• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

حديث القوة

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/9/2007 ميلادي - 21/8/1428 هجري

الزيارات: 61126

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من هدايات السنة النبوية

حديث القوة


الحمد لله، نحمـده ونستعينه ونستغفره، ونعـوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِه الله فلا مُضِلّ له ومن يُضْلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70 - 71].

 

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المؤمنون:

الكتاب والسنة هاديان يهديان العباد للطريق الأقوم، ولن يضل عبد تمسَّكَ بِهِمَا أبدًا، وحينما يضل أهل العقلانيات بعقولهم، وينحرف أهل السلوك بوجدانهم وأوهامهم؛ فإن أتباع الكتاب والسنة على طريق الحقِّ يَسيرون، وفي مَرْضَاة الله يجتهدون، وبما عندهم من النصوص مُطْمَئِنُّون؛ إلى أن يلقَوُا الله عَزَّ وَجَلّ وقد حازوا أمن الدنيا والآخرة.

 

أيها الإخوة:

وهذا حديث نَبَويّ جامع نافع، نعيش معه بعض الوقت، ننهل جملاً من فوائده، ونستنير بنوره، ونسترشد بمعانيه؛ في وقت ادْلَهَمَّتْ فيه الظلم، وتاه عن الحق كثير من طلابه، وأضل الطريق كثير من رواده.  

إنه حديث القوة في الدِّين، والحرص على النفع، والتغلب على الشيطان، والرِّضَى بالقَدَر، أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ واسْتَعِنْ بِالله ولا تَعْجِزْ، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَّرَ الله وما شاء فَعَلَ، فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشيطان))[1].

 

فالحديث يُفَضِّل المؤمِنَ القَوِيَّ على المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وإنْ كانَ في الضَّعِيفِ خير؛ وهو وصف الإيمان؛ لكن الإيمان يحتاج إلى إذاعة بين الناس، ودعوة إليه، ومحاجَّةٍ له، وجهادٍ لأعدائِهِ، ولا يَقْدر على ذلك إلا المُؤْمِنُ القَوِيّ.

 

وكُلَّمَا كان المؤمِنُ أقوى كان أقدر وأنفع للإسلام قوة في الإيمان، وقوة في العبادة، وقوة في الحق وفي الحجة، وفي كُلِّ ما تخدم فيه القوة دين الله تعالى[2].

والقوة مَمْدُوحةٌ في كتاب الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45] فالأيدي: القُوَّةُ والعزائم في تنفيذِ أَمْرِ اللهِ تَعالَى [3]، وقد أَمَرَ الله المؤمنين باتخاذها في قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ ﴾ [القصص: 26].

 

فالله سُبْحَانَهُ وَتَعالَى يحب مُقْتَضَى أسمائه وصفاته، وما يوافقها؛ فهو القَوِيّ ويحب المؤمن القوي[4]؛ لأن قوته تنفع الإسلام والمسلمين. 

والقوة التي يشيد بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويخبر أنها مناط التفضيل هي: القوة المنبعثة من الإيمان، والمؤسسة على القاعدة التي تعصمها من الشَّطَطِ والتَّهَوُّر؛ فتشيع الأمن في النفوس، والاطمئنان في المجتمعات، وليست القوة التي تنطلق من عِقَالها لِتُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ، وَتَبُثُّ الرُّعْبَ، وتركب مراكب التدمير؛ لتُعَبِّدَ النَّاس لذات مصالحها. وحينما يستشعر المؤمن هذا المعنى تكبر نفسه فلا يكتفي بكلمة الإيمان يقولها بينه وبين نفسه؛ بل يعمل بمقتضاها ولوازمها ويحملها للعالمين غير هيَّاب ولا وَجِل. ومن وجد في نفسه ضعفًا موروثًا أو مكتسبًا فعليه أن يُحَاوِلَ جاهدًا التخلص منه بالتدرب على التحمل والمُعَاناة[5].

 

ثم يَرْسِم النبي صلى الله عليه وسلَّم الخُطَّة العملية من أجل تحقيق معنى القوة بقوله: ((احرص على ما ينفعك)) قال ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: "سعادةُ الإنسانِ في حِرْصِهِ على ما يَنْفَعُهُ في مَعاشِه وَمَعَادِهِ" [6]، وما يَنْفَعُ تُحَدِّدُهُ الغايةُ الأُولَى وَهِيَ الإيمان، فَكُلُّ ما يَعُودُ بِالنَّفْعِ على الإيمانِ فَالحِرْصُ عَلَيْهِ مَطْلُوبٌ، والبحث عن نَيْلِه مَرْغُوبٌ[7]، وَمِنْ أجل أن لا يَتَّكِلَ المُؤْمِنُ على نَفْسِهِ، ولا يَغْتَرَّ بِقُوَّتِهِ، ذَكَّرَه النبي صلى الله عليه وسلم بخالقه ورازقه في قوله: ((واسْتَعِنْ بِالله)) والمؤمن يقرأ في كل ركعة من صلاته ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، ومِنْ دُعاءِ عُمَرَ في قُنُوتِهِ: ((اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ ونَسْتَهْدِيكَ" [8]، وأَوْصَى النبي صلى الله عليه وسلم مُعَاذًا أن لا يَدَعَ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ هذا الدعاءَ: ((اللهُمَّ أَعِنّي على ذكرك وشكرك وحُسْنِ عبادتك)) [9] وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم ((اللَّهُمَّ أعنّي ولا تُعِنْ عَلَيَّ))[10].

 

وكلُّ عَمَلٍ لا يُسْتَعَانُ بالله عليه لا يُبَارك فيه؛ لأنه يكون مصروفًا إلى غير مَرْضَاة الله من الغايات النفسية؛ كالأثرة؛ وحب الجاه؛ وإشباع الرغبات، فلابد للمؤمن من الاستعانة بالله في الأمور كلها، والتبرؤ من الحول والطَّوْلِ والقُوَّةِ إلا بالله سبحانه [11]، وحتَّى لا يَظُنُّ ظانٌّ أنَّ التَّوَاكُلَ يَكْفِي عَنِ التَّوَكُّل، وأنَّ الاستعانة بالله تقتضي عدم العمل والأخذ بالأسباب قال الحديث: ((ولا تَعْجِزْ)) فلا تكفي الاستعانة باللسان دون الأخذ بالأسباب؛ بَلْ إِنَّ الاستعانة بالله تعالى تقتضي العمل، كما يقتضي التوكل الأخذ بالأسباب، قال ابن القَيِّمِ: "العَجْزُ يُنافِي حِرْصَهُ على ما يَنْفَعُهُ، ويُنافِي اسْتِعانَتَهُ بالله، فالحريصُ على ما يَنْفَعُهُ المستعينُ بالله ضِدّ العاجِزِ" [12].

ومع ذلك فَكَمْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْرِصُ على ما يَنْفَعُهُ دُونَ الاستِعانَةِ بِاللهِ تعالى فينحرف بعمله عن غايته المطلوبة إلى غايةٍ قصيرةِ المَدَى كَحُبِّ الذَّاتِ؛ فَيَقَعُ في دائِرَةِ الطَّمَعِ والطُّغْيَانِ.

 

وكم من المسلمين مَنِ اسْتَحَالَ بِهِ الأَمْرُ إلى العَجْزِ عَنْ مُقَابَلَةِ مُتَطَلَّبَاتِ الدَّعْوَةِ إلى اللَّهِ تعالى بِغَيْرِ الدُّعاء دُونَ العَمَلِ، بَلْ دُونَ التَّفْكِيرِ بِالعَمَلِ، ولا يُقَابِلُ الكَوَارِثَ النَّازِلَةَ بِالمسلِمِينَ بِغَيْرِ الحَوْقَلَةِ وَالاسْتِرْجَاعِ ولا شيء غير ذلك. فينبغي أن تفهم هذه الجمل الثلاث في الحديث على أنها معنًى واحدٌ متَّصلٌ لا أنها ثلاث جمل منفصلة؛ فطلب ما ينفع، والحرص عليه يجب أن يكون مُحَاطًا بالاستعانة بالله مع العمل الجاد الدؤوب بعيدًا عن العجز والخَوَر والضَّعْف. 

وإذا حرص العبد على ما ينفعه واستعان بالله ولم يعجز، ثم أصابه بلاء، أو لم تتحقق النتائج التي كان يرجوها، فإنه مأمور بالصبر والاحتساب وعدم اللوم على ما مضى: ((وإنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فلا تَقُلْ: لَوْ أَنّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَّرَ الله وما شاء فعل فإنَّ لَوْ تفتح عمل الشيطان".

 

والعبد إذا صَحَّتْ غايته، وخَلُصَتْ نيته، وأتى بالأسباب؛ فليس ضروريًّا أن تترتب النتائج بناءً على ما قَدَّمَ من مُقَدِّمَات؛ لأن تقدير الله غالب ومشيئته ماضية، وحكمه نافذ، والأسف واللوم لا يفيد شيئًا مع ما فيه من اعتراض على قدر الله تعالى؛ إذ ينظر العبد إلى الفعل؛ كأنه جهد شخصي معزول لا علاقة لمشيئة الله تعالى به، وهذا فيه تألٍ على الله - سبحانه وتعالى -، فأمر العبد أن ينأى بنفسه عن ذلك، ويسلم الأمر لله بتمام القبول والرضى [13]، ذلك أنَّ العبد إذا أصابه السوء أو فاته ما لم يقدر له فله حالتان:

حالة عجز وهي مفتاح عمل الشيطان؛ فيلقيه العجز إلى (لو) التي هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن. وذلك كله من عمل الشيطان فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية وهي: النظر إلى القَدَر وملاحظته، وأنه لو قُدِّرَ له لم يَفُتْه، ولم يغلبه عليه أحد فلم يبق ههنا أنفع من شهود القدر، ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجوب المَقْدُور، وإذا انتفت امتنع وجوده؛ فأرشده الحديث إلى ما ينفعه في الحالتين، حالة حصول مطلوبه، وحالة فواته؛ فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدًا، بل هو أشد شيء إليه ضرورة، وهو يتضمن إثبات القدر والكسب والاختيار، والقيام بالعبودية ظاهِرًا وباطنًا في حالتي حصول المطلوب وعدمه" انتهى مُلَخَّصًا من كلام ابن القيم [14].

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22 - 23]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].

 

أيها الإخوة: إن الناظر في أحوال الناس يجد بعدًا بينهم وبين مشكاة النبوة في الفهم والعمل، وهذا الحديث العظيم يبرز بوضوح مدى البعد بينهم وبين السنة وتطبيقها؛ إذ دَبَّ الضعفُ في كثير من المسلمين، وهو ضعف متنوع ومتغلغل: ضعف في الإيمان واليقين، وضعف في العبادة والعمل، وضعف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضعف في فَهْم العقيدة الصحيحة والتزامها، وضعف أمام الدنيا وزخرفها، وأمام الشبهات؛ حتى داخلت القلوب، وأمام الشهوات؛ حتى تمت مواقعتها، كل هذا من الضعف، وغيره كثير، ظاهر في جماعات المسلمين وأفرادهم. ((والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)).

 

ومن مظاهر الضَّعْف: حصر النفع في أمور الدنيا مع الغفلة أو التغافل عن الدار الآخرة؛ فتجد العبد يحزن لفوات أمر من أمور الدنيا، ولا يحزن على كثير من أعمال الآخرة التي أضاعها أو فرط فيها. 

ومن أمارات ضعف الإيمان في الناس: قِلَّة الاستعانة بالله تعالى في الأمور كلها، وصار اعتماد كثير من الناس على الحَوْل، والطَّوْل، والقُوَّة، والبأس، والنجاح في أمر من الأمور لا ينسب إلى فضل الله تعالى وتوفيقه؛ وإنما يعزى إلى المجهود البشري الضعيف، وما أكثر ما تُرَدَّدُ عبارة: الثقة بالنفس، والثقة بقدرات فلان، والاعتماد على ذلك اعتمادًا كليًّا، دون الثقة بالله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم لمَّا بَعَثَ قومًا من أصحابه على أقدامهم؛ ليغنموا فرجعوا ولم يغنموا وعرف الجهد في وجوههم قام فيهم فقال: ((اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تَكِلْهم إلى الناس فيستأثروا عليهم))[15]، وأوصى ابنته فاطمة أن تقول في الصباح والمساء: ((يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تَكِلْنِي إلى نفسي طرفة عين))[16]، وهم يقولون: الثقة في النفس، والثقة في فلان وفلان.

 

وحَدِّثْ ولا حرج عن العجز الذي أصاب المسلمين، يريدون التطور والتقدم وبناء الحضارة وهم لا يعملون، أو يعملون قليلا، ويريدون عز الأمة ومجدها ونصرتها بأقوال خالية من الأفعال وذلك ما لا يكون. 

وكثيرًا ما يستخدم الناس (لو) في التحسر على فوات شيء يطلبونه، أو وقوع أمر لا يريدونه مع جمع التفكير كله في الماضي وترك الحاضر والمستقبل، وكم من الأبواب التي يلج من خلالها الشيطان إلى القلب بسبب مفتاح (لو) ليعمل أعمالاً ليست في صالح العبد من الاعتراض على القدر، والاتصاف بالجزع والتَّسَخُّط، إلى استحكام اليأس، وقتل الأمل، وترك العمل، وانطفاء شعلة النشاط، مع ضعف الإيمان وقلة العبادة. 

أيها الإخوة:

انظروا إلى بُعْد الهُوَّة بين هذا الحديث النبوي العظيم وبين واقع المسلمين، وما ضَعُفَ المسلمون ولا ذلُّوا إلا بسبب ابتعادهم عن الكتاب والسنة، وعلى قدر ابتعادهم تكون ذلتهم ازديادًا أو نقصًا؛ ولن تخرج الأمة من ضعفها وذلتها حتى تعود إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وصلوا وسلموا على خير خلق الله؛ كما أمركم بذلك ربكم.

 


[1] أخرجه مسلم في القدر؛ باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله (2664).

[2] الذي يظهر من عموم الشريعة أنه لا عبرة بقوة البدن، وليست وحدها مما يقرب إلى الله ما لم تسخر تلك القوة في خدمة دين الله تعالى؛ إذ القوة البدنية هبة من الله تعالى لا يتعلق بها مدح ولا ذم ما لم تستثمر فإن سخرت للخير فهي محمودة، وإن سخرت للشر فهي مذمومة، وهكذا يقال أيضًا في قُوَّتَي المال والجاه وغيرها من أنواع القوة، وانظر: "شرح النووي على مسلم" (16/ 329)، "وإكمال إكمال المعلم" للأبي (9/ 42)، و "المفيد على كتاب التوحيد" (3/ 127).

[3] انظر: "تفسير ابن كثير" (4/ 61) الآية (45) من سورة [ص].

[4] تيسير العزيز الحميد (676).

[5] بتصرف من مقال لمنصور الأحمد بعُنْوَان "من مشكاة النبوة" مجلة البيان العدد (7) ص (15).

[6] شفاء العليل (19)، وانظر: تيسير العزيز الحميد (676).

[7] بتصرف من مشكاة النبوة.

[8] أخرجه البيهقي في الكبرى مرفوعًا مرسلاً وموقوفًا على عمر، وقال: وقد رُوِيَ عن عُمَر رضي الله عنه صحيحًا موصولاً (2/ 210)، وصححه الحافظ في  "التلخيص الحبير" (2/ 26).

[9] أخرجه أبو داود في الصلاة؛ باب الاستغفار (1522)، والنسائي في السهو؛ باب نوع آخر من الدعاء (3/ 53)، وصححه ابن حبان (2354)، والنووي في "رياض الصالحين" (384).

[10] أخرجه أبو داود في الصلاة؛ باب "ما يقول الرجل إذا سلم" (1510)، والترمذي في الدعوات؛ باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا حديث حسن صحيح (3551)، وابن ماجه في الدعاء؛ باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم (3830)، والبخاري في "الأدب المفرد" (665).

[11] بتصرف من مشكاة النبوة

[12] انظر: "شفاء العليل" (19) و"تيسير العزيز الحميد" (667).

[13] بتصرف من مشكاة النبوة.

[14] انظر: "شفاء العليل" (19)، و"تيسير العزيز الحميد" (678).

[15] أخرجه أحمد (5/ 288)، وأبو داود في الجهاد؛ باب في الرجل يغزو يلتمس الأجر والغنيمة (2535)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 436)، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي (4/ 425).

[16] أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه (1/ 545). وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه ما قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني))؛ فأخرجه البزار كما في "كشف الأستار" (3188)، و"كشف الخفا ومزيل الإلباس" (564)، وفي سنده إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "مختصر زوائد مسند البزار" (2179) والهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 181) ويكفي عنه الحديثان الصحيحان.

ولمزيد شرح هذا الحديث العظيم، واستخراج فوائد أخرى انظر: "شرح النووي على مسلم" (16/ 329)، و"المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" (6/ 682)، و"شرح الأبي على مسلم" (9/ 41)، و"تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" (675)، و"فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" (671)، و"حاشية كتاب التوحيد" لابن قاسم (353)، و"القول المفيد على كتاب التوحيد" لابن عثيمين (3/ 126)، و"مجلة البيان" عدد (7) ص: (15).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حديث الولي
  • التغير الدلالي في الحديث النبوي الشريف
  • نزول الأمانة ورفعها
  • حديث الاستقامة
  • حديث ضبط الإنفاق
  • فوائد هامة من حديث ((اللهم أيما مؤمن شتمته أو لعنته...))
  • وقالوا من أشد منا قوة
  • القوة بين النقمة والنعمة

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة جزء من حديث أبي نصر العكبري ومن حديث أبي بكر النصيبي ومن حديث خيثمة الطرابلسي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح الحديث الخامس من أحاديث الأربعين النووية (حديث النهي عن البدع)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تخريج ودراسة تسعة أحاديث من جامع الترمذي من الحديث (2995) إلى الحديث (3005) (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة حديث عيسى ابن مريم وحديث الطير مع أبي بكر وحديث الضب مع النبي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • حراسة السنة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح حديث: من حج هـذا البيت(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • كل حديث في صحيح البخاري تابعه على روايته غيره من المحدثين المعاصرين له واللاحقين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمة التوحيد في الكتاب والسنة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
اسماعيل زنوش - الجزائر 04-07-2009 04:30 PM

بارك الله فيكم اخوة الايمان اشهد أن لا إله إلا الله له الملك وله الحمد يحيي و يميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اما بعد اريد فقط ان اضيف ان ما ورد فى المقال يتحقق ادا تحققت القاعدة واعلم انه لا إله إلا الله واستغفر لدنبك و للمؤمنين و المؤمنات اى العلم قبل العمل فادا علم العبد ان الامر كله بيد الحى القيوم فوالذى نفسي بيده لياخدن بناصيته الى ما يحب ويرضى.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب