• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

(لا يمسه إلا المطهرون): من وجوه ترجيح القول بأنهم الملائكة

(لا يمسه إلا المطهرون): من وجوه ترجيح القول بأنهم الملائكة
ناصر عبدالغفور

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/11/2018 ميلادي - 16/3/1440 هجري

الزيارات: 53944

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾

من وجوه ترجيح القول بأنهم الملائكة


يقول الله تعالى:" ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 77 - 79].

 

اختلف أهل العلم بالتأويل في هذه الآية، فذهب قوم إلى أن المراد اللوح المحفوظ لا يمسه إلا الملائكة، وذهبت طائفةٌ إلى أن المراد المصحف لا يمسه إلا الطاهرون من بني آدم، وقيل غير ذلك.

 

يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى في جامعه:" قوله: ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ﴾، يقول تعالى ذكره: لا يمس ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهَّرهم الله من الذنوب، واختلف أهلُ التأويل في الذين عنوا بقوله: ﴿ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ﴾، فقال بعضهم: هم الملائكة.

 

عن ابن عباس، قال: إذا أراد الله أن ينزل كتابًا نسخته السَّفرة، فلا يمسه إلا المطهرون، قال: يعني الملائكة"[1].

وهذا القول مروي عن سعيد بن جبير وعن عكرِمة وعن مجاهد رحمهم الله تعالى.

 

و"عن أبي العالية الرياحي في قوله: ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ﴾، قال: ليس أنتم، أنتم أصحاب الذنوب.

 

وقال آخرون: عنى بذلك أنه لا يمسه عند الله إلا المطهرون، عن قتادة قوله: ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ﴾، ذاكم عند ربِّ العالمين، فأما عندكم فيمسه المشركُ النجس، والمنافق الرَّجِس..."[2].

 

ومن وجوه ترجيح أن المقصود الملائكة[3] ما يلي:

1- "المطهرون": اسم مفعول من التطهير؛ أي: إن غيرهم طهَّرهم، فالله جعل وعلا هو الذي طهَّرهم ظاهرًا وباطنًا، ومن وجوه تطهيرهم:

• مسارعتهم في طاعة ربهم؛ كما قال جل في علاه: ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

 

• خشيتهم من ربهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [النحل: 49، 50].

 

• عدم استنكافهم عن تحقيق العبودية له جل شأنه؛ كما قال تعالى: ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [النساء: 172].

 

• مدوامتهم على الذكر دون ملل ولا كللٍ ولا فتور؛ كما قال تعالى: ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 20]، ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴾ [الصافات: 165، 166].

 

• ومن وجوه طهارة ظاهرهم جمالُهم الباهر كما هو مستقر في الفطر، وإن لم يكن من قسم المحسوس؛ قال تعالى حكايةً عن صاحبات امرأة العزيز: ﴿ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ [يوسف: 31].

 

2- دلالة القرآن الكريم في موضعين على أن المراد بالمطهَّر مَن طهَّره الله تعالى، وذلك في وصف الحور العين، ووصف صحف الملائكة:

أ‌- في وصف الحور العين: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ﴾ [النساء: 57]، وقال تعالى: ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25]، فالله تعالى هو الذي طهَّرهنَّ من كل قبيح ظاهر أو باطن، "ليشمل جميع أنواع التطهير، فهنَّ مطهرات الأخلاق، مطهرات الخلق، مطهرات اللسان، مطهرات الأبصار، فأخلاقهنَّ أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن، وحسن التبعل، والأدب القولي والفعلي، ومطهر خلقهنَّ من الحيض والنفاس والمني، والبول والغائط، والمخاط والبصاق، والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضًا، بكمال الجمال، فليس فيهن عيب، ولا دمامة خلق، بل هن خيرات حسان، مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهنَّ، وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح"[4].

 

ب‌- في وصف صحف الملائكة: قال تعالى: ﴿ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 12 - 16].

 

ومن وجه تطهير هذه الصحف أن الله تعالى جعلها في منأى عن عبث الشياطين وتلاعبهم، وأنها لا يمكن أن يمسها غبار، بَلْه نجاسة أو شيء قذر ...

 

3- ومن الوجوه التي تُبين أن المراد بالمطهَّرين الملائكة لا الآدميين، أن الشارع حينما يصف هؤلاء بالطهارة يعبر بألفاظ تدل على أن الطهارة من فعلهم، فيأتي التعبير بالمتطهرين أو بالمطَّهِّرين؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، وقال تعالى: ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].

 

ولا يخفى الفرق بين "مطهَّرون" - وهو من التطهير - و"متطهِّرين" و"مطَّهِّرين" - وهما من التطهر والإطهار:

ف"مطهَّرون" حصلت لهم الطهارة من غيرهم، فالله جل في علاه هو الذي طهَّرهم - كما سلف - أما "متطهِّرون"، و"مطَّهِّرون"، فهم يطهرون أنفسهم بأنفسهم، فيطهرونها ظاهرًا وحسيًّا من النجاسات والأدران والأوساخ، ومن ذلك طهارتهم من الجنابة والخبائث وغيرها، ويطهرونها باطنًا ومعنويًّا من سوء الأخلاق وسيئ الأفعال، وقبيح الصفات وذميم الخصال.

 

يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: ﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]؛ أي: المتنزهين عن الآثام، وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث"[5].

 

"﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾: الطهارة المعنوية؛ كالتنزه من الشرك والأخلاق الرذيلة، والطهارة الحسية كإزالة الأنجاس ورفع الأحداث"[6].


يقول الإمام الرازي رحمه الله تعالى: " قوله: ﴿ إِلا الْمُطهرُونَ ﴾ هم الملائكة، طهَّرهم الله في أول أمرهم، وأبقاهم كذلك طول عمرهم، ولو كان المراد نفي الحدث، لقال: لا يمسه إلا المطهرون[7]، أو المطهرون بتشديد الطاء والهاء، والقراءة المشهورة الصحيحة ﴿ الْمُطهرُونَ ﴾ من التطهير لا من الإطهار"[8].

 

ويقول شيخ الإسلام عليه رحمة المنان: "﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ وهم الملائكة، ولو أراد المتوضئين، لقال: (المتطهرين)، فالملائكة مطهرون، والمؤمنون متطهرون..."[9].

 

4- من حجج القائلين بأن المراد بالمطهرين الآدميون، أن الآية خرجت مخرج النهي في صورة الخبر؛ أي: إنها نهي للمؤمنين بعدم مسِّ المصحف من غير طهارة، فهي إنشائية في صورة خبر.

 

لكن هذا القول تأباه الصناعة النحوية، يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في معرض الرد على هذا الزعم:" هذا إخبار، ولو كان نهيًا، لقال: لا يمسسه بالجزم، والأصل في الخبر أن يكون خبرًا صورة ومعنى"[10].

 

5- ومن الوجوه التي تدل على أن المراد الملائكة وليس المتطهرين من بني آدم - أن هذه الآية تشبه الآية التي في سورة عبس، فهي نظيرتها، وفي هذا المعنى يقول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى: "أحسن ما سمعت في هذه الآية: "﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾، إنما هي بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولَّى قول الله تبارك وتعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 11 - 16][11]؛ ا. هـ.

 

يقول العلامة التونسي ابن عاشور رحمه الله تعالى معلقًا على قول الإمام مالك: "يريد أن المطهرون (هم السفرة الكرام البررة، وليسوا الناس الذين يتطهرون"[12]، وقال في موضع آخر: المطهرون: الملائكة، والمراد الطهارة النفسانية وهي الزكاء، وهذا قول جمهور المفسرين"[13].

 

6- ومن ذلك ما ورد في نزولها، فقد ذكر بعض أهل العلم أن الآية نزلت ردًّا على ما زعمه المشركون من أن القرآن ينزل به الشياطين؛ قال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: "حُدِّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ﴾، زعموا أن الشياطين تنزلتْ به على محمد، فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك، ولا تستطيعه، ما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا، وهو محجوب عنهم، وقرأ قول الله: ﴿ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾ [الشعراء: 211، 212]"[14].

 

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى[15]: "يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد - أنه نزل به الروح الأمين المؤيد من الله، ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِي ﴾ [الشعراء: 210]، ثم ذكر أنه يمتنع عليهم من ثلاثة أوجه، أحدها: أنه ما ينبغي لهم؛ أي: ليس هو من بُغْيتهم ولا من طلبتهم؛ لأن من سجاياهم الفساد وإضلال العباد، وهذا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونور وهدى وبرهان عظيم، فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ ﴾.

 

وقوله: ﴿ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾؛ أي: ولو انبغى لهم لَما استطاعوا ذلك؛ قال الله تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21].

 

ثم بيَّن أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته، لَما وصلوا إلى ذلك؛ لأنهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله؛ لأن السماء ملئت حرسًا شديدًا وشُهبًا في مُدَّة إنزال القرآن على رسوله، فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف واحد منه، لئلا يَشتبه الأمر، وهذا من رحمة الله بعباده، وحفظه لشرعه، وتأييده لكتابه ولرسوله؛ ولهذا قال: ﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾، كما قال تعالى مخبرًا عن الجن: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ [الجن: 8 - 10]"[16].

 

يقول الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى: "وعلى هذا يتأيد ما ذكرنا من وجه آخر، وذلك من حيث إن بعضهم كان يقول: هو من السماء ينزل به الجن، ويُلقيه عليه كما كانوا يقولون في حق الكهنة، فإنهم كانوا يقولون: النبي صلى الله عليه وسلّم كاهن، فقال: لا يمسه الجن، وإنما يمسه المطهرون الذين طُهِّروا عن الخبث[17]، ولا يكونون محلًّا للإفساد والسفك، فلا يفسدون ولا يسفكون، وغيرهم ليس بمطهر على هذا الوجه، فيكون هذا ردًّا على القائلين: بكونه مفتريًا، وبكونه شاعرًا، وبكونه مجنونًا بمس الجن، وبكونه كاهنًا، وكل ذلك قولهم والكل رد عليهم بما ذكر الله تعالى ها هنا من أوصاف كتاب الله العزيز"[18].

 

يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "هذا رد على من قال: إن الشيطان جاء بهذا القرآن، فأخبر تعالى أنه: ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴾ [الواقعة: 78]، لا تناله الشياطين ولا وصول لها إليه؛ كما قال تعالى في آية الشعراء: ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [الشعراء: 210، 211]، وإنما تناله الأرواح المطهرة، وهم الملائكة"[19].

 

7- ومن الوجوه سياق الآية ونظمها: يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الواقعة: 77 - 80]، فالسياق معتبر في التفسير كما هو معلوم، فالله تعالى أخبر أن القرآن الكريم مسطر في الكتاب المكنون الذي هو اللوح المحفوظ، هذا اللوح لا يمسه إلا الملائكة الذين طهَّرهم الله تعالى ظاهرًا وباطنًا، وأن الله تعالى نزَّل قرآنه الكريم من هذا اللوح بواسطة ملائكته.

 

يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى: "وقوله: ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ يقول: هذا القرآن تنزيل من رب العالمين، نزله من الكتاب المكنون"[20].

 

8- القول بأن المراد بالمطهرين الملائكة مبني على أن الضمير في "يمسه" عائد على الكتاب المكنون، وأن المراد بهذا الكتاب اللوح المحفوظ، وهذا هو الراجح.

 

فقد اختلف العلماء في تأويل الكتاب المكنون على أقوال: فمنهم من قال: إن المراد اللوح المحفوظ؛ أي: إن القرآن الكريم موجود في اللوح المحفوظ، ومنهم من قال: إن المراد به المصحف، وقيل غير ذلك.

 

ومن قواعد الترجيح بين أقوال المفسرين: (أنه إذا اختلف في آية على قولين أو أكثر، وكان لأحد القولين ما يؤيده من آيات قرآنية، قدِّم هذا القول على ما عدم ذلك).

 

وقد دلَّت آيات من كتاب الله تعالى على أن القرآن مسطر في اللوح المحفوظ، قال تعالى: ﴿ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الزخرف: 2 - 4].

 

"﴿ وإنه ﴾؛ أي: القرآن ﴿ فِي أُمِّ الْكِتَابِ ﴾؛ أي: اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس، ومجاهد..."[21].

وقال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾ [البروج: 21، 22].

 

9- ومن الوجوه ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة المنان:

أن الآية مكية من سورة مكية تتضمن تقرير التوحيد والنبوة والمعاد، وإثبات الصانع والرد على الكفار، وهذا المعنى أليقُ بالمقصود من فرع عملي، وهو حكم مس المحدث المصحف.

 

10- ومنها: أنه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي الناس، لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة؛ إذ من المعلوم أن كل كلام فهو قابل لأن يكون في كتاب حقًّا، أو باطلًا؛ بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن العيون عند الله، لا يصل إليه الشيطان، ولا ينال منه، ولا يمسه إلا الأرواحُ الطاهرة الزكية، فهذا المعنى أليقُ وأجل وأخلق بالآية وأولى بلا شك)[22].

 

هذا، والله أعلم وأحكم، ونسبة العلم إليه سبحانه أسلمُ.



[1] جامع البيان في تأويل آي القرآن: 23/ 150.

[2] نفسه.

[3] تمس الكتاب المكنون؛ أي: اللوح المحفوظ، كما سيأتي بيانه.

[4] تيسير الرحمن: 46.

[5] تيسير الرحمن: 100.

[6] نفسه: 351.

[7] لعله أراد "المتطهرون"، فسقطت التاء.

[8] مفاتيح الغيب: 29/ 170.

[9] المستدرك على مجموع الفتاوى: 1/ 169.

[10] نفسه.

[11] الموطأ: 2/ 279.

[12] التحرير: 27/ 334.

[13] التحرير:27/ 334.

[14] جامع البيان: 23/ 149.

[15] في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾ [الشعراء: 210 - 212].

[16] تفسير ابن كثير: 6/ 165.

[17] يقصد الملائكة عليهم السلام.

[18] مفاتيح الغيب: 29 / 170.

[19] المستدرك على مجموع الفتاوى: 1/ 170.

[20] جامع البيان: 23/ 152.

[21] ابن كثير: 7/ 218.

[22] المستدرك على مجموع الفتاوى: 1/ 170.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين)
  • الإيمان بوجود الملائكة وأنهم كثير لا يعلم عددهم إلا الله

مختارات من الشبكة

  • فقه ابن تيمية ونصائحه (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: أن لا يمس القرآن إلا طاهر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قول الله تعالى: (والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل يمسك المٌوكل بذبح الأضحية؟(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح حديث أبي موسى: "من مر في شيء من مساجدنا ومعه نبل فليمسك"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السرية فيما يمس حياة الأمة وأمنها(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له مائة مرة حين يصبح وحين يمسي: سبب لطرد الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم قول: الآخرة مستأخرة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب