• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

بديع الإنشا بشرح حديث: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما

بديع الإنشا بشرح حديث: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما
أبو عاصم البركاتي المصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/8/2017 ميلادي - 29/11/1438 هجري

الزيارات: 33388

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بديع الإنشا بشرح حديث

"إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا.."

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فقد أخرج البخاري ومسلم واللفظ له في صحيحيهما عن عبدالله - وهو ابن مسعود - قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يُجمع خَلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقةً مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات: بكتْب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيَسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيَسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها)).

وأخرجه الترمذي (2137)، وأبو داود (4708)، وابن ماجه (76)، وأحمد في المسند (3624) (4091)، وغيرهم من طرق عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبدالله بن مسعود.


فوائد الحديث:

فائدة (1): جواز واستحباب تأكيد الخبر ليقع بالتصديق في نفس المخبر، ومن ذلك قول ابن مسعود: حدثنا الصادق المصدوق؛ أي: الصادق في قوله، المصدوق فيما يأتيه من الوحي.


فائدة (2): الحديث أصل في إثبات القدر؛ قال النووي في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث كلها دلالات ظاهرة لمذهب أهل السنة في إثبات القدر، وأن جميع الواقعات بقضاء الله تعالى وقدره؛ خيرها وشرها، نفعها وضرها؛ ا.هـ.

الإيمان بالقدر من أصول الإيمان التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، ففي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب في سؤال جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره))، قال - (أي: جبريل عليه السلام) -: صدقت.


وقال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر ﴾ [القمر: 49]، وقوله: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38]، وقوله: ﴿ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾ [الأنفال: 42]، وقال: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، وقال: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [الأعلى: 1 - 3].

 

وروى مسلم في صحيحه عن طاوس قال: "أدركت ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز".

وروى مسلم أيضًا عن أبي هريرة قال: "جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، فنزلت: ﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 48، 49]؛ مسلم والترمذي.


وأركان الإيمان بالقدر أربعة: وهي العلم والكتابة والمشيئة ثم الخلق.

الركن الأول: علم الله الشامل الكامل:

قال تعالى: ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ [النجم: 32].

فعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن كيف كان يكون؛ سبحانه: ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 3].

وقوله تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].

وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: "سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)).


الركن الثاني: الإيمان بأن الله كتب في اللوح المحفوظ كل شيء:

كما في "صحيح مسلم" عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)).

وفي حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة))؛ أخرجه أبو داود (4700)، والترمذي (3319)، وأحمد (22705)، وصحَّحه الألباني.

وقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، وقال: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12].


الركن الثالث: الإيمان بمشيئة الله تعالى:

قال تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29]، وقال: ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 111]، وقال: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾ [الأنعام: 112]، وقال: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، وقال: ﴿ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام: 39].


الركن الرابع: الإيمان بأن الله خالق كل شيء:

قال تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الرعد: 16]، ﴿ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [يس: 81]، ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ [الأنعام: 1]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96].

قال الإمام أبو المظفر السمعاني: سبيل معرفة هذا الباب - يعني القدر - التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه، ضل وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب؛ لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار، اختص الله به وحجَبه عن عقول الخلق ومعارفهم؛ لِما علمه من الحكمة، وواجبنا أن نقف حيث حد لنا ولا نتجاوزه، وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم، فلم يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، وقيل: إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة، ولا ينكشف قبل دخولها، والله أعلم؛ شرح مسلم للنووي (16/ 196).

 

فائدة (3): في الحديث دلالة على أن السنة من الوحي؛ لأن مراحل تكوين الجنين في بطن أمه من الغيب، ولا سيما في ذاك الزمان، فلا بد أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم ذلك وحيًا من الله تعالى.


فائدة (4): في الحديث دلالة على أن مِن السنة والحديث ما يأتي لتأكيد القرآن، وهي السنة المؤكدة والموافقة للقرآن، وهي قسم من أقسام السنة، وهناك سنة شارحة للقرآن مبينة ومفسرة له، وسنة مستقلة بالتشريع، وذلك الحديث من السنة الموافقة للقرآن؛ لأنه موافق لقول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 16].


وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [الحج: 5].

وفي "الصحيحين" عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وكَّل الله بالرحم ملكًا يقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقًا، قال: يا رب، أذكرٌ أم أنثى، أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه)).


فائدة (5): وجوب الإيمان بالملائكة بأنواعهم، ومنهم موكلون بتصوير النطف.


فائدة (6):رعاية الله تعالى وتكريمه للإنسان بأن وكَّل ملائكة بالنُّطَف والأجِنَّة، وجعل له ملائكة يحفظونه قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴾ [الانفطار: 10، 11]، قال الماوردي في تفسيره (6 /223): يحفظ كل إنسان ملكان؛ أحدهما عن يمينه يكتب الخير، والآخر عن شماله يكتب الشر.


وقال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]، قال ابن عطية في تفسيره (3 /300): «المعقبات» على هذا الملائكة الحفظة على العباد أعمالهم، والحفظة لهم أيضًا؛ ا.هـ.

ووكَّل الله سبحانه ملائكة يقبضون رُوحه عند موته، وعلى رأسهم ملك الموت عليه السلام، وذلك تكريمًا للإنسان، فقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61].


فائدة (7): ومعنى "يُجمَع خلقُه"؛ يعني: يُكوَّن خَلقُه، والنطفة: ماء الرجل والمرأة يلتقيان في الرحم، والعلقة: هي تعلُّق النطفة بعرق في جدار الرحم؛ لتتغذى من خلاله حتى تنمو وتكبر.

والمضغة: تحوُّل العلقة إلى ما يشبه اللقمة الممضوغة في الفم.

وكل مرحلة مدتها أربعون يومًا، وورد في بعض الأحاديث لحذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه: "ثنتان وأربعون" وفي بعضها: "خمسة وأربعون" وفي بعضها "لبضع وأربعين"، ثم ينفخ فيه الروح بعد الأربعين الثالثة، يعني لمائة وعشرين ليلة من استقرار النطفة في الرحم.


قال بعض العلماء: معنى قوله: "إن أحدكم يُجمع خَلقُه في بطن أُمه" - أن المني يقع في الرحم متفرقًا، فيجمعه الله تعالى في محل الولادة من الرحم في هذه المدة، وقد جاء عن ابن مسعود في تفسير ذلك: "إن النطفة إذا وقعت في الرحم، فأراد الله تعالى أن يخلق منها بشرًا، طارت في بشر المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة، ثم تصير دمًا في الرحم، فذلك جمعُها، وهو وقت كونها علقة"؛ شرح الأربعين النووية؛ لابن دقيق العيد ص 38.


فائدة (8): قوله "ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح"، وفي رواية: "بعث الله إليها ملكًا"؛ حديث ابن مسعود، وفي رواية: "يدخل الملك على النطفة"، وفي رواية أخرى: "ثم يتصور عليها الملك"؛ من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري.

قال الشيخ محمد فؤاد عبدالباقي: "(يتصور) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا يتصور بالصاد، وذكر القاضي: يتسور بالسين، والمراد بـ(يتسور): ينزل، وهو استعارة من تسورت الدار إذا نزلت فيها مِن أعلاها، ولا يكون التسوُّر إلا من فوق، فيحتمل أن تكون الصاد الواقعة في نسخ بلادنا مبدلة من السين"؛ حاشيته على صحيح مسلم (4 /2038).


فائدة (9): قوله: "ويؤمر بأربع كلمات: بكتْب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد..."؛ أي: ويؤمر الملك بكتب هذه الأشياء، وهو التقدير العمري الذي يقدر للإنسان.

فهناك من أنواع التقادير تقدير أزلي، وهو كتابة المقادير قبل خلق السماوات والأرض، وتقدير عمري، ودليله هذا الحديث موضوع البحث، وتقدير سنوي، وهو يكون في ليلة القدر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ [الدخان: 3 - 5].


قال ابن عطية في تفسيره "المحرر الوجيز " (5 /68): وقال الحسن وعمير مولى غفرة ومجاهد وقتادة: في ليلة القدر كل ما في العام المقبل من الأقدار والآجال والأرزاق وغير ذلك، ويكتب ذلك لهم إلى مثلها من العام المقبل؛ ا.هـ.

والنوع الأخير من التقادير هو التقدير اليومي، وهو سوق المقادير إلى المواقيت التي قدرت لها فيما سبق؛ قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29].

 

فائدة (10): قوله: " بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد..." في حديث: "أي رب، أذكر أو أنثى؟"؛ حديث حذيفة بن أسيد عند مسلم.

وفي حديث عن حذيفة بن أسيد كذلك: "يا رب، أسَوِيٌّ أو غير سوي، فيجعله الله سويًّا أو غير سوي".

وفي لفظ لابن مسعود عند مسلم: "بعث الله إليها ملكًا، فصوَّرها وخلَق سمعها وبصرها وجلدها، ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب، أذكرٌ أم أنثى؟".


إذًا ورد في الباب: كتب ما يلي:

(1) الرزق.

(2) الأجل.

(3) العمل.

(4) شقي أو سعيد.

(5) ذكر أم أنثى؛ لقوله تعالى: ﴿ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ [الشورى: 49].

(6) أثره؛ كما عند مسلم برقم (2644) من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه.

(7) سوي أو غير سوي؛ يعني: معافى من الآفات والعاهات أم غير معافى.


(8) السمع والبصر والجلد، بما فيه اللون والشكل، واللحم والعظام؛ يعني: الضخامة أم النحول والهزال، وهو قوله سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 6].

(9) الطول والقِصَر، والزيادة والنقصان، والصحة والسقم؛ أخرجه الإمام أحمد في المسند، وفيه: "أقصير أم طويل؟ أناقص أم زائد؟ قوته وأجله؟ أصحيح أم سقيم؟".

(10) المصائب، فقد أخرج أحمد في المسند من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري وفيه: "فيكتب عمله، وأثره، ومصيبته، ورزقه...".


فائدة (11): وجوب الرضا برزق الله للعبد ولا يطلب الرزق إلا بالحلال:

قال تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22]، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي الدرداء أنه قال: ((إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجلُه))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم...)).

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة، جف القلم بما أنت لاقٍ))؛ الترمذي.


وعن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم))؛ ابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وصحَّحه الألباني.

وعليه فالغنى بقضاء الله وقدره والفقر كذا بقدر، فعلى العبد المؤمن أن يشكر في حال الغنى، وأن يصبر في حال الفقر.

ولحكمة أرادها الله - سبحانه وتعالى - جعل هذا التقدير، والتقسيم للأرزاق خافيًا على العباد مغيبًا عنهم، ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ [لقمان: 34]، وذلك حتى يستمر قانون الأخذ بالأسباب، وألا يتواكل العبد بداعي الإيمان بالقدر؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].


قال ابن كثير في تفسيره (8 /179): أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا، إلا أن ييسره الله لكم؛ ولهذا قال: ﴿ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾ [الملك: 15]؛ فالسعي في السبب لا ينافي التوكل؛ كما قال الإمام أحمد:

حدثنا أبو عبدالرحمن، حدثنا حيوة، أخبرني بكر بن عمرو، أنه سمع عبدالله بن هبيرة يقول: إنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: إنه سمع عمر بن الخطاب يقول: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكُّله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)).

رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن هبيرة، وقال الترمذي: حسن صحيح، فأثبت لها رواحًا وغدوًّا لطلب الرزق، مع توكُّلها على الله عز وجل، وهو المسخر المسير المسبب؛ ا. هـ.


فائدة (12): وجوب الصبر على ما قدره الله من المصائب والبلاء؛ لأن ذلك لحكمة يعلمها الله، والإيمان بالقضاء والقدر يوطن العبد على التسليم والرضا، وليعلم العبد أن الله ضمن الأجل المكتوب، فلا يزاد فيه ولا ينقص منه؛ قال تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34]، وقال جل شأنه: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ [فاطر: 45]، وفي الحديث: الذي عند مسلم برقم (2663) وفيه: "قالت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر، كان خيرًا وأفضل)).


وعليه فعلى العبد المؤمن أن يوطن نفسه على الشكر في السراء والصبر في الضراء، ويسأل الله أن يعينه على ذلك، وأسوق بعض النصوص النبوية التي تبين فضل الصبر في الضراء، لتثبيت النفوس وتطييب القلوب:

♦ ففي الترمذي عن أنس مرفوعًا: ((إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)).


♦ وعن عائشة عند البخاري (5640)، ومسلم (2572) رفعته: ((ما مِن مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها)).

♦ وعن أبي هريرة عند البخاري (5641) و(5642)، ومسلم (2573) رفعه: ((ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها - إلا كفر الله بها مِن خطاياه)).


♦ وفي رواية لأبي هريرة عند البخاري (5645) رفعه: ((مَن يُرِد الله به خيرًا يصب منه)).

♦ وفي رواية لأبي هريرة عند ابن ماجه (2562) رفعه: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة))، وإسناده حسن.


♦ وعن عبدالله بن مسعود عند البخاري (5660)، ومسلم (2571) رفعه: ((ما مِن مسلم يُصيبه أذًى، مرض فما سواه، إلا حط الله له سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)).

♦ وعن سعد بن أبي وقاص عند ابن ماجه (4023)، والترمذي (2561)، والنسائي في "الكبرى" (7439)، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صُلبًا، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رِقة، ابتُلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة))، وهو حديث صحيح.

 

فائدة (13): الخوف من سوء الخاتمة:

قوله: ((فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيَسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها)).

قال عبدالعزيز بن أبي رواد: حضرت رجلًا عند الموت يُلقَّن لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك، قال فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمرٍ.

وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته، ويقول: يا رب، قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك؟! جامع العلوم والحكم ص 173.

 

العبرة بالخواتيم:

قال ابن دقيق رحمه الله: الأعمال بالسوابق، لكن لما كانت السابقة مستورة عنا والخاتمة ظاهرة، جاء في الحديث: ((إنما الأعمال بالخواتيم))، ا.هـ؛ شرح الأربعين ص39.

وفي صحيح البخاري (6607) قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الأعمال بالخواتيم)).


وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بخواتيمها، كالوعاء، إذا طاب أعلاه، طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه، خبث أسفله))؛ أخرجه ابن المبارك في الزهد ص (211) برقم (596)، وابن حبان "موارد" (1819)، وصحَّحه الألباني في "الصحيحة" (1734).

وفي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول)): إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم مصرف القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك)).


وفي الصحيحين البخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذةً إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما إنه من أهل النار))، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدًا، قال: فخرج معه، كلما وقف، وقف معه، وإذا أسرع، أسرع معه، قال: فجُرِح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: ((وما ذاك؟))، قال: الرجل الذي ذكرت آنفًا: ((أنه من أهل النار))، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه، فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة)).


وفي الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة، قال: شهِدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام: ((هذا من أهل النار))، فلما حضرنا القتال، قاتل الرجل قتالًا شديدًا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت له آنفًا: ((إنه من أهل النار))، فإنه قاتل اليوم قتالًا شديدًا، وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إلى النار))، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت، ولكن به جراح شديد، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: ((الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله))، ثم أمر بلالًا فنادى في الناس: ((أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وأن الله يؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر)).


وأخرج مسلم من حديث عبدالله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم خيبر، أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلَّا، إني رأيته في النار في بردة غلها، أو عباءة))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا ابن الخطاب، اذهب فناد في الناس، أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون))، قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.


النهي عن ترك العمل اتكالًا على ما سبق من القدر:

وقد ثبتت الأحاديث بالنهي عن ترك العمل اتكالًا على ما سبق من القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد بها الشرع، وكل ميسر لما خُلِق له.

وفي الصحيحينعن علي، قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة فنكس، فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ((ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كتبت شقيةً أو سعيدةً))، قال: فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نمكث على كتابنا، وندع العمل؟ فقال: ((من كان من أهل السعادة، فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة، فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة))، فقال: ((اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فيُيسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيسرون لعمل أهل الشقاوة))، ثم قرأ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].


وفي لفظ: ((ما منكم من نفس إلا وقد عُلِم منزلُها من الجنة والنار))، قالوا: يا رسول الله، فلِمَ نعمل؟ أفلا نتَّكل؟ قال: ((لا، اعملوا، فكل ميسر لما خُلِق له))، ثم قرأ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].

وعن جابر، قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم قال: يا رسول الله، بيِّن لنا ديننا كأنا خُلقنا الآن، فيمَ العمل اليوم؟ أفيمَا جفَّت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيمَ نستقبل؟ قال: ((لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير))، قال: ففيم العمل؟ قال زهير: ثم تكلم أبو الزبير بشيء لم أفهمه، فسألت: ما قال؟ فقال: ((اعملوا فكل ميسر))؛ مسلم.


وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة»؛ مسلم.

وفي حديث سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس وهو مِن أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار، فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة))؛ متفق عليه.

وفيه زيادة: ((فيما يبدو للناس))، فدل على أن هؤلاء أهل الرياء أو النفاق.

 

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

ولكن أبشروا فإن هذا الحديث مقيد، بأنه لا يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وأما الذي يعمل بعمل أهل الجنة بقلب وإخلاص، فإن الله لا يَخذله عز وجل، والله أكرم من العبد، فإذا عملت بعمل أهل الجنة بإخلاص - نسأل الله أن يجعلنا والمسلمين منهم - فإن الله لا يخذلك، لكن فيما يبدو للناس؛ ا.هـ؛ شرح رياض الصالحين (3 /293).

قال ابن حجر رحمه الله: قال عبدالحق في "كتاب العاقبة": إن سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره، وإنما يقع لمن في طويته فساد أو ارتياب، ويَكثُر وقوعه للمصر على الكبائر والمجترئ على العظائم، فيهجم عليه الموت بغتةً، فيَصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة، فقد يكون ذلك سببًا لسوء الخاتمة؛ نسأل الله السلامة؛ ا. هـ؛ فتح الباري 11 /490.

 

المؤمن لا يخلد في النار إن دخلها:

قال ابن حجر: ولا يلزم من إطلاق دخول النار أنه يخلد فيها أبدًا، بل مجرد الدخول؛ الفتح، ( 11 /490).

وقال الخطابي: فيه: أن ظاهر الأعمال من الحسنات والسيئات أمارات وليست بموجبات، وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى القدر؛ أعلام الحديث ( 2 /1483).

وفي الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله لما قضى الخلق، كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي))؛ البخاري (7422).

 

فائدة (14): حسن الخاتمة فضل من الله تعالى:

قوله: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها)).

وصح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبده خيرًا استعمله))، قالوا: كيف يستعمله؟ قال: ((يوفقه لعمل صالح قبل موته))؛ أخرجه الإمام أحمد والترمذي، وصحَّحه الحاكم في المستدرك.

وعن عمرو بن الحمق الخزاعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبد خيرًا عسَلَه قبل موته))، قيل: وما عسلُه قبل موته؟ قال: ((يُفتح له عملٌ صالح بين يدي موته، حتى يرضى عنه))؛ أخرجه ابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: صحيح؛ "الصحيحة"، (1114).


قصة أُصيرم بني عبدالأشهل:

وعن أبي هريرة قال: كان يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصلِّ قط، فإذا لم يعرفه الناس سألوه: من هو؟ فيقول: أُصيرم بني عبدالأشهل: عمرو بن ثابت بن وقش، قال الحصين: فقلت لمحمود بن لبيد: كيف كان شأن الأصيرم؟ قال: كان يأبى الإسلام على قومه، فلما كان يوم أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد، بدا له الإسلام فأسلَم، فأخذ سيفه فغدا حتى أتى القوم، فدخل في عرض الناس، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، قال: فبينما رجال بني عبدالأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: والله إن هذا للأصيرم، وما جاء لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث؟! فسألوه: ما جاء به؟ قالوا: ما جاء بك يا عمرو، أحَدَبًا على قومك، أو رغبةً في الإسلام؟ قال: بل رغبةً في الإسلام، آمنت بالله ورسوله، وأسلمت، ثم أخذت سيفي، فغدوت مع رسول الله، فقاتلت حتى أصابني ما أصابني، قال: ثم لم يَلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إنه لمن أهل الجنة))؛ أخرجه أحمد وهو حديث حسن.

فهذا الرجل أمضى عمره كله في الكفر ضد الإسلام وضد المسلمين، وكان خاتمته هذه الخاتمة، عمل بعمل أهل النار، حتى لم يكن بينه وبينهما إلا ذراع، فسبق عليه الكتاب، فعمل بعمل أهل الجنة، فكان من أهل الجنة.


قصة الصحابي الذي ختم له بالحج:

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهم، قال: بينما رجل واقف بعرفة؛ إذ وقع عن راحلته، فوقَصته - أو قال: فأقعصتْه - قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبين، ولا تُحنطوه، ولا تُخمروا رأسه، فإنه يُبعث يوم القيامة ملبيًا)).

ومعنى (فوقصته): من الوقص، وهو كسر العُنق، ومثله (أقعصته): مِن الإقعاص، والوقص أفصح.


روى الحاكم وغيره أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة)).

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله ابتغاءَ وجه الله، ختم له بها، دخل الجنة، ومَن تصدق بصدقة ختم له بها، دخل الجنة))؛ رواه الإمام أحمد وغيره.


والله من وراء القصد





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح حديث "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه" من الأربعين النووية

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة الإظهار البديع على المدخل في المعاني والبيان والبديع(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • القول البديع في علم البديع (8/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (7/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (6/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (5/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (4/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (3/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (2/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (1/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من أقوال السلف في البدع وأهلها(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب