• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

المنهج القرآني في تقويم النفس من الشهوات

حسن عبدالرحمن عبدالحافظ عثمان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/4/2018 ميلادي - 22/7/1439 هجري

الزيارات: 37185

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المنهج القرآني في تقويم النفس من الشهوات

 

إنَّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ {آل عمران:102}.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ {النساء:1}.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ {الأحزاب:70- 71}.

أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله عز وجل وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.


وبعد:

فإنَّ أساسَ التشريعِ الإسلاميِّ ورُوحَهُ هو التعاملُ مع النفسِ البشريةِ بشتى أشكالها، فهناك نفسٌ متينةٌ مكينةٌ، ونفسٌ هَشَّةٌ هَزِيلَةٌ، ونفسٌ مُؤْمِنَةٌ تقيةٌ، ونفسٌ فاجرةٌ عصيةٌ، فألوانُ النفوسِ البشريةِ متباينةٌ متغايرةٌ، لذا تحتاج كلّ منها إلى علاجٍ يُنَاسِبُهَا.


والنفوسُ على ثلاثةِ أنواعٍ: نفسٌ مطمئنةٌ إلى ربِّها وهى أشرفُ النفوس وأزكاها، وهي التي بشَّرها المولى عزَّ وجلَّ بقوله ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30}.


والثانيةُ نفسٌ مجاهدةٌ صابرةٌ فهذه في المرتبة الثانية، وجزاءُ هذه النفس المغفرةُ والرحمةُ، قال تعالى ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ {النحل: 110}.


والنَّفْسُ الثالثةُ نفسٌ مفتونةٌ بالشهوات والهوى، تميلُ مع حَظِّهَا وشَهَوَاتِهَا أنَّى مَالا، فهذه النَّفْسُ الشقيةُ، التي حظُّها الألمُ والعذابُ، والبُعْدُ عَن اللهِ تعالى والحجاب.


والقرآنُ هو المنهجُ القويمُ في تقويم هذه النفس، وردّها إلى فطرتها، وسلامةِ خُلُقِها، قال المولى عز وجل ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [ المائدة: 15 - 16 ].

وقال سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ {يونس: 57}.


فالقرآن شفاءٌ لما في الصدورِ من أمراضِ الشهواتِ التي تصدُّ عن الانقيادِ للشرعِ، وأمراضِ الشبهات التي تقدح في العلمِ اليقيني، فإنَّ ما فيه من المواعظِ والترغيبِ والترهيبِ، والوعدِ والوعيدِ، ما يوجبُ للعبدِ - إذا تَدَبَّرَه وعَمِلَ به - الرغبةَ والرهبةَ.


ففي القرآن ما يُقَوِّمُ النَّفْسَ ويُهّذِّبُها، فهو الفرقان الفارق بين الحلالِ والحرامِ، والسعداءِ والأشقياءِ، والحقِ والباطلِ، جعله الله تعالى هدى للناس عمومًا، وللمتقين خصوصًا، من ضلالِ الكفر والمعاصي والجهل، إلى نور الإيمان والتقوى والعلم.


أيها المسلمون، إنَّ فلاح الإنسان في الدنيا والآخرة يقوم على تقويمِ النفس وعلاجِهَا من آفاتها، قال تعالى ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ {النازعات:40 - 41}.


وآفات النفس البشرية إما أنْ تكونَ شبهاتٍ وإما أن تكون شهواتٍ، فالشبهاتُ تكون في الدين وهي الأمورُ التي تشتبه على الناس فلا يميزون فيها بين الحلال والحرام، بين السنة والبدعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنَّ الحلال بَيِّنٌ، وإن الحرام بَيِّنٌ، وبينهما أمورٌ مُشتبهة"[1].

وأمَّا الشهوات فهي الرغبةُ الشديدةُ للنفسِ في تحصيلِ ما تشتهيه من ملذاتها ومطالبها التي تلائمها وتحبها ولا تتمالك عنها.


وهذا أخطر ما يكون في أمراض الشهوات، فإذا ما تملكت الشهوة من النفس أصبحت هي المسيطرة عليها القائدة لها، فتقود شهوة الإنسان نفسه إلى تحقيق مطالبها، فلا يبالي من أين حصَّل شهوته، وبأي وسيلة.


فإذا تملكت شهوة المال من الإنسان لم يبال بمصدر كسبه، وهنا تكثر السرقات والاختلاسات والرشوة والغش والنصب والاحتيال، فيسلك الإنسان جميع المسالك المشروعة وغير المشروعة لتحقيق شهوته في حب المال.


وإذا تملكت شهوة الجنس من الإنسان كَثُرَ الزنا والخيانات الزوجية والمواعدات السرية بين الرجال والنساء، بل قد يؤدي هذا الأمر لانتكاس الفطرة فيسعى الرجل أو المرأة في تحصيل الشهوة الجنسية مع مثيله وشبيهه، وهذه هي الانتكاسة المردية والحمأة المهلكة.

وهكذا في كل الشهوات إذا تملكت من النفس ساقتها إلى الرذائل التي توبقها في المهالك.


واللهُ عزَّ وجلَّ خلقَ الخلقَ على ثلاثة أصناف: خلقَ الملائكةَ وركَّبَ فيهم العقلَ ولم يُركِّبْ فيهم الشهوةَ، وخلق البهائمَ وركَّبَ فيها الشهوةَ ولم يُركِّبْ فيها العقلَ، وخلقَ الإنسانَ وركَّبَ فيه العقلَ والشهوةَ، فمن غَلَبَتْ شهوتُهُ عَقْلَه فالبهائمُ خيرٌ منه، ومن غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَه فهو خيرٌ من الملائكة".

فمن هذَّبَ شهوته صار في المنزلة عند الله فوق الملائكة، ومن سيطرت عليه شهوته وتحكَّمت فيه صار أحطَّ من البهيمة[2].


فالإنسان كائنٌ مركبٌ من العقلَ والشهوةِ، والعقل مصدره السماء فهذا شبه الملائكة، والشهوة مصدرها الطين فهذا شبه البهيمة، فالإنسان في منزلة بين المنزلتين، فإذا استخدم الإنسان عقله وميَّزَ به بين الحق والباطل، بين الحلال والحرام، بين التوحيد والشرك فقد سما بنفسه إلى منزلة الملائكة، وكلما ازداد في ذلك ازداد شبهًا بالملائكة حتى يصير في منزلةٍ أعلى منهم.


وإذا اشتد لُصُوقُه بالطيِّنِ وخَضَعَ لغرائِزِه وشهواته صارَ إلى منزلةٍ أدْنَى من منزلةِ الحيوان، لأن الحيوانَ لا إرادةَ له ولا وعي فيما يفعلُ فهو مندفعٌ بطابع الغريزة، أما الإنسان فقد جعل الله له سمعًا وبصرًا وقلبًا يعقل به، فحين لا يعمل بهذه الأدوات فقد عطَّلها عن وظائفها التي خُلقت له واستخدمها في غير مراد ربَّها فصار بذلك أضل من الحيوان ، قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ {الأحقاف:26}. وقال ربُّ العزة سبحانه ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ {الأعراف:179}.


والقرآن العظيم قد اشتمل على ما يعالج شهوات النفس ويهذِّبُها، وأول مبدأ يمكن أن نلحظه في المنهج القرآني في تهذيب النفس هو مبدأ " التخلية قبل التحلية".


فهذه هي القاعدة الأولى وهي تنظيفُ المَحِلِّ وهو القلب فهو محل قبول الأوامر الشرعية، فيبدأ الإنسان بتخليته عن الشهوات والشبهات وتهيئته قبل نزولِ التكليف حتى يَصْلُحَ لقبولِ ما يرد عليه من الأوامر الإلهية فينقادُ إليها سجيةً وطبعًا وليس تكلفًا ومشقةً.


وهذه قاعدة عقلية فـ" قبولُ المَحِلِّ لما يُوضعُ فيه مشروطٌ بتفريغه من ضِدِّهِ "، وَهَذَا كَمَا أَنه فِي الذوات والأعيان فَكَذَلِك هُوَ فِي الاعتقادات والإرادات فَإِذا كَانَ الْقلب ممتلئا بِالْبَاطِلِ اعتقادا ومحبّة لم يبْق فِيهِ لاعتقاد الْحق ومحبّته مَوضِع[3].

فإذا ما تتبعت كلمة شهوة بمشتقاتها اللغوية تجد أنها وردت في القرآن في ثلاثة عشرة آية، إحدى عشرة آية منها نزلت في مكة وآيتين نزلتا في المدينة.


وهذا أول ما يجبُ على المسلم أن يلحظه وهو أن استقامةِ النفس وسوائِها سببٌ أساسيٌّ لقبولها التكاليف الشرعية وانقيادها لها، وإذا لم تكن النفسُ سويةً مهذَّبةً مستقيمةً كان انقيادُها للشرع تكلفا وليس سجية ومحبة فيظهر ما نراه من هذا الفساد، فتجد الرجل يصلي ويسرق ويرتشي ويزني فيجمع بين الفضيلة والرذيلة بين الماء والنار.


عن أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها قالت: " إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: [بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ][4].

فأول تقويم للنفس يكون بالترغيب والترهيب، بذكر الجنة والنار، بالشوق إلى لقاء الله والخوف من عقابه.


ومن العجيب أنك تجد أن هذه الآيات التي ورد فيها ذكر الشهوات نصفها يتحدث عن الدنيا وشهواتها وملذاتها، وما يترتب عن السعي في تحصيلها دون ضابط شرعي.


والنصف الآخر يتحدث عن دخول المؤمنين الجنة، ووعدِ الله إيَّاهم أنَّهم سينالون كل ما تشتهي أنفسهم فيها، وتتحدث عن حرمان الله الكافرين ما تشتهي نفوسهم بسبب كفرهم واستمتاعهم بالشهوات فأذهبوا طيباتهم في الآخرة باستمتاعهم بشهواتهم في الدنيا، قال تعالى ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ {الأحقاف:20}.

 

وفي هذا التنوع لذكر الشهوات وهذه المقابلة بين ذكر حال المؤمنين المتقين ومآلهم وذكر الكافرين ومآلهم لما يحمل النفس على الصبر على شهوات الدنيا وملذاتها، فما حُرِمَ العبد من لذة في الدنيا وما منع نفسه من شهوة تغضب الربَّ جل وعلا إلا أورثه الله تعالى خيرًا منها وأبدله بها ما تَقَرُّ به عينُه وقلبه، فما تركَ العبدُ لله شيئـًا إلا عوضه الله خيرا منه في الدنيا براحة القلب والطمأنينة والسعادة والقرب من الله، وفي الأخرة بما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

الملمح الثاني من ملامح المنهج القرآني لتهذيب النفس ذكر سببِ الركون للشهوات وكيف يخرج الإنسان من هذه الحمأة المنتنة التي وقع فيها من الركون إلى الدنيا والفرح بها والاطمئنان إليها.


ففي سورة مريم يَذكر ربُّ العزة سبحانه بعض أنبيائه وأوصافهم وما كان من حالهم مع ربهم، ثم يذكر حال من خلفهم وأتى بعدهم فيقول سبحانه ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ {مريم:59 - 60}.


ففي هذه الآيات نجد أن الله عز وجل قرن بين إضاعة الصلاة واتباع الشهوات، وفي هذا تنبيه على ما للصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها وعلى وجهها ما يحمل النفس على الاستقامة على دين الله عز وجل وعدم الركون للشهوات والملذات، قال تعالى ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ {العنكبوت:34}.


فانظر إلى هذا الربط القرآني بين تلاوة الكتاب الذي هو القرآن وبين إقامة الصلاة وبين الابتعاد عن الفحشاء والمنكر، فأول سببٍ لاستقامة النفس وتهذيبها هو تدبر القرآن مع إقامة الصلاة والإتيان بها على الوجه الأكمل من الخشوع والسنة والإخلاص والمتابعة، فمع هذه الصلاة حتى إن وقع المسلم في معصية حتى إن غلبته نفسه لكن مع المجاهدة ما يلبث أن يظفرَ بعدوه ويملكُ زمامَ نفسه، قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ {العنكبوت:58}.

أما أن يستمر الإنسان في الجمع بين الصلاة ومضاداتها من المعاصي والآثام فهذا يعني أن هناك خللٌ في أداء الصلاة أدَّى إلى عدم ظهور ثمرتها.


من المنهج القرآني في تهذيب النفس بيان الأسباب التي تحفظ العبد من الوقوع والركون للشهوات.

ويظهر هذا الملمح في تناول القرآن لقضية الزنا وما يعصم النفس عن شهوة الجنس والنساء، فنجده يأمر بغض البصر وينفر عن هذه المعصية ويذكرها بأبشع الألفاظ.


قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ {النور: 30 - 31}.


فهذا أول سببٍ وأولُ سهمٍ يصيبُ القلبَ بشهوة الزنا وهو النظر، فإذا أطلق الرجل أو المرأة النظر أصاب سهم الهوى قلبه فاشتهى الوقوع في هذه المعصية، وفي هذه الآيات نلمح أن الله عز وجل قد زاد في الأوامر للنساء، فأمر الرجل والمرأة بغض البصر وحفظ الفرج، ثم أمر المرأة بعد أبداء الزينة إلا للمحارم من زوج وولد وأخ ووالد وغير ذلك من محارمها.

أما أن تطلق المرأة العنان لنفسها في الزينة والخلطة والمزاح والميل في الكلام فهذا هو منبع الفتنة.


وقد استخدم القرآن في التنفير عن هذه المعصية الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، كما استخدم القصص الواقعي وما كان من حال الصالحين الذين اجتنبوا الوقوع في هذه المعصية مع توفر دواعيها وسهولة إتيانها ومع ذلك تركوها رغبة فيما عند الله ورهبة من عقابه.


وخيرُ مثالٍ لذلك قصة يوسف عليه السلام التي وصفها ربُّ العزة بأنَّها أحسنَ القصصِ، ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ {يوسف: 23 - 24}.


فهذا النبي الكريم مع غربته وتهيؤ المرأة له مع ما لها من المال والمنصب والجمال، وما هيأته من الأسباب لإتيان هذه الفاحشة ﴿ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ ﴾، كما أنه شابٌ بلغ أشدَّه كما بيَّن القرآن.


فمع توَفُّرِ الدواعي من قوةٍ وشدةٍ وشبابٍ وامرأةٍ ذاتَ مالٍ وجمالٍ ومنصبٍ، ومع انتفاء الموانع من رغبة المرأة وغلقِ الأبواب وأخذِها بكلِّ الأسباب إلا أنه امتنع خوفًا من ربِّه واعترافًا بفضله ﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ {يوسف: 23}.


فأورثه الله عز وجل خزائنَ مصر جزاءً وفاقًا، قال تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ {يوسف: 56}.


وفي السنة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ:" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ" من هؤلاء السبعة: "وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ"[5].


فكان الجزاءُ من جنسِ العملِ، لـمَّـا حَبَسَ شهوته وتألم بنارِحَبْسِ النفس عنها في الدنيا، كافأه الله عز وجل بأن جعله في ظلِّ عَرْشِهِ وحَفِظَه من حرِّ نار يومِ الموقفِ جزاءً وفاقـًا.


وهكذا في سائر الأمور والشهوات، من ترك لله شيئًا وحبسَ نفسه عن شهواتها عَوَّضه الله خيرًا منها في الدنيا والآخرة قال تعالى ﴿ هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ﴾، وقال عز وجل ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾.

فمن أراد أن تستقيم نفسه وأن يملك زمامها عن الشهوات فعليه بالقرآن، فهو نورٌ وبيانٌ وشفاءٌ لما في الصدورِ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



[1] أخرجه البخاري (2051)، ومسلم (1599)

[2] انظر: مجموع الفتاوى 15/429

[3] انظر: الفوائد لابن القيم ص29

[4] أخرجه البخاري (4993)

[5] أخرجه البخاري (660) (1423) (6806)، ومسلم (1031), أحمد في المسند (9665)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • (زين للناس حب الشهوات من النساء) والسعادة الزوجية

مختارات من الشبكة

  • المنهج التاريخي عند المؤرخين العراقيين في القرن الثالث الهجري: المنهج الحولي والموضوعي نموذجا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مدلول المنهج والتواصل والحوار اللغوي والاصطلاحي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة العاشرة: أضواء على المنهج العقدي في وصايا لقمان)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • المنهج التاريخي: نشأته وتقاطعاته مع المنهج الوصفي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • سيد المناهج (المنهج الوصفي)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المنهج العقلي في بيان العقيدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة السادسة: تابع منهج الإمام الطبري في التفسير)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثانية: التعريف بالمنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • المنهج التاريخي والمنهج المقارن في الدراسات الصوتية والصرفية العربية الحديثة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • منهج لم الشتات (المنهج المقارن)(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب