• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

تلخيص باب الحيض من الشرح الممتع

تلخيص باب الحيض من الشرح الممتع
سلطان بن سراي الشمري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/11/2018 ميلادي - 13/3/1440 هجري

الزيارات: 51377

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تلخيص باب الحيض من الشرح الممتع


مقدمة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول لله، وعلى آله ومَنْ والاه، ثم أما بعد:

هذا ملخص (باب الحَيْضِ) من كتاب الطهارة (لشرح الممتع على زاد المستقنع)؛ للشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله، وقد اقتصرت فيه على القول الراجح، أو ما يشير إليه الشيخ رحمه الله أنه الراجح، مع ذكر اختيار شيخ الإسلام أو أحد المذاهب الأربعة؛ إذا كان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى ترجيحه، مع ذكر المتن وتوضيح ذلك إذا احتجنا لتوضيحه، ومع ذكر بعض المسائل والفوائد المكمِّلة للباب، وذِكْر استدراكات الشيخ رحمه الله على المتن إن كان هناك استدراكات.


وهذا الملخص يستعين به إن شاء الله الطالب المبتدئ، ولا يستغني عنه الراغب المنتهي،مع العلم أنه تم ولله الحمد تلخيص كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، وكتاب الصيام، وكتاب الحج، وبعضها نزل هنا، والباقي لم يتم تنزيله، وإني عازمٌ إن شاء الله على إتمام ما بدأت به.


نسأل الله الإعانة والتوفيق والسداد، وأن يكفينا شرَّ الصوارف، وأن يبارك لله لنا في أوقاتنا، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكتب الأجر لكل من أسهم في إخراج هذا العمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


ومن كان لديه اقتراحات أو ملاحظات فليراسلنا على هذا الإيميل:

bensrray@hotmail.com

سلطان بن سراي الشمري

♦♦♦


بابُ الحَيْضِ

هذا الباب من أصعب أبواب الفقه عند الفقهاء، التي أطال بها الفقهاء رحمهم الله كثيرًا، والتي لم يكن كثيرٌ منها مأثورًا عن الصَّحابة رضي الله عنهم، وقواعده في السُّنَّة يسيرة جدًّا؛ ولهذا كانت الأحاديث الواردة فيه غير كثيرة.


ولكن بما أننا نقرأ كلام الفقهاء، فيجب علينا أن نعرف ما قاله الفقهاء رحمهم الله في هذا الباب، ثم نعرضه على كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وافق الكتاب والسُّنَّة أخذناه، وما خالفهما تركناه، وقلنا: غفر الله لقائله.


الحيض في اللُّغة: السَّيلان؛ يُقال: حَاضَ الوادي: إِذا سال.


وفي الشَّرع: دم طبيعة يصيب المرأة في أيام معلومة إِذا بلغت، خلقه الله تعالى لحكمة غذاء الولد؛ ولهذا لا تحيض الحامل في الغالب؛ لأن هذا الدَّم بإِذن الله ينصرف إِلى الجنين عن طريق السُّرَّة، ويتفرَّق في العروق ليتغذَّى به؛ إِذ إِنه لا يمكن أن يتغذَّى بالأكل والشُّرب في بطن أُمِّه؛ لأنه لو تغذَّى بالأكل والشُّرب لاحتاج غذاؤه إلى الخروج، هكذا قال الفقهاء رحمهم الله.


والحيض دم طبيعة، ليس دمًا طارئًا أو عارضًا؛ بل هو من طبيعة النساء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((إِنَّ هذا أَمْرٌ كتبَه اللَّهُ على بنات آدم))؛ أي: كتبه قَدَرًا، بخلاف الاستحاضة فهي دم طارئ عارض، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الاستحاضة: ((إِنها دَمُ عِرْق))، فإِذا عرف الإِنسان أنه مكتوب عليه وعلى غيره، فإِنَّه يهون عليه.
والدِّماء التي تصيب المرأة أربعةٌ: الحيضُ، والنِّفاس، والاستحاضةُ، ودَمُ الفساد، ولكلٍّ منها تعريفٌ وأحكامٌ كما سيأتي إِن شاء الله تعالى.

 

قوله: (لاَ حَيْضَ قَبْلَ تسعِ سِنين، ولا بَعْدَ خَمْسِينَ):

قوله: «لا حَيضَ قبل تسع سنين»، أي: لا حيض شرعًا قبل تسع سنين، فإِن حاضت قبل تمام التِّسْع فليس بحيض، حتى وإِن حاضت حيضًا بالعادة المعروفة، وبصفة الدَّم المعروف، فإنه ليس بحيض؛ بل هو دم عِرْق، ولا تثبت له أحكامُ الحيض.
وقوله: «قبل تسع سنين»؛ أي: انتهاؤها، فإِذا حاضت مَنْ لها تسعٌ، فليس بحيض، وبعد التِّسع حيض.


قوله: «ولا بعد خمسين»؛ أي: ولا حيض بعد تمام خمسين سنة، فلو أنَّ امرأة استمرَّ بها الحيض على وتيرة وطبيعة واحدة بعد تمام الخمسين فليس بحيض.


ولا فرق عندهم بين المرأة الأعجميَّة، ولا العربيَّة، ولا الصَّحيحة، ولا المريضة، ولا المرأة التي تأخَّر ابتداءُ حيضها، ولا التي تقدَّم.


واستدلُّوا على ذلك: بأن هذا ليس معروفًا عادة، فالعادة الغالبةُ ألا تحيض قبل تمام تسعِ سنين، ولا بعد خمسين سنة.
والعادة والغالب لها أثرٌ في الشَّرع، فالرَّسولُ صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة: ((امكُثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك))، فَرَدَّها إِلى العادة.


وقال شيخُ الإِسلام، وابنُ المنذر، وجماعةٌ من أهل العلم: إِنه لا صحَّة لهذا التَّحديد، وأن المرأة متى رأت الدَّم المعروف عند النِّساء أنه حيض؛ فهو حيض؛ صغيرةً كانت أم كبيرةً، والدَّليل على ذلك ما يلي:
1- عموم قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ [البقرة: 222]، فقوله: ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ حكمٌ مُعلَّقٌ بِعلَّة، وهو الأذى، فإِذا وُجِدَ هذا الدَّمُ الذي هو الأذى وليس دم العِرْق، فإِنَّه يُحكمُ بأنه حيضٌ.


وصحيحٌ أن المرأة قد لا تحيضُ غالبًا إلا بعد تمام تسع سنين؛ لكن النِّساء يختلفن، فالعادةُ خاضعةٌ لجنس النِّساء، وأيضًا للوراثة، فمن النساء من يبقى عليها الطُّهر أربعة أشهر، ويأتيها الحيض لمدَّة شهر كامل، كأنه والله أعلم ينحبس، ثم يأتي جميعًا، ومن النِّساء من تحيض في الشهر ثلاثة أيام، أو أربعة، أو خمسة، أو عشرة.


2- قوله تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ [الطلاق: 4]؛ أي: عِدَّتهن ثلاثةُ أشهر، ولم يقل: واللائي قبل التسع أو بعد الخمسين؛ بل قال: واللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن، والله علَّق نهاية الحيض باليأس، وتمام الخمسين لا يحصُل به اليأس إِذا كانت عادتُها مستمرَّة، فتبيَّن أنَّ تحديد أوَّله بتسع سنين، وآخره بخمسين سَنَة لا دليل عليه.


فالصَّواب: أنَّ الاعتماد إِنَّما هو على الأوصاف، فالحيض وُصِفَ بأنَّه أذى، فمتى وُجِدَ الدَّمُ الذي هو أذًى فهو حيض.


قوله: (ولا مع حَمْلٍ):

أي: لا حيض مع الحمل؛ أي: حال كونها حاملًا، والدَّليل من القرآن والحسِّ؛ أما القرآن: فقوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ [الطلاق: 4]؛ أي: عدتهن ثلاثة أشهر، وقال تعالى: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 4]، فدلَّ هذا على أنَّ الحامل لا تحيض؛ إِذ لو حاضت، لكانت عِدَّتها ثلاث حِيَضٍ، وهذه عِدَّة المطلقة.


وأما الحِسُّ: فلأَنَّ العادة جرت أنَّ الحامل لا تحيض؛ قال الإِمام أحمد رحمه الله: «إِنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدَّم».
وقال بعض العلماء: إِن الحامل قد تحيض إِذا كان ما يأتيها من الدَّم هو الحيض المعروف المعتاد.


واستدلُّوا: بما أشرنا إِليه من أنَّ الحيض أذًى، فمتى وُجِدَ هذا الأذى ثبت حكمه.


فالرَّاجح: أن الحامل إِذا رأت الدَّم المطَّرد الذي يأتيها على وقته، وشهره، وحاله؛ فإِنه حيضٌ تترك من أجله الصَّلاة، والصَّوم، وغير ذلك، إِلا أنه يختلف عن الحيض في غير الحمل بأنه لا عِبْرَة به في العِدَّة؛ لأن الحمل أقوى منه.


والحيض مع الحمل يجب التحفُّظ فيه، وهو أنَّ المرأة إِذا استمرت تحيضُ حيضَها المعتاد على سيرته التي كانت قبل الحمل فإِنَّنا نحكم بأنه حيض، أما لو انقطع عنها الدَّم، ثم عاد وهي حاملٌ، فإِنَّه ليس بحيضٍ؛ [ص469-470].

 

قوله: (وأقَلُّهُ يومٌ وليلةٌ، وأَكْثَرُه خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا):

قوله: «وأقلُّه يومٌ وليلة»؛ يعني: أقلَّ الحيض يومٌ وليلةٌ، والمراد: أربعٌ وعشرون ساعة، هذا أنهى شيء في القلَّة، فلو أنها رأت الحيض لمدَّة عشرين ساعة وهو المعهود لها برائحته، ولَونه، وثخونته، فليس حيضًا، فما نَقَصَ عن اليوم والليلة، فليس بحيض، هذا المذهب.

 

فالصحيح: أنه لا حَدَّ لأقلِّه؛ لأن من النِّساء من لا تحيض أصلًا، ومنهن من تحيض ساعات ثم تطهر.

 

قوله: «وأكثَرُه خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا»؛ أي: أكثر الحيض، وهذا المذهب.

واستدلُّوا: بالعادة، وهو أن العادة أن المرأة لا يزيد حيضها على خمسةَ عشرَ يومًا، ولأنَّ ما زاد على هذه المدَّة فقد استغرق أكثر الشهر، ولا يمكن أن يكون زمن الطُّهر أقلَّ من زمن الحيض.

 

والصَّحيح: أنه لا حَدَّ لأكثره؛ فمن النِّساء من تكون لها عادة مستقرَّة سبعةَ عشرَ يومًا؛ أو ستةَ عشرَ يومًا، فما الذي يجعل الدَّم الذي قبل الغروب من اليوم الخامس عشر حيضًا، والدَّم الذي بعد الغروب بدقيقة واحدة استحاضة مع أن طبيعته ولونه وغزارته واحدة، فكيف يقال: إِنه بمضيِّ دقيقة أو دقيقتين تحوَّل الدَّم من حيض إِلى استحاضة بدون دليل، ولو وُجِدَ دليل على ما قالوا لسَلَّمنا، فإِذا كان لها عادة مستمرَّة مستقرَّة سبعةَ عشرَ يومًا مثلًا، قلنا: هذا كله حيض.


أما لو استمرَّ الدَّم معها كُلَّ الشَّهر، أو انقطع مدَّة يسيرة؛ كاليوم واليومين، أو كان متقطِّعًا يأتي ساعات، وتطهُر ساعات في الشَّهر كلِّه، فهي مستحاضة؛ [ص470-472].

 

قوله: (وغَالِبُهُ ستٌّ، أو سَبْعٌ، وأَقَلُّ الطُّهرِ بين الحَيضَتَيْن ثَلاثَةَ عَشَرَ يومًا، ولا حدَّ لأكثرِهِ):

قوله: «وغَالِبُهُ ستٌّ، أو سَبْعٌ»؛ أي: غالب الحيض ستُّ ليال أو سبع.

وهذا صحيح؛ لثبوت السُّنَّة به؛ حيثُ قال صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: ((فَتَحيَّضِي ستَّة أيَّامٍ، أو سبعة أيَّام في علم الله، ثم اغتسلي))، وهذا أيضًا هو الواقع، فإِنه عند غالب النساء يكون ستًّا، أو سبعًا.


قوله: «وأَقَلُّ الطُّهرِ بين الحَيْضَتَين ثَلاثَةَ عشَرَ يومًا»، وكذا لو أتاها بعد عشرة أيام بعد طُهْرِها، فليس بحيض، فما تراه قبل ثلاثة عشر يومًا ليس بحيض؛ لكن له حُكْم الاستحاضة.


والصَّحيح: أنه لا حدَّ لأقلِّ الطُّهْر كما اختاره شيخ الإِسلام، ومالَ إِليه صاحب «الإِنصاف»، وقال: «إِنه الصَّواب».

 

قوله: «ولا حدَّ لأكثره»؛ أي: لا حدَّ لأكثر الطُّهر بين الحيضتين؛ لأنه وُجِدَ من النساء من لا تحيض أصلًا، وهذا صحيحٌ؛ [ص472-475].

 

قوله: (وتَقْضي الحائِضُ الصَّوْمَ، لا الصَّلاةَ، ولا يَصِحَّان مِنْهَا؛ بل يَحْرُمَانِ):

قوله: «وتقضي الحائض الصَّوم، لا الصَّلاة»، استفدنا من هذه العبارة أربعةَ أحكام:
الأول: أنَّها لا تصوم.
الثاني: أنَّها لا تُصلِّي.
الثَّالث: أنَّها تقضي الصوم.
الرَّابع: أنَّها لا تقضي الصَّلاة.

 

أما الأول والثَّاني فاستفدناهما بدلالة الالتزام والإِشارة؛ لأنَّ من لازم قوله: «تقضي» أنها لم تفعل.

وأما الثَّالث والرَّابع فاستفدناهما من منطوق كلام المؤلِّف، والدِّلالة عليه من باب دلالة المطابقة.

 

والدَّليل عليه ما يلي:
1- أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما سألته النِّساء: وما نُقصانُ ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: ((... أليس إِذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟))، قُلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان دينها)).


2- أن عائشة رضي الله عنها سُئِلتْ: ما بَالُ الحائض تقضي الصَّوم، ولا تقضي الصَّلاة؟ قالت: «كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصَّلاة».


3- أن الإِجماع قائم على ذلك.

 

قوله: «ولا يَصحَّان منها»؛ أي: لا يصحُّ منها صومٌ، ولا صلاةٌ، فلو أنها تذكَّرت فائتةً قبل حيضها، ثم قضتها حال الحيض لم تبرأ ذِمَّتُها بذلك وإِنَّما مَثَّلتُ بالفائتة؛ لأنَّها واجبةٌ عليها، أما الحاضرة فليست واجبةً عليها.

قوله: «بل يحرمان»؛ أي: الصَّوم والصَّلاة؛ [ص475-477].

 

قوله: (ويَحْرُمُ وطؤُها في الفَرْج، فإِن فعل فعليه دينارٌ أو نِصْفُهُ كفَّارةً، ويَسْتَمْتِعُ منها بما دُونه):

قوله: «ويحرم وطؤها في الفرج»؛ أي: يحرم وطء الحائض في فرجها.

والدَّليل على تحريم وطء الحائض في الفَرْج:
1- قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222].

والمحيض: مكان وزمان الحيض؛ أي: في زمنه ومكانه وهو الفَرْج، فما دامت حائضًا فوطؤها في الفَرْج حرام.

 

2- قوله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية: ((اصنعوا كلَّ شيءٍ إِلا النِّكاح))؛ أي: إِلا الوَطء.

قوله: «فإِن فعل»؛ أي: وَطئها في الفَرْج.
قوله: «فعليه دينار، أو نصفه كفَّارة»؛ أي: يجب عليه دينار أو نصفه كفَّارة.

 

والدِّينار: العُمْلة من الذَّهب، وزِنةُ الدِّينار الإِسلاميِّ مثقالٌ من الذهب، والمثقالُ جرامان وربع، والجنيه السعودي: مثقالان إِلا قليلًا، فنصف جنيه سعودي يكفي، فيُسأل عن قيمته في السُّوق.

 

والدَّليل على ذلك: ما رواه أهلُ السُّنن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: ((يتصدَّق بدينار أو بنصف دينار))، والحديثُ صحيحٌ؛ لأنَّ رجالَه كلَّهم ثقاتٌ، وإِذا صحَّ فلا يضُرُّ انفرادُ أحمد بالقول به.

 

فالصحيح: أنها واجبةٌ، وعلى الأقل نقولُ بالوجوب احتياطًا.
وهل على المرأة كفَّارة؟ سكت المؤلِّفُ عن ذلك.

فقيل: لا كفَّارةَ عليها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يتصدَّقُ بدينار أو نصفه))، وسكت عن المرأة.
وقيل: عليها كفَّارة كالرَّجل إِن طاوعته.

 

وسكوتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن المرأة لا يقتضي الاختصاص بالرَّجل؛ لأن الخطاب الموجَّه للرِّجال يشمَل النِّساء، وبالعكس، إِلا بدليل يقتضي التَّخصيص، ولا تجب الكفَّارة إِلا بثلاثة شروط:

1- أن يكون عالِمًا.
2- أن يكون ذاكرًا.
3- أن يكون مختارًا.

 

فإِن كان جاهلًا للتَّحريم، أو الحيضِ، أو ناسيًا، أو أُكرهت المرأةُ، أو حَصَلَ الحيضُ في أثناء الجماع، فلا كفَّارة، ولا إِثم.

قوله: «ويستمتعُ منها بما دُونه»؛ أي: يستمتعُ الرَّجل من الحائض بما دون الفَرْج؛ فيجوز أن يستمتعَ بما فوق الإِزار، وبما دون الإزار، إِلا أنَّه ينبغي أن تكون مُؤْتزرة؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم كان يأمر عائشة رضي الله عنها أن تَأْتَزِرَ فيُباشرها وهي حائض، وأَمْرُه صلى الله عليه وسلم لها بأن تَأْتَزِرَ لئلَّا يَرى منها ما يكره من أثر الدَّم، وإِذا شاء أن يستمتع بها بين الفخذين مثلًا، فلا بأس، وإِذا استمتع منها بما دون الفَرْج فلا يجب عليه الغُسْل إِلا أن يُنزِلَ، والمرأة إِذا أنزلت وهي حائض استُحِبَّ لها أن تغتسل للجنابة؛ [ص477-482].

 

قوله: (وإِذا انقطع الدَّم ولم تغتسل لم يُبَحْ غير الصِّيام والطَّلاق):

يعني: إِذا انقطع الدَّمُ ولم تغتسل، بقي كلُّ شيء على تحريمه إِلا الصِّيامَ، والطَّلاقَ؛ أما الصِّيام، فقالوا: لأنها إِذا طَهُرَتْ صارت كالجُنُبِ تمامًا، والجُنُبُ يصحُّ منه الصِّيامُ بدلالة الكتاب والسُّنَّة:

فالكتاب قوله تعالى: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]، وإِذا جاز الجِمَاع إِلى طُلوع الفجر لزمَ من ذلك أن يصبحَ جُنُبًا، والسُّنَّة ما روته عائشةُ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصبحُ جُنُبًا من جماعٍ غير احتلامٍ في رمضان ثم يصوم.

ولم يذكر المؤلِّف فيما سبق تحريم الطَّلاق؛ لكن يُفْهَمُ من قوله هنا: «لم يُبَحْ غير الصِّيام والطَّلاق»، أنه محرَّمٌ.


والدَّليل على جواز الطَّلاق بعد انقطاع الدم قوله صلى الله عليه وسلم: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْها، ثم لِيُطَلِّقْها طاهرًا أو حاملًا»، والمرأة تَطْهُرُ بانقطاع الدَّم؛ [ص 482-483].

 

قوله: (والْمُبْتَدَأَةُ تَجْلِسُ أَقَلَّه، ثُمَّ تَغْتَسلُ، وتُصَلِّي، فإن انقَطَع لأكْثَره فَمَا دُون، اغْتَسلَتْ عِنْدَ انقطاعِهِ، فإنْ تَكرَّرَ ثلاثًا فَحَيْضٌ، وتَقْضِي ما وَجَبَ فيه):

قوله: «والْمُبْتَدَأةُ تجلس أقلَّه، ثم تغتسلُ وتصلِّي»، بدأ رحمه الله ببيان الدِّماء التي تكون حيضًا، والتي لا تكون حيضًا.

والْمُبْتَدأةُ: هي التي ترى الحيضَ لأوَّل مرَّة، سواءٌ كانت صغيرةً، أم كبيرة لم تحضْ من قبلُ، ثم أتاها الحيضُ.

ومعنى قوله: «تجلسُ»؛ أي: تدعُ الصَّلاةُ والصِّيام، وكلَّ شيء لا يُفْعَلُ حال الحيض.

 

وقوله: «أقلَّه»؛ أي: أقلَّ الحيض وهو يومٌ وليلةٌ.

وقوله: «ثم تغتسل وتُصلِّي».

أي: بعد أن يمضي عليها أربعٌ وعشرون ساعة، تغتسلُ وتُصلِّي ولو لم يتوقَّف الدَّمُ.

 

وقوله: «وتصلِّي»؛ أي: المفروضة، وظاهر كلامه حتى النَّوافل، وهل هذا الظَّاهر مرادٌ؟

الذي يظهر لي: أنَّه إِنْ كان مرادًا فهو ضعيف؛ لأنَّ صلاته الآن من باب الاحتياط، فيجب عليها أن تقتصر على الفرائض؛ إِذ الأصل أنَّ هذا الدَّمَ دمُ حيض، أمَّا النَّافلة فليس فيها احتياط؛ لأنَّ الإِنسان لا يأثم بتركها، فلا حاجة للاحتياط فيها.

 

وتصوم الصَّوم الواجب؛ كما لو ابتدأ بها في رمضان؛ فتجلس يومًا وليلة، ثم تصوم من باب الاحتياط.

 

قوله: «فإِن انقطعَ لأكْثَره فما دُون اغتسلت عند انقطاعه»؛ أي: انقطع الدَّم لأكثر الحيض كخمسة عشر يومًا، فما دونه كعشرة أيام، إِن لم ينقصْ عن يوم وليلة.

 

مثال ذلك: امرأة جلست يومًا وليلةً، ثم اغتسلت، وصارت تُصلِّي وتصوم الواجب، فانقطع لأكثره فأقل، فمثلًا: انقطع لعشرة أيام، فتغتسل مرَّةً أخرى؛ ولهذا قال: «اغتسلت عند انقطاعه»، وهذا على سبيل الوجوب؛ لاحتمال أن يكون الزَّائدُ عن اليوم واللَّيلة حيضًا، فتغتسل احتياطًا، فهنا اغتسلت مرَّتين: الأولى عند تمام اليوم واللَّيلة، والثَّانية عند الانقطاع.

 

قوله: «فإِن تكرَّر ثلاثًا فحيضٌ»، كما في المثال السَّابق، فتكون عادتُها عشرةَ أيام؛ لكن ماذا تصنع بالنِّسبة لما بين اليوم والليلة إِلى اليوم العاشر؛ لأنها كانت تُصلِّي فيها وتصوم، وتبيَّن أنَّها أيَّامُ حيض؟ فيُقال: أمَّا بالنِّسبة للصَّلاة فإِنَّها وإِن لم تصحَّ منها، فإِنها لا تُقضى؛ لأنَّ الحائض لا تجب عليها الصَّلاةُ ولا تأثم بفعلها؛ لأنَّها فعلتها تعبُّدًا لله واحتياطًا.

 

قوله: «وتقضي ما وَجَبَ فيه»؛ أي: تُقضَى كلُّ عبادة واجبة على الحائض لا تصحُّ منها حال الحيض، كما في المثال السَّابق، وهذه قاعدةٌ.

 

فإِن قُدِّرَ أن هذا الحيض لم يتكرَّر بعدده ثلاثًا؛ أي: جاءها أول شهر عشرةٌ، والشهرُ الثاني ثمانيةٌ، والثالث ستةٌ، فالسِّتةُ هنا هي الحيض فقط، ففي الشَّهر الرَّابع إِن تكرَّرت الثمانية ثلاث مرَّات صارت عادتُها ثمانية، فما تكرَّر ثلاثًا فهو حَيضٌ؛ [ص484-486].

 

قوله: (وإِن عَبَر أكْثَرَهُ فَمُسْتَحَاضَةٌ، فإن كان بعضُ دَمِهَا أَحْمَرَ، وبعضُه أسْودَ، ولم يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ):

قوله: «وإِن عَبَر أكثره فمستحاضةٌ»: «عبر»؛ أي: جاوز، «أكثرَه»؛ أي: أكثر الحيض، وهو خمسة عشر يومًا، «فمستحاضةٌ» ويكون من مُبْتَدَأَة ومُعْتَادة.

 

مثال الْمُبْتَدَأة: امرأة جاءها الحيض لأوَّل مرَّة واستمرَّ معها حتى جاوز الخمسة عشر؛ فهذه المبتدأةُ ليس لها عادةٌ سابقةٌ ترجع إليها، فلا يكون أمامها بالنسبة للاستحاضة إِلا شيئان:

الأول: التَّمييز، وهذه علامةٌ خاصَّة.

الثَّاني: عادة غالب نسائها، وهذه عامَّةٌ، والخاصُّ مقدَّمٌ على العام، والاستحاضة: سيلان دم عِرْقٍ في أدنى الرَّحم يُسمَّى العاذل.

 

والحيض: سيلان دَم عِرْقٍ في قعر الرَّحم يُسمَّى العاذر.

ثم بَيَّنَ المؤلِّفُ رحمه الله تعالى التَّمييز، فقال: «فإِن كان بعضُ دمها أحمرَ وبعضه أسودَ»، هذه علامة من علامات التَّمييز، فيُقال لها: ارجعي إِلى التَّمييز.

 

والتَّمييزُ: التَّبيُّن حتى يُعرفَ هل هو دُم حيض، أو استحاضة.

والمؤلِّف رحمه الله ذكر علامةً واحدةً وهي اللَّون، والتَّمييز له أربع علامات:

الأولى: اللَّون: فدم الحيض أسودُ، والاستحاضة أحمرُ.

الثانية: الرِّقة: فدم الحيض ثخينٌ غليظٌ، والاستحاضةِ رقيقٌ.

الثالثة: الرَّائحة: فدم الحيض منتنٌ كريهٌ، والاستحاضةِ غيرُ منتنٍ؛ لأنه دَمُ عِرْقٍ عادي.

الرَّابعةُ: التَّجمُّد: فدم الحيض لا يتجمَّد إِذا ظهر؛ لأنه تجمَّد في الرَّحم، ثم انفجر وسال، فلا يعود ثانية للتجمُّد، والاستحاضة يتجمَّد؛ لأنه دم عِرْقٍ، هكذا قال بعضُ المعاصرين من أهل الطبِّ.

 

قوله: «ولم يَعبُرْ أكثره»؛ أي: لم يتجاوز الأسود أكثر الحيض؛ لأنه إِذا عَبَرَ أكثرهُ لم يصلُح أن يكونَ حيضًا، فلو أنَّ امرأةً جاءها الدَّم لمدَّة خمسة وعشرين يومًا، منها عشرون يومًا أسود، وخمسةٌ أحمر، فالأسودُ لا يصلح أن يكون حيضًا؛ لأنَّه تجاوز أكثر الحيض؛ [ص486-488].

 

قوله: (ولم يَنْقُصْ عن أَقَلِّه فهو حَيْضُها تَجْلسُهُ في الشَّهْرِ الثَّاني، والأحْمَرُ استحاضةٌ، وإن لم يكُنْ دَمُهَا مُتَميِّزًا قَعَدَتْ غالبَ الحَيْضِ من كلِّ شهرٍ)

قوله: «ولم يَنْقُصْ عن أَقَلِّه فهو حَيْضُها تَجْلِسُهُ في الشَّهْرِ الثَّاني، والأحْمَرُ استحاضةٌ»؛ أي: لم ينقص الأسود عن أقلِّ الحيض، وأقلُّه يوم وليلةٌ.

 

قوله: «وإِنْ لم يكن دَمُهَا متميِّزًا قعدتْ غالبَ الحيضِ»: قعدت؛ أي: الْمُبْتَدأةُ.

 

وغالب الحيض: ستَّة أيام أو سبعةٌ، والدَّليل قوله صلى الله عليه وسلم: ((تحيَّضي في علم الله ستًّا أو سبعًا))، ولأنَّه إِذا تعذَّر علم الشَّيء بعينه رجعنا إِلى جنسه، فهذه المرأة لَمَّا تعذَّر علم حيضها بعينها ترجع إِلى بني جنسها.


والأرجح: أن ترجع إِلى عادة نسائها؛ كأختها وأمِّها، وما أشبه ذلك، لا إِلى عادة غالب الحيَّض؛ لأنَّ مشابهة المرأة لأقاربها أقرب من مشابهتها لغالب النساء.


قوله: «من كلِّ شهر»: لأن غالب النساء تحيض في الشَّهر مرَّة، والدَّليل على ذلك قولُه تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ [الطلاق: 4].

فجعل اللَّهُ لكلِّ حيضة شهرًا، وهذا هو الغالب.

والخلاصة: أن المستحاضة الْمُبْتَدأة تعمل بالتَّمييز، فإِن لم يكن لها تمييزٌ عملت بغالب عادة النساء، فتجلس ستَّة أيَّام أو سبعة من أوَّل وقت رأت فيه الدَّم، فإِن نسيت متى رأته، فمن أول كلِّ شهر هلالي، وسبق أنَّ الأرجح أن تعمل بعادة نسائها [ص488-490].

 

قوله: (والمستَحاضةُ الْمُعْتَادةُ، ولو مُميِّزة تَجْلِس عادتَها، وإن نسيتها عَملتْ بالتَّمييز الصَّالح):

قوله: «والمستحاضةُ المعتادةُ ولو مميِّزة تجلسُ عادتَها»، المعتادة: هي التي كانت لها عادةٌ سليمةٌ قبل الاستحاضة، ثم أُصيبتْ بمرض الاستحاضة.


مثال ذلك: امرأةٌ كانت تحيض حيضًا مطَّردًا سليمًا ستَّة أيَّام من أوَّل كلِّ شهر، ثم أُصيبت بمرض الاستحاضة، فجاءها نزيفٌ يبقى معها أكثر الشَّهر، فهذه مستحاضةٌ معتادة، نقول لها: كلَّما جاء الشَّهر فاجلسي من أول يوم إِلى اليوم السَّادس.

 

وقوله: «ولو مميِّزة»: لو: إِشارة خلاف؛ أي: هذه المعتادة تجلس العادة، ولو كان دمُها متميِّزًا فيه الحيضُ من غيره.

 

هو الرَّاجح: أنها ترجع للعادة، ولأنه أيسر وأضبطُ للمرأة؛ لأنَّ هذا الدَّمَ الأسود، أو المنتنَ، أو الغليظَ، ربما يضطرب، ويتغيَّر أو ينتقل إِلى آخر الشَّهر، أو أوَّله، أو يتقطَّع بحيث يكون يومًا أسود، ويومًا أحمر.

 

قوله: «وإِن نسيتها عملت بالتَّمييز الصَّالح»، أي نسيت عادتها.

والتَّمييزُ الصالحُ: هو الذي يصلُحُ أن يكونَ حيضًا، بأن لا ينقص عن أقلِّه - يوم وليلة - ولا يزيد على أكثره - خمسة عشر يومًا؛ [ص490-492].

 

قوله: (فإِن لم يكُنْ لها تمييزٌ فغَالب الحيض كالعَالِمَة بموْضِعِه النَّاسية لِعَدَدِه):

قوله: «فإِن لم يكن لها تمييزٌ فغالب الحيض»؛ أي: إنه ليس لها تمييزٌ، بأن كان دمُها لا يتغيَّر فتجلسَ غالب الحيض مثاله: امرأة يأتيها الدَّم أسود دائمًا؛ أو أحمر دائمًا ونحو ذلك.

فنقول هنا: تجلس غالب الحيض سِتَّة أيَّام أو سبعة.

 

والرَّاجح كما قلنا في الْمُبْتَدَأة أنَّها ترجعُ إِلى أقاربها، وتأخذ بعادتهن في الغالب من أَوَّلِ الشهر الهلاليِّ، ولا نقول من أوَّل يوم أتاها الحيضُ؛ لأنَّها قد نسيت العادة.

قوله: «كالعالمة بموضعه النَّاسية لعدَدِه»؛ يعني: كما تجلسُ العالمة بموضعه الناسية لعدده.

أي: إن العالمة بموضعه الناسية لعدده تجلس غالب الحيض، ولا ترجع للتَّمييز.

فنقول: إنها ترجع إلى غالب عادة نسائها على القول الرَّاجح؛ [ص493-494].

 

قوله: (وإِن علمتْ عدَدَهُ ونسيتْ موضعَهُ من الشَّهرِ ولو في نصفه جلستها من أوَّله، كَمَنْ لا عادة لها ولا تمييز):

قوله: «وإِن علمت عَدَدَهُ ونسيت موضعه من الشَّهرِ»: هذه المسألة عكس المسألة السَّابقة، علمت العَدَدَ، ونسيت الموضعَ من الشَّهر.

 

فنقول لها: كم عادتُك؟ فإذا قالت: ستَّةٌ لكنني نسيت هل هي في أوَّل الشَّهر، أو وسطه، أو آخره؟ فنأمرها أن تجلس من أوَّل الشَّهر على حسب عادتها.

 

قوله: «ولو في نصفه جلستها من أوَّلِهِ»، لو: إِشارة خلاف؛ أي: علمت أنَّها في نصفه، لكن لا تدري في أيِّ يوم من النِّصف هل هو في الخامس عشر، أو العشرين؟ فترجع إِلى أوَّل الشَّهر لسقوط الموضع، وهذا هو المذهب.

والقول الثَّاني: تجلس من أوَّل النِّصف؛ لأنَّه أقرب من أوَّل الشَّهر، وهذا هو الصحيح.

فالْمُبْتَدَأَة التي لا عادة لها ولا تمييز تجلس غالبه من أوَّل الشَّهر، وهذه فائدة قوله: «كمن لا عادة لها، ولا تمييز».

 

والصحيح في الْمُبْتَدَأَة: أنَّ دمَها دم حيض ما لم يستغرق أكثر الشهر، فالمبتدأةُ من حين مجيء الحيض إِليها فإِنها تجلس حتى تطهر أو تتجاوز خمسة عشر يومًا، والدَّليل على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ [البقرة: 222]، فمتى وُجِدَ هذا الدَّمُ الذي هو أذًى فهو حيضٌ قلَّ أو كَثُرَ؛ إِذ كيف يُقالُ: اجلسي يومًا وليلة، ثم اغتسلي وصلِّي، ثم اغتسلي عند انقطاعه ثانية، واقضي الصوم؟!!

 

إِذ معنى هذا أننا أوجبنا عليها العبادة مرَّتين، والغسل مرَّتين، وهذا حكم لا تأتي بمثله الشَّريعةُ، والعبادات تجبُ مرَّةً واحدة لا أكثر من ذلك.

وإِن استغرق دمُ الْمُبْتَدَأَةِ أكثرَ الوقت، فإِنَّها حينئذٍ مستحاضةٌ، ترجع إِلى التَّمييز، فإِن لم يكن تمييزٌ فغالب الحيض أو حيض نسائها، هذا هو الصحيح.

 

قوله: (ومَنْ زادتْ عادتُها، أو تقدَّمتْ، أو تأخَّرَتْ، فما تكرر ثلاثًا فحيضٌ، وما نَقَصَ عن العادةِ طُهْرٌ، وما عاد فيها جَلَسَتْهُ)

قوله: «ومن زادت عادتها»: مَنْ: اسم شرط جازم، يفيدُ العموم، فيشمل كلَّ امرأة.

فالصُّور في تغيُّر الحيض ثلاث: الزِّيادة، التَّقدُّم، التَّأخُّر، وبقيت صورةٌ رابعةٌ وهي النقصُ، وسيذكرها المؤلِّف .

 

قوله: «فما تكرر ثلاثًا فحيض»، كالمبتدأة تمامًا.

وهذا مبنيٌّ على ما سبق في الْمُبْتَدَأة، وتقدَّم أنَّ الصَّحيح: أنَّ الْمُبْتَدَأَة تجلسُ حتى تطهر، وعلى هذا إِذا زادت العادةُ وجبَ على المرأة أن تبقى لا تُصلِّي ولا تصومُ، ولا يأتيها زوجُها حتى تطهر ثم تغتسل وتُصلِّي؛ لأنَّ هذا دمُ الحيض ولم يتغيَّر، والله قد بيَّن لنا الحيضَ بوصف منضبط، فقال: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ [البقرة: 222]، فما دام هذا الأذى موجودًا فهو حيض.

 

قوله: «وما نَقَصَ عن العادة طُهْرٌ»: هذا تَغَيُّر العادة بنقص.

مثاله: عادتُها سبعٌ، فحاضت خمسةً، ثم طَهُرت، فإِنَّ ما نقص طُهْرٌ، يجب عليها أن تغتسل، وتُصلِّي، وتصوم الواجب، ولزوجها أن يجامعها كباقي الطَّاهرات.

 

والدَّليل على ذلك ما يلي:

1- قولُه تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222].

2- قولُه صلى الله عليه وسلم: ((أليس إِذا حاضت لم تصلِّ، ولم تصم))، وهذه المرأة انتهى حيضها.

 

فائدة: علامةُ الطُّهر معروفةٌ عند النِّساء، وهو سائلٌ أبيضُ يخرج إِذا توقَّفَ الحيضُ، وبعض النِّساء لا يكون عندها هذا السَّائل، فتبقى إِلى الحيضة الثَّانية دون أن ترى هذا السَّائل، فعلامةُ طُهْرِها أنَّها إِذا احتشت بقطنة بيضاء؛ أي: أدخلتْهَا محلَّ الحيض، ثم أخرجَتْهَا ولم تتغيَّرْ، فهو علامةُ طهرها.

 

قوله: «وما عاد فيها جَلَسَته»؛ أي: ما عاد في العادة بعد انقطاعه، فإِنها تجلسه بدون تكرار؛ لأنَّ العادة قد ثَبَتَتْ، وعاد الدَّم الآن في نفس العادة.

مثاله: عادتُها ستَّة أيَّام وفي اليوم الرَّابع انقطع الدَّم، وطَهُرَتْ طُهْرًا كاملًا، وفي اليوم السادس جاءها الدَّمُ، فإِنها تجلس اليوم السَّادس؛ لأنه في زمن العادة، فإِن لم يعدْ إِلا في اليوم السَّابع، فإِنَّها لا تجلسه؛ لأنه خارجٌ عن العادة، وقد سبق أنه إِذا زادت العادة، فليس بحيض حتى يتكرَّر ثلاث مرَّات، وسبق القولُ الرَّاجح في ذلك؛ [ص495-498].

 

قوله: (والصُّفْرَةُ، والكُدْرَةُ في زمن العادةِ: حيضٌ):

قوله: «والصُّفرة، والكُدرة»: الصُّفرة والكُدرة: سائلان يخرجان من المرأة أحيانًا قبل الحيض، وأحيانًا بعد الحيض.

 

والصُّفرة: ماءٌ أصفر كماء الجُروح.

والكُدرة: ماءٌ ممزوجٌ بحُمرة، وأحيانًا يُمزَجُ بعروق حمراء كالعَلَقة، فهو كالصَّديد يكون ممتزجًا بمادة بيضاء وبدم.

قوله: «في زمن العادة حيضٌ»؛ أي: في وقتها، وظاهر كلامه أنهما إِن تقدَّما على زمن العادة أو تأخَّرا عنه فليسا بحيض، وهذا أحد الأقوال في المسألة.

 

والقول: أنَّهما حيض مطلقًا؛ لأنَّه خارجٌ من الرَّحم ومنتنُ الرِّيح، فحكمُه حكم الحيض.

واستُدلَّ لما قاله المؤلِّف:
1 ـ بما رواه أبو داود في حديث أمِّ عطيَّة: «كُنَّا لا نَعُدُّ الصُّفرة والكُدْرَةَ بعد الطُّهرِ شيئًا»، فهذا القيد يدلُّ على أنه قبل الطُّهر حيضٌ.

 

2 ـ أنَّه إِذا كان قبل الطُّهر يثبت له أحكام الحيض تبعًا للحيض، أما بعد الطُّهر فقد انفصل، وليس هو الدَّم الذي قال الله فيه: ﴿ هُوَ أَذًى ﴾ [البقرة: 222]، فهو كسائر السَّائلات التي تخرج من فرج المرأة، فلا يكون له حكم الحيض؛ [ص498-500].

 

قوله: (ومن رأتْ يومًا دمًا ويومًا نقَاءً، فالدَّمُ حيضٌ، والنَّقَاءُ طُهْرٌ ما لم يَعْبُر أكْثَرهُ):

فالحكم يدور مع عِلَّته، فيوم الحيض له أحكام الحيض، ويوم النَّقاء له أحكام الطُّهر، فما دام الأذى - وهو الدم - موجودًا فهو حيض، وإِذا حصل لها النَّقاء منه فهو طُهْرٌ، وعلى هذا فإِننا نُلزِمُ المرأة أن تغتسل ثلاث مرَّات في ستَّة أيام.

 

القول الثاني: أنَّ اليومَ ونصفَ اليوم لا يُعدُّ طُهرًا؛ لأنَّ عادة النِّساء أن تجفَّ يومًا أو ليلة؛ حتى في أثناء الحيض ولا ترى الطُّهر، ولا ترى نفسها طاهرة في هذه المدَّة، بل تترقَّب نزول الدم، فإذا كان هذا من العادة، فإِنه يُحكم لهذا اليوم الذي رأت النَّقاء فيه بأنه يومُ حيض؛ لا يجب عليها فيه غُسْلٌ، ولا صلاةٌ، ولا تطوف ولا تعتكف؛ لأنَّها حائض، حتى ترى الطُّهر.

 

ويؤيِّد هذا: قول عائشة رضي الله عنها للنِّساء إِذا أحضرن لها الكرسف - القطن - لتراها هل طَهُرتْ المرأة أم لا؟ فتقول: «لا تعجلن حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البيضاء»؛ أي: لا تغتسلن، ولا تصلِّين حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البيضاء.

 

ولأن في إِلزامها بالقول الأول مشقَّةً شديدةً، ولا سيَّما في أيَّام الشَّتاء وأيام الأسفار ونحوها، وهذا أقرب للصَّواب، فجفافُ المرأة لمدَّة عشرين ساعة، أو أربع وعشرين ساعة أو قريبًا من هذا لا يُعَدُّ طُهْرًا؛ لأنه معتاد للنِّساء.

 

قوله: «ما لم يَعْبُرْ أكثَره»؛ أي: ما لم يتجاوز مجموعُهما أكثرَ الحيض، فإِن تجاوز أكثره فالزَّائد عن خمسةَ عشرَ يومًا، يكون استحاضةً؛ [ص500-501].

 

قوله: (والْمُسْتَحاضَةُ ونَحْوُها تَغْسِلُ فَرْجَهَا، وتَعْصبُه وتتوضَّأُ لوقت كُلِّ صَلاةٍ، وتُصلِّي فُروضًا ونَوافِلَ):

قوله: «والمستحاضةُ ونحوُها»: المستحاضة على المذهب: هي التي يتجاوز دمُها أكثر الحيض.

قوله: «ونحوها»؛ أي: مثلها، والمراد به من كان حدثُه دائمًا، كمن به سَلَسُ بولٍ أو غائط، فحكمه حكم المستحاضة.

قوله: «تغسل فرجها»؛ أي: بالماء فلا يكفي تنظيفُه بالمناديل وشبهها؛ بل لا بُدَّ من غسله حتى يزولَ الدَّم.

 

والدَّليل على أنها تغسل فَرْجَها قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حُبَيْش: ((اغسلي عنك الدَّمَ وصَلِّي))، فهذا يدلُّ على أنه لا بُدَّ من غسله.


ومن به سَلَسُ بول يغسل فرجه، ومن به سلس ريح لا يغسل فرجه؛ لأن الرِّيحَ ليست بنجسة.

قوله: «وتَعْصِبُه»؛ أي: تشدُّه بخِرْقَة، ويُسَمَّى تَلجُّمًا واستثفارًا.

 

والذي ينزف منه دمٌ دائمًا من غير السَّبيلين لا يلزمُه الوُضُوء، هو الرَّاجح لأن الخارج من غير السَّبيلين لا دليل على أنه ناقض للوُضُوء، والأصل بقاء الطَّهارة.

 

قوله: «وتتوضَّأ لوقت كُلِّ صلاةٍ»؛ أي: يجب على المستحاضة أن تتوضَّأ لوقتِ كُلِّ صلاة إِن خرج شيء، فإِن لم يخرج منها شيء بقيت على وضوئِها الأوَّل؛ هذا ما كان يراه شيخنا رحمه الله سابقًا، ثم إنه رجع عن ذلك وقال: إن المستحاضة ونحوها ممن حدثُه دائم لا يجب عليه الوضوء لكل صلاة بل يستحبُّ، فإذا توضَّأ فلا ينتقض وضوؤه إلَّا بناقض آخر، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله، لعدم الدليل على النقض، ولأن مَنْ حَدَثُه دائمٌ لا يستفيد بالوضوء شيئًا؛ لأن الحَدَث معه دائمٌ ومستمرٌّ.

قوله: «وتُصلِّي فروضًا ونوافل»؛ أي: إِذا توضَّأت للنَّفل فلها أن تُصلِّيَ الفريضة؛ [ص501-503].

 

قوله: (ولا تُوطأُ إِلا مَعَ خوفِ العَنَتِ، ويُسْتَحبُّ غُسْلُها لِكلِّ صلاةٍ):

قوله: «ولا تُوطَأُ إِلا مع خوف العَنَتِ»؛ يعني: أن المستحاضة لا يحلُّ وَطْؤها إِلا مع خَوفِ العَنَتِ؛ أي: المشقَّة بترك الوَطءِ - هذا هو المذهب - إِلَّا أنَّ هذا التَّحريم ليس كتحريم وطْءِ الحائض، والصَّحيح: أنه ليس بحرام، ودليل ذلك:

1- قوله تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ [البقرة: 223].

 

2- أنَّ الصَّحابة رضي الله عنهم الذين استُحيضتْ نساؤهم وهنَّ حوالي سبع عشرة امرأة، لم يُنقَلْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر أحدًا منهم أن يعتزل زوجته، ولو كان من شرع الله لبيَّنَه صلى الله عليه وسلم لمن استُحيضَت زوجتُه، ولَنُقِلَ حفاظًا على الشريعة، فلما لم يكن شيءٌ من ذلك عُلِمَ أنه ليس بحرام.


3- البراءة الأصلية، وهي الحلُّ.

 

4- أنَّ دم الحيض ليس كدم الاستحاضة، لا في طبيعته، ولا في أحكامه؛ ولهذا يجب على المستحاضة أن تُصلِّيَ، فإِذا استباحت الصَّلاةَ مع هذا الدَّم، فكيف لا يُباح وطؤُها؟ وتحريمُ الصَّلاة أعظمُ من تحريم الوَطء.

 

5- أنَّ الحيض مدَّته قليلةٌ، فمنع الوطء فيه يسيرٌ؛ بخلاف الاستحاضة فمدَّتُها طويلةٌ؛ فمنع وطئها إِلا مع خوف العَنَتِ فيه حرجٌ، والحرجُ منفيٌّ شرعًا.

 

وأما كونُ الذَّكر يتلوَّث عند الوطء بالدَّم النَّجس؛ فإِن قلنا: إِنه يُعفى عن يسير دم الاستحاضة فلا إِشكال؛ لأنَّ ما يعلق منه بالذَّكر يسيرٌ، وإِنْ قلنا: لا يُعفى عنه فهو مباشرةٌ للدم غير مقصودة ولا مستمرَّة؛ إِذ يجبُ عليه غسله بعد ذلك.

لكن إِذا استقذره، وكَرِه أن يجامعَ مع رؤية الدَّم؛ فهذا شيءٌ نفسيٌّ لا يتعلَّق به حكمٌ شرعيٌّ.

 

قوله: «ويُستَحبُّ غُسْلها لكلِّ صلاة»؛ أي: غُسْل المستحاضة لوقتِ كلِّ صلاة؛ لا لفعل كلِّ صلاة. والدَّليل على ذلك: أمره صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك، وهذا إِذا قويت أن تغتسلَ لكلِّ صلاة، وإِلا فإِنَّها تجمعُ بين الظُّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فبدلًا من أن تغتسلَ خمس مرَّات تغتسلُ ثلاث مرات، مرَّةً للظُّهر والعصر، ومرَّة للمغرب والعشاء، ومرَّة للفجر، وهذا الاغتسال ليس بواجب؛ بل الواجب ما كان عند إِدبار الحيض، وما عدا ذلك فهو سُنَّة؛ [ص503-506].

 

قوله: (وأكثرُ مُدةِ النِّفاسِ أربعونَ يومًا،ومتى طَهُرتْ قَبْلَه تَطَهَّرتْ وصَلَّتْ، ويُكْرَهُ وَطْؤُها قَبْلَ الأرْبَعِينَ بَعدَ التَّطَهُّر):

قوله: «وأكثر مدَّة النِّفاس أربعون يومًا»: النِّفاس: آخرُ الدِّماء؛ لأن الدماء ثلاثةٌ: حيضٌ، واستحاضةٌ، ونِفاس، وبعضهم يزيد دمًا رابعًا: دم فساد، وبعضهم يُدخِلُ دمَ الفساد في دم الاستحاضة.

 

والنِّفاس: بكسر النون من نَفَّسَ اللَّهُ كُربَتَه، فهو نِفاس؛ لأنه نُفِّسَ للمرأة به، يعني: لما فيه من تنفيس كُربة المرأة.

 

ولا شكَّ أن المرأة تتكلَّفُ عند الحمل، وعند الولادة؛ قال الله تعالى: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ [لقمان: 14]، وقال تعالى: {﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ﴾ [الأحقاف: 15].


والنِّفاس: دمٌ يخرج من المرأة بعد الولادة، أو معها، أو قبلها بيومين، أو ثلاثةٍ مع الطَّلْق، أما بدون الطَّلْق، فالذي يخرج قبل الولادة دمُ فساد، وليس بشيء.

 

فإِن قيل: كيف نعرف أنه قبل الولادة بيومين أو ثلاثة؟ فهنا امرأة أحسَّت بالطَّلْق، وصار الدَّم يخرج منها؛ لكن هل نعلم أنها سَتَلِدُ خلال يومين أو ثلاثة؟

الجواب: لا نعلم، والأصل: أنها لا تجلس؛ لكن عندنا ظاهرٌ يَقْوَى على هذا الأصل؛ وهو الطَّلْق، فإِنه قرينةٌ على أنَّ الدَّم دمُ نِفاسٍ، وأن الولادةَ قريبةٌ، وعلى هذا تجلسُ ولا تُصلِّي، فإِن زاد على اليومين قضت ما زاد؛ لأنَّه تبيَّن أنَّ ما زاد ليس بنفاس، بل هو دمُ فساد.


وقال بعض العلماء: لا نفاس إِلا مع الوِلادة أو بعدها، وما تراه المرأةُ قبل الولادة ـ ولو مع الطَّلق ـ فليس بنِفاس.

وعلى هذا القول تكونُ المرأة مستريحةً، وتُصلِّي وتصومُ حتى مع وجود الدَّم والطَّلْق ولا حرج عليها، وهذا قول الشَّافعية، وأشرت إِليه لقوَّته؛ لأنَّها إِلى الآن لم تتنفَّس، والنِّفاس يكون بالتنفُّس.

 

قوله: «ومتى طَهُرَتْ قَبلَه»؛ أي: طَهُرَت النُّفساء قبل مدَّة أكثر النِّفاس، وذلك بانقطاع الدَّم، والمرأةُ تعرف الطَّهارةَ.

قوله: «تطهَّرت»؛ أي: اغتسلت.

قوله: «وصلَّت»؛ أي: فروضًا ونوافل، فالفرائض وجوبًا، والنَّوافل استحبابًا.

قوله: «ويُكره وَطؤها قبل الأربعين بعد التَّطهُّر»؛ أي: يُكره وَطءُ النُّفَساء إِذا تطهَّرت قبل الأربعين؛ والرَّاجح: أنه يجوز وطؤُها قبل الأربعين إِذا تطهَّرت؛ [ص506-513].

 

قوله: (فإِن عَاوَدَهَا الدَّمُ فَمَشْكُوكٌ فيه، تَصُومُ، وتُصَلِّي، وتَقْضِي الواجب):

قوله: «فإِن عاودها الدَّم»؛ أي: عاد الدَّم إِلى النُّفَساء بعد انقطاعه.

قوله: «فمشكوكٌ فيه»؛ أي: لا ندري أنِفاسٌ هو؟ أم دمُ فساد؟

فإِن كان نِفاسًا ثبت له حُكْمُ النِّفاس، وإِن كان دم فساد لم يثبُتْ له حكمُ النِّفاس.

 

قوله: «تصومُ وتُصلِّي»؛ أي: يجب عليها أن تتطهَّر، وتصلي وتصومَ من باب الاحتياط، وتتجنَّب ما يحرم على النُّفساء؛ كالجِماع مثلًا فلا تفعله، من باب الاحتياط.

قوله: «وتقضي الواجب»؛ يعني: من الصَّوم والصَّلاة إِن كان يُقْضَى.

 

فصار حكم الدَّم المشكوك فيه أن المرأة يجب عليها فعلُ ما يجب على الطَّاهرات لاحتمال أنه دمُ فساد، ويجب عليها قضاءُ ما يجب على النُّفساء قضاؤه لاحتمال أنه دمُ نِفاس، هذا ما قاله المؤلِّف وهو المذهب.


والرَّاجح: أنَّه إِن كان العائدُ دمَ النِّفاس بلونه ورائحته، وكلِّ أحواله، فليس مشكوكًا فيه، بل هو دمٌ معلومٌ، وهو دمُ النِّفاس فلا تصومُ، ولا تصلِّي، وتقضي الصَّوم دون الصَّلاة، وإِن عَلِمَت بالقرائنِ أنه ليس دمَ نفاس، فهي في حكم الطَّاهرات تصومُ وتصلِّي، ولا قضاءَ عليها؛ لأن الله لم يوجبْ على العباد العبادةَ مرَّتين، فإِمَّا أن تكونَ أهلًا للصوم فتصوم، وإِلا فلا؛ لكن إِن صادف العائدُ عادة حيضها فهو حيض؛ [ص514-515].

 

قوله: (وهو كالْحيض فيما يَحِلُّ، ويَحْرُمُ، ويَجِبُ، ويَسْقُطُ، غَيْرَ العِدَّة، والبُلُوغِ):

قوله: «وهو كالحيض فيما يحلُّ»؛ يعني: أن حكمَ النِّفاس حكمُ الحيض فيما يحلُّ؛ كاستمتاعِ الرَّجل بالمرأة بغير الوَطء، والمرورِ في المسجد مع أمن التَّلويث.


قوله: «ويحرم»؛ يعني: أنه كالحيض فيما يحرُمُ؛ كالصَّوم، والصَّلاة، والوطءِ، والطَّواف، والطَّلاق على حسب كلام المؤلِّف.

قوله: «ويجب»؛ يعني: أنه كالحيض فيما يجب؛ كالغسل إِذا طَهُرتْ.

قوله: «ويسقُطُ»؛ يعني: أنه كالحيض فيما يَسقُطُ به؛ كالصَّوم، والصَّلاةِ فإِنهما يسقطانِ عنها؛ لكنَّ الصومَ يجبُ قضاؤه، والصلاةَ لا تُقضى.

قوله: «غير العِدَّة»؛ يعني: أن النِّفاس يُفارق الحيض في العدَّة.

قوله: «والبلُوغ»؛ يعني: أنه يفارقَ الحيضَ في البلوغِ؛ أي: إن الحيضَ من علامات البلوغ، أما الحَملُ فليس من علامات البلوغ؛ لأنَّها إِذا حملت، فقد علمنا أنَّها أنزلت، وحصل البلوغُ بالإِنزال السَّابق على الحمل.

 

ويُستثنى أيضًا مدَّة الإِيلاء؛ وهو أن يحلف عن ترك وطء زوجته إِما مُطْلَقًا، أو مدَّة تزيد على أربعة أشهر؛ مثل أن يقول: والله لا أَطَأُ زوجتي، أو يقول: والله لا أطأ زوجتي حتى يخرج الدجَّال، فهذا يُحسَب عليه أربعةُ أشهر، فإِن رجعَ وجامَعَ كَفَّر عن يمينه، وإِنْ أَبَى، فإِن تمَّت المدَّةُ يُقال له: ارجعْ عن يمينك، أو طلِّقْ، فإن قال: إِن امرأته تحيضُ في كلِّ شهر عشرةَ أيام، فيبقى من مدَّة الإِيلاء أربعون يومًا، وطلب إِسقاطها من مدَّة الإِيلاء، يُقال له: لا تُسْقَطُ عنك أيَّام الحيض؛ بل تُحسَبُ عليك، أما بالنِّسبة للنِّفاس فلا تُحسب مدَّتُه على المولي.

 

مسألة: هل الطَّلاق في الحيض حرامٌ، وهل يقعُ؟ فيه خلافٌ.

وفي النِّفاس ـ على المذهب ـ حرام أيضًا كما قال المؤلِّفُ: «وهو كالحيض فيما يحلُّ ويحرمُ»؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعمر: ((مُرْهُ فليطلِّقها طاهرًا، أو حاملًا))، والنُّفساء غير طاهرة.

والصحيح: أنُّه ليس بحرام.

والدليل على ذلك: أن الطَّلاق في الحيض حُرِّمَ؛ لكونه طلاقًا لغير العدَّة؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1]، فإِذا طلَّق وهي حائضٌ، فإِن بقيَّة هذه الحيضة لا تحسب، فلا بدَّ أن تأتي ثلاثُ حِيَضٍ جديدةِ، فلا تدخل في العدَّة من حينِ الطَّلاقِ.

 

أما النِّفاس فلا دخل فيه في العدَّة؛ لأنه لا يُحسَب منها، فإِذا طلَّقها فيه شرعت في العدَّة من حين الطَّلاق؛ فيكون مطلِّقًا للعدة، وإِذا كان كذلك فإِذا طلَّقها في النِّفاس أو بعده، فهو على حدٍّ سواء.

 

أما قولُه صلى الله عليه وسلّم: ((مُرْهُ فليطلِّقها طاهرًا، أو حاملًا))؛ أي: طاهرة من الحيض بدليل ما جاء في الحديث: «أنه طلَّق امرأته وهي حائضٌ»، ولأنه صلى الله عليه وسلم قرأ: ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1]، وهذا الحكمُ يختصُّ بالطَّلاق في الحيض دون النِّفاس؛ [ص515-519].

 

قوله: (وإِن وَلَدتْ تَوْءَمَيْنِ، فَأوَّلُ النِّفاسِ، وآخِرُهُ من أَوَّلِهِمَا):

قوله: «وإِن ولدت تَوْءَمين»؛ أي: ولدين.

قوله: «فأوَّلُ النِّفاس، وآخرُه من أوَّلهما»؛ أي: أوَّل الولدين خروجًا، حتى ولو كان بينهما مدَّة؛ كيومين، أو ثلاثة، فلو قُدِّر أنها ولدت الأول في أول يوم من الشهر، والثَّاني في العاشرِ من الشَّهر، فإِنه يبقى لها ثلاثون يومًا؛ لأن أوَّل النِّفاس من الأوَّل.

 

ولو قُدِّر أنها ولدت الأوَّل في أوَّلِ الشَّهر، وولدت الثَّاني في الثَّاني عشر من الشَّهر الثَّاني، فلا نفاس للثَّاني؛ لأن النِّفاس من الأوَّل، وانتهت الأربعون يومًا، ولا يمكن أن يزيدَ النِّفاس على أربعين يومًا على المذهب.

والرَّاجحُ: أنه إِذا تجدَّدَ دمٌ للثاني، فإِنَّها تبقى في نفاسِها، ولو كان ابتداؤه من الثاني؛ إِذ كيفَ يُقال: ليس بشيءٍ، وهي ولدتْ وجاءها دم؟!

♦   ♦   ♦


انتهى بحمد الله تعالى تلخيص المجلد الأوَّل
ويليه بمشيئة الله عز وجل
تلخيص المجلد الثَّاني
وأوَّله: «كتاب الصَّلاة».





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تلخيص باب المسح على الخفين من الشرح الممتع
  • تلخيص باب فروض الوضوء وصفته من الشرح الممتع
  • تلخيص باب نواقض الوضوء من الشرح الممتع
  • تلخيص باب المياه من الشرح الممتع
  • تلخيص باب الاستنجاء من الشرح الممتع
  • تلخيص باب المسح على الخفين من الشرح الممتع

مختارات من الشبكة

  • تلخيص باب الغسل من الشرح الممتع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تلخيص باب السواك وسنن الوضوء من الشرح الممتع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تلخيص باب الآنية من الشرح الممتع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تلخيص باب المسح على الخفين من كتاب الطهارة من الشرح الممتع (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تلخيص كتاب الصيام من الشرح الممتع (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تلخيص كتاب الحج من الشرح الممتع (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تلخيص كتاب الصيام من الشرح الممتع(مقالة - ملفات خاصة)
  • تلخيص كتاب الحج من الشرح الممتع(مقالة - ملفات خاصة)
  • تقييد وتلخيص لشرح الشيخ حسام لطفي الشافعي على شرح المحلي لمتن الورقات للإمام الجويني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة جوامع كتاب جالينوس في المزاج على الشرح والتلخيص(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب