• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أسباب نشر الأدعية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    كليات الأحكام
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    بين الحاج والمقيم كلاهما على أجر عظيم.. (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    لا حرج على من اتبع السنة في الحج (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تخريج حديث: إنه لينهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم".. فوائد وتأملات ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    الحج: غاياته وإعجازاته
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشهيد، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة (2)
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (13)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحج ويوم عرفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الدرس الواحد والعشرون: غزوة بدر الكبرى
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

أبو بكر الصديق القدوة الثاني

أبو بكر الصديق القدوة الثاني
سامي بن عيضه المالكي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/4/2017 ميلادي - 6/7/1438 هجري

الزيارات: 30230

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أبو بكر الصديق القدوة الثاني


الحمدُ للهِ عزَّ واقتَدَر، وعَلا وقهَر، لا محيدَ عنه ولا مفرّ، أحمدُه سبحانه وأشكُره، فقد تأذَّنَ بالزيادةِ لمن شكرَ، وأتوبُ إليه وأستَغفرُه فهو يقبَلُ توبةَ عبدِه إذا أنابَ واستغفَر، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةً تُنجِي قائلَها يومَ العرضِ الأكبرِ، وأشهدُ أنّ سيِّدَنا ونبيَنا محمَدًا عبدُ اللهِ ورسولُه سيّدَ البشرِ، الشافعَ المُشفَّعَ في المحشرِ، صلّى اللهُ وسلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِه الأخيَارِ الطُهَرِ، وأصحابِه السادةِ الغُرَر، والتابعينَ ومن تبعَهم بإحسانٍ وسلّمَ تسليمًا كثيرًا ما اتّصَلت عينٌ بنظرٍ، وأذُنٌ بخبرٍ.


أما بعد: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

عباد الله: في الأوقات الحالكة، والأيام العصيبة، وأزمنة أشباه الرجال، نحتاج إلى التذكير بالنماذج الصادقة، والمثل العظيمة، ورجالٍ أصحاب همم عالية. إن الحديثَ عن الصادقينَ العظماءِ؛ حديثٌ يُجدِّدُ في الأمةِ الدِماءَ، وحيثُ أن هذه الأمةَ خيرُ الأممِ، تربَّعَ صادِقوها في المجدِ أعلى القِمَمِ، وأعظمُ هؤلاءِ الصادقينَ هو الصدِّيقُ الأكبرُ، الذي هو في سماءِ الصدقِ القَمَرُ، وهو في صحراءِ الوفاءِ المَطَرُ، إنه (عبدالله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي رضي الله عنه) الصدِّيقُ والصَديقُ والحبيبُ والخليفةُ أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه، أبوه أبو قحافة عثمان، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر.


ولد أبو بكر -رضي الله عنه- بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وكان تاجرًا ذا مال عظيم، وخلق كريم، وإحسان وفضل جزيل، وكان من رؤساء قريش في الجاهلية، وأهل مشورتهم، محببًا فيهم، عالمًا بأنسابهم، ما قال شعرًا قط في الجاهلية ولا في الإسلام، وحرّم الخمر على نفسه في الجاهلية فلم يشربها قط، وكان أسبق الناس إلى الإسلام.


عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ أَقْبَلَ أَبُوبَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ أي خاصَمَ-" فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ -أي أغضبتُه- ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: "يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ".


ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالُوا: لَا، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَمَعَّرُ -أي تذهبُ نضارتُه من الغضبِ- حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا".


كانَ أبو بكرٍ رجلاً مُتميّزاً حتى في إسلامِه، فحينَ أخبرَه النبيُ -صلى الله عليه وسلم- بأنه رسولٌ من ربِ العبادِ، ليتركَ عبادةَ الأوثانِ وما كانَ عليه الآباءُ والأجدادُ، ويعبدَ اللهَ وحدَه لا شريكَ له، فماذا كانَ موقفُه من هذا القرارِ المصيري الذي سيُغيّرُ مجرى حياتِه؟


قالَ عليه الصلاة والسلام: "مَا عَرَضْتُ الإِسْلامَ عَلَى أَحَدٍ إِلا كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ أَوْ تَرَدُّدٌ، غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَمْ" فكيفَ لا تكونُ له تلكَ المكانةُ الغاليَةُ، والمنزلةُ العاليَةُ.


كان أبو بكر -رضي الله عنه- أول من دعا إلى الله من الصحابة، وقام بنصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والدعوة إلى دينه، فكان ثمرة عمله إسلام أكابر الصحابة كعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وأبي عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وغيرهم من الصحابة، فلم يكن -رضي الله عنه- سلبيًا لا يقدم لدينه شيئًا، ولم يكن جبانًا يخاف من بطش قريش إذا دعا إلى دينه، ولم يقل: في الناس من يقوم بالدعوة غيري، بل حمل همّ الدعوة منذ إسلامه، وجدَّ في تبليغ دينه، وكم من أناس بلغوا من الكبر عتيًّا، لم يدعوا إلى الإسلام يومًا، ولم يهتموا بذلك أصلاً.


يا أهلَ الإيمانِ: إن كانَ من المسلمينَ من يخجلُ إذا سُئلَ عن تعددِ الزوجاتِ، أو قطعِ يدِ السارقِ، أو أحكامِ المرأةِ في الإسلامِ، فاسمعوا إلى هذا السؤالِ المُحرجِ الذي وجَّهَهُ الكفارُ لأبي بكرٍ -رضي الله عنه-، قَالَتْ عائشةُ -رضي الله عنها-: "لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى أَصْبَحَ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ النَّاسَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَ بِهِ، وَفُتِنُوا بِذَلِكَ عَنْ دِينِهِمْ، وَسَعَى رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه-، فَقَالُوا: هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ: أَوَقَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ، قَالُوا: تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الشَّامِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ؛ أُصَدِّقُهُ فِي خَبَرِ السَّمَاءِ فِي غَدْوَةٍ وَرَوْحَةٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقُ" إنه اليقينُ، في قلوبِ الصادقينَ.


وانصِتوا إلى ابنِ عمِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو يُثني على أهلِ الفضْلِ، خَطَبَ عليُ بنُ أبي طالبٍ -رضي الله عنه- يوماً، فقالَ: يا أيُّها النّاسُ، منْ أشجَعُ النّاسِ؟ فقالوا: أنتَ يا أميرَ المُؤْمنينَ، فقالَ: أمّا إنّي ما بارزَني أحدٌ إلاّ انتصّفْتُ منهُ، ولكنْ هوَ أبوبكرٍ، وذلكَ إنّا جَعَلنا لِرسول ِاللّهِ -صلى الله عليه وسلم- عريشاً يومَ بدرٍ، فقلنا: منْ يكونُ معَ رسول ِاللّه ِلئلاّ يَهوي إليْهِ أحدُ المشركينَ؟ فو اللّهِ، ما دنا مِنّا أحدٌ إلاّ أبو بكر ٍشاهراً بالسّيْف ِعلى رأس ِرسول ِاللّهِ، لا يَهوي إليْهِ أحدٌ إلاّ أهْوى إليْهِ، فهذا أشْجَعُ النّاس، قالَ: ولقدْ رأيتُ قُريْشاً أخذت رسولَ اللّهِ -أي في مكةَ قبلَ الهجرةِ-، فهذا يُحادُّهُ، وهذا يُتَلْتِلُهُ، ويقولونَ: أنتَ جعلتَ الآلهة َإلهاً واحداً؟! فواللّهِ ما دنا منّا أحدٌ إلاّ أبو بكرٍ، يَضربُ هذا، ويُجاهدُ هذا، ويُتَلْتِلُ هذا، وهو يقولُ: ويْلَكُمْ أتقْتُلونَ رجلاً أن يقولَ ربّيَ الله؟ ثُمّ رفعَ عليّ ٌبُرْدَة ًكانت عليهِ فبكى حتّى اخْضَلّتْ لِحيَتُهُ، ثمّ قالَ: أنْشِدُكُمُ اللّهَ، أمُؤْمِنُ آل ِفِرْعَونَ خيرٌ أمْ هوَ؟ فسكتَ القومُ.


فقالَ عليٌّ: فواللّهِ لَساعة ٌمن أبي بكر ٍخيرٌ منْ مِلْءِ الأرض ِمن مؤمن ِآل ِفرعونَ، ذاكَ رجلٌ يكتُمُ إيمانَهُ وهذا رجلٌ أعلنَ إيمانَهُ.

أخبروني من ذا الذي يستطيعُ أن يصفَ حُبَّ أبي بكرٍ للنبيِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فعندما جاءَ النبيُ -عليه الصلاة والسلام- وأخبرَ أبا بكرٍ بأنه أُذِنَ له بالهجرةِ، وأنه صاحبُه فيها، قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي، وَمَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، فخرجَ معه كما وصفَهم اللهُ -تعالى-: ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].


قالَ السهيليُ -رحمه الله-: "ألا ترى كيفَ قالَ: لا تحزنْ ولم يقلْ لا تخفْ؟ لأن حزنَه على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- شَغله عن خوفِه على نفسِه، ثم يمكثُ معه في الغارِ ثلاثةُ أيامٍ، فما أجملَ الغارِ، إذا كانُ الرفيقُ فيه هو النبيُ المُختارُ عليه الصلاة والسلام".


حتى ابنَ الخطابِ، يعرفُ أن أبابكرٍ هو خيرُ الأصحابِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ -رحمه الله-: "كَأَنَّ رِجَالاً عَلَى عَهْدِ عُمَرَ -رضي الله عنه- فَضَلُّوا عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ -رضي الله عنه-، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَلَيْلَةُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ".


لَقَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيَنْطَلِقَ إِلَى الْغَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَاعَةً خَلْفَهُ حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا لَكَ تَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْ وَسَاعَةً خَلْفِي؟" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذَكُرُ الطَّلَبَ فَأَمْشِي خَلْفَكَ، ثُمَّ أَذَكَرُ الرَّصْدَ فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ بِكَ دُونِي؟" قَالَ: "نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا كَانَتْ لِتَكُونَ مِنْ مُلِمَّةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِي دُونَكَ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الْغَارِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَتَّى أَسْتَبْرِئَ لَكَ الْغَارَ، فَدَخَلَ وَاسْتَبْرَأَهُ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتِلْكَ اللَّيْلَةُ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ".

يكفي أبا بكر فَخاراً أنَّه
في هجرةِ المختارِ قد آخاهُ
قطع الجبال الراسيات مرافقاً
لأعزِ خلقِ الله حين دعاه
وتعجبت منه الرمال وقد مشى
تقفو خطى الهادي البشير خطاه
يمشي أمام المصطفى ووراءه
مشي المحب تفطرتْ قدماهُ

 

كانَ أبو بكرٍ أعلمَ الناسِ بمُرادِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ" فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي الله عنه-، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ، إِنْ يَكُنْ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ الْعَبْدَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، قَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ".


لقد اجتمعَ في أبي بكرٍ -رضي الله عنه- تلكَ الأخلاقُ الفاضلةُ التي كانت في رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ادخر الله له دونه جميع الخلق وسامًا عليًّا، فكان ثاني اثنين، فهو الثاني في الإسلام، وفي بذل النفس، وفي الصحبة، وفي الخلافة، وفي العمر وفي سبب الموت، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- مات عن أثر السُم، وأبو بكر سُمّ فمات.

فسبحانَ من أعطاهُ من الصفاتِ كما أعطى أحبَ خلقِه إليه، حتى كأنهما رُوحٌ واحدةٌ في جَسدينِ.


اللهم اجمع هذا الجمع المبارك برسولك صلى الله عليه وسلم وبصحابته الكرام في جناتك جنات النعيم مع الصديقين والشهداء والصالحين..

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.


الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.. أما بعد:

هنيئاً لأبي بكر رضي الله عنه بُشارةُ النبيِ -صلى الله عليه وسلم- حينَ دخلَ بِئْرَ أَرِيسٍ فَجَلَسَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عِنْدَ الْبَابِ وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ ذَهَبَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ" فَأَقْبَلَ حَتَّى قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: "ادْخُلْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّة".


أيها الفضلاء: لكم أن تتخيلوا ذلك اليومُ الذي ماتَ فيه رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمْ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا.


يقَولُ أَنَسٌ -رضي الله عنه-: "لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَظْلَمَ مِنَ الْمَدِينَةِ كُلُّ شَيْءٍ".

فإذا هذا كانَ هو شعورُ الناسِ، فكيفَ إذاً هو شعورُ أبي بكرٍ، الصاحبِ القريبِ، والمستشارِ الحبيبِ، كأن روحَه هي التي خرجتْ من جسدِه، فأيُ يومٍ ذلك الذي لن يراه فيه، وأيُ حياةٍ تلك التي ليسَ فيها رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ولكن ما يجعلُ المصيبةَ العظمى تهونُ، هو قولُه تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30].


ثُمَ خَرَجَ أَبَو بَكْرٍ -رضي الله عنه- إلى الناسِ فَتَشَهَّدَ، ثُمَ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ".


قَالَ اللَّهُ -تعالى-: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]. قالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا.


فإن كانَ رسولُ اللهِ قد ماتَ، فلا زالَ صاحبُه على ما عَهِدَ من الثباتِ.

فواللهِ - أيها الكرام - إن حُبَّ أبي بكرٍ من التوفيقِ والإيمانِ، وبُغضَه من النِفاقِ والخُذلانِ.

﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

نستفيد من سيرة هذا الصحابي الجليل فوائد جمة نذكر منها ما يلي:

1- أنَّ الصِّفات التي تمتَّع بها الصدِّيق رضيَ الله عنه كانت دعوة صامتة في حدِّ ذاتها، فلقد كان من خُلُقِه التواضع والقدوة الحسنة في كل الأمور.

2- أنَّ الصدِّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يتحلى بالحلم والعفو، صادقًا في كُلّ أَقْوَالِه وَأَفْعَالِه، فَإِذَا قَالَ فَعَلَ.

3- وأنَّ الصدِّيق صبر على الأذى وتكبَّد الأخطار في سبيل إنجاح دعوته.

4- أنَّ الصدِّيق رضيَ الله عنهكان على جانب قَوِيّ من الوَرَع والتَّقْوَى وَالزُّهْدِ في الدُّنيا، فلنا فيه القدوة الحسنة، رضيَ الله عنه، وهذا ما يجب أن يكون عليه المؤمن، وبالأخص الداعية.


وكيف لا نقتدي به وقد أمرنا عليه الصلاة والسلام بقوله: (( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر )). رواه الترمذي وصححه الالباني.

أما وفاته رضي الله عنه: فقد توفي يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.

هذا نزر يسير، وخبر قليل، من سيرة هذا الصحابي الجليل، وما لم تسمعوا أكثر وأكبر، وعلى المسلمين أن يتدارسوا سيرته، ويحذوا حذوه، ويقتدوا به، ويربوا على محبته وتعظيمه أبناءهم، فقد قال ابن الجوزي -يرحمه الله-: "كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمونهم السورة من القرآن".

تكفي أبا بكر خلافته التي
حفظتْ من الدين الحنيف عُراه
كالليث واجه ردَّةُ مشؤومة
فأعاد للإسلام من جافاه
تلميذ مدرسة النبوة والهدى
خير الأنام على التقى رباهُ
يا رحلة الصدِّيق في درب الهدى
أحييتِ في قلب المحبِّ رضاه

 

فرضي الله عنه وأرضاه، وجمعنا به في دار كرامته.

عباد الله.. صلوا وسلموا على البشير النذير.. كما أمركم الله...

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...اللهم احم حوزة الدين..اللهم اهلك أهل الفساد في هذا البلد.. اللهم من أراد ديننا أو عقيدتنا بسوء فأشغله في نفسه.. اللهم انصر المستضعفين في كل مكان.. اللهم انصر الجنود الذين يقفون على الحدود.. اللهم ثبتهم واشف جريحهم.. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا..ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا..ربنا ظلمنا أنفسنا..ربنا آتنا في الدنيا حسنة..سبحان ربك رب العزة عما يصفون..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أبو بكر الصديق الرجل الثاني في الإسلام
  • خطبة عن أبي بكر الصديق
  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه
  • أبو بكر الصديق (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أبو بكر المروزي ومسند أبي بكر الصديق(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مجلسان الأول من أمالي أبي بكر الشيرازي والثاني من أحاديث أبي بكر إسماعيل النيسابوري(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مجموعة خصال في رجل واحد (حديث: من أصبح منكم اليوم صائما؟)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق في الغار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أوليات: أبو بكر الصديق رضي الله عنه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أبو بكر الصديق (نشيد للأطفال)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من هو أبو بكر الصديق؟(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • أبو بكر الصديق(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب