• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

معنى الأول والآخر

معنى الأول والآخر
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/10/2017 ميلادي - 27/1/1439 هجري

الزيارات: 22571

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معنى الأول والآخر

 

أَوَلًا: الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الأَوَّلِ)[1]

الأَوَّلُ في اللُّغَةِ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ، تَأْسِيسُ فِعْلِه مِنْ هَمْزَةٍ ووَاو ولَامٍ، آلَ يَؤُولُ أَوْلًا، وقَدْ قِيلَ مِنْ وَاوَينِ ولامٍ، والأَوَّلُ أَفْصَحُ وهُوَ في اللُّغَةِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ للمَوْصُوفِ بالأَوَّلِيَّةِ؛ وهُوَ: الذِي يَتَرَتَّبُ عَليهِ غَيْرُه، والأَوَّلِيَّةُ أَيْضًا: الرُّجُوعُ إلَى أَوَّلِ الشَّيْءِ، ومَبْدَؤُه أو مَصْدَرُه وأَصْلُه، ويُسْتَعْمَلُ الأَوَّلُ للمُتَقَدِّمِ بالزَّمَانِ كقولِك: عَبْدُ المَلِكِ أوَّلًا ثُمَّ المنْصُورُ، والمتَقَدِّمُ بالرياسَةِ في الشيءِ وكَوْنُ غَيْرِه مُحْتَذِيًا به نَحوَ: الأميرِ أوَّلًا ثُمَّ الوزيرِ، والمتَقَدِّم بِالنِّظَامِ الصِّنَاعِي نَحْوَ أنَ يُقَالَ: الأَسَاسُ أَوَّلًا ثُمَّ البِنَاءُ[2].

 

والأوَّلُ سُبْحَانَهُ هُوَ الذِي لم يَسْبِقْه في الوجُودِ شَيْءٌ، وهُوَ الذِي عَلَا بِذَاتِه وشَأْنِه فَوْقَ كُلِّ شَيءٍ، وهُوَ الذِي لا يَحْتَاجُ إلى غَيْرِهِ في شيءٍ، وهُوَ المسْتَغْنِي بِنَفْسِه عَنْ كُلِّ شَيءٍ[3]، فالأوَّلُ اسْمٌ دَلَّ عَلَى وَصْفِ الأَوَّلِيَّةِ، وأَوَّلِيَّةُ اللهِ تَقَدُّمُه عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاه في الزَّمَانِ، فَهِي بمَعْنَى القَبْلِيَّةِ خِلَافَ البَعْدِيَّةِ، أَو التَّقَدُّمِ خِلَافَ التَّأَخُّرِ، وهَذِه أَوَّلِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ، ومِنَ الأَوَّلِيَّةِ أَيْضًا تَقَدُّمُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى غَيْرِه تَقَدُّمًا مُطْلَقًا في كُلِّ وَصْفِ كَمَالٍ، وَهَذا مَعْنَى الكَمَالِ في الذَّاتِ والصِّفَاتِ، في مُقَابِلِ العَجْزِ والقُصُورِ لغَيْرِهِ مِنَ المخْلُوقَاتِ، فَلا يُدَانِيه ولا يُسَاويهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِه؛ لأنَّه سُبْحَانَه مُنْفَرِدٌ بِذَاتِهِ ووَصْفِهِ وفِعْلِهِ، فَالأَوَّلُ هُوَ الُمتَّصِفُ بِالأَوَّلِيَّةِ، وَالأَوَّلِيَّةُ وَصْفٌ للهِ وَلَيْسَتْ لأِحَدٍ سِوَاهُ [4]، وَرُبَّمَا يَسْتَشْكِلُ البَعْضُ وَصْفَ اللهِ بالأَوَّلِيَّةِ مَعَ وَصْفِهِ بِدَوَامِ الخَالِقِيَّةِ والقُدْرَةِ والفَاعِلِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ اللهُ تبارك وتعالى هُوَ الأَوَّلَ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، فَهَلْ يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُعَطَّلًا عَنِ الفِعْلِ ثُمَّ أَصْبَحَ خَالِقًا فَاعِلًا قَادِرًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ؟

 

والجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ اللهَ تبارك وتعالى مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ مُرِيدٌ فَعَّالٌ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ كَمَا قَالَ: ﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: 15، 16]، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تبارك وتعالى أَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَمْ يَكُنْ سِوَى الْعَرْشِ والَماءِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ [هود: 7]، ومِنْ حَدِيثِ عمْرَانَ رضي الله عنه؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَانَ اللُه وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الَماءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْر كُل شَيْءٍ" [5]، وَرُبَّمَا يَسْأَلُ سَائِلٌ وَيَقُولُ: وَمَاذَا قَبْلَ العَرْشِ والماءِ؟

والجَوَابُ: أَنَّ اللهَ قَدْ شَاءَ أَنْ يُوقَفَ عِلْمُنا عَنْ بِدَايَةِ المخْلُوقَاتِ عِنْدَ العَرْشِ والَماءِ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة: 255]، فَاللهُ أَعْلَمُ هَلْ تُوجَدُ مَخْلُوقَاتٌ قَبْلَ العَرْشِ والماءِ أم لا؟ لكننا نَعْتَقِدُ أَنَّ وُجُودَها أَمْرٌ مُمْكِنٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ، فَاللهُ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، وَيَفُعَلُ مَا يَشَاءُ وَهو عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ مُتَصِّفٌ بِصِفَاتِ الأَفْعَالِ، وَمِنْ لَوَازِمِ الكَمَالِ أَنَّهُ فَعَّالٌ لِـمَا يُرِيدُ عَلَى الدَّوَامِ أَزَلًا وَأَبَدًا، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ العَرْشِ وَالْـمَاءِ أَوْ بَعْدَ وُجُودِهما، لَكِنَّ اللهَ أَوْقَفَ عِلْمَنَا عِنْدَ هَذَا الحَدِّ، كَمَا أَنَّ جَهْلَنَا بِذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا يَخُصُّنَا أَوْ يَتَعَلَّقُ بِحَياتِنَا مِنْ مَعْلُومَاتٍ ضَرُورِيَّةٍ لِتَحْقِيقِ الكَمَالِ في حَيَاةِ الإِنْسَانِ، قَالَ سُلَيْمَانُ التيمي رحمه الله: "لَوْ سُئِلْتُ: أَيْنَ اللهُ؟ لَقُلْتُ: فِي السَّمَاءِ، فَإِنْ قَالَ السَّائِلُ: أَيْنَ كَانَ عَرْشُهُ قَبْلَ السَّمَاءِ؟ لَقُلْتُ: عَلَى الَماءِ، فَإِنْ قَالَ: فَأَيْنَ كَانْ عَرْشُهُ قَبْلَ الَماءِ؟ لَقُلْتُ: لَا أَعْلَمُ"[6]، وَيُعَقِّبُ الإِمَامُ البُخَارِي رحمه الله بِقَوْلِهِ: "وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة: 255]؛ يعني: إلا بما بيَّن"[7].

 

وَهَذِهِ المسْأَلَةُ تُسَمَّى في بابِ العَقِيدَةِ بِالتَّسَلْسُلِ؛ وَهُوَ تَرْتِيبُ وُجُودِ الَمخْلُوقَاتِ فِي مُتَوَالِيَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ غَيْر مُتَنَاهِيَةٍ مِنَ الأزَلِ والأَبَدِ، ومُعْتَقَدُ السَّلَفِ الصَّالِحِ أَنَّ التَّسَلْسُلَ في الأَزَلِ جَائِزٌ مُمْكِنٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الخَلْقَ يُشَارِكُ اللهَ فِي الأَزَلِيَّةِ وَالأَوَّلِيَّةِ[8].

 

ثانيًا: الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الآخِر)

الآخِرُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِل لِمَنِ اتَّصَفَ بالآخِريَّةِ، فِعْلُه أَخَرَ يَأْخُرُ أَخْرًا، والآخرُ مَا يُقَابِلُ الأّوَّلَ، وَيُقَالُ أَيْضًا لما بَقِي في المدَّةِ الزَّمَنِيَّةِ، وَيُقَالُ للثَّانِي مِنَ الأَرْقَامِ العَدَدِيَّةِ أَوْ مَا يَعْقُبُ الأَوَّلَ فِي البَعْدِيَّةِ وَالنَّوْعِيَّةِ، وَيُقَالُ أَيْضًا لما بَقِى في الموَاضِعِ الـمَكَانِيَّةِ، وَنِهَايَةِ الجُمَلِ الكَلَامِيَّةِ، فَمِنَ الآخِرِ الذي يُقَابِلُ الأَوَّلَ قَوْلُه تَعَالَى: ﴿ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ﴾ [المائدة: 114]، وَمِنَ الآخِرِ الذي يُقَالَ لما بقِي فِي المدَّةِ الزَّمَنِيَّةِ، قَوْلُه تَعَالَى: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران: 72]، وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّهُ قَالَ: "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ فِي آَخِرِ حَيَاتِهِ"[9]، وَمِنَ الآخِرِ الذي يُقَالُ للثَّانِي مِنَ الأَرْقَامِ الْعَدَدِيَّةِ أَوْ مَا يَعْقُبُ فِي البَعْدِيَّةِ والنَّوْعِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء: 66]، وَمِنَ الآخِرِ الذِي يُقَالُ لما بَقِي فِي الَموَاضِعِ الَمكَانِيَّةِ مَا رَوَاهُ البُخَارِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أنه قَالَ: "صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الِمنْبَرَ، وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلحَفَةً عَلَى مَنْكبَيْه"[10]، وَمِنَ الآخِرِ الذي يُقَالُ لِنَهايَةِ الجُمَلِ الكَلَامِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10].

 

والآخِرُ سُبْحَانَهُ هُوَ الُمتَّصِفُ بِالْبَقَاءِ والآخِرِيَّةِ؛ فَهُوَ الآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، البَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ[11]، وَهُنَا سُؤَالٌ يَطْرَحُ نَفْسَهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الجَمْعِ بَيْنَ وَصْفِ اللهِ تبارك وتعالى بِأَنَّهُ الآخِرُ وَالْبَاقِي الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَبَقَاءِ الَمخْلُوَقاتِ فِي الجَنَّةِ وَدَوُامِها وَأَبَدِيَّتِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِها وَدَوَامِ مُتْعَتِها وَلَذَّتِهَا للمُؤْمِنِينَ: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ أَهْلِ النَّارِ وَعَذَابِهَا وَدَوَامِ الشَّقَاءِ لِأَهْلَهِا: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن: 23]؟ وَمَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ"[12]؟

قَدْ يَبْدُو فِي الظَّاهِرِ أَنَّ بَقَاءَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ أَبَدًا مُتَعَارِضٌ مَعَ إِفْرَادِ اللهِ تبارك وتعالى بِالْبَقَاءِ، وَأَنَّهُ الآخِرُ الذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، لَكِنَّ هَذَا التَّعَارُضَ يَزُولُ إِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ نُفَرِّقَ فِي قَضِيَّةِ البَقَاءِ والآخِرِيَّةِ بَيْنَ مَا يَبْقَى بِبَقاءِ اللهِ، ومَا يَبْقَى بِإبْقَاءِ اللهِ، أَوْ نُفَرِّقَ بَيْنَ الذَّاتِ والصِّفَاتِ الإِلَهِيَّةِ، وَبَقَاءِ المخْلُوقَاتِ التي أَوْجَدَها اللهُ كَالْجَنَّةِ والنَّارِ وَمَا فِيهِمَا، فَالْجَنَّةُ مَثَلًا بَاقِيَةٌ بِإبْقَاءِ اللهِ، وَمَا يَتَجَدَّدُ فِيهَا مِنْ نَعِيمٍ مُتَوَقِّفٌ فِي وُجُودِهِ عَلَى مَشِيئَةِ اللهِ، أَمَّا ذَاتُه وصِفَاتُه فَبَاقِيَةٌ بِبَقَائِهِ، وَشَتَّانَ بَيْنَ مَا يَبْقَى بِبَقَاءِ اللهِ وَمَا يَبْقَى بِإِبْقَائِهِ، فَالْجَنَّةُ مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا اللهُ تبارك وتعالى، وَكَائِنَةٌ بِأَمْرِهِ، وَرَهْنُ مَشيئَتِهِ وَحُكْمِهِ؛ فَمَشِيئَةُ اللهِ حَاكِمَةٌ عَلَى مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى.

 

وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ يَعْتَبِرُونَ خُلْدَ الجَنَّةِ وَأَهْلِهَا إِلَى مَا لا نِهَايَةَ إِنَّمَا هُوَ بِإبْقَاءِ اللهِ وَإِرَادَتِهِ، فالبَقَاءُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ مِنْ طَبيعَةِ الَمخْلُوقَاتِ، ولا مِنْ خَصَائِصِها الذَّاتِيَّةِ، بَلْ مِنْ طَبِيعَتِها جَمِيعًا الفَنَاءُ، فَالخُلُودُ لَيْسَ لِذَاتِ المخْلُوقِ أو طَبيعَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَدَدٍ دَائِمٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَإِبْقَاءٍ مُسْتَمِرٍّ لَا يَنْقَطِعُ، أَمَّا صِفَاتُ اللهِ تبارك وتعالى، وَمِنْهَا وَجْهُهُ وَعِزَّتُهُ وَعُلُوُّهُ وَرَحْمَتهُ وَيَدُه وقُدْرَتُه وَمُلْكُه وقُوَّتُه فَهِي صِفَاتٌ بَاقِيَةٌ بِبَقَائِهِ مُلَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، حَيْثُ الْبَقَاءُ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ للهِ، كَمَا أَنَّ الأَزَلِيَّةَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَهُ أَيْضًا، فَلَا بُدَّ إِذًا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ صِفَاتِ الأَفْعَالِ الإِلَهِيَّةِ وَأَبَدِيَّتِها وَطَبِيعَتِهَا، وَهَذَا مَا جَاءَ بِهِ القُرْآنُ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ البَقَاءِ، الأَوَّلُ وَهُوَ بَقَاءُ الذَّاتِ بِصِفَاتِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، والثَّانِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17]، فَالآيَةُ الأُولَى دَلَّتْ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَهِيَ صَفَةُ الوَجْهِ، وَدَلَّتْ عَلَى بَقَاءِ الصِّفَةِ بِبَقَاءِ الذَّاتِ، فَأَثْبَتَتْ بَقَاءَِ الذَّاتِ بِصِفَاتِهَا، وَأَثْبَتَتْ فَنَاء مَا دُونَها أَوْ إِمْكَانِيَّة فَنَائِه، إذْ إِنَّ اللهَ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَهُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ وَبَعْدَ كُلِّ شَيءٍ.

 

وَمِنْ مَعَانِي اسْمِ اللهِ الآخِر: أَنَّهُ الذِي تَنْتَهِي إليه أُمُورُ الخَلَائِقِ كُلِّهَا كَمَا وَرَدَ عِنْدَ البُخَارِي مِنْ حَدِيثِ البَراءِ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ"[13].

 

ثَالِثًا: وُرُودُهُ فِي القُرآنِ الكريمِ[14]

وَرَدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3].

 

رَابِعًا: مَعْنَى الاسْم فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى

قَالَ الفَرَّاءُ: قَوْلُهُ تعالى ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ ﴾: يُرِيدُ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ، و﴿ وَالْآخِرُ ﴾: بَعْدَ كُلِّ شَيءٍ[15].

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: "هُوَ (الأَوَّلُ) قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ حَدٍّ، و(الآخِرُ) بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ نِهَايَةٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَلاَ شَيْءَ مَوْجُودًا سِوَاهُ، وَهُوَ كَائِنٌ بَعْدَ فَنَاءِ الأشْيَاءِ كُلِّهَا، كَمَا قَالَ جَل ثَنَاؤُهُ ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88]"[16].

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: "(الأَوَّلُ) هُوَ مَوْضُوعُ التَّقَدُّمِ والسَّبْقِ. وَمَعْنَى وَصْفِنَا اللهَ تَعَالَى بِأنَّهُ أَوَّلُ: هُوَ مُتَقَدِّمٌ للحَوَادِثِ بِأَوْقَاتٍ لاَ نِهَايَةَ لَهَا؛ فَالأشْيَاءُ كُلُّهَا وُجِدَتْ بَعْدَهُ، وَقَدْ سَبَقَهَا كُلَّهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ"[17].

 

وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: "(الأَوَّلُ) هُوَ السَّابِقُ للأشْيَاءِ كُلِّهَا، الكَائِنُ الذِي لَمْ يَزَلْ قَبْلَ وُجُودِ الخَلْقِ، فاسْتَحَقَّ الأَوَّلِيَّةَ إِذْ كَانَ مَوجُودًا وَلاَ شَيْءَ قَبْلَهُ وَلاَ مَعَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ الحَدِيثَ"[18].

وَقَالَ الحُلَيْمِيُّ: "(الأَوَّلُ): الذِي لاَ قَبْلَ لَهُ، وَالآخِرُ هُوَ الذِي لاَ بَعْدَ لَهُ، [وَهَذَا لِأَنَّ] "قَبْلَ وَبَعْدَ" نِهَايَتَانِ، فَقَبْلَ نِهَايَة المَوْجُودِ مِنْ قبلِ ابْتِدَائِه، وَبَعْدَ غَايَتِهِ مِنْ قبلِ انْتِهَائِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْتِدَاءٌ وَلاَ انْتِهَاءٌ لَمْ يَكُنْ للمُوْجُودِ قَبْلٌ وَلاَ بَعْدٌ، فَكَانَ هُوَ الأَوَّلَ وَالآخِرَ"[19].

وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: "(الأَوَّلُ) هُوَ الذِي لاَ ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ"[20].

وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ:

هُوَ أوَّلٌ هُوَ آخِرٌ هُوَ ظَاهرٌ
هُوَ بَاطِنٌ هي أَرْبَعٌ بِوزَانِ
مَا قَبْلَهُ شَيْءٌ كَذَا مَا بَعْدَه
شَيءٌ تَعَالَى اللهُ ذُو السُّلطَانِ
مَا فَوْقَه شَيْءٌ كَذَا مَا دُونَه
شَيءٌ وَذا تَفْسِيرُ ذي البُرهَانِ
فانْظُرْ إِلَى تَفْسِيرِهِ بَتَدبُّرٍ
وَتَبَصُّرٍ وَتَعَقُّلٍ لِمَعَانِ
وَانْظُرْ إِلَى مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ
مَعْرِفَةٍ لِخَالِقِنَا العَظِيمِ الشَّانِ[21]

 

خَامِسًا: ثَمَرَاتُ الإيمَانِ بِهَذَا الاسْمِ

1- بِادِئُ ذِي بَدءٍ نَقُولُ: إِنَّ خَيْرَ مَا يُفَسَّرُ بِهِ هَذَا الاسْمُ وَالأَسْمَاءُ الثَّلاَثَةُ الَّتِي تَلِيهِ: هُوَ تَفْسِيرُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمِ الخَلْقِ باللهِ تَعَالَى - وَذَلِكَ مَا رَوُاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا أَخَذْنَا مَضْجَعَنَا أَنْ نَقُولَ: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاواتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالقَ الحَبِّ والنَّوَى، وَمُنُزِّلَ التَّوْرَاة وَالإنْجِيلِ وَالفُرْقَانِ، أَعَوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ"[22].

 

فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الأَوَّلُ الذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، فَهُوَ المُتَقَدِّمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ"[23].

 

قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ: "قَدِيمٌ بِلاَ ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بَلاَ انْتِهَاءٍ".

وَشَرَحَهُ ابنُ أبي العِزِّ بِقَوْلِهِ: "فَقَوْلُ الشَّيْخِ: قَدِيمٌ[24] بِلاَ ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بَلاَ انْتِهَاءٍ هُوَ مَعْنَى اسْمِهِ الأَوَّلِ وَالآخِرِ، وَالْعِلْمُ بِثُبُوتِ هَذَينِ الوَصْفَيْنِ مُسْتَقِرٌّ فِي الفَطَرِ، فَإِنَّ المَوْجُودَاتِ لَا بُدَّ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى وَاجِبِ الوَجُودِ لِذَاتِهِ، قَطْعًا للتَّسَلْسُلِ، فَإِنَّا نُشَاهِدُ حُدُوثَ الحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالمَعَادِنِ، وَحَوَادِثِ الجَوِّ كَالسَّحَابِ وَالمَطَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الحَوَادِثُ وَغَيْرُهَا لَيْسَتْ مُمْتَنِعَةً فَإِنَّ المُمْتَنِعَ لاَ يُوجَدُ، وَلاَ وَاجِبَةَ الوجُودِ بِنَفْسِهَا، فَإِنَّ وَاجِبَ الوُجُودِ بِنَفْسِهِ لاَ يَقْبَلُ العَدَمَ، وَهَذِهِ كَانْتَ مَعْدُومَةً ثُمَّ وُجِدَت، فَعَدَمُهَا يَنْفِي وُجُوبَهَا، وَوُجُودُهَا يَنْفِي امْتِنَاعَهَا، وَمَا كَانَ قَابِلًا للوُجُودِ وَالعَدَمِ لَمْ يَكُنْ وُجُودُه بِنَفْسِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور: 35]؛ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: أَحَدَثُوا مِنْ غَيْرِ مُحْدِثٍ أَمْ هُمْ أَحْدَثُوا أَنْفُسَهم؟! وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّيْءَ المُحْدَثَ لاَ يُوجِدُ نَفْسَهُ، فَالمُمْكِنُ الذِي لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ لاَ يَكُونُ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ، بَلْ إِنْ حَصَلَ مَا يُوجِدُهُ وَإِلاَّ كَانَ معْدمًا، وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ وُجُودُه بَدَلًا عَنْ عَدَمِهِ وَعَدَمُه بَدَلًا عَنْ وُجُودِه، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وُجُوُدٌ وَلَا عَدَمٌ لَازِمٌ لَهُ"[25].

 

2- جَرَىَ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ - وَأَهْلِ السُّنَّةِ أَحْيَانًا - تَسْمِيَةُ الرَّبِّ تَعَالَى بـ (الْقَدِيمِ)، وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى، وَالْتِزَامُ تَسْمِيَتِهِ بـ (الأَوَّلِ) هُوَ المُوَافِقُ لِلكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاللُّغَةِ، فَإِنَّ القَدِيمَ فِي لُغة العَرَبِ التِي نَزَلَ بِهَا القُرْآَنُ هُوَ: المُتَقَدِّمُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيُقَالُ: هَذَا قَدِيمٌ للعَتِيقِ، وَهَذَا حَدِيثٌ للجَدِيدِ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا هَذَا الاسْمَ إِلا فِي المُتَقَدِّمِ عَلَى غَيْرِه، لاَ فِيمَا لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ [يس: 39]، وَالعُرْجُونُ القَدِيمُ: الذِي يَبْقَى إِلَى حِينِ وُجُودِ العُرْجُونِ الثَّانِي، فَإِذَا وُجِدَ الجَدِيدُ قِيلَ للأَوَّلِ: قَدِيمٌ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 11]؛ أَيْ: مُتَقَدِّمٌ فِي الزَّمَانِ.

وَلِذَا فَقْدَ أَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ مِنْهُم ابنُ حَزْمٍ تَسْمِيَةَ الرَّبِّ تَعَالَى بِذَلِكَ[26].

وَالصَّوَابُ أَنْ يُسْتَعَاضَ عَنْ هَذَا الاسْمِ بِالتَّسْمِيَةِ الوَارِدَةِ وَهِي (الأَوَّلُ)، واتِّبَاعُ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ أَوْلَى مِنِ اتِّبَاعِ أَلفَاظِ أَهْلِ الكَلاَمِ.

أَضِفْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّقَدُّمَ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقٌ لاَ يَخْتَصُّ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الحَوَادِثِ كُلِّهَا، فَلَا يَكُونُ مِنَ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى.

أَمَّا مَنْ أَطْلَقَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَعَلَهُ أَطْلَقَهُ مِنْ بَابِ الإخْبَارِ عَنْهُ تَعَالَى، وَبَابُ الإخْبَارِ عَنْهُ أَوْسَعُ مِمَّا يَدْخُلُ فِي بَابِ الأسْمَاءِ الحُسْنِى وَالصِّفَاتِ كَالشَّيْءِ وَالمَوْجُودِ وَالقَائِمِ بِنَفْسِهِ وَنَحْوِهَا، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابنُ القَيِّمِ رحمه الله وَغَيْرُهُ[27] اهـ.

 

سَادِسًا: المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ:

فَعُبُودِيتُهُ باسْمِهِ الأوَّلِ تَقْتَضِي التَّجَرُّدَ مِنْ مُطَالَعَةِ الأَسْبَابِ وَالوُقُوفِ أَوِ الالْتِفَاتِ إِلَيْهَا، وَتَجْرِيد النَّظَرِ إِلَى مُجَرَّدِ سَبْقِ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ المُبْتَدِئُ بالإحْسَانِ مِنْ غَيْرِ وَسِيلَةٍ مِنَ العَبْدِ، إِذ لاَ وَسْيلَةَ لَهُ فِي العَدَمِ قَبْلَ وُجُودِهِ، أَي وَسْيلَة كَانَتْ هنَاكَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ، وَقَدْ أَتَى عَليهِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُوَرًا، فَمِنْهُ سُبْحَانَهُ الإعْدَادُ وَمِنْهُ الإمْدَادُ وَفَضْلُهُ سَابِقٌ عَلَى الوَسَائِلِ، وَالوَسَائِلُ مِنْ مُجَرَّدِ فَضْلِهِ وَجُودِهِ لَمْ تَكُنْ بِوَسَائِلَ أُخْرَى. فَمَنْ نَزَّلَ اسْمَهُ الأَوَّلَ عَلَى هَذَا المَعْنَى أَوْجَبَ لَهُ فَقْرًا خَاصًّا وَعُبُودِيَّةً خَاصَّةً[28].

وَعُبُودِيَّتُهُ باسْمِهِ الآخِرِ تَقْتَضِي أَيْضًا عَدَمَ رُكُونِهِ وَوُثُوقِهِ بِالأَسْبَابِ وَالوُقُوفِ مَعَهَا؛ فَإِنَّهَا تَنْعَدِمُ لاَ مَحَالَةَ وَتَنْقَضِي بِالآخِريَّةِ، وَيَبْقَى الدَّائِمُ البَاقِي بَعْدَهَا، فَالتَّعَلُّقُ بِهَا تَعْلُّقٌ بِعَدَمٍ وَيَنْقَضِي، وَالتَّعَلُّقُ بِالآخِرِ سُبْحَانَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَيِّ الذِي لاَ يَمُوتُ وَلاَ يَزُولُ فَالمُتَعَلِّقُ بِهِ حَقِيقٌ أَلَّا يَزُولَ وَلاَ يَنْقَطِعَ، بِخِلاَفِ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَهُ آخِرٌ يَفْنَى بِهِ.

كَذَا نَظَرُ العَارِفِ إِلَيهِ بِسَبْقِ الأَوَّلِيَّةِ حَيْثُ كَانَ قَبْلَ الأَسْبَابِ كُلِّهَا، وَكَذَلِكَ نَظَرُهُ إِلَيهِ بِبَقَاءِ الآخِرِيَّةِ حَيْثُ يَبْقَى بَعْدَ الأسْبَابِ كُلِّهَا، فَكَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.

 

فَتَأَمَّلْ عُبُودِيَّتَهُ بِهَذَينِ الاسْمَينِ وَمَا يُوجِبَانِهِ مِنْ صِحَّةِ الاضْطِرَارِ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ وَدَوَامِ الفَقْرِ إِلَيهِ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، وَأَنَّ الأَمْرَ ابْتِدَاءً مِنْهُ وَإِلَيهِ يُرْجَعُ، فَهُوَ المُبْتَدِئُ بَالفَضْلِ حَيْثُ لاَ سَبَبَ وَلاَ وَسِيلَةَ، وَإِلَيهِ تَنْتَهِي الأسْبَابُ وَالوَسَائِلُ فَهُوَ أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ وَآخِرُهُ، وَكَمَا أَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَفَاعِلُهُ وَخَالِقُهُ وَبَارِئُهُ، فَهُوَ إِلَهُهُ وَغَايَتُهُ التِي لَا صَلَاحَ لَهُ وَلاَ فَلَاحَ وَلَا كَمَالَ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ غَايَتَهُ وَنِهَايَتَهُ وَمَقْصُودَهُ.

فَهُوَ الأوَّلُ الذِي ابْتَدَأَتْ مِنْهُ المَخْلُوقَاتُ، وَالآخِرُ الذِي انْتَهَتْ إِلِيهِ عُبُودِيَّتُهَا وَإِرَادَتُهَا وَمَحَبَّتُهَا، فَلَيْسَ وَرَاءَ اللهِ شَيْءٌ يُقْصَدُ وَيُعْبَدُ وَيُتَأَلَّهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَه شَيْءٌ يَخْلُقُ وَيَبْرَأُ، فَكَمَا كَانَ واحِدًا فِي إِيجَادِكَ فاجْعَلْهُ وَاحِدًا فَي تَأْلِيهِكَ لَهُ لِيُصْبِحَ عُبُودِيَّتَكَ، وَكَمَا ابْتَدَأَ وُجُودَكَ وَخَلْقَكِ مِنْهُ فاجْعَلْهُ نِهَايَةَ حُبِّكَ وَِإرَادَتِكَ وَتَأَلِيهِكِ لَهُ لتَصِحَّ لَكَ عُبُودِيَّتُهُ باسْمِهِ الآخِرِ فَهَذِهِ عُبُودِيَّةُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهم، فَهُوَ رَبُّ العَالَمِينَ وَإِلهُ المُرْسَلِينَ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ. وَأَمَّا عُبُودِيَّتُهُ باسْمِهِ الظَّاهِرِ فَكَمَا فَسَّرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: "وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُوَنَكَ شَيْءٌ"[29]،[30].



[1] الأسماء الحسنى للرضواني (2/ 23 - 27) حفظه الله.

[2] مفردات ألفاظ القرآن (ص: 100)، وكتاب العين (8/ 368)، واشتقاق أسماء الله (ص: 204).

[3] السابق (ص: 100)، والأسماء والصفات للبيهقي (ص: 25).

[4] الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 24)، تفسير أسماء الله للزجَّاج (ص: 60)، وشرح أسماء الله للرازي (ص: 325).

[5] البخاري في كتاب بدء الخَلق، باب ما جاء في قوله: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ (3/ 1166) (3019).

[6] خلْق أفعال العباد (ص: 37).

[7] السابق (ص: 37).

[8] شرح العقيدة الطحاوية (ص: 135).

[9] البخاري في العلم، باب السمر في العلم (1/ 55) (116).

[10] البخاري في الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (1/ 314) (885).

[11] انظر في المعنى اللغوي: كتاب العين (4/ 303)، ولسان العرب (4/ 11)، والنهاية في غريب الحديث (1/ 29)، والمفردات (ص: 68)، واشتقاق أسماء الله (ص: 204).

[12] مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع (4/ 2084) (2713).

[13] رواه البخاري (244).

[14] راجع النهج الأسمى (2/ 134-138) محمد بن النجدي حفظه الله.

[15] معاني القرآن (3/ 132).

[16] جامعُ البيان (27/ 124).

[17] تفسير الأسماء (ص: 59 - 60).

[18] شأن الدعاء (ص: 87).

[19] المنهاج (1/ 188)، وذكره ضمن الأسماء التي تتبع إثبات الباري جل ثناؤه، والاعتراف بوجوده، ونقله البيهقي في الأسماء (ص: 11).

[20] الاعتقاد (ص: 63).

[21] النونية (2/ 213).

[22] رواه مسلم في كتاب الذكر (4/ 2084) برقم (7139).

[23] أخرجه أحمد (4/ 431) والبخاري في بدء الخلق (6/ 286) وفي التوحيد (3/ 403) وانظر: التعليق على كتاب العرش رقم (1).

[24] سيأتي الكلام عن هذه التسمية.

[25] شرح العقيدة الطحاوية (ص: 113).

[26] انظر: المصدر السابق (ص: 114-115).

[27] انظر: بدائع الفوائد (1/ 161)، ومختصر العقيدة الطحاوية (ص: 19) بتعليق الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله تعالى.

[28] طريق الهجرتين (ص: 40).

[29] صحيح: أخرجه مسلم (2713).

[30] طريق الهجرتين (ص: 40) لابن القيم رحمه الله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عدد أسماء الله الحسنى
  • الإيمان بأسماء الله الحسنى
  • أسماء الله الحسنى
  • وسطية أهل السنة في أسماء الله وصفاته
  • فضل أسماء الله الحسنى

مختارات من الشبكة

  • الحمل على المعنى في اللغة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الركن الخامس من أركان الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة كشف المعاني في شرح حرز المعاني(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الصرف بين معاني القرآن للفراء ومعاني القرآن للأخفش(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله وتحقيق معنى التوحيد والشرك بالله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المعاني المهملة في بعض شواهد علم المعاني(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح مائة المعاني والبيان (علم المعاني - أحوال الإسناد الخبري)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • زعل: بين المعنى الفصيح والمعنى المولد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة كشف معاني البديع في بيان مشكلات المعاني(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة معاني القرآن (إعراب القرآن ومعانيه)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب