• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة مختصرة عن أيام التشريق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    قالوا عن "صحيح البخاري"
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (12)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    عشر أيام = حياة جديدة
    محمد أبو عطية
  •  
    من مائدة الحديث: فضل التفقه في الدين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    خطبة: وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فضائل الأيام العشر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    أدلة الأحكام المتفق عليها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

النقل الصحيح لا يعارض العقل الصريح

د. محمد بن علي بن جميل المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/6/2017 ميلادي - 17/9/1438 هجري

الزيارات: 158379

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سلسلة الرد المجمل على الطاعنين في أحاديث صحيح البخاري (7)

النقل الصحيح لا يعارض العقل الصريح

 

النقل الصحيح لا يعارض العقل الصريح، وباجتماعِ النقلِ الصحيح والعقلِ الصريح تُدْرَكُ الحقائق الشرعيَّةُ؛ فلا النقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ العَقْلِ، ولا العقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ النَّقْل، فلا بد من اجتماعهما، وبنقصِ واحدٍ منهما تَنْقُصُ المعرفةُ بالحَقّ.

 

وليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح من القرآن والسنة ما يوجب مخالفة الشرع أصلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، ولكن كثيراً من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا، فمن عرف قول الرسول ومراده به كان عارفاً بالأدلة الشرعية وليس في المعقول ما يخالف المنقول، ولهذا كان أئمة السنة على ما قاله أحمد بن حنبل: معرفة الحديث والفقه فيه أحب إلي من حفظه، أي معرفته بالتمييز بين صحيحه وسقيمه، والفقه فيه معرفة مراد الرسول وتنزيله على المسائل الأصولية والفروعية أحب إلي من أن تحفظ من غير معرفة وفقه، وهكذا قال علي بن المديني وغيره من العلماء فإنه من احتج بلفظ ليس بثابت عن الرسول أو بلفظ ثابت عن الرسول وحمله على ما لم يدل عليه فإنما أتي من نفسه. وكذلك العقليات الصريحة إذا كانت مقدماتها وترتيبها صحيحاً لم تكن إلا حقاً لا تناقض شيئاً مما قاله الرسول، والقرآن قد دل على الأدلة العقلية التي بها لم تكن إلا حقاً وتوحيده وصفاته وصدق رسله وبها يعرف إمكان المعاد، ففي القرآن من بيان أصول الدين التي تعلم مقدماتها بالعقل الصريح ما لا يوجد مثله في كلام أحد من الناس". مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (3 /64 - 65) مختصرا.

 

وإنْ تعارض النقل والعقل في الظاهِرِ؛ قُدِّمَ النَّقْلُ على العقلِ؛ لأنَّ النَّقْلَ عِلْمُ الخالِقِ الكامِلِ، والعَقْلَ عِلْمُ المخلوقِ القاصِر، وهذا التعارض يكون بحسب الظاهر لا في حقيقة الأمر؛ فإنه لا يمكن أبداً حصول تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، وإذا وجد تعارض فإما أنْ يكون النقل غير صحيح أو العقل غير صريح.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة العرشية (1 /35): "ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كله حق يصدق بعضه بعضا، وهو موافق لفطرة الخلائق، وما جعل فيهم من العقول الصريحة، والقصود الصحيحة، لا يخالف العقل الصريح، ولا القصد الصحيح، ولا الفطرة المستقيمة، ولا النقل الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما يظن تعارضها: من صدَّق بباطل من النقول، أو فهم منه ما لم يدل عليه، أو اعتقد شيئا ظنه من العقليات وهو من الجهليات، أو من الكشوفات وهو من الكسوفات إن كان ذلك معارضا لمنقول صحيح وإلا عارض بالعقل الصريح، أو الكشف الصحيح، ما يظنه منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون كذبا عليه، أو ما يظنه لفظا دالا على شيء ولا يكون دالا عليه".

 

والعقل كالبَصَر، والنقل كالنُّور؛ لا يَنتفِعُ المـُبْصِرُ بعينِهِ في ظلامٍ دامِس، ولا يَنتفِعُ العاقلُ بعقلِهِ بلا وَحْي، وبِقَدْرِ النورِ تَهْتَدِي العَيْن، وبقدرِ الوحيِ يَهتَدِي العَقْل، وبكمالِ العقلِ والنقلِ تَكتمِلُ الهدايةُ والبصيرة؛ كما تَكتمِلُ الرؤيةُ حِينَ الظَّهِيرَة، فالمؤمنون أبصر الناس بالحقائق الشرعية لجمعهم بين النقل الصحيح والعقل الصريح قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]، وقال سبحانه: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 14].

 

فيجب اتباع الوحي من الكتاب والسنة وعدم الاستغناء عن الوحي بالعقل وحده، ومَنْ قالَ: إِنَّهُ يَهتَدِي إلى اللهِ بعقلِهِ المُجرَّدِ بلا وحيٍ؛ فهو كمَنْ قالَ: إنَّهُ يَهْتَدِي إلى طريقِهِ بعينِهِ المُجرَّدَةِ بلا ضياءٍ، وكُلٌّ منهما جاحدٌ لقطعيٍّ ضروريٍّ، والأوَّلُ بلا دِين، والثاني بلا دُنْيَا. والأول بلا بصيرة، والثاني بلا بصر، قال تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

 

والوحي هو الذي يَهْدِي الأنبياءَ، ويَهْدِي أَتْبَاعَهُمْ، ويدل على هذا قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾ [سبأ: 50]، وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]، فلا هداية إلا لمن اتبع الوحي، ومن لم يتبعه فقد ضل ضلالاً مبيناً، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

 

وقد ضل مَنْ يقول: لا أُصدِّق بأي حديث إلَّا إذا أدرَكَهُ عقلي، وما لا يُدْرِكُهُ لا أُؤمِنُ به؛ فإن هذا قَدَّمَ العقلَ القاصر الناقص الذي يجهل أكثر مما يعلم على الحديث الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالمؤمن العاقل يقدم الحديث الصحيح على كل عقل، فما لا يُدرِكُهُ العقلُ لا يَعْنِي عدَمَ وجودِهِ، ولكنَّهُ هو غيرُ مُدْرِكٍ له، فللعقلِ حَدٌّ يَنتهِي إليه، كما أنَّ لِلْبَصَرِ حَدًّا ينتهِي إليه لا ينتهي الكونُ والوجودُ بنهايتِهِ، وللسمعِ حَدٌّ لا تنتهِي الأصواتُ بنهايتِهِ؛ فللنَّمْلَةِ صوتٌ لا يُسْمَع، وفي الكونِ فَضَاءٌ وكواكبُ ونجومٌ لا تُرَى.

 

ومعلوم أنَّ النصوص الشرعية منها ما يَفْهَمُهُ غالب الناس، ومنها مما لا يفهمه إلا العلماء، ومنها ما لا يفهمه ويعرف دلالته إلا الراسخون من أهل العلم، فيكون موقفنا هو العمل بالمحكم والوقوف عند المتشابه، والمتشابه: هو ما لا يعلمه إلا الراسخون من أهل العلم، وأما جعل هذا المتشابه أصلاً، أو التشكيك في المحكمات بضربها بالمتشابهات؛ فهذا سبيل أهل الغي، يقول الله سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7].

 

والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح بحال، ومتى توهم متوهم أن نَصَّاً من النصوص الشرعية الثابتة خالف للعقل؛ فليتهم عقله هو، والشريعة الإسلامية -بحمد الله- تأتي بما تَحَارُ فيه العقول، ولا تأتي أبداً بما تُحِيْلُهُ العقول، كما قَرَّرَ ذلك المحققون من العلماء، بمعنى أنَّ الشريعة لا تأتي بما تعده العقول السليمة أمرا مستحيلاً.

ويجب التسليم للنقل الصحيح أخباراً وأحكاما؛ سواء عَرَفْنا العِلَّةَ أو لم نَعْرِفْها، قال الزهري رحمه الله: "مِنَ الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم".

 

فبعض القضايا العقلية الثابتة بالأدلة القطعية لا تدركها بعض العقول لعدم فهمها لها، فكيف بالقضايا التي لا تحيط بها العقول وهي كثيرة جداً مما نراه ونشاهده؟! ومن أقربها: سبب تثاؤب بعض الناس عند تثاؤب شخص آخر في المكان الذي هو فيه!! فلا تعرف العقول سبب ذلك، ومن تكلم في سبب ذلك بالظن لا يمكنه أن يطلب من جميع الناس أن يُسَلِّموا بتفسيره، ومثل ذلك الروح؛ فلا تحيط العقول بحقيقتها، قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، قال الشوكاني رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أي: هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأشياء التي لم يعلم بها عباده.." إلى أن قال: "ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله سبحانه: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، أي: أنَّ علمكم الذي عَلَّمَكُمُ الله ليس إلا المقدار القليل بالنسبة إلى علم الخالق سبحانه، وإنْ أوتي حظاً من العلم وافراً، بل علم الأنبياء عليهم السلام ليس هو بالنسبة إلى علم الله سبحانه إلا كما يأخذ الطائر في منقاره من البحر، كما في حديث موسى والخضر عليهما السلام". فتح القدير للشوكاني (3 /363).

 

وبالجملة يجب على المسلم أنْ يُقَدِّمَ قول الله ورسوله على كل قول، وعلى كل قياس وعلى كل ذوق وعلى كل استحسان، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1]، قال ابن كثير في تفسيره: "أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، أي: قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور، وعن ابن عباس قال: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، وقال الضحاك: لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم. وقال سفيان الثوري: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1] بقول ولا فعل".

 

ومن أشكل عليه حديثاً صحيحاً؛ فلا يبادر إلى إنكاره وتكذيبه ورده، بل يرجع إلى كلام أهل العلم في شرحه وتوجيهه، روى ابن ماجه (20) بسند صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ((إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فظنوا به الذي هو أهناه، وأهداه، وأتقاه)).

 

وقد ألف العلماء كثيراً من الكتب في بيان مشكل الحديث، وتكلموا في توجيه ما يشكل منها أو ما يخالف بعضها بعضاً في الظاهر، كما تكلموا في توجيه الآيات القرآنية المتعارضة في الظاهر، وألفوا كتباً كثيرة في ذلك من أجمعها: كتاب العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" وأكتفي هنا بذكر مثالين يُبَيِّنَانِ توجيه العلماء للآيات المتعارضة في الظاهر:

المثال الأول: قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ [البقرة: 29]، هذه الآية تُعارض في الظاهر آيات سورة النازعات: ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [النازعات: 27-31]، حيث تدل آية سورة البقرة على أن خلق الأرض قبل خلق السماء، بدليل لفظة: «ثم»، ومثلها آيات سورة فصلت: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [فصلت: 9 - 12]، بينما آيات سورة النازعات تدل على أنَّ خلق الأرض بعد خلق السماء!

 

وقد سُئل عن هذا الإشكال حَبْرُ القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأجاب بأن الله تعالى خلق الأرض أولاً قبل السماء غير مدحوة، ثم استوى إلى السماء فسواهُنَّ سبعاً في يومين، ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي والأنهار وغير ذلك، فأصل خلق الأرض قبل خلق السماء، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك بعد خلق السماء، ويدل لهذا أنه قال: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾، ولم يقل: خلقها، ثم فسر دحوه إياها بقوله: ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾.

 

وجمع بعض العلماء بجمع آخر وجيه وهو أن معنى قوله: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ أي: مع ذلك، فلفظة "بعد" بمعنى: مع، ونظيره قوله تعالى: ﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ [القلم: 13].

فهذان وجهان صحيحان للجمع بين الآيتين، ولو كانت آية سورة النازعات واردة في حديث صحيح؛ لسارع المبطلون بالتكذيب به بدعوى التعارض بين القرآن والحديث!

 

المثال الثاني: قوله تعالى في سورة المرسلات: ﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [المرسلات: 35-36]، هذه الآيتين الكريمتين تدلان على أنَّ أهل النار لا ينطقون ولا يعتذرون، وقد جاءت آيات أخرى تدل على أنهم ينطقون ويعتذرون، كقوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 22- 23]، وقوله: ﴿ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ﴾ [غافر: 71-74]، فهذه الآيات تُعارض في الظاهر آية سورة المرسلات، ولو كانت آية سورة المرسلات حديثاً صحيحاً لسارع المبطلون إلى رده بدعوى مخالفته للقرآن، مع أن الجمع ممكن، فقد قال أهل العلم: القيامة مواطن كثيرة، ففي بعضها ينطقون وفي بعضها لا ينطقون.

 

وبهذا نُصَدِّق بجميع النصوص، ونعلم أن كلها حق، ولا يجوز أن نرد بعض النصوص ببعض بدعوى التعارض كما هو منهج المشككين في السنة، فهذا جهل عظيم بمنهج العلماء، فإنهم لا يقولون بالتعارض إلا إذا لم يمكن الجمع كما تقدم تقريره، ولكن زُيِّن لهم سوء عملهم ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وقد حذرنا الله من مخالفة منهج الرسول واتِّباع غير سبيل المؤمنين، وأخبر أنه يعاقب من فعل ذلك بأن يوله ما تولى فيُزيِّن له الباطل في عينيه، قال الله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح

مختارات من الشبكة

  • أحكام الإسلام يسيجها النقل الصحيح ويسددها العقل الصريح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التعارض الظني بين النقل والعقل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مذهب الفيلسوف ابن رشد في ضوء النقل والعقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التراث والمرجعية الإسلامية بين النقل والعقل(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • تمييع الولاء والبراء بين النقل والعقل (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أحكام وسائل النقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مراحل النقل والترجمة(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مراحل النقل والترجمة(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مراحل النقل والترجمة.. الدوافع العلمية للتجسير الحضاري(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الاختلاس في النقل والسرقات العلمية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/12/1446هـ - الساعة: 8:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب