صلى الله عليه و سلم: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت)[5].

فنسيانُ ذكرِ الله موتُ قلوبهم
وأجسامُهم قبل القبور قبورُ
وأرواحهم في وحشة من جسومهم
وليس لهم حتى النشورِ نشور[6]"


فالغافلون أدركهم الشيطان فأمات أرواحهم وقلوبهم؛ ولهذا فإن الذاكرين يعيشون حياة حقيقية ملؤها السعادة واليقين، وتحفها الطمأنينة والراحة، وأفعالهم بيضاء لصفاء قلوبهم بذكر الله تعالى، أما غيرهم -ممن يعيشون الغفلة- فأموات في صورة أحياء، وأشباح بلا أرواح، ليس لهم من الحياة إلا حركة الأجسام التي عششت فيها الغفلة وفرّخت فيها العناءَ والكآبة؛ ولذا فأعمالهم مظلمة؛ نتيجة سواد قلوبهم، وما صلاح الظاهر إلا بصلاح الباطن، وما فساده إلا بفساده.


أيها الأحبة الفضلاء، إن المتتبع لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل الذكر يجد غنائم كثيرة الخيرات تتضمنها أذكار قليلة الكلمات، مما يحث على قولها والعمل بها.

فحري بنا أن نعرف تلك الأذكار حتى نعمل بها لننال خيرها وفضلها.


الغنيمة الأولى: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عِدْل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطَّت خطاياه ولو كانت مثل زَبَد البحر)[7].


فتأملوا -رحمكم الله- في هذه الغنيمة اليومية الكبيرة التي تضمنها هذا النص المبارك بقول ذكرين من الأذكار:

الذكر الأول: قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) في يوم مائة مرة، والجائزة: أولاً: أن ثوابه هذا الذكر مثل ثواب من حرر عشر أنفس من الرق، وثانيًا: تكتب لصاحبه به مائة حسنة، وثالثًا: تمحى عنه مائة سيئة، ورابعًا: يقيه من الشيطان يومه ذلك، "يعني: أن الله تعالى يحفظه من الشيطان في ذلك اليوم فلا يقدر منه على زلة، ولا وسوسة ببركة تلك الكلمات"[8]. وخامسًا: أن قائله أتى بشيء عظيم، بل بأفضل شيء في باب الذكر، ولا شك أن الجزاء على العمل الصالح العظيم عظيم.


وقوله: (لم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك) قال النووي -رحمه الله-: "هذا فيه دليل على أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة، ويكون له ثواب آخر على الزيادة، وليس هذا من الحدود التي نهى عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها، وأن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة. ويحتمل أن يكون المراد الزيادة من أعمال الخير لا من نفس التهليل. ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة؛ سواء كانت من التهليل أو من غيره أو منه ومن غيره، وهذا الاحتمال أظهر، والله أعلم. وظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة في يومه، سواء قالها متوالية أو متفرقة في مجالس، أو بعضها أول النهار وبعضها آخره، لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزاً له في جميع نهاره"[9].


الثاني من الأذكار التي تضمنها هذا الحديث: قول: (سبحان الله وبحمده) في يوم مائة مرة، والجائزة: تكفير العدد الكثير من الذنوب، ولو كانت تلك الذنوب في الكثرة مثل زبد البحر أي: الرغوة التي تعلوه عند هيجانه.


أيها المسلمون: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) جملة عظيمة تتضمن تكرار كلمة التوحيد، التي فيها إقرار بتفرد الله بالألوهية، وإقرار بأن الملك كله لله، وإقرار بأن الحمد المطلق هو لله، وإقرار بعظمة قدرة الله على كل شيء. وهذه معان عظيمة إذا تمكنت من القلب مضامينُها أصلحته، فصلحت بذلك الجوارح.


ولعل في الإرشاد إلى تكرار هذه الجملة مائة مرة حِكَمًا: منها: أن ترسخ تلك المعاني في النفس، فإذا سها الذهن عند قول بعضها فلا يسهو في بعضها الآخر؛ فلذلك لابد لقائل هذا الذكر الكريم أن يستحضر معانيه، وتظهر عليه آثاره في الأقوال والأفعال.


والجملة الأخرى: (سبحان الله وبحمده) ومعناها: أسبِّح الله حامداً له تعالى.

وهذا ذكر عظيم ففيه التلفظ بتنزيه الله تعالى عن كل نقص في ذاته وصفاته وأفعاله، ويرافق ذاك التلفظَ حمدُ الله تعالى على ذلك الكمال الذي لم يتلبس بنقص.


وفي تكرار هذا الذكر هذا العدد أيضًا ما يعمق في النفس معاني التنزيه والحمد لله سبحانه، ولكن لمن استحضر ما يقول.

والناظر في الجزاء المترتب على هذين الذكرين في الحديث يجده جزاء عظيمًا يدل على سعة رحمة الله بعباده، وكثرة إكرامه لهم، فهو جزاء بإعطاء حسنات كثيرة، وتكفير سيئات غزيرة، وسلامة من وساوس الشيطان وكيده، وكل هذا حاصل بقول كلمات يسيرة!


إن هذا الكرم الإلهي قد يُحْرَمُه المرء الذي يقول هذا الذكر، ثم يعمد بعد ذلك إلى ركوب ما شاء من المحرمات الكبيرة بينه وبين الله وبينه وبين الخلق اغتراراً بتكفير التهليل والتسبيح لخطاياه، بحيث يجيء عقب ذنوبه الكبار ليقول هذا الذكر محواً لتلك السيئات، ولم يكتف بذلك، بل يعود إلى جرائره مرة أخرى وهكذا دواليك! ليس الأمر كذلك. قال بعض أهل العلم: " هذه الفضائل الواردة في فضل الذكر إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحرام والمعاصي العِظام، فلا تظن أن من أدمن الذكر، وأصر على ما شاءه من شهواته، وانتهك دين الله وحرماته أنه يلتحق بالمطهرين المقدسين، ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح"[10].


عباد الله، والغنيمة الثانية: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله الله، والله أكبر، غفر الله ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر)[11].


لا شك أن قبيل النوم وحين الخلود إلى فراشه يعتري الإنسانَ الخمول والفتور والغفلة وشدة الإرهاق، وهذه أحوال قد تبعد كثيراً من المسلمين عن ذكر الله، والمداومةِ على الورد المشروع قبيل المنام، فجاء هذا التحفيز النبوي بذكر هذه الغنيمة الغالية حتى يختم الإنسان يومه وبقية ليلته بذكر الله تعالى؛ إذ ما أحسن أن ينام الإنسان على طاعة! فلعل الأجل ينزل به حين نومه فلا يستيقظ أهله إلا على جثة هامدة، فيكون من الخير له أن مات على ذكر الله، ومن مات على شيء بعث عليه.


ثم انظروا -معشر المسلمين- إلى هذه الألفاظ التي تضمنها هذا النص ما أعظمها؛ فقد اشتملت على التوحيد والثناء على الله، وعلى التسليم والتفويض له تعالى، وعلى الحمد والتنزيه والتكبير.

والجائزة: غفران الذنوب، فينام الإنسان حينئذ وقد محا عن صحيفة أعماله ذنوبه وسيئاته.


أيها الإخوة الكرام، والغنيمة الثالثة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال إذا أوى إلى فراشه: الحمد لله الذي كفاني وآواني، والحمد لله الذي أطعمني وسقاني، والحمد لله الذي منَّ علي فأفضل، فقد حمد الله بجميع محامد الخلق كلهم)[12].


إن حمد الله تعالى عبادة من أعظم العبادات التي تدل على حب العبد لربه، ورضاه بما أعطاه له وقدره عليه، والحمد معبر عن نفس تشكر ولا تجحد، وتعترف بالفضل ولا تنكر.


ومن مكافأة الله لمن كانت هذه حاله: أن يديم الرب تعالى على صاحبها نعمه، ويعطيه زيادة على ذلك.﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم:7].


ولا ريب أن ظفر العبد بالكفاية والإيواء والشراب والطعام نعمةٌ عظيمة، ومنّة جسيمة، تستوجب حمد الله الكثير، وشكره الغزير على ذلك؛ إذ كم من إنسان غير مكفي، وكم إنسان لا يجد مأوى، وكم من إنسان يعيش في أحضان الجوع والظمأ!


فمن حمد الله في تلك الساعة من ليله فقد بلغ غاية عظيمة في الحمد، ومن بلغ تلك الغاية التي ذكرها الحديث كان له أجر لا يعلم عظمته إلا الله تعالى.


نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره، وحسن عبادته.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.


أما بعد:

أيها المسلمون، والغنيمة الرابعة: عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)[13].


ما أحسن هذا الترغيب النبوي بهذا الذكر العظيم، وما أجمل تناسق كلماته المثنَّاه المسجوعة الآتي بعضها في قالب التضاد الجميل، وما أعظم هذا التشويق الذي كُسيَ بالإجمال والإبهام، ثم تلاه التفصيل والتبيين!


إن هذا التمهيد الفذ لهذا الذكر بهذا الأسلوب الرائع يجعل النفوس تتوق إلى سماع ذكر هاتين الكلمتين اللتين اتصفتا بهذا الوصف البديع، ويجعلها تتسابق إلى امتثال ذلك.


إن الذي أوتي جوامع الكلم، وانقادت له البلاغة قاصيها ودانيها؛ يحثنا على هذا الذكر ويسهله لنا بأنه فقط كلمتان، وليس كلامًا كثيراً يشق على اللسان ترديده، وحتى لا يتبادر إلى الذهن أن هذه الخفة لهاتين الكلمتين تعني قلة أجرهما؛ فإنه ألحق الجملة الأولى بجملة ثانية تبين أنهما مع خفتهما لفظًا في اللسان فهما ثقيلتان أجراً في ميزان الأعمال.


ثم رغَّب فيهما بأنهما محبوبتان إلى الرحمن، وهذا يدفع المسلم إلى المسارعة إلى قولهما؛ لأنه يحب ما أحب الله تعالى، والله يحب أهلهما كذلك.


ثم بعد أن اشرأبت الأعناق، وتشنفت الآذان لمعرفة هاتين الكلمتين أخبر بأن هاتين الكلمتين الحبيبتين الخفيفتين نطقًا الثقلتين أجراً هما: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.


إنهما كلمتان تتضمنان تنزيه الله تعالى مقرونًا بحمده على كماله، ومصحوبًا بوصفه بالعظمة.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بين السماوات والأرض)[14].


وقال عليه الصلاة والسلام: (لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)[15].


قال بعض أهل العلم في شرح هذا الحديث: "فقوله: (كلمتان) فيه ترغيب وتخفيف، وقوله: (حبيبتان) فيه حث على ذكرهما لمحبة الرحمن إياهما، وقوله: (خفيفتان) فيه حث بالنسبة إلى ما يتعلق بالعمل، وقوله: (ثقيلتان) فيه إظهار ثوابهما. وجاء الترتيب بهذا الحديث على أسلوب عظيم وهو: أن حب الرب سابق، وذكر العبد وخفة الذكر على لسانه تالٍ، وبعد ذلك ثواب هاتين الكلمتين إلى يوم القيامة".


"وفي الحديث حث على المواظبة على هذا الذكر وتحريض على ملازمته؛ لأن جميع التكاليف شاقة على النفس وهذا سهل، ومع ذلك يثقل في الميزان كما تثقل الأفعال الشاقة، فلا ينبغي التفريط فيه. وقوله: (حبيبتان إلى الرحمن) تثنية حبيبة، وهي المحبوبة، والمراد أن قائلها محبوب لله، وخص الرحمن من الأسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة الله، حيث يجازى على العمل القليل بالثواب الجزيل، ولما فيها من التنزيه والتحميد والتعظيم"[16].


عباد الله، وبعد ذكر هذه النصوص النبوية الأربعة المتضمنة لبعض غنائم الأذكار ينبغي لنا أن نقف وقفة تأمل نسبر بها غور ذلك الترغيب النبوي، ونبحث عن بعض مقاصده وغاياته:

إن من غايات هذه الأذكار: إشغال المسلم بذكر الله؛ حتى لا يغفل عن ربه وخالقه المنعم عليه، ومن غاياته: إبعاده عن إلهاء المسلم نفسه بباطل، أو إشغالها بما لا فائدة فيه.


فيكون يوم المسلم وليلته معمورينِ بذكر الله، مسجِّلينِ له في صحيفة أعماله حسناتٍ كثيرة، وماحيينِ سيئات عديدة.


وفي هذه الأذكار لفت الانتباه إلى العناية بتكفير الخطايا، وأنها من أولويات ما يُعنى به المسلم.


وفي هذه الأذكار لفت الانتباه أيضًا إلى دوام حمد الله وشكره على النعم كلها، خاصة النعم الدائمة لدى الإنسان في يومه وليله والتي قد يؤدي الاستمرار عليها إلى نسيانها، فنعمُ السكنى والغذاء والكفاية قد يغفل كثير من الناس عن شكرها، ولا يشكرون إلا على النعم الحادثة التي قد لا تدوم.


وفي هذه الأذكار دعوة إلى ممارسة تربوية وهي التعود على أداء عبادةٍ ما في وقت معين تكثر غفلة الناس عنها في ذلك الوقت. كما أن في ذلك تعويداً للمسلم على ترتيب وقته وملء كل جزء منه بما يناسبه.


وفي هذه الأذكار لفتة مهمة وهي أن التحفيز إلى الطاعات مما يجذب النفوس إليها، فينبغي الاعتناء بذلك في التربية والترغيب إلى الخير.


ألا فلنحرص -معشر المسلمين- على هذه الغنائم الأخروية، فنذكر الله تعالى بها، ولنحضر قلوبنا عند قولها، وليكن لها أثر في صلاح جوارحنا وقلوبنا، ولنطرد بها عن نفوسنا سِنة الغفلة، ولنعمرها بيقظة المسابقة إلى الخيرات.


ولنعلم أن هذه الأذكار سهلة يسيرة، ولا تحتاج وقتًا طويلاً لتلاوتها، ولا جهداً كبيراً للفراغ منها، فالموفَّق من لزمها، وصارت من برنامجه اليومي الذي لا يدعه ولو تزاحمت لديه الأعمال، وضاقت عليه الأحوال.


نسأل الله أن يوفقنا إلى لزوم هذه الأذكار ونحوها.

هذا وصلوا وسلموا على خير البرية...

 


[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني، في: 2 /11 /1440ه، 5 /7 /2019م.

[2] رواه أحمد، وابن ماجه والحاكم، وهو صحيح.

[3] رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن حبان، وهو صحيح.

[4] رواه الترمذي وابن حبان، وهو صحيح.

[5] رواه البخاري.

[6] مدارج السالكين، لابن القيم(2/ 429).

[7] متفق عليه.

[8] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (22/ 81).

[9] شرح النووي على مسلم (17/ 17).

[10] فتح الباري (13/ 541).

[11] رواه ابن حبان، وهو صحيح.

[12] رواه البيهقي والحاكم، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[13] متفق عليه.

[14] رواه مسلم.

[15] رواه مسلم.

[16] فتح الباري (1/ 473) (11/ 208).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تذكير الأبرار بفضائل الأذكار (خطبة)
  • غنائم تدنيك من الحبيب
  • الغنائم المحققة لمراد الله تعالى (1)

مختارات من الشبكة

  • عشرون ذكرا من أذكار الصباح والمساء مع ذكر بعض فضائلها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أذكار المسلم وما يتعلق به من النوافل: أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم وما بعد الصلاة، وأذكار تفريج الكربات وقضاء الدين، وأذكار المسلم اليومية ونوافل الصلاة المندوبة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • (أذكار الصباح والمساء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أذكار الصباح والمساء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أذكار الصباح والمساء (بطاقة)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فقه أذكار الصباح والمساء (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • إتحاف النبلاء بصحيح أذكار الصباح والمساء (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دعاء من أذكار الصباح والمساء سبب للنجاة من النار (بطاقة)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • تذكرة العقلاء بفضل أذكار الصباح والمساء (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح أذكار الصباح والمساء من كتاب حصن المسلم (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب