• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر
علامة باركود

خطبة عن الاستعداد للآخرة

عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/11/2017 ميلادي - 4/3/1439 هجري

الزيارات: 271132

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عن الاستعداد للآخرة [1]


الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، ومالك يوم الدين، أحمده حمداً يليق بجلاله على كثرة نواله، حمداً نستجلب به نعمه، ونستدفع به نقمه، ونستكثر عطاياه، ونصبِّر النفس في بلواه، أشهد أنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.

 

وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ورسوله المجتبى. إمام المتقين، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، خير من دعا وأرشد، وتبتّل وتعبّد، وتقلّل من الدنيا وتزهّد، وقد عُرضت عليه الخزائن فأباها، ورغب فيما عند الله فنالت نفسه عنده مرادها ومناها، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته الميامين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وسلَّم تسليماً.

 

أما بعد:

فأوصي نفسي وإياكم -أيها الناس- بوصية الله لعباده كافة: أولهم وآخرهم، خاصتهم وعامتهم، ألا فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

عباد الله، إنها مكان وزمان: مكان محصور، وزمان محدود، مكان نعرفه ونألفه، نسير عليه ونأوي إليه، وزمان نعلم انتهاء وقته، ونجهل وقت انتهائه، إنها مركب عبور، لا منزلَ حبور، وموطن غرور، لا مهد سرور، تتزين بكل زينة، وتتلون بلون كلِّ طينة. وهي كعجوز شمطاء، قبيحة شوهاء، ومع ذلك فكم خدعت من مغرور بمظهرها، وسبَتْ عقلَ من لم يعرف جوهرها.

 

تبدو حقائق، وهي أوهام، وتتراءى للناظر وهي:

أحلام نوم أو كظل زائل *** إن اللبيب بمثلها لا يخدع

تلكم -أيها الناس- الدنيا دارُ النفاد، لا دار الإخلاد، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس24].

 

عباد الله، كانت هذه الدنيا – ولاتزال - مزرعة يضع فيها الزرّاع بذورهم من العمل؛ ليحصدوا ثمر ما زرعوا في الدار الآخرة، إن أحسنوا البذر حسُنَ حصادهم، وطابت ثمرتهم، وإن أساؤوا ساء منقلبهم، وجاعوا وقت الحاجة، ولا سبيل إلى قضائها وقد فرطوا في زمن البذر، وندموا حين رأوا الناس يحصدون ويبتهجون بما أدخروا لهذا اليوم.

 

لم يوجد الناس على هذه الحياة ليعيشوا عيش الخالدين؛ فيعمروها ويخربوا الدار التي وعدوا بالخلود فيها؛ فإن الله خلق خلقه لغاية وهدف، ولم يخلقهم لأكل وشرب، وترف ولعب وعبث فقال الحكيم العليم: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون 115].

 

تجلّت هذه الحكمة في قول ربنا الكريم: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات 56].

إنها عبادة الله وحده، فإذا ما انتهت هذه الحياة عُرضِت للناس نتائجها في دار القرار والأبد.

 

ليطمئن الطائع إلى ثواب الله وحسن نُزله، وينال الخارج عن طاعة ربه جزاء فسوقه وإعراضه، فيظهر بذلك عدل الحكم العدل، ولا يظلم ربك أحداً.

 

عباد الله، إن الله تعالى جعل الدنيا مقر تكليف بأمره ونهيه فقال تبارك وتعالى لآدم عليه السلام ولإبليس لعنه الله حين أهبطا من السماء: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه123].

 

فانقسم الخلق في الدنيا إلى قسمين:

أحدهما: أنكر أن للعباد داراً بعد الدنيا يثابون أو يعاقبون على ما عملوا فيها. وهؤلاء يمثلهم إبليس ومن كفر من الجن والإنس.

 

قال الله فيهم: ﴿ إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ﴾ [يونس7-8].

 

وهؤلاء همهم التمتع في الدنيا بلذاتها وشهواتها قبل موتهم ورحيلهم عنها. فهم-في الرغبات والنزوات- كالأنعام في صور الأنام، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ [محمد12].

 

والقسم الآخر: من يقرون بدارٍ بعد الموت للحساب على ما عملوا في الدنيا، ويمثلهم آدم ومن أسلم من الجن والإنس، وهم منقسمون إلى ثلاثة أصناف حسب أعمالهم:

ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات بإذن الله، فصنف الظالم لنفسه: -وهم الأكثرون- وقفوا مع زهرة الدنيا وزينتها فأخذوها من غير وجهها، واستعملوها في غير محلها. صارت الدنيا أكبر همهم، ومبلغ علمهم، بها يرضون، ولها يغضبون، ولها يوالون، وعليها يعادون، يعلمون دقيقها وجليلها، ويصدق فيهم قول القائل:

أبنيَّ إن من الرجال بهيمة
في صورة الرجل السميع المبصر
حذِق بكل مصيبة في عيشه
وإذا أصيب بدينه لم يشعر

 

هؤلاء هم أهل اللهو واللعب، والزينة والفتور، وإن كانوا يؤمنون بالآخرة إيمانا مجملاً. فهم لم يعرفوا المقصود من الدنيا ولماذا كانت الحياة فيها.

 

وأما صنف المقتصد، فهم الذين أخذوا الدنيا من وجوهها المباحة، وأدوا الواجب فيها، وأمسكوا الزائد بعد الواجب على أنفسهم، يتوسعون فيه بالتمتع بشهوات الدنيا. وهؤلاء لا عقاب عليهم في ذلك إلا أنه ينقص من درجاتهم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا أن تنقص من جناتي لخالفتكم في لين عيشكم، ولكن سمعت الله عيّر قوماً فقال: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ﴾ [الأحقاف: 20].

 

وأما صنف السابق بالخيرات، فهم الذين فهموا المراد من الدنيا وعملوا بمقتضى ذلك، فعلموا أن الله إنما أسكن عباده في هذه الدار ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [الكهف7].

 

فاكتفى السابقون منها بما يكفي المسافر ويخفف عليه ثقله، ويسهّل عليه السرعة والقدوم على الوطن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها) [2]. ومتى ما أخذ السابق من شهواته المباحة، ونوى بها التقوِّي على طاعة الله كانت طاعاتٍ يؤجر عليها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وفى بُضع أحدكم صدقة ). قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) [3].

 

وقال معاذ رضي الله عنه: "إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ".

قال سعيد بن جبير: " متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة، ومالم يلهك فليس بمتاع الغرور، ولكن متاع بلاغ إلى ما هو خير منه ".

 

عباد الله، إن السابقين رأوا أن هذه الدنيا ليست وطنهم الذي به يستقرون، ومقام مستقبلهم الذي له يبنون، وإنما هي منزل سفر عما قريب عنه يرتحلون، ومهيع غربةٍ لا راحة فيه ولا أُنس، فتهيأوا بزادهم الكافي في هذا السفر. قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: (كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل )، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك[4].

 

فالناسك السالك في هذه الحياة كعبد أرسله سيده في حاجة إلى غير بلده فشأنه أن يبادر بفعل ما أُرسل فيه، ثم يعود إلى وطنه، ولا يتعلق بشيء غير ما هو فيه.

 

أيها الناس، يعمل كثير من الخلق للدنيا يظنون بقاءها، وعدم التحول عنها، وهي ذاهبة عنهم وذاهبون عنها، لا قرار ولا استمرار، وماهي إلا كالثلج وضع في الشمس فلا يزال في الذوبان حتى ينتهي.

 

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " ارتحلت الدنيا مدبِرة، وارتحلت الآخرة مقبلِة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل".

 

بينا -يا عباد الله- يسرح الناس ويمرحون في الدنيا يعمرونها ويلتهون بها، إذا بهم يفاجئون بداعي الحق ينادي: ﴿ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق19]. لقد مات صاحب الجاه العريض، الذي غرّه جاهه، فهل دفع حشمُه وجنده قبَضةَ روحه؟! ومات صاحب المال الطائل الذي أطغاه ماله، فهل أغنى عنه ماله وما كسب؟! ماذا أخذ من ماله إلى قبره؟! لمن ترك الدنيا؟ لقد تعب فيها واجتهد على تحصيلها، أهكذا يفارقها وتفارقه، ويخرج منها بقطعة من القماش يستوي فيها مع الفقير الُمعدِم الذي لم يملك من الدنيا ما ملك. لقد مات هؤلاء ومات غيرهم ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ﴾ [الرحمن26-27].

 

نعم -يا عباد الله- هكذا الدنيا سريعة الذهاب، قريبة الغياب.

لا راحة فيها ولا اطمئنان، هموم وأكدار، آلام وأسقام، إذا أقبلت نزل الهم والتعب، وإن أدبرت جثم الحزن والغم، لا يستريح المؤمن إلا بمغادرتها.

 

مُرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فقال: (مستريح ومستراح منه) قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: (العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب) [5].

 

عباد الله، لماذا الركون والميل إلى حياة أمدحُ ما فيها أنها زينة ومتاع، ومن طبيعة الزينة والمتاع سرعة التحول، وقرب التبدل؟! ثم ماهي إلا مضمار لعبٍ ولهو وزينة وتكاثر وتفاخر، بينما هي في نضارتها الزائفة، يمتد إليها الهلاك فتصبح أثراً بعد عين، وحطاماً بعد ابتهاج.

 

قال الله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد20].

 

وماذا ترجو من حياة متاعها قليل، ونعيمها مُشرب بعناء، وموعود بفناء قال تعالى: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾ [النساء:77]

 

فعلامَ يفرح الناس بها، ويسكنون إليها، وهي لا تستحق أن يفرح بها؟! قال الله تعالى: ﴿ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26].

 

إنها هينة عند الله تعالى حقيرة لا تساوي شيئاً يذكر.

في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفته فمر بجدي أَسَك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: (أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟)، فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ قال: (أتحبون أنه لكم؟) قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه؛ لأنه أَسَك، فكيف وهو ميت؟! فقال: (فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم). الله أكبر، هذه حقيقة الدنيا و عن المستورد بن شداد الفهري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم فلينظر بم يرجع؟!) [6].

 

عباد الله، ألا وإن الدنيا جديرة بالانتباه والمعرفة؛ لأنها مليئة بالفتن المعترضة في طريق الآخرة، فتن الشبهات وفتن الشهوات التي تتخطف السالكين ممن قل نصيبهم من العمل الصالح الخالص، ومن العلم النافع المنير.

 

فطوبى لعبد زمّ نفسه وهواه، ونأت عن مواطن الفتن ميوله وخُطاه، وأودع في محاضن الخير جوارحه وفؤاده، وسلّم لشرع الله طاعته وانقياده.

 

أيها الناس، إن نبينا الرحيم عليه الصلاة والسلام لم يخفْ علينا إدبارَ الدنيا، وإنما خاف علينا إقبالها.

فقال صلى الله عليه وسلم: (فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم )[7].

 

فحذاري حذاري -معشر المسلمين- أن تستهوينا الدنيا؛ فنكونَ أُسارها، ورهن يُمناها، فلا نستطيع-حينذاك- الفكاكَ من بين أنيابها.

 

أيها الكرام الأفاضل، اعلموا أن ذم الدنيا الوارد في الكتاب والسنة وفي كلام العقلاء ليس لزمانها الذي هو الليل والنهار؛ فإن الله جعلهما خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا.

 

وليس راجعاً إلى مكانها الذي هو الأرض وما أودع فيها من آياته المنشورة: من جبال وبحار، وغير ذلك من متحرك ومن ساكن، فإن ذلك كله من نعم الله على عباده؛ لما ينالون منها من نفع وفائدة. وليس راجعاً إلى العمل والكد الجاري فيها؛ لسد الحاجة وستر الحال؛ فإن ذلك مطلوب فيها قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

 

وإنما الذم راجع إلى أفعال بني آدم الواقعة في الدنيا؛ لأن غالبها واقع على غير الوجه الذي تُحمد عاقبته، وتُجنى فائدته.

والذم أيضاً راجع إلى جعلها غاية وهدفاً، ينصبّ إليه همُّ الإنسان وفكره وعمله، مع الغفلة بها عن الهدف الأسمى الذي خُلق له الإنسان.

 

ولهذا فإن الدنيا نعمة من الله تعالى على المؤمن؛ لأنه لم يدخل الجنة إلا حينما كانت ظرفَ عمله ومزرعة زاده.

 

قال الحسن البصري رحمه الله: ": نعمت الدنيا داراً كانت للمؤمن؛ وذلك أنه عمل قليلاً، وأخذ زاده منها للجنة، وبئست الدنيا داراً كانت للكافر والمنافق؛ وذلك أنه ضيّع لياليه وكان زاده منها إلى النار".

 

وسئل أحد السلف: ماهي الدنيا التي ذمها الله في القرآن؟ والتي ينبغي للعاقل أن يتجنبها؟

فقال: "كل ما أصبتَ في الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ما أصبت منها تريد به الآخرة فليس منها".

 

ألا وإنها فرصة -يا عباد الله- لا تعود، وهبة لا تتكرر، ألا فاعملوا واغتنموا عمركم فيها، بما يسعدكم يوم المعاد، قبل الندم على زمن مضى وعمر انقضى بلا زاد، فكم من متمن يتمنى الرجعة والأوبة، ولكن هيهات الرجوع بعد ما ذهبت أيام الدنيا ولياليها قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99 ،100].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

معشر المسلمين، لما علم الصالحون أن العيش الحقيقي ليس على هذه الدار، وإنما هو في دار القرار، وأن الحياة الكاملة الناعمة إنما هي حياة الآخرة صُغرت الدنيا في أعينهم، وهانت عليهم أن يجعلوها في قلوبهم، كما فعل أبناء الدنيا.

بنوْ الدنيا بجهلٍ عظّموها
فجلّت عندهم وهي الحقيره
يهارِشُ بعضهم بعضاً عليها
مهارشةَ الكلاب على العقيره

 

لم يحزن الصالحون على ما فاتهم منها، ولم يفرحوا بما نالوا من حطامها، وأخذوا من عرَضها الزائل زاد الراكب حتى بلغوا وجهتهم السعيدة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض) [8].

 

وقالت: (كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدَم، حشوة ليف) [9].

 

كان عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يكون أغنى الناس وأترفهم، يأكل ويشرب ويلبس ويسكن ما يريد، ولكنه سما عن ذلك إلى ادخارها إلى مكان آخر، ورضي بالقليل ليلقى هناك الكثير.

 

وأعرض عما يبلى لينال ما يبقى، فخرج من الدنيا خفيفاً غير مثقَل، ومات ودرعه مرهونة بدرهمين قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [الأحزاب: 21].

 

ألا -يا عباد الله- فاعرفوا هذه الحقائق ولا تجهلوها، فإذا عرفتموها فلا تغفلوا عن العمل الصالح، والاستعداد بخير زاد ليوم المعاد.

 

واصبروا اليوم لترتاحوا غداً، فما وجد الراحة من لم يصبر، وخذوا من الدنيا ما يكفيكم في هذه الرحلة، ولا تكثروا؛ فتثقلوا فيصعب عليكم المسير، ويطول عليكم الحساب.

 

ولا تنظروا إلى آلام الطريق فتقفوا عندها، بل جاوزوها؛ فعما قريب ترون دار الأحبة فيذهب عندها تعب الطريق. وسارعوا واستبقوا الخيرات، فما أقرب وصول من جدَّ في السير ليلَه ونهارَه.

 

قال ربنا الكريم: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148].

وقال رسولنا صلى الله عليه و سلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) [10].

 

وانتصرِوا-عباد الله- على قطاع الطريق: على النفس والهوى والشيطان، بالمجاهدة والمصابرة، وبالأمل إلى موعود الله تعالى.

 

وقل لنفسك - يا عبد الله- إذا اشتهتِ الحرام: صبراً قليلاً فعما قريب تنالين هناك أعظم مما تشتهينه هنا فأعينيني هنا تغنمي هناك.

 

وارتحل بقلبك إلى تلك المنازل التي ينتظر قدومَك فيها ملائكةٌ مستقبلون يقولون: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد24].

 

وفيها أهل مشتاقون أمضّهم الانتظار على باب الجنة، لك فيها دار بُنيتْ فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

 

ألا فطلقوا الدنيا الفانية لتتزوجوا الآخرة الباقية؛ إذ لا يجوز الجمع بين أختين:

إن لله عباداً فُطنا
طلّقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا إليها فلما علموا
أنها ليست لحيِّ سكنا
جعلوها لجنة واتخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا

وصلوا وسلموا على الهادي البشير، والسراج المنير...



[1] ألقيت في 7 /11/ 1428هـ، في مسجد ابن تيمية.

[2] رواه أحمد وابن حبان، وهو صحيح.

[3] رواه مسلم.

[4] رواه البخاري.

[5] متفق عليه.

[6] رواه مسلم.

[7] رواه مسلم.

[8] رواه البخاري.

[9] متفق عليه.

[10] رواه الترمذي والحاكم، وهو صحيح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحث على العمل للآخرة

مختارات من الشبكة

  • الاستعداد لرمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الاستعداد الصالح لرمضان "خمس خطط استراتيجية لإدراك خير رمضان" (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: الاستعداد لرمضان ونصرة فلسطين(مقالة - ملفات خاصة)
  • الاستعداد لموسم الزاد (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • حسن الاستعداد لموسم الزاد (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الاستعداد للاختبار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستعداد للصلاة يعين على إقامتها ( خطبة )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 30 / 10 / 1434 هـ - الاستعداد للموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستعداد لرمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • الاستعداد الفطري للمعرفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب