• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العرف الشذي من عفو الحبيب النبي صلى الله عليه
    السيد مراد سلامة
  •  
    ترجمة الحجاج بن أرطأة وحكم روايته
    عبد السلام عبده المعبأ
  •  
    تخريج حديث: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    جسر البركة الخفي (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    أهمية التطعيمات الموسمية (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال أهل العلم في الاحتفال بالأعياد
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الحديث الثالث عشر: تحريم الخيلاء
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    وجاءكم النذير (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    التعبد بترك الحرام واستبشاعه (خطبة) – باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    بستان الخطيب - الجزء التاسع (PDF)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    بحث حول حقيقة تكافئ الأجر والثواب لتكاليف الرجال ...
    محمد عادل حسن
  •  
    الإنسان والكون بين مشهد جلال التوحيد وجمال
    عامر الخميسي
  •  
    حديث في العدة والإحداد
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    مظاهر الأدب مع رسول الله (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    مسألة: العلج
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    خطبة: البشرى للمؤمنين
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة: هل تعرفون الموت؟

خطبة: هل تعرفون الموت؟
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/7/2018 ميلادي - 24/10/1439 هجري

الزيارات: 39276

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: هل تعرفون الموت؟

 

أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [الحشر: 18 - 20].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، هَل تَعرِفُونَ المَوتَ؟ نَعَم، هَل تَعرِفُونَ المَوتَ؟ قَد يَقُولُ قَائِلٌ: وَهَل عَاقِلٌ يَسأَلُ مِثلَ هَذَا السُّؤَالِ؟! وَهَل ثَمَّةَ أَحَدٌ لا يَعرِفُ المَوتَ؟! بَل هَل في الدُّنيَا مَن يُنكِرُ المَوتَ حَتَّى مِن غَيرِ المُسلِمِينَ؟! أَمَّا المَوتُ الَّذِي هُوَ تَوَقُّفُ الدَّمِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ مِنَ الجَسَدِ، وَانقِطَاعُ النَّفَسِ وَخُمُودُ الحَرَكَةِ وَهُمُودُ الأَعضَاءِ، وَمُغَادَرَةُ الدُّنيَا إِلى حَيَاةٍ أُخرَى، فَكُلُّنَا قَد رَآهُ وَعَرَفَهُ، إِذْ مَا مِنَّا أَحَدٌ، إِلاَّ وَقَد مَاتَ خَلقٌ كَثِيرٌ مِن أَقَارِبِهِ وَأَحبَابِهِ وَجِيرَانِهِ وَزُمَلائِهِ، وَلَكِنَّ قِلَّةً مِنَ النَّاسِ قَلِيلَةً وَنُدرَةً نَادِرَةً، هُم مَن يَعرِفُونَ المَوتَ المَعرِفَةَ الحَقِيقِيَّةَ، المَعرِفَةَ التَّأَمُّلِيَّةَ العَمِيقَةَ، الَّتي تُؤَثِّرُ في النُّفُوسِ تَأثِيرًا نَافِعًا، يُغَيِّرُ مَجرَى الحَيَاةِ وَيُعَدِّلُ الأَخلاقَ، وَيَضبِطُ السُّلُوكُ وَيَزِنُ التَّعَامُلَ، وَيُوَجِّهُ الأَخذَ وَالعَطَاءَ، بَل وَيُوَجِّهُ مَسِيرَةَ الحَيَاةِ بِشَكلٍ عَامٍّ، لِتَكُونَ خَوَاتِيمُ الأَعمَالِ هِيَ الهَمَّ، وَمَآلاتُ الأُمُورِ هِيَ الشُّغلَ الشَّاغِلَ، وَنَتَائِجُ الأَفعَالِ وَالتَّصَرُّفَاتِ عَلَى ذِكرٍ مِنَ القُلُوبِ، بَدَلاً مِنَ العَيشِ في لَحَظَاتٍ آنِيَّةٍ وَقتِيَّةٍ، وَالاستِغرَاقِ في مَوَاقِفَ لَمَّاعَةٍ تُؤَجِّجُهَا مَشَاعِرُ خَدَّاعَةٌ، أَوِ الغَوصِ في بُحُورٍ مِنَ الغَفَلاتِ المُستَغرِقَةِ، وَسُلُوكِ سُبُلِ الضِّيَاعِ المُلتَوِيَةِ، وَالبُعدِ عَن صِرَاطِ الحَقِّ المُستَقِيمِ، وَالمَيلِ عَن جَادَّةِ النَّجَاةِ الوَاضِحَةِ.

 

المَوتُ يَا عِبَادَ اللهِ، هُوَ قَاهِرُ المُتَكَبِّرِينَ، وَمُرغِمُ أُنُوفِ المُتَغَطرِسِينَ، وَقَاطِعُ جَهلِ الجَاهِلِينَ، أَذَلَّ رِقَابَ الجَبَابِرَةِ، وَكَسَرَ ظُهُورَ الأَكَاسِرَةِ، وَقَصَّرَ آمَالَ القَيَاصِرَةِ، يَتَهَرَّبُونَ مِنهُ وَيَتَجَاهَلُونَهُ، حَتَّى إِذَا أَدَارَ عَلَيهِمُ الدَّائِرَةَ، أَخَذَهُم بِيَدِهِ القَاهِرَةِ، وَقَذَفَهُم في ظُلُمَاتِ الحَافِرَةِ، وَمَا هِيَ إِلاَّ زَجرَةُ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ، قَد خَسِرُوا الدُّنيَا وَلم يُحَصِّلُوا شَيئًا مِنَ الآخِرَةِ، أَجَل - أَيُّهَا الإِخوَةُ - يَعِيشُ الغَافِلُونَ عَنِ المَوتِ مَا عَاشُوا، يَخبِطُونَ في دُنيَاهُم خَبطَ عَشوَاءَ، مُقَصِّرِينَ في الحُقُوقِ، غَيرَ مُهتَمِّينَ بِالوَاجِبَاتِ، وَلا مُتَجَنِّبِينَ لِلمُحَرَّمَاتِ، يَتَكَبَّرُونَ وَيَتَبَختَرُونَ، وَيَظلِمُونَ وَيَكذِبُونَ، وَيَغُشُّونَ وَيُخَادِعُونَ، ثم لا يَشعُرُ أَحَدُهُم إِلاَّ وَقَد هَجَمَ عَلَيهِ المَوتُ بَغتَةً، وَأَدرَكَهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ وَهُوَ بَينَ أَهلِهِ، فَانتَزَعَهُ مِن حِضنِ زَوجِهِ، وَحَرَمَ مِنهُ بَنَاتِهِ وَبَنِيهِ، وَأَفقَدَهُ قَومَهُ وَمُحِبِّيهِ، وَهُنَاكَ تَتَلاشَى قُوَّتُهُ، وَتَغِيبُ عَنهُ سُلطَتُهُ، وَتَتَفَرَّقُ عَنهُ زُمرَتُهُ، وَيَتَخَلَّى عَنهُ مَن كَانَ يُخَادِعُهُ وَيَؤُزُّهُ إِلى الشَّرِّ أَزًّا، وَلا يَظهَرُ لَهُ حَينَئِذٍ وَقَد أَيقَنَ بِالرَّحِيلِ، إِلاَّ مَوَاقِفُهُ المُخزِيَةُ الَّتي أَكَلَ فِيهَا الحَرَامَ، أَو شَهِدَ فِيهَا بِالزُّورِ، أَو جَامَلَ القَبِيلَةَ وَالعَشِيرَةَ وَمَالأَهُم عَلَى الظُّلمِ، أَوِ احتَقَرَ فِيهَا الضُّعَفَاءَ وَسَخِرَ بِالفُقَرَاءِ، أَو ضَرَبَ وَشَتَمَ وَاعتَدَى، أَو كَتَم أَو كَذَبَ وَافتَرَى.

 

هَل جَلَستُم في مَجلِسٍ فَذُكِرَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنَ الأَموَاتِ أَو عَدَدٌ مِنهُم؟! لا شَكَّ أَنَّ مِثلَ هَذَا المَوقِفِ قَد مَرَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا عِدَّةَ مَرَّاتٍ، فَهَل كَانَ حَدِيثُ النَّاسِ عَنِ الأَموَاتِ وَاحِدًا؟ لا وَاللهِ، فَمِنهُم مَن ذَكَرُوهُ فَدَعَوا لَهُ وَمَدَحُوهُ، وَأَثنَوا عَلَيهِ خَيرًا وَزَكَّوهُ، وَتَرَحَّمُوا عَلَيهِ بَل وَبَكَوهُ، وَمِنهُم مَن دَعَوا عَلَيهِ وَذَمُّوهُ، وَعَابُوهُ بَل وَانتَقَصُوهُ، وَثَمَّةَ مَن لم يَزِيدُوا عَلَى أَن قَالُوا عَنهُ: رَبُّنَا وَرَبُّهُ اللهُ... وَكَم تَحمِلُ هَذِهِ العِبَارَةُ مِن المَعَاني لِمَن كَانَ يَعقِلُ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّاسَ قَدِ اكتَوَوا بِشَيءٍ مِن ظُلمِ هَذَا المَيِّتِ لَهُم، وَلَكِنَّهُمُ الآنَ لا يَملِكُونَ أَن يُعِيدُوا مِمَّا فَاتَ شَيئًا، وَقَد تَكُونُ بَينَهُم وَبَينَهُ صِلَةُ رَحِمٍ أَو رَابِطَةُ قَرَابَةٍ، فَأَدرَكَتهُم لَحظَةُ رَحمَةٍ لَهُ وَشَفَقَةٍ عَلَيهِ، فَآثَرُوا عَدَمَ نَشرِ سَوءَاتِهِ، وَلَكِنَّهَا وَاللهِ لَن تُغنيَ عَنهُ عِندَ اللهِ شَيئًا إِن كَانَ قَد ظَلَمَ، وَلَن تَنفَعَهُ شَيئًا إِن كَانَ قَد بَخَسَ، وَلَن تُنجِيَهُ إِن كَانَ قَد تَعَدَّى وَتَجَاوَزَ، إِلاَّ أَن تُدرِكَهُ رَحمَةٌ مِنَ اللهِ وَيَعفُوَ عَنهُ خُصَمَاؤُهُ وَغُرَمَاؤُهُ، وَمَا أَصعَبَ العَفوَ في يَومٍ عَظِيمٍ، يَفِرُّ المَرءُ فِيهِ مِن أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، وَيَتَمَنَّى َأنَّ لَهُ حَسَنَةً عِندَ أَقرَبِ النَّاسِ إِلَيهِ فَيَفتَدِي بها مِنَ العَذَابِ ﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ﴾ [المعارج: 11 - 14].

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّ المَوتَ حَقِيقَةٌ لا مَفَرَّ مِنهَا، وَمُصِيبَةٌ وَاقِعَةٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا طَالَ العُمرُ أَم قَصُرَ، فَعَائِدٌ بَعدَهُ إِلى رَبِّهِ وَمَولاهُ، فَمُحَاسَبٌ عَلَى كُلِّ مَا اكتَسَبَت يَدَاهُ ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 61، 62]، ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجمعة: 8] وَإِنَّ أَعقَلَ النَّاسِ وَأَحسَنَهُم خُلُقًا وَأَقوَمُهُم طَبعًا، هُم أَكثَرُهُم لِلمَوتِ ذِكرًا، وَأَحسَنُهُم لِمَا بَعدَهُ استِعدَادًا، عَنِ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: كُنتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ثم قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ المُؤمِنِينَ أَفضَلُ؟ قَالَ: "أَحسَنُهُم خُلُقًا" قَالَ: فَأَيُّ المُؤمِنِينَ أَكيَسُ؟ قَالَ: "أَكثَرُهُم لِلمَوتِ ذِكرًا، وَأَحسَنُهُم لِمَا بَعدَهُ استِعدَادًا، أُولَئِكَ الأَكيَاسُ" رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11].

♦    ♦    ♦

 

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2] ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4] ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].

 

يَا عَبدَ اللهِ، الأَمَانيُّ وَالآمَالُ وَالأَحلامُ، وَالرَّغَائِبُ الَّتي كُنتَ تَتَمَنَّاهَا في هَذِهِ الدُّنيَا، المُستَقبَلُ الَّذِي كُنتَ تَبنِيهِ، هَل صَارَت كُلُّهَا أَمَامَ عَينَيكَ وَاقِعًا مَلمُوسًا؟ هَل رُزِقتَ المَالَ وَسَعِدتَ بِالبَنِينَ؟ هَل بَلَغتَ مِنَ الجَاهِ وَالشَّهرَةِ مَبلَغًا؟ هَل تَنَقَّلتَ في الأَرضِ شَرقًا وَغَربًا؟ هَل أُشِيرَ إِلَيكَ بِالبَنَانِ وَغَدَوتَ أَهَمَّ إِنسَانٍ؟ هَل مَلَكتَ الضِّيَاعَ وَالدُّورَ وَسَكَنتَ القُصُورَ؟ هَبْ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهَ قَد حَصَلَ، أَو كَانَ لَكَ مِنهُ مَا كَانَ، فَسَيَبقَى سُؤَالُنَا أَمَامَكَ: هَل تَعرِفُ المَوتَ؟! نَعَم، هَل تَعرِفُ المَوتَ؟! إِنَّهُ سَيَجعَلُ كُلَّ ذَلِكَ وَكَأَنْ لم يَكُنْ مِنهُ شَيءٌ، فَيَا لَهَا مِن مُصِيبَةٍ لا يُجبَرُ مُصَابُهَا، وَلا تَنقَضِي آلامُهَا وَلا أَوصَابُهَا، إِنْ كُنتَ قَد نِلتَ مَا نِلتَ مِن دُنيَاكَ وَعَمَرتَهُ عَلَى حِسَابِ ضَيَاعِ دِينِكَ وَهَدمِهِ!

 

يَا تَائِهًا في دُنيَا الغُرُورِ، إِنَّ المَوتَ يَقطَعُكَ مِنَ القَبِيلَةِ، وَيَحُولُ بَينَكَ وَبَينَ العَشِيرَةِ، وَيَنقُلُكَ مِن حَيَاةِ المُجَامَلَةِ وَالتَّنَاصُرِ بِالبَاطِلِ، إِلى حَيَاةٍ تَنظُرُ فِيهَا إِلى مَا قَدَّمتَهُ أَنتَ، وَلا تَجِدُ إِلاَّ مَا أَسلَفتَهُ أَنتَ، في حَيَاةٍ كُلُّ نَفسٍ فِيهَا بما كَسَبَت رَهِينَةٌ ﴿ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40] فَيَا مَسرُورًا بما فُتِحَ عَلَيهِ مِنَ الدُّنيَا، نَسَبٌ وَحَسَبٌ، وَمَالٌ وَنَشَبٌ، وَجَاهٌ عَرِيضٌ وَمَنصِبٌ كَبِيرٌ، دَعَتك بِمَجمُوعِهَا إِلى الفَخرِ وَالتَّعَالي وَالتَّكَبُّرِ وَظُلمِ الآخَرِينَ، اِجعَلِ المَوتَ نُصبَ عَينَيكَ، فَقَد يَكُونُ هُوَ نِهَايَةَ غُرُورِكَ وَخَاتِمَةَ سُرُورِكَ، وَقَاصِمَةَ ظَهرِكَ وَقَاطِعَ أَمرِكَ، وَمَبدَأَ عَذَابٍ لَكَ شَدِيدٍ، وَيَا ضَائِقًا صَدرُهُ بِالحَيَاةِ لِمَا بُلِيَ بِهِ مِن ظُلمٍ وَقَعَ عَلَيهِ، أَو مَرَضٍ اشتَدَّ بِهِ، أَو فَقرٍ طَالَ أَو هَمٍّ أَرَّقَهُ، أَو عُقُوقِ وَلَدٍ أَو هَجرِ قَرِيبٍ، تَذَكَّرِ المَوتَ، نَعَم، تَذَكَّرِ المَوتَ، فَلَرُبَّمَا كَانَ هُو مِفتَاحَ السَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ، وَالبَابَ الَّذِي تَدخُلُ مِنهُ إِلى الرَّاحَةِ السَّرمَدِيَّةِ، وَمُخَلِّصَكَ مِنَ الشَّقَاءِ وَالعَنَاءِ، وَبِدَايَةَ النَّعِيمِ المُقِيمِ لَكَ في جَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "أَكثِرُوا ذِكرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ المَوتِ؛ فَإِنَّه ُلم يَذكُرْهُ أَحَدٌ في ضِيقٍ مِنَ العَيشِ إِلاَّ وَسَّعَهُ عَلَيهِ، وَلا ذَكَرَهُ في سَعَةٍ إِلاَّ ضَيَّقَهَا عَلَيهِ" رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَكَانَ مِن دُعَائِهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - كَمَا في صَحِيحِ مُسلِمٍ: "وَاجعَلِ المَوتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ".

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ القِصَاصَ قَبلَ المَوتِ أَهوَنُ مِنهُ بَعدَهُ، فَمَن كَانَ عِندَهُ مَظلَمَةٌ لأَخِيهِ مِن مَالٍ أَو عِرضٍ، فَلْيَتَخَلَّصْ قَبلَ المَوتِ، وَلْيَتَخَفَّفْ قَبلَ المَوتِ، وَلْيُعِدْ إِلى أَخِيهِ مَا سَلَبَهُ مِنهُ قَبلَ أَن يُعِيدَهُ إِلَيهِ المَوتُ، وَاللهِ لَو عَرَفنَا المَوتَ حَقَّ المَعرِفَةِ وَتَذَكَّرنَاهُ كَمَا يَنبَغِي، لَمَا قَصَّرنَا في أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ، وَلَمَا هَجَرنَا الجَمَاعَاتِ، وَلَمَا أَتَينَا مُنكَرًا وَلا زُورًا وَلا مَنَعنَا حَقًّا ولا غَشَينَا فُجُورًا، أَينَ مِنَ المَوتِ مَن عَقَّ وَالِدَيهِ؟ أَينَ مِنَ المَوتِ مَن قَطَعَ رَحِمَهُ؟ أَينَ مِنَ المَوتِ مَن آذَى الجَارَ وَجَارَ؟ أَينَ مِنَ المَوتِ مَن مَالَ مَعَ إِحدَى زَوجَاتِهِ؟ لَو تَذَكَّرَ كُلٌّ مِنهُم أَنَّ الحَقَّ سَيُؤخَذُ مِنهُ بَعدَ المَوتِ رُغمًا عَنهُ، لَكَانَ لَهُ شَأنٌ آخَرُ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - عِبَادَ اللهِ - ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 33، 34].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الموت في الظهيرة
  • هو الموت ( خطبة )
  • التذكير بالموت ( خطبة )
  • الموت (خطبة)
  • رحلة الموت كيف نفهمها؟
  • الابتلاء بالموت وفقد الأحبة
  • حكم قول {ياأيتها النفس المطمئنة} عند موت شخص
  • المعتصم بن صمادح على فراش الموت
  • ما يفعله من كان عند المحتضر
  • أحداث الموت والقبر (خطبة)
  • الموت والكرم (تذوق مقطوعة جاهلية)

مختارات من الشبكة

  • ذكر الموت زاد الحياة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلاقات بين الابتلاء والصبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحياة مع القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قواعد قرآنية في تقوية الحياة الزوجية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الحياة بين الإفراط والتفريط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوازن في حياة الإنسان: نظرة قرآنية وتنموية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أسرار خفية عن الحياة يكتشفها القليلون فقط(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صناعة المالية الإسلامية تعيد الحياة إلى الفقه الإسلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قاعدة الأولويات في الحياة الزوجية عندما يزدحم الوقت فابدأ بمن لا يعوض(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • بر الوالدين: (وزنه، كيفية البر في الحياة وبعد الممات، أخطاء قاتلة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي
  • بعد ثلاث سنوات من الجهد قرية أوري تعلن افتتاح مسجدها الجديد
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/5/1447هـ - الساعة: 15:10
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب