• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المقاصد الربانية للعشر المباركة (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (5)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446هـ
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (4)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    العيد في زمن الغفلة... رسالة للمسلمين
    محمد أبو عطية
  •  
    الأضحية ... معنى التضحية في زمن الماديات
    محمد أبو عطية
  •  
    خطبة الجمعة ليوم عيد الأضحى
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    صلاة العيد وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

حديث القرآن عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم (1)

حديث القرآن عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم (1)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/9/2018 ميلادي - 6/1/1440 هجري

الزيارات: 33883

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حديثُ القرآن عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم

الجزء الأول[1]

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].


أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها المسلمون، لقد منَّ الله تعالى على آخر الأمم وخيرها بمنن كثيرة، وأسبل عليها فكان أعلاها منّة، وأعظمها نعمة إنزال القرآن الكريم، وبعثة النبي الهادي الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.


أما القرآن فهو كلام الله الصادق، وكتابه المعجز الخالد، الذي تكفل بحفظه من كل سوء يعتريه، ومن كل شين يمكن أن يحصل فيه، فلا تحريف يصيبه ولا تبديل، ولا زيادة عليه ولا نقصان منه.

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9].


قد احتوى هذا الكتاب العظيم الدلالةَ على كل خير، والتحذير من كل شر، فهو مصدر النور والهدى، ومنبع الشفاء من كل داء، وهو دليل الفالحين في الدنيا والدين، ومعراج الوصول إلى رب العالمين ، فمن أخذ به قاده إلى صلاح الحال، والفوز بالجنان والرضوان يوم والمآل.


﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء:9].


وأما رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فهو سيد ولد آدم وأشرفهم، وأجلهم وأعظمهم، وخيرهم وأفضلهم، خاتم الأنبياء والمرسلين، وصاحب المقام المحمود يوم الدين، وذو الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة في الجنة، وصاحب الشفاعات المتعددة يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول من يجوز الصراط، وأول من يستفتح باب الجنة، وهو دليلنا إلى الله، وضياؤنا الذي رأينا به الحق الذي يهدينا إلى الصراط المستقيم.


عباد الله، إن القرآن الكريم قد زخر بالحديث عن أشياء كثيرة، فتعالوا بنا اليوم للنظر في حديثه عن نبينا صلى الله عليه وسلم: كيف أخبر عنه، وماذا كان قوله العظيم فيه، وعن أي الجوانب تحدث عن نبينا الكريم؟

فحديث القرآن عن سيد الخلق لا شك أنه حديث غزير قد تناول قضايا متنوعة تتعلق برسول صلى الله عليه وسلم.


فمن تلك القضايا:

أنه أثنى عليه ثناءً كثيراً، ومدحه مدحاً وفيراً؛ فوصفه بأجمل الصفات الحميدة وأزكاها، ونعته بأحسن النعوت الكريمة وأسماها، سواء ما تعلق منها بشخصه الكريم، أم برسالته التي هدت إلى الدين القويم.


فقد وصف الله تعالى نبينا الكريم بكونه مِنَّةً منه على المؤمنين، وكونه معلمَ هداية جاء لتزكيتهم وتعليمهم، فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].


ووصفه بالنور الذي يهدي إلى سبل السلامة من كل شر في الدنيا والآخرة، ويخرج متبعيه من ظلام الجهل والضلال إلى نور الهداية والعلم، فقال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 15] ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 16].


ووصفه سبحانه بأنه شاهد على أمته بالبلاغ، ومبشر للمؤمنين به بالخير والجنة، ونذير لمن عصاه بالشر والنار، وأنه سراج ينير للناس الطريق إلى ربهم، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45] ﴿ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 46].


وأثنى عليه بكونه آمراً بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، مُحلاًّ للطيبات، محرِّمًا للخبائث والمنكرات، ميسراً على العباد عبادة الله، ولما كان كذلك دعا الله تعالى إلى الإيمان به، وتعظيمه ونصره، وبين أن من فعل ذلك معه نال الفلاح العظيم، فقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].


وأثنى عليه بأنه برهان منه للناس كلهم، "وهو الدليل القاطع للعُذْر، والحجة المزيلة للشبهة"[2]، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 174].


ومدحه بكون رسالته رحمة للعالمين، "فمن آمن بك سَعِد ونجا، ومن لم يؤمن خاب وخسر"[3].


فقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

وأثنى عليه سبحانه بكون رسالته عامة للخلق أجمعين، وهذا أعظم لأجره، وأشهر لفضله وذكره، فقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28].


وأعلى الله تعالى شأنه ثناءً ومدحًا بكونه رسوله الذي ختم به رسالات رسله، وأتم به النبوة بين عباده، فقال عز وجل: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)[4].


وأثنى عليه أيضًا بكمال الأدب في ليلة المعراج بأنه " ما مال بصره يميناً ولا شمالاً، ولا ارتفع فوق الحد الذي حدد له"[5]، فقال تعالى: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم: 17].


عباد الله، ما أجمل الثناء عليه صلى الله عليه وسلم من الله تعالى يوم وصفه بكثرة الرحمة والرأفة بأمته، وبحرصه الكبير على إيصال الخير لها، وبأنه يشق عليه ما تلقى من المكروه والعنت، فقال تبارك وتعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].


فلما علم الله تعالى كمال شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم بأمته، ونصحه الأمين لهم، جعله أولى بهم من أنفسهم، وجعل حكمه فيهم مُقَدّمًا على اختيارهم لأنفسهم[6]، فقال سبحانه: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6].


وعندما كانت العبودية لله تعالى أسمى وسام للإنسان وصفه سبحانه وتعالى بها في أعلى المقامات، ففي مقام إنزال القرآن عليه قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].


وفي مقام الإسراء قال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾  [الإسراء: 1].


وفي مقام الدعوة قال: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19].

وحينما كان صلى الله عليه وسلم قد كمل في عبوديته، وبلغ أعلى مراتب طاعة ربه أثر ذلك على من معه من أصحابه رضي الله عنهم حينما سمعوا أقواله ورأوا أفعاله، فوصفه الله مع أولئك الأخيار من المؤمنين بالشدة على الكافرين، والرحمة بالمؤمنين ، وبكثرة العبادة، والثناء الجزيل عليه وعليهم المسطر في التوراة والإنجيل، فقال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].


فما أعظمه صلى الله عليه وسلم بعد هذا الثناء الصادق في وصفه، والمدح الناطق بكمال نعته أن يكون قدوة لأمته في قوله وفعله؛ فلذلك قال تعالى في حقه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].


أيها المسلمون، فما بعد هذا الثناء والمدح والوصف لنبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن إلا أن نثني عليه ونمدحه، ونصفه بما وصفه الله به، وأن نتبعه فيما دعانا إليه، ونحبه حبًا عظيمًا أكثر من حبنا لأنفسنا ووالدينا وأولادنا وأموالنا، فحبه دين وربح وإيمان، ومعصيته ضلال وهلاك وخسران.


عباد الله، ومن حديث القرآن عن البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وسلم: تزكيته عليه الصلاة والسلام في أقواله وأفعاله، وصفاته وخِلاله، وتعديله فيما جاء به من الحق، ونفي كل تهمة وجهت إليه من قبل المشركين المعاندين، والمكذبين المعرضين.


فقد زكاه الله تعالى في منهجه الذي دعا الناس إليه؛ فأخبر أن ما جاء به إلى الناس هو الحق من عنده سبحانه، وأنه الهدى الذي لا ضلال فيه أبداً، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 170]. وقال: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح: 28].


وشهد له الله تبارك وتعالى بسلامة مصدره الذي يدعو الناس به إليه، بأنه كلام الله حقًّا، ولم يأت به من قبل نفسه، أو من قول شاعر اقتبسه، أو سجع كاهن منه أخذه، أو قول شيطان التمسه، أو علم معلم أعجمي تلقاه عنه، فقال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ * وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء: 192 - 196]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ﴾ [يس: 69]، وقال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحاقة: 40 - 43]، وقال: ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾ [التكوير: 25، 26]. وقال: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103].


وزكاه سبحانه وتعالى في عقله الذي ناف على كل العقول زكاء ورجاحة، وسداداً وسلامة، فقال: ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ [التكوير:22].


وزكاه كذلك في خلقه الكريم، بلغ في حسنه النهاية، وفي دماثته الغاية، فقال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].


وزكاه في خبره بأنه صدق لا كذب فيه ولا خُلف، فقال: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب:22].


وزكاه تعالى في دينه وقوله ودعوته، فما " ما حاد محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق، وما خرج عن الرشاد، بل هو في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد، وليس نطقه صادرًا عن هوى نفسه"[7]. فقال تعالى: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 1 - 4].


فلما كان صلى الله عليه وسلم معدَّلاً من عند ربه في منهجه ومصدره، ودينه وخبره، وعقله وخلقه؛ ومنطقه ونصحه، فقد شهد له تبارك وتعالى بأنه داعٍ مخلص إلى صراطه القويم، فيكون أهلاً للاتباع والطاعة، فقال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المؤمنون:73]، وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53].


كما عدَّله في سلامة قصده في الدعوة، وكونه لا يدعو إلى شخصه، أو لمصلحة دنيوية لذاته، ولم يتحرك إلى دعوة الناس من قبل نفسه، وإنما بأمر ربه، ونفى عنه أن يجيء بما جاء به بكذبه وافترائه، فقال تعالى: ﴿ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 46، 47]، وقال: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص:86].


كما زكاه تعالى في ذات السياق كذلك بكمال أمانته في تبليغه؛ حيث لم يكتم شيئًا أُمر بإعلام الناس به بخلاً منه، فقال: ﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴾ [التكوير:24]، أي: ببخيل.


ومن ثَمّ حكم سبحانه بعد هذا على من لم يتبع منهجه بأنه متبع لهواه، ضال عن الحق، ظالم لنفسه، فقال تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص:50].


أيها المسلمون، وأمام هذه التزكية الربانية، والتعديل لنبينا من قبل رب البرية، لا يسعنا إلا " طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يُعبد الله إلا بما شرع"[8].


بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الأحباب الكرام، ومن حديث القرآن الكريم عن النبي العظيم صلى الله عليه وسلم: بيان نعم الله عليه، وآلائه التي أسداها إليه، نعم دينية، ونعم دنيوية، ونعم عاجلة، وأخرى آجلة، فكم لله عليه من نعمة عظيمة، ومنّة كريمة! زادته رفعة إلى رفعته، وسمواً إلى سموه.


فمما أنعم الله عليه به: أنه كان عليه الصلاة والسلام يتيمًا فآواه الله ورعاه، بعيداً عن العلم فعلّمه سبحانه من لدنه العلم وأعطاه، وكان فقيراً فأغناه، وما أبغضه -جلّ وعلا- بانقطاع الوحي عنه يوم انقطع ولا قَلاه، ووعده سبحانه بأنه سيعطيه من أصناف الإنعام ما يبلغ به رضاه، فقال تعالى: ﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 3 - 8] .


ومما أنعم عليه سبحانه به: أنه تعالى وسع صدره لتحصيل العلم وتنويره بالحكمة والمعرفة [9]، وغفر له جميع ذنوبه، وجعله سبحانه في منزلة سامية رفيعة، فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 1 - 4].


ومما أنعم الله عليه به: أنه عصمه سبحانه من قدرة المبطلين على إزاغته عن طريق الحق، وصرْفه عن القرآن الذي أنزله عليه، وثبته على الحق الذي أرسله به، وحال بين المشركين وما يشتهون من إضلاله، فقال تعالى: ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113]، وقال: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾  [الإسراء: 73] ﴿ وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 74].


ومما أنعم عليه سبحانه به: فتحُ البلاد، وكثرة إسلام العباد، ونصرُ دينه على ما سواه من الأديان، وغفران ذنبه ما تقدم منه وما تأخر، فقال تعالى: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴾ [الفتح: 1 - 3]، وقال: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3].


عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، قالت: فقلت: يا رسول الله، أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه؟ فقال: خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها إذا جاء نصر الله والفتح: فتح مكة، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا)[10].


ومما أنعم الله عليه به: إعطاؤه الأجرَ الكثير الذي لا ينقطع؛ على ما بلّغ من الرسالة، وصبر على الأذى في طريق الدعوة، ولما أوصل من الخير إلى الأمة، فما عملنا من خير فله من ذلك نصيب من الأجر، وما تجنبنا من شر كان له كفل من الثواب، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾  [القلم:3].


عباد الله، ومما أنعم الله عليه به في الآخرة: إعطاؤه المقام المحمود يوم القيامة، والمقام المحمود، في قول أكثر أهل العلم: هو المقام الذي هو يقومه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس؛ ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدّة ذلك اليوم[11]، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79]. عن أبي هريرة قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة فقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بما ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ومالا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا في ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي اذهبوا إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلى الله عليه وسلم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسًا لم أومر بقتلها نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى صلى الله عليه وسلم، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلمت الناس في المهد، وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى: صلى الله عليه وسلم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنبًا، نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتوني فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع)[12].


ومما أنعم الله تعالى به عليه صلى الله عليه وسلم: أنه أعطاه الكوثر، فقال: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [الكوثر: 1] عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفًا سورة فقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1 - 3]، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير، وحوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم)[13].


أيها المسلمون، إن هذا الإنعام العظيم من الرب الكريم على النبي الأمين يدعونا إلى زيادة معرفة فضل نبينا عليه الصلاة والسلام، وعظم مكانته عند الله تعالى، وهذا يحثنا على مزيد حبه وتعظيمه، والمسارعة إلى اتباعه، والاجتهاد في طاعته، والعمل بما جاء به.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

هذا وصلوا وسلموا على سيد الخلق أجمعين...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في: 20 /12 /1439هـ، 31 /8 /2018م.

[2] تفسير ابن كثير (2/ 481).

[3] التفسير الميسر (6/ 21).

[4] متفق عليه.

[5] أيسر التفاسير للجزائري (5/ 190).

[6] تفسير ابن كثير (6/ 380).

[7] التفسير الميسر (9/ 350).

[8] الأصول الثلاثة (ص: 8).

[9] التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى (3/ 337).

[10] رواه مسلم.

[11] تفسير الطبري (17/ 526).

[12] متفق عليه.

[13] متفق عليه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سيرة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم
  • ترصيع الخلق بمحبة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
  • محبة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
  • حديث القرآن عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم (2)
  • حديث القرآن عن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم (3)
  • حديث القرآن عن بغاة الفتنة والمفسدين في الأرض (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أوجب طلحة(مقالة - ملفات خاصة)
  • تخريج حديث: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • حديث: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • حديث: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفية(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • مخطوطة جزء من حديث أبي نصر العكبري ومن حديث أبي بكر النصيبي ومن حديث خيثمة الطرابلسي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح الحديث الخامس من أحاديث الأربعين النووية (حديث النهي عن البدع)(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/12/1446هـ - الساعة: 15:27
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب