• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

فهم المقاصد ووجوب الاجتهاد في اللغة

فهم المقاصد ووجوب الاجتهاد في اللغة
الشيخ وليد بن فهد الودعان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/4/2017 ميلادي - 12/7/1438 هجري

الزيارات: 20518

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فهم المقاصد ووجوب الاجتهاد في اللغة


تفصيل القول في فهم المقاصد، وفي وجوب الاجتهاد في اللغة، متى يشترطان ومتى لا يشترطان، ومتى يشترط أحدهما؟:

بعد أن ذُكر فيما سبق اشتراط الشَّاطبي فَهْمَ المقاصد لصدق وصف الاجتهاد، واشتراط الاجتهاد في اللغة العربية خاصة من بين العلوم الممكنة من الاجتهاد - فإنه قد يتبادر إلى الذهن أن هذين الشرطين يشترطان في كل اجتهاد؛ ولذلك بيَّن الشَّاطبي متى يشترطان، ومتى لا يشترطان، ومتى يشترط أحدهما دون الآخر؟ وفيما يلي تفصيل ذلك.

 

رأي الشَّاطبي:

بيَّن الشَّاطبي الموضع الذي يلزم فيه معرفة المقاصد ومعرفة اللغة العربية، والموضع الذي لا يلزم فيه معرفة أحدهما أو أي منهما، وتفصيل ذلك لا يخلو من حالات:

أولًا: أن يكون اجتهاد المجتهد مرتبطًا بالألفاظ الشرعية، فيقوم بعملية الاستنباط من النصوص الشرعية.

وفي هذه الحالة يلزم معرفة اللغة العربية؛ لأن المجتهد في هذه الحالة يتعامل مع نصوص عربية؛ فلا بد لفهمها من التمكن من اللسان العربي.

قال الشَّاطبي: "الاجتهاد إن تعلق بالاستنباط من النصوص، فلا بد من اشتراط العلم بالعربية"[1].

 

ثانيًا: أن يكون الاجتهاد مرتبطًا بالمعاني الشرعية مجردةً عن النصوص، فحينئذ لا يلزم معرفة اللغة العربية، وإنما يلزم معرفة المقاصد الشرعية وفهمها؛ حتى يتمكن المجتهد من تنزيل الأحكام الشرعية على وَفْق قصد الشارع.

ويبين الشَّاطبي ذلك بقوله: "وإن تعلق بالمعاني من المصالح والمفاسد مجردة عن اقتضاء النصوص لها، أو مسلمة من صاحب الاجتهاد في النصوص، فلا يلزم في ذلك العلم بالعربية، وإنما يلزم العلم بمقاصد الشرع من الشريعة جملة وتفصيلًا خاصة"[2].

 

فيلاحظ من خلال كلامه أن الاجتهاد إذا تعلق بالمعاني الشرعية من مصالح ومفاسد، ولم يكن بحال مرتبطًا بالنصوص، أو كان ولكن مع تمكن المجتهد في المعاني من تحصيل معنى النص من مجتهد فيه، ففي هذه الحالة لا يلزم إلا معرفة المقاصد.

 

ويلخص الشَّاطبي رأيه السابق في الحالتين بقوله: "فالاجتهاد في الاستنباط من الألفاظ الشرعية يلزم فيه المعرفة بمقاصد العربية، والاجتهاد في المعاني الشرعية يلزم فيه المعرفة بمقاصد الشريعة"[3].

 

ويفهم من كلامه أن الاجتهاد في الألفاظ والمعاني يلزم فيه معرفة المقاصد واللغة العربية معًا، ولا يصح الاجتهاد المطلق مع الإخلال بأي منهما، وهذا النوع من الاجتهاد هو ما يكون غالبًا من المجتهد المتمكن، وهو الذي يطلق عليه غالبًا مسمى الاجتهاد؛ ولذلك أطلق الشَّاطبي اشتراطهما، ولم يقيده في موضعه.

 

ويذكر الشَّاطبي أن الاجتهاد المنسوب إلى أصحاب الأئمة المجتهدين - كابن القاسم، وأشهب في مذهب مالك، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن في مذهب أبي حنيفة، والمزني، والبويطي في مذهب الشافعي - راجع إلى الاجتهاد المرتبط بالمعاني الشرعية؛ فإنهم فيما ذكر عنهم كانوا يأخذون أصول إمامهم وما بنى عليه في فهم الألفاظ الشرعية ويفرعون عليه المسائل، وقد قبل الناس فتاواهم وآراءهم، سواء كانت موافقة لمذهب الإمام أو مخالفة له.

 

ويعلل الشَّاطبي ذلك بأنهم: "فهموا مقاصد الشرع في وضع الأحكام، ولولا ذلك لم يحلَّ لهم الإقدام على الاجتهاد والفتوى، ولا حلَّ لمن في زمانهم أو من بعدهم من العلماء أن يقرهم على ذلك، ولا يسكت عن الإنكار عليهم على الخصوص، فلما لم يكن شيء من ذلك، دل على أن ما أقدموا عليه من ذلك كانوا خُلَقاءَ بالإقدام فيه؛ فالاجتهاد منهم وممن كان مثلهم وبلغ في فهم مقاصد الشريعة مبالغهم - صحيحٌ لا إشكال فيه، هذا على فرض أنهم لم يبلغوا في كلام العرب مبلغ المجتهدين، فأما إذا بلغوا تلك الرتبة فلا إشكال في صحة اجتهادهم على الإطلاق"[4].

 

ويتضح من كلامه أن الاجتهاد الذي لا يلزم فيه العلم بالعربية ليس هو الاجتهاد المطلق؛ ولذا قال في كلامه السابق: "فلا إشكال في صحة اجتهادهم على الإطلاق".

ففهم منه أن مَن لم يكن عالمًا بالعربية فليس اجتهاده مطلقًا، وإنما هو من أصناف الاجتهاد في المذهب، كما يتضح هذا من خلال جعلِه هذا النوعَ هو الاجتهادَ في المذهب.

وأيضًا من خلال جعلِه هذا النوعَ هو الاجتهادَ المنسوب إلى أصحاب الأئمة، ومن المعلوم أن اجتهاد هؤلاء ليس مطلقًا، وإنما هو من أنواع الاجتهاد المقيد.

 

وإذا قلنا: إن صاحب هذا النوع ليس مجتهدًا اجتهادًا مطلقًا، فصاحب النوع الأول - وهو المقتصر في اجتهاده على النصوص دون أن يكون متعمقًا في فهم مقاصد الشريعة - لا يقصُرُ عنه رتبة؛ فهو إذًا لا يمكن أن يكون مجتهدًا اجتهادًا مطلقًا بحال.

 

ثالثًا: أن يكون الاجتهاد مرتبطًا بتحقيق المناط؛ أي: في تطبيق الأحكام المنصوصة وتحقُّق وجودها، وفي هذا النوع لا يلزم معرفة المقاصد، ولا معرفة اللغة العربية.

 

قال الشَّاطبي: "قد يتعلق الاجتهاد بتحقيق المناط؛ فلا يفتقر في ذلك إلى العلم بمقاصد الشارع، كما أنه لا يفتقر فيه إلى معرفة علم العربية".

ويعلل ذلك بقوله: "لأن المقصود من هذا الاجتهاد إنما هو العلم بالموضوع على ما هو عليه، وإنما يفتقر فيه إلى العلم بما لا يعرف ذلك الموضوع إلا به من حيث قصدت المعرفة به"[5].

ومراده: أن تحقيق المناط إنما هو من أجل موضوع الحكم ومحل وجوده، وتحقق وجوده في الجزئي لا يحتاج إلى معرفة مقاصد الشريعة واللغة، وإنما يحتاج إلى ما يوصله إلى العلم بمحل الحكم في الجزئي.

 

ولذلك اشترط الشَّاطبي أن يكون مجتهدًا بما يتوصل به إلى تحقق محل الحكم؛ قال الشَّاطبي: "فلا بد أن يكون المجتهد عارفًا ومجتهدًا من تلك الجهة التي ينظر فيها ليتنزل الحكم الشرعي على وَفْق ذلك المقتضى"[6].

 

ويقول: "فالحاصل أنه إنما يلزم في هذا الاجتهاد المعرفة بمقاصد المجتهد فيه"[7].

 

ويقول أيضًا: "والاجتهاد في مناط الأحكام يلزم فيه المعرفة بمقاصد ذلك المناط من الوجه الذي يتعلق به الحكم، لا من وجه غيره"[8].

 

وعلى هذا، فلا يشترط في تحقيق المناط أي من شروط الاجتهاد التي قررها الشَّاطبي، ولكن لا شك أن تحصيل تلك الشروط من باب الكمال؛ ولذا قال الشَّاطبي: "كل هذا وما أشبهه مما يعرف به مناط الحكم الشرعي غير مضطر إلى العلم بالعربية، ولا العلم بمقاصد الشريعة، وإن كان اجتماع ذلك كمالًا في المجتهد"[9].

 

فالمحدِّث مثلًا إذا كان مجتهدًا في فنه، عارفًا بأحوال الأسانيد ورجالها وطرقها وصحيحها وسقيمها، وما يحتاج إليه في نظرة ذلك، لم يحتَجْ في اجتهاده في فنه أن يكون عارفًا بمقاصد الشريعة، أو اللغة العربية، واجتهاده في فنه بدون ذلك اجتهاد صحيح معتبر به.

 

ومثله القارئ في تأدية وجوه القراءات إذا كان عارفًا بفنه مجتهدًا فيه، فهو ليس بحاجة إلى الاجتهاد في معرفة المقاصد الشرعية واللغة العربية؛ إذ لا ارتباط بين ما هو مجتهد فيه وبين تلك العلوم.

 

ومثله الصانع في معرفة عيوب الصناعات، والطبيب في علمه بالأمراض وأدويتها، والعرفاء في الأسواق فيما يجتهدون فيه من معرفة قيم السلع وعيوبها، والعاد في صحة القسمة، والماسح في تقدير الأرَضين ونحو ذلك[10]، فإن هؤلاء قد بلغوا الاجتهاد في علومهم، وقد يجتهدون فيما يعرف به مناط الحكم أو في تنزيل الأحكام الشرعية، ولا يشترط فيهم معرفة هذين العلمين السابقين.

كما أن تحقيق المناط الشخصي العام لما أن كان غير محتاج إلى نص شرعي، وإنما قد يثبت بغير دليل شرعي لم يحتَجْ فيه إلى ما يحتاج إليه الناظر في الدليل الشرعي[11].

 

ولم أرَ أحدًا من الأصوليين صرح ببيان ما قرره الشَّاطبي من عدم اشتراط فهم المقاصد إذا كان الاجتهاد مرتبطًا بالنصوص والألفاظ، وبعدم اشتراط الاجتهاد في اللغة العربية إذا كان الاجتهاد مرتبطًا بالمعاني الشرعية، إلا أن بعض الأصوليين لما ذكر المرتبة الأولى من المجتهدين غير المستقلين، أشار إلى أن صاحبها كالمجتهد المستقل في استجماعه لشروط الاجتهاد، وإنما كان منتسبًا؛ لأنه سلك طريق المجتهد المستقل في طريقة اجتهاده، ودعا إلى سبيله دون غير؛ ولذا كان وفاقه وخلافه معتبرًا به في الإجماع والخلاف[12].

وهذا يلمح منه خلاف ما قرر الشَّاطبي في أصحاب الدرجة الأولى من المجتهدين المنتسبين، وإن لم يكن صريحًا في الخلاف.

 

وقد قرر جماعة من الأصوليين أن المجتهد في مذهب إمامه لا يشترط فيه أن يُلِمَّ بشروط المجتهد المطلق، بل ذكر بعضهم أنه قد يكون مقصرًا في معرفة اللغة العربية، أو غيرها[13].

وهذا يشير إلى موافقتهم للشاطبي في عدم اشتراط اللغة فيمن كان مجتهدًا في مذهب إمامه ولم يبلغ ما بلغ أصحابُ الدرجة الأولى من المجتهدين المنتسبين للمذاهب.

أما عدم اشتراط معرفة المقاصد واللغة للمجتهد في تحقيق المناط، فلا يظهر أن أحدًا يخالف الشَّاطبي فيما قرر.

بل قد نص عليه جماعة من العلماء، ولا يبدو أن غيرهم يخالفهم.

 

فهذا مالك - كما قال ابن القصار - يجوِّز "التقليد للعامي مما ليس للعالم فيه طريق، إلا أن يكون من أهله، فيجوز عند مالك - رحمه الله - أن يقلد القائف في إلحاق الولد بمن يلحقه إذا كان القائف عدلًا في دِينه، بصيرًا بالقِيافة؛ لأنه عِلم قد خصهم الله عز وجل به"[14].

 

كما أن مالكًا يجوِّز تقليد الخارص، والتاجر، والقاسم، والطبيب، والملَّاح[15]؛ "لأنه عِلم يختصون به، والضرورة تدعو إليه؛ فجاز قَبول قولهم فيه"[16].

فابن القصار ذكر أن مالكًا لا يشترط في هؤلاء شروط المجتهد، بل يشترط شروطًا تختص بحِذقه في صنعته دون غير.

وقد أقره على ذلك ابن القصار من أصحابه، وتبعه القرافي[17]، وابن جزي[18].

 

وكذا قرر الشافعي؛ فإنه قال في الرسالة ما نصه: "قلت: ألا ترى أن أهل العلم إذا أصاب رجل لرجل عبدًا لم يقولوا لرجل: أقم عبدًا ولا أمَة إلا وهو خابر بالسوق؛ ليقيم بمعنيين: بما يخبركم ثمن مثله في يومه، ولا يكون ذلك إلا بأن يعتبر عليه بغيره فيقيسه عليه، ولا يقال لصاحب سلعة: أقم إلا وهو خابر، ولا يجوز أن يقال لفقيه عدل غير عالم بقيم الرقيق: أقم هذا العبد، ولا هذه الأمَة، ولا إجازة هذا العامل؛ لأنه إذا أقامه على غير مثال بدلالة على قيمته كان متعسفًا"[19].

فيتضح من هذا النص أن الشافعي لا يشترط في المقوِّم إلا الخبرة بالقيم في السوق.

 

وقال الماوردي: أما المجتهد في حكم خاص، فصحة اجتهاده معتبرة بما يجتهد فيه، فإن كان اجتهاده في القِبلة إذا خفِيَت عليه، كان الشرط في صحة اجتهاده صحة البصر، ومعرفة دلائل القِبلة... وإن كان اجتهاده في المثل من جزاء الصيد، كانت صحة اجتهاده فيه معتبرة بمعرفة الأشياء في ذي المثل ومعرفة القيم في غير ذي المثل"[20].

وقال الطوفي: "... مثال ذلك الدلالون في الأسواق قد صار لهم دربة... حتى صاروا أهل خبرة يرجع إليهم شرعًا في قيم الأشياء"[21].

وكلام هؤلاء واضح في المراد، والله أعلم.

 

أدلة الشَّاطبي ومن وافقه:

استدل الشَّاطبي على اشتراط علم العربية دون معرفة المقاصد في الاجتهاد المتعلق بالاستنباط من النصوص:

بأن: "علم اللغة العربية إنما يفيد مقتضيات الألفاظ بحسب ما يفهم من الألفاظ العربية وألفاظ الشارع المؤدية لمقتضياتها عربية، فلا يمكن مَن ليس بعربي أن يفهم لسان العرب، كما لا يمكن التفاهم فيما بين العربي والبربري، أو الرومي، أو العبراني، حتى يعرف كل واحد مقتضى لسان صاحبه".

وإذا كان الأمر مرتبطًا بالألفاظ العربية، كان لزامًا ما يفيد معانيها ويوضحها، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة علم اللغة العربية دون غيره من المعارف[22].

 

واستدل على اشتراط معرفة المقاصد دون معرفة اللغة العربية في الاجتهاد المتعلق بالمعاني الشرعية - بأدلة:

الدليل الأول: أن المعاني إذا كانت مجردة عن النصوص فإنه يشترك في فهمها العقلاء، ولا يختص بها لسان دون لسان، وعلى ذلك فمن استتم علمه بمقاصد الشريعة، ولو كان فهمه لها لا عن طريق معرفته باللغة العربية، جاز له الاجتهاد في هذا النوع؛ إذ لا فرق بينه وبين من فهمها عن طريق اللغة العربية؛ ولذا يوقع المجتهدون الأحكام الشرعية على الوقائع القولية، وإن لم تكن عربية، ويعتبرون المعاني دون الألفاظ في كثير من النوازل[23].

 

مناقشته: يمكن أن يناقش قول الشَّاطبي: "فلا فرق بينه وبين مَن فهِمها مِن طريق اللسان العربي"[24] بأن هذا موضع نظر؛ إذ كيف يسوي بين من فهِم المقاصد عن طريق معرفته النصوص من غيره، وبين من فهمها عن طريق معرفته بلغة العرب؟ وكيف يمكن التسوية بين اجتهاد المجتهد المطلق وبين المجتهد في مذهب غيره؟ ولا شك أن الفرق بين الوصفين واضح تمامًا، نعم قد يقال: إنه لا فرق من جهة الفهم دون غيره.

 

وأما ما ذكره دراز من الإشكال[25] في قول الشَّاطبي هذا ودليله مع رأيه في أن الاجتهاد يتوقف على وصفين: العلم بمقاصد الشريعة، والتمكن من الاستنباط، وهذا إنما يكون بواسطة معارف خاصة، وأن هذه المعارف وسيلة إلى معرفة المقاصد، وأن أوجب الوسائط اللغة العربية[26]، ورأيه في أن فهم مقاصد الشريعة حقَّ الفهم يتوقف على فهم اللغة العربية حقَّ الفهم[27] - فيمكن أن يجاب عنه بأن كلام الشَّاطبي هذا إنما أراد به المجتهد المطلق، والمراد بالفهم الفهم المطلق، بحيث يكون المجتهد مجتهدًا بدون قيد في الأحكام الشرعية، وكلامه هنا في دليله إنما هو خاص بالمجتهد المقيد، والله أعلم.

 

الدليل الثاني: أن الاجتهاد في القياس لا يحتاج إلى اللغة العربية؛ إذ لا تعلق فيه بألفاظ النصوص، إلا فيما يتعلق بالأصل المقيس عليه في معرفة ثبوته بالنص، أو في العلة التي نص عليها، أو أومأ إليها النص، ويمكن أخذ هذين الأمرين من عارف باللغة يمكنه الاجتهاد في نصوص الشريعة لتعلقهما بالنصوص، أما بقية أعمال القياس فلا حاجة إلى اللغة فيها، وحينئذ فيمكن الاكتفاء بمعرفة المقاصد دون اللغة[28].

 

مناقشته: نوقش بأن هذا قد يسلَّم إذا كان ثبوت العلة بالسبر والتقسيم[29]، أو بالمناسبة[30]، أما إن كان ثبوتها بالنص، أو الإيماء[31]، فلا يسلَّم ذلك؛ إذ لا بد من الرجوع إلى النص الذي أفاد العِلِّية، ولو قيل بإمكان أخذ ذلك من مجتهد آخر لكان ذلك غير كافٍ، ولو قيل بكفايته فلا بد من استقراء النُّصوص حتى يتمكن من دفع فساد الاعتبار[32]، وفساد الوضع[33]، وهما أهم اعتراضات القياس، ولا شك أن الرجوع للنص لا بد له من فهم اللغة؛ لأنه لا يتم إجراء القياس والمحافظة على نتيجته إلا بعدم مصادمته للنصوص مطلقًا في أي قياس كان[34].

 

الدليل الثالث: أن هذا النوع من الاجتهاد يرجع إليه اجتهاد المنتسبين إلى مذاهب الأئمة المجتهدين؛ كابن القاسم وأشهب وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والمزني والبويطي وغيرهم.

وما زال الناس من القديم يقبلون أقوالهم ويعتبرون باجتهادهم، بل وترى هؤلاء العلماء مع ورعهم يقبلون على الاجتهاد والفتوى، ولا ينكر الناس عليهم؛ فدلَّ هذا على صحة اجتهادهم[35].

مناقشته: ويمكن أن يناقش بأن هذا قد لا يسلَّم؛ لاحتمال معرفتهم بعلم اللغة العربية، وحينئذ لا يسلم لك الدليل.

وقد أشار الشَّاطبي إلى هذا الاحتمال فقال: "هذا على فرض أنهم لم يبلغوا في كلام العرب مبلغ المجتهدين..."[36].

ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، لا سيما وهو احتمال قوي.

 

واستدل الشَّاطبي على أن تحقيق المناط لا يحتاج فيه إلى عِلمي المقاصد واللغة العربية بأدلة:

الدليل الأول: أنه لو كان لازمًا على من يجتهد في الأحكام الشرعية - سواء كان اجتهاده بتحقيق المناط، أو بغيره - تحصيل كل ما يتعلق به الاجتهاد، للزم من ذلك عدمُ وجود مجتهد إلا في النادر، بل هو محال في العادة، ولو فرض وجوده فهو خرق للعادة المطردة، كما حصل مع آدم - عليه السلام - حيث علمه الله الأسماء كلها[37].

 

مناقشته: نوقش بأن هذا دليل على عدم إلزام المجتهد ببلوغ درجة الاجتهاد في كل ما يتعلق بالمسألة، وليس دليلًا على أن هذه العلوم لا يلزم المجتهد فيها معرفة مقاصد الشريعة، وعلم اللغة العربية، ولا يخفى أن المسألة هي الشق الآخر، وليس الأول، فلا يصلح هذا دليلًا على المسألة[38].

 

الدليل الثاني: أنه لو لزم في هذا النوع من تحقيق المناط العلم بمقاصد الشريعة، واللغة العربية، للزم من ذلك أن كل علم وصناعة لا تعرف إلا بعد بلوغ الإنسان لدرجة الاجتهاد في علم الشرع، ومعرفته بهذين العلمين، وهذا باطل؛ فما أدى إليه فهو باطل؛ لعلمنا بحصول هذه العلوم من العوامِّ والجهَّال، بل ومن منكري الشريعة[39].

 

الدليل الثالث: أن العلماء لم يزالوا يقلدون في هذه الأمور مَن ليس من الفقهاء، وهذا التفاتٌ منهم إلى أن هذه العلوم لا يشترط فيها ما يشترط في بلوغ رتبة الاجتهاد بإطلاق[40].

 

الدليل الرابع: أنه لو لزم اشتراط هذين الشرطين في تحقيق المناط، للزم مِن ذلك ارتفاع الشريعة، وتعطُّل التكليف؛ لأن الأحكام الشرعية مطلقات لا تتنزل على الأعيان إلا بعد معرفة المعين بشمولية ذلك المطلق له، وهذا إنما يكون بهذا النوع من تحقيق المناط[41].



[1] الموافقات (5/ 124).

[2] الموافقات (5/ 124).

[3] الموافقات (5/ 130).

[4] الموافقات (5/ 127).

[5] الموافقات (5/ 128).

[6] الموافقات (5/ 128).

[7] الموافقات (5/ 130).

[8] الموافقات (5/ 130).

[9] الموافقات (5/ 129).

[10] انظر: الموافقات (5/ 128 - 129).

[11] انظر: الاعتصام (2/ 387).

[12] انظر: أدب الفتوى (40، 42) المجموع (1/ 75) صفة الفتوى (17 - 18) المسودة (546).

[13] انظر: أدب الفتوى (42) صفة الفتوى (19) الإبهاج (3/ 256).

[14] المقدمة لابن القصار (14).

[15] انظر: المقدمة لابن القصار (16 - 20).

[16] المقدمة لابن القصار (16).

[17] انظر: شرح تنقيح الفصول (433 - 434).

[18] انظر: تقريب الوصول (451 - 453).

[19] الرسالة (505 - 507).

[20] الحاوي (16/ 120 - 121).

[21] شرح مختصر الروضة (3/ 192 - 193).

[22] انظر: الموافقات (5/ 124 - 125).

[23] انظر: الموافقات (5/ 125).

[24] انظر: الموافقات (5/ 125).

[25] انظر: تعليق دراز على الموافقات (5/ 125).

[26] انظر: الموافقات (5/ 41 - 44، 52).

[27] انظر: الموافقات (5/ 53).

[28] انظر: الموافقات (5/ 125 - 126).

[29] السَّبْر: هو في اللغة الامتحان والاختبار، والتقسيم في اللغة التجزئة والتفرقة، وهما في الاصطلاح: حصر الأوصاف، وإبطال ما لا يصلح، فيتعين الباقي علة؛ انظر: القاموس المحيط (517 مادة سبر، 1483 مادة قسم) العدة (4/ 1415) التمهيد (4/ 22) الجدل لابن عقيل (304) روضة الناظر (ت: النملة 3/ 856) المسودة (426) الإحكام (3/ 264) البحر المحيط (5/ 222) شرح الكوكب المنير (4/ 142).

[30] المناسب: أصله في اللغة من نسب، وهو أصل يدل على اتصال شيء بشيء، ومنه النسَب، وفي الاصطلاح عرَّفه الآمدي بأنه: عبارة عن وصف ظاهر منضبط، يلزم من ترتيب الحكم على وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودًا من شرع ذلك الحكم، وقيل: هو الملائم لأفعال العقلاء في العادة، وقيل: ما يجلب نفعًا أو يدفع ضرًّا؛ انظر: معجم مقاييس اللغة (5/ 423) مادة: "نسب" المحصول (5/ 157) منهاج الوصول مع الإبهاج (3/ 54) الإحكام (3/ 270) شرح تنقيح الفصول (391) مختصر المنتهى مع شرح العضد (2/ 239) تشنيف المسامع (3/ 285).

[31] الإيماء: من أومأ إليه؛ أي: أشار إليه، وهو في الاصطلاح: أن يقترن بالوصف قرينة تدل على العلية؛ انظر: القاموس المحيط (71) مادة (ومأ) المستصفى (2/ 290) الإحكام (3/ 254) البحر المحيط (5/ 197) شرح الكوكب المنير (4/ 125) فواتح الرحموت (2/ 296) نشر البنود (2/ 152).

[32] فساد الاعتبار: هو أن يبين المعترضُ أن الدليل لا يمكن اعتباره في هذا الحكم، لا لفساد فيه، بل لمخالفته النص أو الإجماع، أو كان إحدى مقدماته كذلك، أو كان الحكم مما لا يمكن إثباته بالدليل؛ انظر: المعونة في الجدل (252) التمهيد (4/ 106) الجدل لابن عقيل (457) المنهاج في ترتيب الحِجاج (179) روضة الناظر (ت النملة 3/ 930) الإيضاح لقوانين الاصطلاح (161) البحر المحيط (5/ 319).

[33] فساد الوضع: هو أن يبين المعارض أن الحكم المعلق على العلة تقتضي العلة نقيضه؛ انظر لتعريفه ومباحثه: المعونة في الجدل (250) أصول السرخسي (2/ 233) الكافية في الجدل (68) التمهيد (4/ 199) المنهاج في ترتيب الحجاج (178) روضة الناظر ( ت النملة 3/ 391) الإحكام (4/ 96) الإيضاح لقوانين الاصطلاح (159) البحر المحيط (5/ 319).

[34] انظر: تعليق دراز على الموافقات (5/ 125 - 126).

[35] انظر: الموافقات (5/ 126 - 127).

[36] الموافقات (5/ 127).

[37] انظر: الموافقات (5/ 46، 129)، وقد نص سبحانه وتعالى على تعليم آدم الأسماء كلَّها في قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ [البقرة: 31]، واختلَف المفسرون فيما علمه الله، فقيل: علَّمه أسماء الكائنات والأشياء، وجاء هذا عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم، واختاره البغوي والقرطبي وابن كثير، وقيل: علَّمه أسماء الملائكة، وقيل: علمه أسماء ذريته، وصوَّب هذينِ القولين ابنُ جرير، وفي الآية أقوال أخرى؛ انظر: الاعتصام (1/ 35) جامع البيان (1/ 252) الجامع لأحكام القرآن (1/ 282) معالم التنزيل (1/ 80) تفسير القرآن العظيم (1/ 76) تفسير البحر المحيط (1/ 294).

[38] انظر: تعليق دراز على الموافقات (5/ 129).

[39] انظر: الموافقات (5/ 129).

[40] انظر: الموافقات (5/ 130).

[41] انظر: الموافقات (5/ 17)، وأفاد دلالته على هذه المسألة على وجه الخصوص دراز في تعليقه على الموافقات (5/ 129).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مدخل إلى علم المقاصد (1 /5)
  • مدخل إلى علم المقاصد (3 /5)
  • مدخل إلى علم المقاصد (5/5)

مختارات من الشبكة

  • عدم التعارض بين الأمر بتدبر القرآن وفهمه كما فهمه السلف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفهم السليم والفهم العقيم منطلقات وغايات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستنباط والاجتهاد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 14 / 11 / 1434 هـ - الفهم والإدراك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فهم النص الشرعي اعتمادا على اللغة وحدها(مقالة - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • أثر اللغة العربية في فهم الحديث النبوي الشريف (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • اللغة العربية آلية ضرورية لفهم الخطاب الشرعي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام(مقالة - موقع د. أحمد البراء الأميري)
  • اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم (عرض)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح (7)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب