• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

السلف والخلف

أ. د. أبو اليزيد أبو زيد العجمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/6/2017 ميلادي - 20/9/1438 هجري

الزيارات: 83037

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

السلف والخلف


كثر استعمال هاتين اللفظتين في صورة الاقتران والعطف؛ فقد يُراد بهما مجرَّد الدلالة اللُّغوية التي تَعني السبق والمتابعة، فسلف بمعنى سبق وتقدَّم، وبمعنى مضى وانقضى، وسلف السائر سلفًا؛ أي: تقدَّمه وسبقه.

 

وأما خلف، ففي المعجم: خلف فلانًا خلفًا: جاء بعده فصار مكانه، وفي القرآن الكريم: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ﴾  [المائدة: 95]، ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾ [مريم: 59]، وكذا الخلف: العِوَض والبدل[1].

 

وقد حملت بعضُ الكتب أسماءً تُؤدِّي هذا المعنى اللُّغوي؛ مثل:

• (صلة الخلف بموصل السلف) لمحمد بن سلمان المغربي (1094هـ)، والكتاب عبارة عن ثبت بأسماء كُتُب ألَّفها السابقون من العلماء، وهي تفيد الذين أتَوا بعدهم[2].

 

• وكذلك كتاب ابن رجب الحنبلي (بيان فضل السلف على الخلف)، وفيه عدة رسائل في باب العلم والآداب، كما يحوي كلامًا موجزًا في العقائد[3].

وقد يُراد بهما معنى اصطلاحي مشتقٌّ من المعنى اللُّغوي كما في عنوان رسالة الشيخ عثمان بن أحمد النجدي (نجاة الخلف في اعتقاد السلف)؛ إذ لا يعقل أن الأمر هنا مجرد دلالة لُغوية، فيكون المعنى نجاة مَن لَحِق في اتِّباعه لمن سبق، دون تقييد لصفات أخرى تجعل هذا السابق جديرًا بأن يكون اتِّباعه منجيًا.

 

وقد حدَّد ابن تيمية مفهومَ السلف بما يفيد أنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعوهم، المعنيون بـ: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))[4].

 

ويقول ابن تيمية: فإنَّا لَمَّا أردنا أن نبيِّن مذهب السلف ذكرنا طريقينِ:

أحدهما: أنَّا ذكرنا ما تيسَّر من ذكر ألفاظهم، ومَن روى ذلك عنهم مِن أهل العلم بالأسانيد المعتبرة.

والثاني: أنَّا ذكرنا مَن نقل مذهب السلف من جميع طوائف المسلمين من طوائف الفقهاء الأربعة، ومن أهل الحديث والتصوف، وأهل الكلام كالأشعري وغيره، فصار مذهب السلف مقبولًا بإجماع الطوائف وبالتواتر، لم نُثبِته بمجرد دعوى الإصابة لنا والخطأ لمخالفنا، كما يفعل أهل البدع[5].

 

ثم يقول: (فعلم أن شعار أهل البدع هو ترك انتحال اتباع السلف، ولهذا قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم")[6].

 

ويُقرِّر شيخ الإسلام في موضع آخر أن هناك اتفاقًا بين أهل السنة والجماعة من جميع الطرق على أن خير القرون ما ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة مِن علم وعمل، وإيمان وعقل، ودين وبيان؛ كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (مَن كان منكم مُستنًّا فليستنَّ بمَن قد مات، فإن الحي لا تُؤمَن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أبرُّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرِفوا لهم حقهم، وتمسَّكوا بهَدْيهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم).

 

وما أحسن ما قاله الشافعي رضي الله عنه في رسالته: (هم فوقنا في كل علم وعقل، ودين وفضل، وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى، ورأيهم لنا خير مِن رأينا لأنفسنا).

 

فإن عامَّة ما عند السلف من العلم والإيمان هو ما استفادوه من نبيهم صلى الله عليه وسلم، الذي أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد[7].

وبهذا يكون قد تحدَّد مفهوم السلف اصطلاحيًّا حين يذكر في باب اعتقاداتهم والأخذ عنهم.

 

أما مفهوم الخلف: فقد حدَّده شيخ الإسلام بأنه يُراد به جماعة المتكلمين ومَن تابع منهجهم ومنهج الفلاسفة، وابتعد عن منهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهمًا منهم أن ذلك خيرٌ من مذهب السلف، ويصدق هذا المفهوم على الآخذين بهذا المنهج قديمًا وحديثًا، ولا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب المتكلمين، (الذين كثر في باب الدين اضطرابُهم، وغلظ في معرفة الله حجابهم، وأخذ الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه أمرهم؛ حيث يقول:

لَعَمْرِي لقد طفتُ المعاهدَ كلَّها
وسيَّرتُ طَرْفِي بين تلك المعالمِ
فلم أرَ إلَّا واضعًا كفَّ حائرٍ
على ذَقَنٍ أو قارعًا سنَّ نادمِ[8]

 

ويُبيِّن شيخ الإسلام خطأ فهم الخلف لمنهج السلف، ويبان ضلال مَن يزكي مذهب الخلف أنفسهم، (فإن هؤلاء المبتدعين الذين يُفضِّلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومَن حذا حذوهم على طريقة السلف، إنما أُتوا من حيث ظنُّوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ ﴾ [البقرة: 78]، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات...، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمَعوا بين الجهل بطريق السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف)[9].

 

وبهذا، فإن لفظ السلف حين يُطلق يجب أن ينصرف لا إلى مجرد السبق الزمني، بل إلى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وتابعِيهم ومَن بعدهم، بشرط الالتزام بمنهجهم، وللذين يتأخر بهم الزمن أن يسموا سلفًا إذا كانوا على نهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وأما لفظ الخلف، فإنه لا يعني مجرَّد التأخُّر في الزمن، ولكنه يضم إلى هذا معنى آخر هو البُعد عن منهج السلف واتِّباع منهج الجدل العقلي وغيره من طرق البشر، في التفكير الذي لا يستند إلى كتاب أو سنة.

 

• وقد حمل بعض العلماء شهرة بلقب السَّلَفي - وتناقلها كتَّاب التراجم والطبقات - أمثال الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم سِلَفة الأصبهاني، وهو أحد الحفَّاظ المحدثين، ولد /472 هـ، وتوفي 576 هـ، وعاش مائة وأربع سنين، كان مشهورًا بلقب السَّلَفي[10]!

 

• وقد أخطأ فريد وجدي في هذا، والصحيح: أنه السِّلَفي، بكسرٍ ففتح.

وكما اشتهر هذا الوصف - في فهمنا - عن التجديد الذي أشرنا إليه من التزام منهج الصحابة والتابعين.

وجديرٌ بالذِّكر إلى جانب هذين اللفظينِ مصطلحُ أهل السنَّة قد يحمل معنى (السلف)؛ كما نراه كثيرًا في استعمالات ابن تيمية، وقد يكون أكثر اتِّساعًا إذا أُطلِق في مقابل لفظ (الشيعة)، ولكن الأغلب أن يتحدَّد مفهوم أهل السنَّة بأهل الحديث ومَن تابعهم من الفقهاء[11].

 

المرحلة الأولى:

تكاتَفَت عوامل عديدة لتجعل القرنين الثاني والثالث الهجريينِ فترة اتَّسَمت بالجدل حول قضايا العقيدة، وأدَّت بطريقٍ أو بآخر إلى بداية التأليف في بحوث العقائد، الأمر الذي أوجد بالمكتبة الإسلامية تِباعًا كثيرًا من المؤلفات في هذا الموضوع، وما يتصل به من تاريخ للمِلَل والنِّحَل[12] الذي نشأ فيما بعد.

 

ولعلَّ أبرز هذه العوامل ما يلي:

1- وجود الفِرَق واشتغالها بمسائل استتبعت ردًّا من المخالفين لهذه الفرقة أو تلك ممن يختلفون في الأصول، وتعصب كل فرقة لأصولها التي حكمتها في القضايا وحكمت بها على مسائل الخلاف، ولكي ندرك أثَر هذا العامل يجب أن نعي حقيقتين هامتين:

الحقيقة الأولى: أنَّ قضايا العقيدة كانت موقعَ اهتمام القرآن الكريم، باعتباره كتاب الإسلام الذي يُؤسِّس بناء الفرد على عقيدة التوحيد، ويفرع منها كل نواحي النشاط الإنساني، سواء في جانب عَلاقة الإنسان بربه في العبادات، أو علاقة الإنسان بالناس في المعاملات والآداب، أو علاقة الإنسان بالكون تسخيرًا وتأملًا وتحقيقًا للخلافة والعمارة من خلاله.

 

وسواء جاء الاهتمام بالتوحيد وتقريره في صورة إخبارٍ عن حقيقة مؤكدة؛ مثل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، ومثل: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163].

 

أو في صورة بيان يفهمه العقل ويصدِّقه الواقعُ المشاهد؛ مثل قوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 22]، وقوله: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 91].

 

أقول: سواء جاءت المعالجةُ بهذه الصورة أو تلك أو غيرهما، فإن المؤكَّد أن القرآن قد بيَّن (أن الإيمان بإلهٍ واحد، له صفات الكمال والجلال، لا شريك له في ملكه، ولا نظير له في الخلق والإيجاد والتأثير والتقدير، هو الذي يتفق مع ما نشاهده ونلاحظه من دقة ونظام في هذا الكون الذي يجري على سنن ثابتة وقوانين مطَّردة لا تختل ولا تختلف)[13].

 

وكما اهتمَّ القرآن بإرساءِ أصل التوحيد - وهو عقيدة الإنسان حين لم تنحرف فطرته - اهتمَّ كذلك بمحاربة الانحراف الذي حدث عند بعض الأقوام عند هذا الأصل، مُعيدًا الناس إليه: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [النحل: 51]، ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [المائدة: 73].

 

وبنفس المنهج يدحض فِرْية الشركاء والمشركين في كثير من الآيات، والقرآن في إرسائه أصلَ العقيدة على التوحيد، يربِطُ بين هذا الاعتقاد والعمل المرتبط به، كمظهر عملي للتوحيد الذي يُمثِّل أساس البناء ومنهج الحركة في الحياة[14].

 

نقرأ مثلًا قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ [فصلت: 6]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

 

والتذكير بهذه الحقيقة يُظهِر أثرَ الفرق فيما جدَّ على الناس من جدل واختلاف، كفَّر البعضُ فيه مَن ليس على فكرِهم؛ ذلك أن اهتمامَ القرآن بالتوحيد إنما هو مِن باب تصحيح عقيدةٍ، يرى أكثر الباحثين أنها عقيدة الإنسان منذ نشأته، وأن هذه العقيدة لم تنفكَّ عنها أمة من الأمم، وأن الإنسان قد انجرف إلى ألوانٍ من الوثنية والتعدد لم يكن عليها في القديم[15].

 

ولنفس الغايةِ كان الاهتمام بدحض شبهات الشرك والتعدد، ومجادلة المنحرفين من أهل الكتاب، وقد جاء الحديث عن صفات الله الواحد القادر المريد، بما لا يُحدِث انفصالًا بين الذات والصفات، وقد فهِم سلف الأمة هذه الحقيقة فساقوا الكلام سوقًا واحدًا، ووصفوا الله بما وصف به نفسَه، فإذا جئنا إلى التوحيد لدى فِرَق المتكلمين وجدنا تشقيقات ليس للمسلمين بها عهد، فهناك علاقة الصفات بالذات الإلهية، وهل وجودها يتعارض مع الوحدانية أم لا؟ وهناك مَن لا يفرقون بين صفات الله المتفرد بالجلال والذي ليس كمثله شيء، وبين صفات مخلوقاته تشبيهًا أو تمثيلًا، وهناك غير هذا من مهاترات الفِرَق، وتشقيقات المجادلين.

 

وقد أدَّى هذا الفهم الغريب للتوحيد بفِرْقة كالمعتزلة - والتوحيد واحدٌ من أصولها الخمسة - إلى أن تنفيَ عن الله تعالى أكثر الصفات الثبوتية؛ كالقدرة والإرادة والعلم، وبحجَّة أن هذا يتنافى مع التوحيد، ويقترب بالمسلمين من تعدد كتعدد النصارى، كما أدَّى بهم فهمُهم هذا إلى التأويل في الصفات الخبرية التي تُثبت لله يدًا وعينًا وغير ذلك، وقد أوقعهم فهمُهم هذا إلى القول بخلق القرآن وما جرَّه على المسلمين من بلاء واضطراب.

 

وقد أدَّى بهم هذا الفهم إلى جدلٍ طويل مع الفِرَق الأخرى، وعلى رأسهم الأشعرية الذين يخالفوهم الرأي، وكما أدى بهم إلى أن وصفَهم غيرُهم بأنهم المعطِّلة، وأنهم أخذوا آراءهم هذه من الزنادقة[16].

 

وليت الأمر يقفُ عند الجدل؛ بل هو مخالفة صريحة للنصوص القرآنية الواردة في هذا الصدد، (وسواء أخذ المعتزلة آراءهم هذه عن الزنادقة؛ كما يذكر الأشعري، أم عن الفلاسفة؛ كما يذكر الشهرستاني - فإن رأي المعتزلة لا يشهد له الشرع، بل إنه يؤدي إلى إنكار كثيرٍ من آيات القرآن التي تصف الله سبحانه بصفات العلم والقدرة والإرادة وغيرها)[17].

 

الحقيقة الثانية: هي أن كثيرًا مما أُثِير بين الفِرَق، بل مما أَخذتِ الفِرَق منه أسماءها قد يكون له جذورٌ أسبق من القرنين الثاني والثالث، كما يرى مثلًا بعض العلماء من أمور القدر والجبر والخروج، فالخروج الذي يعني مخالفةَ الإمام الحق، يرى البعض أن جذوره تمتد إلى يوم أن قال ذو الخُوَيصِرة التَّميمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عقب قسمتِه لذهبة أتته من اليمن: "اعدِلْ يا محمد، فإنك لم تعدل"، حتى قال عليه السلام: ((إن لم أعدِلْ فمَن يعدلُ))، فعاود وقال: "هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله تعالى"!

 

ويقول الشهرستاني عن هذا الموقف: (ولو صار مَن اعترض على الإمام الحق خارجيًّا، فمن اعترض على الرسول الحق صلى الله عليه وسلم أَوْلَى أن يصير خارجيًّا، أوَليس ذلك قولًا بتحسين العقل وتقبيحه؟ وحكمًا بالعقل في مقابلة النص، واستكبارًا على الأمر بقياس العقل؟!)[18].

 

كذلك فإنَّ مسألة القدر والجبر قد أُثيرت على ألسنة المشركين، كما يحكي الله تعالى عنهم في قوله: ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 148].

 

وواضح أنهم لا يريدون الاعتذارَ عن القبائح التي يعتقدونها، بل مرادهم بذلك الاحتجاجِ على أن ما ارتكبوه حقٌّ ومشروع، ورضي اللهُ عنه بِناءً على أن المشيئة والإرادة تساوي الأمرَ عندهم!

 

ويذكر الشهرستاني أنها قد أثيرت أيضًا على ألسنة المنافقين الذين قالوا يوم أُحُد: ﴿ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [آل عمران: 154]، وقولهم: ﴿ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا ﴾ [آل عمران: 154]، وقولهم: ﴿ لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ﴾ [آل عمران: 156]، فهل ذلك إلا تصريح بالقدر؟![19].

 

نقول: قد لا يكون هناك جذورٌ للقضايا التي طال الجدل فيها بين الفِرَق، كما ذكرنا أمثلة منها، لكن هذه الجذور لم تكن بالقوة التي تُثير جدلًا وتخلق بَلْبَلة، وأظن الأمر يختلفُ كثيرًا إذا قُورِن بما أحدَثَه الخوارج إثر خروجِهم بعد مسألة التحكيم وما ناقشوه من قضايا مرتكِب الكبيرة، وتكفيرهم غيرهم، وما تبِع هذا من موقف المرجِئة الذين غالى بعضُهم؛ إذ اعتبر أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة[20].

 

كذلك إذا نظَرنا إلى القدَرية وجدنا أن ما كان في آخر عصر الصحابة - والذي امتدَّ إلى العصر الأموي والعباسي - أصبح شيئًا آخر غير الجذور الأولى خطرًا وفكرًا.

 

يقول ابن تيمية: (ثم حدث في آخر عصر الصحابة القدريةُ، وأما القدرية، فخاضوا في قدره وبالباطل، وأصل ضلالتهم أن القدر ينافي الشرع...، فصاروا حزبينِ: حزبًا يغلب الشرع فيكذِّب بالقدر ويَنفيه أو ينفي بعضه، وحزبًا يغلب القدر فينفي الشرع في الباطن، أو ينفي حقيقته، ويقول: لا فرق بين ما أَمَر الله به وما نهى عنه في نفس الأمر الجميع سواء)[21].

 

وكذلك فإن الجبر أصبح نِحْلةً، واعتنقه ناسٌ يَدْعون إليه ويَدْرُسونه ويُبيِّنونه للناس، وسواء كان أصله نِحْلة يهودية؛ كما يقول ابن نباتة المصري صاحب (سرح العيون في رسالة ابن زيدون)، أم هو نحلة أصلها فارسي؛ كما يذكر المرتضى في (المنية والأمل) - فإن المقرر أن الجبر أحدث جدلًا طويلًا على الساحة الفِكْرية أخذ المعتزلة موقفًا مضادًّا له، وأخذ الأشاعرة موقفًا متوسطًا، وفي كل ذلك جدل ومناظرات كانَتْ سِمَة العصر وطابع الفكر الإسلامي آنذاك[22].

 

• أقول: في ضوء الحقيقتين السابقتين يجب أن ننظر إلى الفِرَق باعتبارها عاملًا هامًّا في ازدهار حركة الجدل الديني في القرن الثاني والثالث الهجريينِ، ومقارنة معتقدات كلٍّ وأصولها بمعتقدات وأصول غيرها، ثم رصد ما حدث بينهم من مناظرات ومراسلات يظهر أثرهم في الفكر الإسلامي، وليس تفصيل هذا من خطتنا، وإنما حسبنا أن نشير إلى الظاهرة وندل عليها في مظانِّها من كتب الفِرَق والمِلَل والنِّحَل[23]، كما نشير إلى أن أثر الفِرَق ليس راجعًا إلى موضوعات الجدل، بقدر ما هو راجع إلى منهج تناول هذه الموضوعات والهدف المرتبط به.



[1] المعجم الوسيط 1/ 250، 446، وانظر: محمد فريد وجدي، دائرة المعارف، 5/ 229.

[2] مخطوط بجامعة الإمام محمد بن سعود، تحت رقم 3874.

[3] مخطوط بجامعة الإمام محمد بن سعود، تحت رقم 3292.

[4] أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، جامع الأصول، 9/ في فضائل الصحابة رقم/ 6345 - طبعة دار الإفتاء بالرياض.

[5] الفتاوي 4/ 152.

[6] الفتاوي 4/ 155.

[7] الفتاوي 5/ 157 - 159.

[8] الفتاوى 5/ 10، ج 11/ 366 - 373.

[9] الفتاوى 5/ 9.

[10] محمد فريد وجدي/ دائرة المعارف 5/ 229.

[11] دائرة المعارف الإسلامية 12/ 282، مادة سنة، وانظر: ابن حزم، الفصل 2/ 113، (طبعة دار المعرفة/ بيروت/ الطبعة الثانية 1975م).

[12] نذكِّر فقط بالفِصَل لابن حزم، والمِلَل والنِّحَل للشهرستاني، وأصول الدين، والفَرْق بين الفِرَق للبغدادي، إلى جانب ما وصلنا من كتب للفقهاء؛ مثل: العالم والمتعلم، والفقه الأكبر، والفقه الأبسط لأبي حنيفة، وما علِمنا عنه ولم يصلنا لكثير من الفقهاء، أو غيرهم؛ مثل الرد على أهل الأهواء والبدع المنسوب لابن جرير الطبري، وإثبات النبوة.

[13] د. عبدالحميد مدكور، مذكرات في علم الكلام/ 28، (دار العلوم 1976).

[14] مدكور/ مذكرات في علم الكلام/ 29.

[15] د. محمد عبدالله دراز: الدين/ 112، 113، (الطبعة الثانية).

[16] أبو الحسن الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة/ 31، طبعة جامعة الإمام ابن سعود الإسلامية/ 1403هـ.

[17] مدكور/ السابق: 35.

[18] الشهرستاني، الملل والنحل/ أ/ 18 (بهامش الفصل)، ابن الجوزي تلبيس إبليس/ 90، (دار المعرفة/ بيروت/ د ت).

[19] الملل والنحل 1/ 18.

[20] الملل والنحل 1/ 185، 186، البغدادي الفرق بين الفرق/ 20، 72، تحقيق محيي الدين عبدالحميد، دار المعرفة/ بيروت/ د ت).

[21] ابن تيمية/ الفرقان بين الحق والباطل/ 158/ (الجزء الأول من الرسائل، طبعة صبيح).

[22] أبو زهرة/ مالك/ 117 - 121، وأبو حنيفة/ 80 - 90، (دار الفكر العربي، د ت).

[23] انظر: أبو زهرة/ تاريخ الجدل، والملل والنحل في أماكن متفرقة، وابن حزم/ الفصل (خمسة أجزاء)، والفَرْق بين الفِرَق.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حال السلف في رمضان
  • غيرة السلف على أعراضهم وتفريط الخلف (خطبة)
  • من وصايا السلف (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الألعاب الملهية بين السلف والخلف (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الكواكب النيرات في بيان قول السلف والخلف في الأسماء والصفات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام بين السلف والخلف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السلف الصالح(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • منهج تفسير القرآن الكريم بين الالتزام بالمأثور عن السلف والاجتهاد المشروع للخلف (PDF)(كتاب - موقع الشيخ الدكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي)
  • حرص السلف على قضاء حوائج الناس وتفريط الخلف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة صلة الخلف بموصول السلف (النسخة 8)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • التحذير من مجالسة أهل البدع بين فعل السلف ومخالفات بعض الخلف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد من رسالة "فضل علم السلف على علم الخلف" لابن رجب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حرص السلف على القرآن الكريم تلاوة وعملا وتفريط الخلف (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب