• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

موارد مال اليتيم بين الحل والتحريم

موارد مال اليتيم بين الحل والتحريم
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/2/2017 ميلادي - 29/5/1438 هجري

الزيارات: 14019

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

موارد مال اليتيم بين الحل والتحريم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع خطاه إلى يوم الدين، وبعد:

الأصلُ في أموال المسلمين وأعراضهم ودمائهم التحريمُ والحظر، فلا تُتَناوَلُ إلا بطيبِ نفسٍ من أصحابها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأعراضَكُمْ [وأبشارَكُم] عَلَيْكُمْ حَرَامٌ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا، [إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟»..] مختصر صحيح الإمام البخاري للألباني (3/ 108) ح (1831).

 

والتحليلُ والتحريمُ في الأموالِ ليس لاجتهادِ الناس وآرائهم، بل هو للهِ سبحانه، فقد قال: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 59]، وقال جل جلاله:﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32].

 

وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].

 

ومن الأموال المحرَّمَةِ تلك المكتسبةُ من الربا، ولو كانت عن طريق التراضي، قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 275، 276].

 

والأموال التي أُخِذَت دون رضى أصحابها، مثل: الأموالِ المغصوبة، والمسروقةِ والمنهوبة، والتي تُحَصَّلُ عن طريق الغِشِّ والغَبْن، والبيوعِ الباطلة، ونحوِ ذلك من معاملاتٍ حرَّمتها الشريعة.

 

ومواردُ الأموال بالنسبةِ للأيتام كثيرة، واستيعابُها في هذه العُجالة عسير، فلنتكلَّم عمَّا تيسَّرَ، ويوزَّعُ الكلامُ على مواردِ المالِ المباحِ الحلال، ثم الحديثُ عن مواردِ المالِ المحظورِ الحرام.

 

أولا: موارد المال المباح الحلال للأيتام:

1- الميراث:

واليتيم لا يكون يتيما إلا بهلاك والده، قال ابن سيده: [العَجِيُّ من النَّاس؛ الَّذِي تَمُوت أمُّه فيُقامُ عَلَيْهِ، فَإِن مَاتَ أَبوهُ فَهُوَ يَتِيمٌ، وَإِن مَاتَا مَعًا فَهُوَ لَطِيمٌ،..]. [1]

 

فإذا فقد والده، وقد ترك له موردا من موارد الأموال، وهو الميراث الذي أصبح بمجرد موت المورِّث مِلْكا لليتيم، بطريق شرعي حلال؛ لذا قال سبحانه: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴾ (النساء: 2).

 

وتُسلَّم إليهم أموالهم بتوافر شرطين؛ البلوغُ والرُشْدُ، قال سبحانه: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6].

 

وهذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمنعُ سعدًا رضي الله تعالى عنه مِنْ ترْكِ ورثته عالةً فقراء، فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، ... قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟) قَالَ: «لاَ»، قُلْتُ: (فَالشَّطْرُ؟) قَالَ: «لاَ»، قُلْتُ: (الثُّلُثُ؟) قَالَ: «فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ، فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ»، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ. رواه البخاري. [2] وابنته هذهِ أمُّ الحَكَمِ الكبرى كما في الفتح. [3]

 

قوله: [(فينتفع بك ناس) من المسلمين بالغنائم مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك (ويُضَرُّ) مبني للمفعول (بك آخرون) من المشركين الذين يهلكون على يديك]. [4]

 

وعند حضور اليتامى قسمةَ المواريثِ التي لا تخصُّهم حثَّ الشرعُ على منحهم شيئا عند التوزيع، قال سبحانه: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 7، 8].

 

2- الزكاة:

واليتيم ليس له أخذ شيء من الزكاة إذا كان غير مستحق لذلك، فالمستحقون للزكاة هم من ذكرهم الله جل جلاله في قوله: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].

 

فلم يذكر اليتيم ليُتْمه، فإنه قد يكون غنيًّا مستغنيا بما تركه له والده، فإن كان فقيرا أو مسكينا، أو تَركَ والدُه ديونا ونحو ذلك جاز أن يُعطَى نصيبًا من الزكاة.

 

وعَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ عَنْ حُلِيٍّ لَهَا أَفِيهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ: «إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَزَكِّيهِ»، قَالَتْ: (إِنَّ فِي حِجْرِي أَيْتَامًا فَأَدْفُعُهُ إِلَيْهِمْ؟) قَالَ: «نَعَمْ». [5]

 

عن عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: (أَمَّا أَنَا فَأُعْطِيهَا يَتِيمِي وَذَا فَاقَتِي، فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ). الأموال لابن زنجويه. [6]

 

3- المغانم والفيء:

[الغنيمة: اسم لما يؤخذ من أموال الكفرة بقوة الغزاة، وقهر الكفرة، على وجهٍ يكون فيه إعلاءُ كلمةِ اللهِ تعالى، وحُكْمُه أنْ يُخَمّسَ، وسائرُه للغانمين خاصة]. [7] و[الفيء: .. عرفا؛ ما حصل من الكفار بلا قتال؛ إما بالجلاء، أو بالمعالجة على جزية، أو غيرهما]. [8]

 

و[النفَل لغة؛ اسم للزيادة، ولهذا سميت الغنيمة نفلا؛ لأنه زيادة على ما هو المقصود من شرعية الجهاد، وهو إعلاء كلمة الله، وقهر أعدائه]. [9]

 

قال سبحانه: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...﴾ [الأنفال: 41]. فأعطى اليتامى من الغنائم ونص عليهم، وأعطاهم من الأنفال ونص عليهم: قال جل جلاله: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].

فهناك نص لليتامى في هذه الموارد من الغنائم والفيء، فلهم نصيبهم منه.

 

4- التبرعات الفردية:

كأنْ يعطفَ إنسانٌ على يتيمٍ مرَّةً أو مرتين ونحو ذلك، بصفةٍ فردية، ولا يستديم على ذلك، ثبت أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: «مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئًا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ». متفق عليه. [10]

والظاهر أنهما يتيمتان، فلو كان والدُهما حيًّا لسعى هو على نفقتهما، ولم تتركا لأمهما، والله تعالى أعلم.

 

لقد حضَّ الله سبحانه الأفرادَ أنْ يسارعوا في أعمال الخيرِ والبِرِّ، ويجعلوا جزءا من أموالهم لليتامى فقال سبحانه: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾ [البقرة: 177].

ولْيبْدأ الفردُ باليتيم القريب، قال سبحانه: ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 14، 15].

 

5- التبرعات الجماعية:

وهو عبارة عن تبرُّعٌ مؤقَّتٌ وحسبما تيسر، وليس بدائم، تقوم العائلة أو القبيلة، أو إمام مسجدٍ يحثُّ المصلين على جمع التبرعات ليتيمٍ معروفٍ لديه لفترة معينة، ثم ينقطع ذلك.

 

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215].

وعَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْيَتِيمِ: (إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، يُنْفِقُ عَلَيْهِ عَصَبَتُهُ مِنَ الرِّجَالِ، وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ شَيْءٌ). الأموال لابن زنجويه. [11]

 

6- الكفالات الفردية:

وأَقصِدُ بها كفالةَ اليتيمِ المستمرةَ الدائمةَ أو شبهَ الدائمة، طوال فترة اليُتْم، ويقومُ بها فرد يكفُلُ هذا اليتيمَ أو ذاك، وهذا كان منتشرا في عهد النبوة، ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8].

 

فقد ثبت أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كَانَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا إِلَّا وَعَلَى خِوَانِهِ يَتِيمٌ. الأدب المفرد. [12] وهذا يدلُّ على الدوام والاستمرار.

 

قَالَ دَاوُدُ: (كُنَّ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ كَمَا تَزْرَعُ كَذَلِكَ تَحْصُدُ، مَا أَقْبَحَ الْفَقْرَ بَعْدَ الْغِنَى، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ -أَوْ أَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ- الضَّلَالَةُ بَعْدَ الْهُدَى، وَإِذَا وَعَدْتَ صَاحِبَكَ فَأَنْجِزْ لَهُ مَا وَعَدْتَهُ، فَإِنْ لَا تَفْعَلْ يُورِثُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ، وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ صَاحِبٍ إِنْ ذَكَرْتَ لَمْ يُعِنْكَ، وَإِنْ نَسِيتَ لَمْ يُذَكِّرْكَ). الأدب المفرد. [13]

 

بل ويجوز للكافل أن يخرج زكاة ماله على من يلي من الأيتام، فقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه فقال: (بَابُ الزَّكَاةِ عَلَى الزَّوْجِ وَالأَيْتَامِ فِي الحَجْرِ) وساق بسنده عَنْ زَيْنَبَ -امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَتْ: كُنْتُ فِي المَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ -زوجِها-، وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا، قَالَ: فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: (سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامٍ -لبني أخي- فِي حجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟) فَقَالَ: (سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى البَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلاَلٌ، فَقُلْنَا: (سَلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي، وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي؟) وَقُلْنَا: (لاَ تُخْبِرْ بِنَا)، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «مَنْ هُمَا؟» قَالَ: (زَيْنَبُ)، قَالَ: «أَيُّ الزَّيَانِبِ؟» قَالَ: (امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ)، قَالَ: «نَعَمْ، لَهَا أَجْرَانِ، أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ». رواه البخاري. [14]

 

وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى بَنِي أَبِي سَلَمَةَ، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ؟) فَقَالَ: «أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَلَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ». رواه البخاري. [15]

 

7- الكفالات الجماعية:

كأن تقوم قبيلةُ اليتيم، أو الجمعيات الخيرية، أو المؤسسات الأهلية، فتلتزم بالكفالة طوالَ فترة اليُتْم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، جَاءُوا بِيَتِيمٍ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: (أَنْفِقْ عَلَيْهِ)، قَالَ: (فَلَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا أَقْصَى عَشِيرَتِهِ لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ). مصنف ابن أبي شيبة. [16]

 

8- كفالة الدولة للأيتام:

وفيها تقوم جهةٌ معينة في الدولة كوزارة الداخلية، أو الشئون الاجتماعية، أو أو ... بكفالة الأيتام فترة اليتم كاملة، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ». رواه مسلم. [17]

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِمَوَالِي العَصَبَةِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا وَلِيُّهُ، فَلِأُدْعَى لَهُ» الكَلُّ: العِيَالُ. رواه البخاري. [18]

 

[(أو ضَياعًا) بفتح الضاد المعجمة، أي من لا يستقل بنفسه، ولو خُلِّيَ وطبعَه لكانَ في معرضِ الهلاك -والضياع- (فإليّ) أي فينتهي إليّ وأنا أتداركه، أو هو بمعنى عليّ، أي فعليّ قضاؤه والقيام بمصالحه]. [19]

 

إنه أمرٌ اهتم به الشرع؛ حيث ترك الأموالَ الموروثة للورثة، بينما إذا ماتَ الميتُ ولم يترك شيئًا فوليُّ الأمرِ يتولَّى ذلك، ويؤمِّنُ النفقةَ لأوليائه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا». رواه البخاري. [20]

 

فوليُّ أمرِ المسلمين هو الذي يتولّى هؤلاء اليتامى، ويجعلُ لهم نصيبًا في مؤسسات الدولة، فقد أخرج البخاري [21] عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! هَلَكَ زَوْجِي، وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ! مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، -وهُوَ مَا دُونَ الْكَعْبِ مِنَ الشَّاةِ-، وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ، -وليس لهم كا ينبتونه ولا ما يحلبونه-، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ، -أَيِ السَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ وَمَعْنَى تَأْكُلُهُمْ أَيْ تُهْلِكُهُمْ - وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: (مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ)، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ -[يَعْنِي شَديد الظَّهر قَويّاً عَلَى الرِّحْلة]. [22].

 

كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ؛ مَلَأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: (اقْتَادِيهِ، فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمْ اللَّهُ بِخَيْرٍ)، فَقَالَ رَجُلٌ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَكْثَرْتَ لَهَا!) قَالَ عُمَرُ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا، قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ).

وهكذا أمَّن لهم أميرُ المؤمنين نفقةً تتجدَّدُ كلَّما احتاجوا.

 

وعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (قَدِمَ عَلَيْنَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا، فَجَعَلَهَا فِي فُقَرَائِنَا، وَكُنْتُ غُلَامًا يَتِيمًا فَأَعْطَانِي مِنْهُ قَلُوصًا)، صحيح ابن خزيمة.[23]

 

وروى ابن زنجويه حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، أنا حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ، أنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ عَلِيٍّ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَعَدْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَطَعَنْتُ بِإِصْبَعِي فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: (هَا)، فَقُلْتُ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي يَتِيمٌ، فَأْمُرْ لِي بِبَعْضِ مَا تَقْسِمُ)، قَالَ: فَأَعْرَضَ، ثُمَّ طَعَنْتُ بِإِصْبَعِي فِي جَنْبِهِ فَقَالَ: (هَا)، فَقُلْتُ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي غُلَامٌ يَتِيمٌ فَأَعْطِنِي مِمَّا تَقْسِمُ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَطَعَنْتُ بِإِصْبَعِي فِي جَنْبِهِ) فَقَالَ: (هَا)، فَقُلْتُ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي غُلَامٌ يَتِيمٌ فَأَعْطِنِي مِمَّا تَقْسِمُ)، فَقَالَ: (يَا يَرْفَأُ عُدَّ لَهُ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، قُمْ)، قَالَ: (فَقُمْتُ فَأَعْطَانِي سِتَّمِائَةَ دِرْهَمٍ، فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ فِي مَكَانِي فَطَعَنْتُ بِأُصْبُعِي فِي جَنْبِهِ)، فَقَالَ: (هَا)، فَقُلْتُ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَرْتَ لِي بِسَبْعِمِائَةٍ، فَأَعْطَانِي سِتَّمِائَةً)، فَقَالَ: (يَا يَرْفَأُ، أَعْطَيْتَهُ مَا أَمَرْتُكَ؟) قَالَ: (كَمْ؟) قَالَ: (سِتَّمِائَةً)، قَالَ: (فَزِدْهُ مِائَةً، وَاكْسِهِ بُرْدَيْنِ)، قَالَ: (فَزَادَنِي مِائَةً وَبُرْدَيْنِ، فَأَخَذْتُ سَبْعَمِائَةَ دِرْهَمٍ، وَأَخَذْتُ الْبُرْدَيْنِ فَاتَّزَرْتُ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَيْتُ بِالْآخَرَ، وَجَعَلْتُ الدَّرَاهِمَ فِي إِزَارِي)، قَالَ: (ثُمَّ لَفَفْتُ بُرْدَيَّ الْخَلَقَيْنِ، أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ، ثُمَّ رَمَيْتُ بِهِمَا فِي السَّمَاءِ وَخَرَجْتُ أَسْعَى)، فَنَادَانِي عُمَرُ: (يَا غُلَامُ، يَا غُلَامُ، أَدْرِكُوا، أَدْرِكُوا، خُذُوا خُذُوا)، فَقُلْتُ: (مَا شَأْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ أَدْرَكَتْهُ نَفْسُهُ فِيمَا أَعْطَانِي، فَأَدرَكَنِي رَجُلٌ فَأَخَذَ بِيَدِي ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى عُمَرَ، فَإِذَا الْبُرْدَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ)، فَقَالَ: (هَذَانِ الْبُرْدَانِ لِجَمَعَتِكَ، وَلِمَخْرِجِكَ وَلِسُوقِكَ، وَهَذَانِ لِكِتَابِكَ وَلِمَبِيتِكَ، خُذْهُمَا فَإِنَّهُ لَا جَدِيدَ لِمَنْ لَا خَلَقَ لَهُ). الأموال لابن زنجويه. [24]

 

9- ومن الموارد تنميةُ أموال الأيتام بتشغيلها في التجارة أو الزراعة أو الصناعة، حتى لا تأكلها الزكاة.

ثبت أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ). السنن الكبرى للبيهقي. [25]

وعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: (كَانَتْ عَائِشَةُ تُزَكِّي أَمْوَالَنَا، وَإِنَّهَا لتَّتَجِرُ بِهَا فِي الْبَحْرَيْنِ). معرفة السنن والآثار. [26]

 

وهكذا كان السلفُ يتصرفون في أموال اليتامى لتنموَ وتزدادَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، (أَنَّهُ اشْتَرَى لِبَنِي أَخِيهِ يَتَامَى فِي حَجْرِهِ مَالًا، فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بَعْدُ بِمَالٍ كَثِيرٍ). الموطّأ. [27]

 

وقد تكونُ تنميةُ مالِ اليتيمِ من كسبه هو إن أطاقَ ذلك، فعن عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ فِي حجْرِ عَمَّةٍ لِي ابْنٌ لَهَا يَتِيمٌ، وَكَانَ يَكْسِبُ، فَكَانَتْ تَحَرَّجُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ كَسْبِهِ، فَسَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كسبه". صحيح ابن حبان. [28]

 

10- مهرُ اليتيمة:

وهو موردٌ حلالٌ من مواردِ الأموال، قال عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ لَهَا: يَا أُمَّتَاهْ: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3] - قَالَتْ عَائِشَةُ: (يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذِهِ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ صَدَاقِهَا؛ فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ)، قَالَتْ عَائِشَةُ: (اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 127] فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ: (أَنَّ اليَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ مَالٍ وَجَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَنَسَبِهَا وَالصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبًا عَنْهَا فِي قِلَّةِ المَالِ وَالجَمَالِ تَرَكُوهَا، وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ) قَالَتْ: (فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ). رواه البخاري. [29]

فأنت ترى حرص الشرع على موردٍ ماليٍّ لليتيمة، وهو مهرها، الذي يجبُ أن يكون كمهر مثلها دون نقص.

 

ثانيا: مواردُ محظورةٌ أو محرمةٌ لأموال الأيتام:

اعلموا يا أولياء الأيتام ويا أوصياءهم! أنكم مؤتمنون على هؤلاء الضعفاء، فحذروا أن تطعموهم الحرام، فالموارد المحظورةُ والمحرمةُ على عامَّةِ المسلمين، هي محظورةٌ ومحرمةٌ على الأيتام، فليتَّقِ اللهَ العظيمَ الجبارَ أولياءُ الأيتامِ والأوصياءُ عليهم؛ أن يُدخِلوا على من تحتَ أيديهم من الأيتام مواردَ غيرَ مشروعةٍ لاكتسابِ الأموال، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- الأموال المكتسبة عن طريق الربا:

﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39]، فالموارد المنبثقة عن الربا لا تعطى للأيتام، ولا تستخدم أموالهم في ذلك الطريق المحرم، وثبت في الحديث: "دِرْهَمُ رِباً يَأكُلُهُ الرَّجُلُ وهُوَ يَعْلَمُ أشَدُّ عِنْدَ الله مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ زَنْيةً". رواه أحمد [30]

 

2- الأموال المكتسبة عن طريق بيع المحرمات كالخمر والسموم البيضاء والدخان ونحوه:

عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْرًا لِأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي، قَالَ: «أَهْرِقِ الخَمْرَ، وَاكْسِرِ الدِّنَانَ». رواه الترمذي. [31] وَفِي رِوَايَةِ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، قَالَ: «أَهْرِقْهَا» قَالَ: (أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا؟) قَالَ: «لَا». سنن أبي داود. [32]

 

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا حُرِّمَت الْخَمْرُ قَالَ: إِنِّي يومئذٍ أَسْقِي أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، قَالَ: فَأَمَرُونِي فكفأتُها وَكَفَأَ النَّاسُ آنِيَتَهُمْ -بِمَا فِيهَا- حَتَّى كَادَتِ السِّكَكُ تَمْتَنِعُ مِنْ رِيحِهَا، قَالَ أَنَسٌ: (وَمَا خمْرُهُمْ يومئذٍ إِلَّا البُسرُ والتمرُ مَخْلُوطَيْنِ)، فَجَاءَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ كَانَ عِنْدِي مَالُ يَتِيمٍ، فَاشْتَرَيْتُ بِهِ خَمْرًا؛ أَفَتَرَى أَنْ أَبِيعَهُ فأردَّ عَلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ؟!) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا"، وَلَمْ يَأْذَنْ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ. صحيح ابن حبان. [33] فمنع ولي اليتيم من بيع الخمر المشتراة من مال اليتيم لاسترداد ماله؛ لأنه مورد حرام، وجعل هذا الفعل من التحايل على أكل الحرام.

 

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَشْتَرِي الْخَمْرَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَدَكَ، وَخَيْبَرَ، فَيَحْمِلُهَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَبِيعُهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَحَمَلَ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: (يَا فُلَانُ! إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ). قَالَ: فَوَضَعَهَا عَلَى تَلٍّ وَسَجَّى عَلَيْهَا بِأَكْسِيَةٍ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! بَلَغَنِي أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ؟) قَالَ: «أَجْلَ». قَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرْدُدُهَا عَلَى مَنِ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ؟) قَالَ: «لَا يَصْلُحُ رَدُّهَا»، قَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَأُهْدِيهَا إِلَى مَنْ يُعَوِّضُنِي فِيهَا أَوْ يُكَافِئُنِي؟) قَالَ: «وَلَا»، قَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنَّ فِيهَا مَالًا لِيَتَامَى فِي حِجْرِي؟) قَالَ: «فَإِذَا أَتَانَا مَالٌ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَأْتِنَا نُعَوِّضْ يَتَامَاكَ مِنْ مَالِهِمْ». ثُمَّ .. قَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْأَوْعِيَةُ يُنْتَفَعُ بِهَا؟) قَالَ: «فَخَلُّوا أَوْ فَحُلُّوا أَوْكِيَتَهَا»، فَانْصَبَّتْ حَتَّى اسْتُنْقِعَتْ فِي بَطْنِ الْوَادِي. الأموال لابن زنجويه. [34] ويعوَّض اليتامى من بيت مال المسلمين.

 

3- الأموال المكتسبة:

عن طريق السرقة والغشِّ، والنصبِ والاحتيال، فهذه موارد محرمة، سواء قام بها أولياء اليتامى وأوصياؤهم، أو قام بها اليتيم نفسُه. قال سبحانه: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 38، 39]. فالسرقة ليست موردا مشروعا لا لليتيم ولا لغيره.

 

وكذلك الغش في التجارة وغيرها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». رواه مسلم. [35]

 

4- الأموال المكتسبة عن طريق الميسر والقمار:

قال سبحانه: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219] كل ذلك محرم على الأيتام وأوليائهم.

 

وقال البيهقي في شعب الإيمان: وَرُوِّينَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (الشَّطْرَنْجُ هُوَ مَيْسِرُ الْأَعَاجِمِ) ... وَرُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: (الشَّطْرَنْجُ مِنَ النَّرْدِ، بَلَغَنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ فَأَحَرَقَهَا).[36]

 

5- الحصول على الأموال وتكديسها عن طريق كذب الأولياء والأوصياء، والأيتام في غنى عنها:

تجد هؤلاء الأولياء والأوصياء ومن غير حاجة يطوفون الجمعيات والمؤسسات، باحثين عن المزيد من الأموال للأيتام، ويتحرَّون الكذب، وتزوير الحقائق ليزدادوا من حطام الدنيا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟! قَالَ: كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ! فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي!". البخاري. [37] فاليتيم الغني ليس له حق في أموال الناس.

 

6- الحصولُ على الأموال:

عن طريقِ التسوُّل وإراقة ماء الوجه، وتعويد الأيتام على ذلك: فتمتلئ منهم الشوارع والطرقات، ويتكدسون على أبواب المساجد، ويطرقون أبواب البيوت حاملين بعض الأوراق، التي تثبت يتم اليتيم، فصدقوا في الإثبات، وكذبوا في الطلب، لأن اليتيم ليس بفقير.

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ، أَوْ كُدُوحٌ فِي وَجْهِهِ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا الْغِنَى؟، قَالَ: «خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ»، سنن أبي داود واللفظ له، وابن ماجه، والترمذي، والنسائي، وأحمد. [38] نحوه.

 

وتجوز المسألة للحاجة الملحّة، وتجوز المسألة من المسئول، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا». سنن أبي داود، والنسائي. [39]

 

7- الوصية لليتم بما يضرُّ بالورثة مع عدم رضاهم:

والوصية لليتيم جائزة مهما بلغت برضا الورثة، أما بغير رضاهم فلا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، والربع أولى، لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَوْ غَضَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبْعِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ». البخاري. [40]

 

عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فِي حِجْرِي يَتِيمًا، وَقَدْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ); فَرَأَيْنَا الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ: "إِنَّمَا الصَّدَقَةُ خَمْسٌ، وَإِلَّا فَعَشْرٌ، وَإِلَّا فَخَمْسَ عَشْرَةَ".. حَتَّى بَلَغَ الْأَرْبَعِينَ». مسند أحمد. [41] وكان حنظلة هذا يملك أكثر من ألف بعير، وأربعين من الخيل، غير ما البيوت من الأموال. [42]

 

وقال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ، وَأَنَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةٌ، وَلَمْ تُجِزْهَا الْوَرَثَةُ -وَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ- وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ]، والله تعالى أعلم.

 

8- الأموال المكتسبة عن طريق مِهَنٍ محرَّمة أو غير محترمة:

فلا يطعم الأيتام ممَّا اكتُسِبَ من الحجامة، لأنَّ عمله ممتهن، عن مُحَيِّصَةَ، كَانَ لَهُ غُلَامٌ حَجَّامٌ فَزَجَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْبِهِ، فَقَالَ: (أَفَلَا أُطْعِمُهُ يَتَامَى لِي؟) قَالَ: "لَا" قَالَ: (أَفَلَا أَتَصَدَّقُ بِهِ؟) قَالَ: "لَا!" فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يَعْلِفَهُ نَاضِحَهُ. مسند أحمد. [43]

 

ولا يطعم الأيتام ممَّا اكتُسِبَ من الرقص والغناء ونحوه، وَقَدْ نَصَّ -الإمام أحمد- فِي أَيْتَامٍ وَرِثُوا جَارِيَةً مُغَنِّيَةً فَأَرَادُوا بَيْعَهَا، فَقَالَ: (لا تُبَاعُ إلاَّ عَلَى أَنَّهَا سَاذَجَةٌ)، -غير مغنية-. فَقَالُوا: (إذَا بِيعَتْ مُغَنِّيَةً سَاوَتْ عِشْرِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهَا، وَإِذَا بِيعَتْ سَاذَجَةً لا تُسَاوِي أَلْفَيْنِ)، فَقَالَ: (لا تُبَاعُ إلا عَلَى أَنَّهَا سَاذَجَةٌ!) فَلَوْ كَانَتْ مَنْفَعَةُ الْغِنَاءِ مُبَاحَةً لَمَا فَوَّتَ هَذَا الْمَالَ عَلَى الأَيْتَامِ. [44]

 

أما ما كان من الموارد من الطرق المحرمة؛ فلا يجوز جمع المال من الزنى مثلا، فهذا كما يقول الشاعر:

أمطعمة الأيتام من كَدِّ فرجِها ♦♦♦ لكِ الويل لا تزني ولا تتصدقي

 

الخاتمة:

• الاهتمام بموارد أموال الأيتام، وأن تكون بطرق مشروعة.

• تنمية أموالهم وتكثيرها بالتجارة في الأمور المباحة ونحوها.

• الحذر من جمع الأموال بما يخالف الشريعة.

• تعويد الأطفال خصوصا الأيتام على العادات الحسنة، والأخلاق الجميلة، والصفات الجليلة.

• الحذر من تعويدهم على العادات السيئة، الأخلاق الرذيلة.

هذا والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



[1] المخصص لابن سيده (1/ 53).

[2] صحيح البخاري (2742).

[3] فتح الباري (1/ 269).

[4] وعوفي سعد رضي الله تعالى عنه من مرضه وبقي إلى أن أنجب عدة من الأولاد منهم [عامرٌ، ومصعبٌ، ومحمدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وعائشةُ..] أسد الغابة ط العلمية (2/ 452)، وإسحاقُ [أكبرُ أولاد سعد، وبه كان يكنى. وُلِدَ له في عهد النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، ومات صغيرا]. الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 326).

وزاد ابن حبان من أولاد سعد [يحيى وَعمرَ ...]. و[..يَعْقُوبَ.. وَأمَّ عَمْرو] الثقات لابن حبان وغيرهم، جملهم معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 136) رقم (514) فقال: [خَلَّفَ تِسْعَةً مِنَ الْأَوْلَادِ، ثَمَانِيَةً ذُكُورًا وَبِنْتًا وَاحِدَةً، عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ، قَتَلَهُ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ، قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ، أُسِرَ فِي أَصْحَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَشْعَثِ، أُمُّهُمَا مَارِيَةُ بِنْتُ قَيْسِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ مِنْ كِنْدَةَ، وَعَامِرَ بْنَ سَعْدٍ، وَأُمُّهُ مِنْ بَهْرَاءَ، وَصَالِحَ بْنَ سَعْدٍ نَزَلَ الْحِيرَةَ لِشَرٍّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، وَنَزَلَهَا وَلَدُهُ فَقَتَلَهُ غِلْمَانٌ لَهُ فَتَحَوَّلَ وَلَدُهُ إِلَى رَأْسِ الْعَيْنِ، وَمُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ، وَأُمُّهُ خَوْلَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ مِنْ وَائِلٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، وَإِسْحَاقَ بْنَ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بْنَ سَعْدٍ]. والله تعالى أعلم..

[5] المعجم الكبير للطبراني (9/ 319) رقم (9594).

[6] الأموال لابن زنجويه (3/ 1166) رقم (2175)

[7] التعريفات للجرجاني (ص: 209)

[8] التعاريف للمناوي (ص: 568).

[9] التعريفات للجرجاني (ص: 314)

[10] صحيح البخاري (5995)، ومسلم (2629).

[11] الأموال لابن زنجويه (2/ 532) رقم (865).

[12] الأدب المفرد (ص: 60) رقم (136).

[13] الأدب المفرد (ص: 61) رقم (138).

[14] صحيح البخاري (1466).

[15] صحيح البخاري (1467).

[16] مصنف ابن أبي شيبة (4/ 183) رقم (19155).

[17] صحيح مسلم (867).

[18] صحيح البخاري (6745).

[19] شرح القسطلاني (8/ 208)

[20] البخاري (2398).

[21] البخاري أيضا (4161).

[22] النهاية في غريب الحديث والأثر مادة (ظهر).

[23] صحيح ابن خزيمة رقم (2362) قال الأعظمي: إسناده حسن وانظر تمام المنة في التعليق على فقه السنة (ص: 384) وقال: رواه الترمذي وحسنه ... لعله لشواهده.

[24] الأموال لابن زنجويه (2/ 556) رقم (916).

[25] السنن الكبرى للبيهقي (4/ 179) رقم (7340) وقال: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. سنن الدارقطني (3/ 6) ح (1973).

[26] معرفة السنن والآثار للبيهقي (6/ 69) رقم (8024).

[27] الموطّأ (591).

[28] أبو داود (3528)، وصحيح ابن حبان واللفظ له (6/ 313) ح (4245)، انظر الإرواء (1626).

[29] صحيح البخاري (5140).

[30] مسند أحمد ط الرسالة (36/ 288) رقم (21957) انظر حديث رقم: (3375) في صحيح الجامع.

[31] سنن الترمذي (1293).

[32] سنن أَبِي دَاوُدَ (3675).

[33] صحيح ابن حبان. (7/ 278) ح (4924)، الإرواء (5/ 131).

[34] الأموال لابن زنجويه (1/ 283) رقم (428)، والمقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي للهيثمي (2/ 290) ح(662)، وقال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 89): [رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ طَرَفٌ مِنْهُ بِمَعْنَاهُ، وَفِي إِسْنَادِ الْجَمِيعِ يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، وَعِيسَى بْنُ جَارِيَةَ، وَفِيهِمَا كَلَامٌ، وَقَدْ وُثِّقَا].

[35] مسلم (102).

[36] شعب الإيمان للبيهقي (8/ 468).

[37] صحيح البخاري (3444).

[38] سنن أبي داود (1626)، واللفظ له وابن ماجه (1840)، والترمذي (650)، والنسائي (2592)، ومسند أحمد ت شاكر (4/ 258) ح (4440) نحوه وقال شاكر: إسناده صحيح.

[39] سنن أبي داود (1639)، والنسائي (2599).

[40] صحيح البخاري (2743).

[41] مسند أحمد بطوله (34/ 262) رقم (20665)، مجمع الزوائد (3/ 130)، وانظر السلسلة الصحيحة (6/ 1105) ح(2955).

[42] واليتيم هو [ضرس بن قطيعة...،]. أسد الغابة (ص: 532).، في معجم الصحابة للبغوي (2/ 186): [.. يعني ابن ابنه..].

[43] مسند أحمد (39/ 103) رقم (23699)، وانظر الصحيحة (7/ 1728).

[44] غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني (1/ 126).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أكل مال اليتيم ( خطبة )
  • استهداف اليتيم
  • كبائر في حق اليتيم، والهدي النبوي في كفالة أيتام وأرامل الشهداء (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • موارد العلوم الإسلامية (دراسة تطبيقية على علوم السيرة النبوية)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موارد ومصادر (الحجج المبينة في التفضيل بين مكة والمدينة) للسيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موارد ومصادر (نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسود والسمر) للسيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موارد ومصادر كتاب تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد للسيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موارد تفسير القرآن بالقرآن عند أبي حفص النسفي من خلال كتاب التيسير: دراسة وصفية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كتاب موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة موارد مقاصد منسوخ القرآن(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • موارد استمداد الأحكام الشرعية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • موارد ومصادر (تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء) للعلامة السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موارد ومصادر (إحياء الميت بفضائل أهل البيت رضي الله عنهم) للعلامة السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب