• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مجالس من أمالي الحافظ أبي بكر النجاد: أربعة مجالس ...
    عبدالله بن علي الفايز
  •  
    لماذا لا نتوب؟
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    وكن من الشاكرين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حكم صيام يوم السبت منفردا في صيام التطوع مثل صيام ...
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وما الصقور؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    آيات عن مكارم الأخلاق
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    عاشوراء بين نهاية الطغاة واستثمار الأوقات (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    عاشوراء (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القابض ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    أشواق وحنين إلى بيت الله الحرام (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    عاشوراء (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تخريج حديث: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    اغتنام نعمة الوقت (خطبة)
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم.. فوائد وتأملات - ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    وصايا إسلامية
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    {يوم التقى الجمعان}
    د. خالد النجار
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

خطبة عن الرياح

سامي بن عيضه المالكي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/4/2017 ميلادي - 6/7/1438 هجري

الزيارات: 55499

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عن الرياح


الحمدُ لله خَلقَ فَقَدَّرَ، وَمَلَكَ فَدَبَّرَ، سبَّحت لهُ السَّماواتُ وأَملاَكُها، والنُّجومُ وأفَلاكُها، والرِّياحُ وذَرَّاتُها، نشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَهُ، أظهرَ الأَدِلَّةَ على وَحدَانِيتِهِ وَجَلاَّهَا، وَتَوَعَّد الغَافِلِينَ بالنَّارِ وَلَظَاهَا، اللهُمَّ إنَّا نَبْرَأُ إليكَ من قُلُوبٍ خَلَت مِن هُداها، وأُشرِبَت هَوَاهَا، وَنشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ، خيرُ البَرِيَةِ وأزكَاها، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، والتَّابعينَ لهم ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ.

 

أمَّا بعدُ: عبادَ الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-، تَدرَّعُوا بها في الشِّدةِ والرَّخاءِ، واعمُرُوا أوقاتَكم بِها في الصَّبَاحِ والْمساءِ، فبالتَّقوى تُدفَعُ البَلايا: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].

 

عباد الله: ظاهرة كونية وآية من آيات الله تستحق أن نقف معها وقفة تأمل وادِّكار وعِظةٍ واعتبار.. هي ظاهرة الريح!

إخوةَ الإيمانِ: الرِّيحُ والغبارُ رُسُلٌ ونُذُرٌ من عندِ اللهِ -تعالى- وآيةٌ من آياتِهِ: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59].. خوَّف العظيم الجليل عباده بالريح العاتية وأنذرهم بالأعاصير القاصفة، قال تعالى: ﴿ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ [الإسراء: 68، 69].

 

أيُّها الكرامُ: ولِعَظَمَةِ الرِّيحِ، وعِظَمِ شَأنِها؛ فقد أَقسَمَ اللهُ بِها، فَقَالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ﴾ [المرسلات: 1 - 3]، وجعلها الله تعالى برهانًا دالاً على ربوبيته وألوهيته، قال تعالى: ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الجاثية: 5].

 

وحينما سأل نبي الله سليمان ربه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده استجاب الله لطلبه وسخَّر له الريح طائعة لأمره، قال تعالى: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 81].

 

هذه الرياح جند طائع لله تعالى، ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 31]، فإذا شاء الله صيرها رحمة، فجعلها رخاءً ولقاحًا للسحاب، فكانت مبشرات بين يدي رحمته ونزول نعمته، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ [الروم: 46]، وإذا شاء الله جعل هذه الرياح نقمة ونكالا، فكانت صرصرا عاصفا وعذابا عقيما، قال تعالى عن قوم عاد لما كفروا واستكبروا: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ [الذاريات: 41، 42].

 

هذه الريح جعلها الله سلاماً لنصرة أوليائه، فحينما زلزل المؤمنون يوم الخندق زلزالاً شديداً وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر نصر الله نبيه وأولياءه، فأرسل على أعدائهم ريحا عاتية قلعت خيامهم وأطفأت نارهم وكفأت قدورهم، فارتحلوا بعد ذلك صاغرين متفرقين، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 9].

 

إخوة الإيمان، حدث مهيب ومنظر مهول، يوجل القلوب ويدهش العقول، فحينما الناس في دنياهم غافلون و في لهوهم سادرون إذ أذن الله لجند من جنوده أن يتحرك، أذن للهواء الساكن أن يضطرب ويهيج ويموج ويثور ويزمجر، يثيرالأتربة ويظلم الجو، لا يقف أمامه شيء إلا ابتلعه، ولا شجر إلا اقتلعه، ولا شاخص إلا صرعه ورماه في مكان سحيق، يحدث هذا كله وذاك الخراب في لحظات سريعة خاطفة، فلا إله إلا الله، ما أعظم قدرة الجبار!

 

مدن عامرة تدب في أرجائها الحياة لجمالها وصفائها، وفي غمضة عين وانتباهتها يغيرها الله من حال إلى حال، فأضحت أوطانا موحشة وديارا خاوية وأطلالا بالية، ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102] ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ [الفجر: 6 - 8] ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6 - 8].

 

ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار! فهذه الرياح يوم تعصف عاصفتها كأنما تخاطب أهل الأرض، تخاطبهم بعظمة الخالق وعجز المخلوق وضعفه، تخاطبهم بأن الأمر لله من قبل ومن بعد، وأن المخلوق مهما طغى وبغى ومهما أوتي من قوة وتقدم فليس بمعجزٍ في الأرض، وليس له من دون الله من ولي ولا نصير. هذه الرياح أصابت دولا عظمى فما أغنت عنهم قوتهم من شيء لما جاء أمر ربك. نعم، نجحت البشرية في رصد هذه الرياح وكشف وجهتها وسرعتها، لكنها مع قوتها العسكرية وأجهزتها العلمية وترساناتها الحربية عجزت عن مواجهة هذا الجندي الإلهي أو تغيير وجهته وتقليل خسائره، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].

 

إخوة الإيمان، من الحقائق الثابتة التي نطق بها القرآن أن هذه المصائب العامة التي تنزل بالبلاد والعباد إنما هي حصائد ذنوبهم وجزاء ما كسبت أيديهم، ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، ويقول الله بعد أن ذكر مصارع الأمم: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]، ويقول تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [القصص: 59]. ولما كثرت المعاصي في هذا الزمن وتنوعت؛ كثرت بذلكم المصائب وتسارعت، ولا زلنا بين فترة وأخرى نسمع عن زلازل وبراكين وفيضانات وأعاصير وأوجاع وأمراض.

 

إخوة الإيمان، حري بنا ونحن نرى نذر الجبار هنا وهناك أن تستيقظ نفوسنا من غفلتها وتلين قلوبنا من قسوتها وتجري مدامعنا تعظيما وإجلالا لله تعالى، حري بنا ونحن نرى هذه الفواجع أن نتوب من خطايانا ونصحح مسارنا ونستغفر ربنا، وأن نذكّر أنفسنا ونذكّر الآخرين بعقوبة الجبار وشدة بأسه وغيرته على محارمه..

 

عبادالله إن ما يحدث لنامن الرياح عبرة عظيمة قد وجه الله إليها الأنظار بالاعتبار فهل اعتبرنا بما شاهدنا ولا زلنا نشاهد؟ وهل حاسبنا أنفسنا؟

وبِمُقَابِلِ ذلِكَ - عباد الله - جَعَلَ اللهُ الرِّياحَ رَحْمَةً وَرُخَاءً وَلَقَاحَاً: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ [الروم: 46].

 

وبالجملةِ؛ فَحياةُ ما على الأَرضِ مِن إنسانٍ ونَبَاتٍ وَحيوانٍ؛ قائِمةٌ على الرِّيَاحِ، فَلولا تَسخِيرُ اللهِ الرِّياحَ لَمَاتَ النَّباتُ، وَهَلَكَ الحَيوَانُ، وَفَسَدَ الطَّعامُ، واختَنقَ الإنسانُ، فسُبحانَ مَنْ سَخَّرها وأرسلَها.

 

والْمَطَرُ -عبادَ اللهِ - قائِمٌ على خَمْسِ رِيَاحٍ: رِيحٌ يَنشُرُ السَّحَابَ، ورِيحٌ يُؤلِّفُ بَينَهُ ويَجمَعُهُ، ورِيحٌ يُلَقِّحُهُ، ورِيحٌ يَسُوقُ السَّحَابَ حيثُ يُريدُ اللهُ، ورِيحٌ يَذْرُوهُ ويُفَرِّقُهُ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الروم: 48].

 

بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكرالحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم..

♦ ♦ ♦

 

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، نَشهدُ أنَّ اللهَ المَلِكُ الْحقُّ الْمبِينُ، لا إلهَ إلا هو يَفعلُ ما يَشاءُ ويَحكُمُ ما يُريدُ، ونَشهدُ أنَّ مُحمدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ خيرُ العبيدِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ والتَّابِعينَ لهم ومن تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمَزِيدِ.

 

أما بعد: فيا عباد الله، كانَ لِنَبِيِّنا مع الرِّياحِ شَأنٌ عَظِيمٌ، ولا عجَبَ فهو عليه الصلاة والسلام أعلَمُ النَّاسِ بِرَبَّهِ، وأَخْبَرُ الْخَلْقِ بَأسَبَابِ عَذَابِهِ وعِقَابهِ.

 

تُصَوِّرُ لَنَا أُمُّ الْمؤمِنينَ عَائشةُ -رضي الله عنها- حالَ نَبِيِّنا بقولها: كانَ إِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ -يعني تَلَبَّدَتْ بالغُيُومِ- تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا أمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: "لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 24] رواه مسلم.

 

عبادَ اللهِ: ومن أَحكَامَ الرِّيحِ: أَنَّهُ لا يَجوزُ سَبُّها ولا لَعنُها، ولا التَّأفَّفُ منها على سَبِيلِ الاعتراضِ عليها؛ فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ" قالَ الألبانيُّ: "حديثٌ صحيحٌ".

 

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَجُلًا نَازَعَتْهُ الرِّيحُ رِدَاءَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ، فَلَعَنَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ: "لَا تَلْعَنْهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ"قالَ الألبانيُّ: "حديثٌ صحيحٌ.

 

وخَطأٌ أنْ يُقالَ: أنَّ الرِّياحَ الفُلانِيَّةَ بسببِ النَّجمِ الفُلانِيِّ، أو أنَّ هذا وقتُها المُعتادُ؛ ففي صحيحِ مُسلمٍ -رحمه الله- أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ، يَقُولُونَ: الْكَوَاكِبُ وَبِالْكَوَاكِبِ".

 

عباد الله، ومن أهم الأسباب التي تستدفع بها الأمة الكوارث عنها إزالة رايات الفساد والإفساد المستعلنة وإنكار المنكر والأخذ على أيدي السفهاء الذين يخرِقون سفينةَ مجتمعِنا بمساميرِ الشهوات و بمطارقِ الشبهات، والأخذ على أيديهم ومنع فسادهم وإفسادهم حلقة من حلقات الإصلاح وصمام أمان من العقوبات الإلهية، ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117].

 

أما إذا علت المنكرات وكثر سوقها وصلُب عودها ولم يوجد النكير فإن العقوبة عامة سيهلك الأخيار بجريرة الفجار. تسأل زينب بنت جحش رضي الله عنها، رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم إذا كثر الخبث)).

 

فاتقوا الله أيها المسلمون، وانظروا إلى هذه الحوادث بعين البصر والبصيرة والعقل والتعقل، فالمؤمنُ الْفَطِنُ هو من يَقِفُ عندَ هذهِ الآياتِ وقفَةَ اعتبارٍ وادِّكارٍ، لا وقفةَ حُبِّ استطلاعٍ ومُتابعةٍ للأخبارِ! والتِقَاطُ صُّورِ الأعاصيرِ، وَمُراقَبةُ سَيرِ الرِّياحِ! غافِلاً عن الآياتِ العظمى، والعِبَرِ الكُبرى! واللهُ -تعالى- يقولُ: ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الجاثية: 5].

 

أيُّها المُؤمنونَ: من الأسبابِ الشَّرعِيَّةِ لِمَنعِ الرِّياحِ والغُبارِ: الإكثارُ من التَّوبةِ والاستغفارِ، فاللهُ -تعالى- يقولُ: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].

 

فاتَّقُوا اللهَ -يا مؤمنون- وَتَذَكَّروا: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

 

فَهل تَدْعُونا هذه الآياتُ والنُّذُرُ لِمُرَاجَعَةِ أَنْفُسِنا وَتَصحِيحِ أَخطَائِنَا؟!

فاستَمسِكُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- بِدِينِكُم، واحذَرُوا مُخالَفَةَ رَبِّكم، فإنَّ اللهَ يَغَارُ، ويُمهِلُ ولا يُهمِلُ، فانظُرُوا في أعمَالِكُم، وأَقِيمُوا صَلاتَكُم، وأدُّوا زِكَاةَ أموالِكُم، وَنَقُّوا مَكَاسِبَكُم، واحفَظُوا جَوَارِحَكُم، وقُومُوا بِرِعَايَةِ أَولادِكُم، وامنَعوا الفَسَادَ في بُيُوتِكم واستِرَاحَاتِكم: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].

 

وتَذَكَّروا: أنَّ الفِتَنَ تُدفَعُ بالأَمِرِ بالْمَعرُوفِ والنَّهي عن الْمُنكَرِ: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].

 

والْمؤمنُ الصَّادِقُ هو مَنْ يَتَأَثَّرُ قَلبُهُ بالآياتِ الكَونِيَّةِ التي يَراهَا، فَتُذَكِّرُهُ باللهِ، وَتُحيي قَلبَهُ، وَتُجَدِّدُ إيْمَانَهُ، وَتَجعَلُهُ مُتَّصِلاً باللهِ، ذَاكِرَاَ لَهُ، مُستَجِيرَاَ من سَخَطِهِ وَنِقَمِهِ.

 

أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من الذين إذا وُعظوا اتعظوا، وإذا أذنبوا استغفروا، وإذا ابتلوا صبروا، إنه سميع مجيب الدعاء.

هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم - على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ، فَقَال في محكم التنزيل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللّهم صَلّي وَسَلّم وبارك على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد.

 

فاللهمَّ إنَّا نَعوذُ بك من زَوالِ نِعمَتِكَ، وَتَحوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقمَتِكَ، وَجَميعِ سَخَطِكَ.اللهمَّ لا تَجعلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنَا، ولا تَجعلْ الدُّنيا أكبَرَ هَمِّنَا، واغفر لَنا وارحَمنَا واعفُ عنَّا. اللهمَّ آمِنَّا في دُورِنَا، وَأَصلِح أَئِمَتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا. اللهم لا تجعل لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا ديناً إلا قَضَيتَهُ، ولا هَمَّاً إلا نَفَّستَهُ، ولا مَرِيضَاً إلا شَفَيتَهُ، ولا مَيْتَاً إلا رَحِمتَهُ، ولا مَظلُوماً إلا نَصَرتَهُ، ولا ظَالِمَاً إلا دَحرتَهُ. ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147]. ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾ [البقرة: 201]... سبحان ربك رب العزة عما يصفون...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرياح
  • الرياح ( خطبة )
  • وفي هبوب الرياح والغبار خير
  • الرياح والتراب

مختارات من الشبكة

  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • خطبة حجة الوداع والدروس المستفادة منها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم وزواجر من خطب البلغاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: عام مضى وعام أتى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تكون خطبة الجمعة خطبة عظيمة ومؤثرة؟ (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الخطبة الأخيرة من رمضان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة سلسلة خطب الدار الآخرة (13)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • خطبة سلسلة خطب الدار الآخرة (12)(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/1/1447هـ - الساعة: 15:10
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب