• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الخوف بين سمو الروح ومطالب الجسد

محمود الشال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/2/2017 ميلادي - 21/5/1438 هجري

الزيارات: 11306

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخوف بين سمو الروح ومطالب الجسد

 

الحمد لله الذي أجزل الثواب لأوليائه وخوف بالنار أهل عصيانه، سبحانه جعل الجنة فضلاً منه على عباده، وجعل النار عقاباً عادلاً لمن اتبع طريق إبليس وأوليائه.

 

أشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا إله غيره ولا معبود بحق سواه، تفرد بالعزة والجلال، واستأثر لنفسه بالعظمة والكبرياء؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، الهادي بإذن ربه إلى الحق وإلى صراطٍ مستقيم، جاءنا بالبينات والهدى، وأرشدنا إلى صلاح دنيانا وآخرتنا.

 

صلوات ربي وسلامه عليه عدد حبات الرمال وقطرات الندى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

الخوف فطرة جبلية:

أيها الكرام: الخوف فطرة في المخلوقين، وكل مخلوق يخاف خالقه على طريقته فالملائكة يخافون، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [النحل: 49 - 51].[1]

 

وروي عن عمار بن منصور رضي الله تعالى عنهما، قال: كنت تحت منبر عدي بن أرطأة فقال: ألا أحدثكم حديثا ما بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رجل واحد؟ قالوا: نعم.

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم الله، إلى يوم القيامة، ترعد فرائصهم من مخافة الله، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم، وقالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك).[2]

 

والشياطين يخافون، لكن خوفهم استهزاء بالكبير المتعال، يقترفون الرذائل عامدين متعمدين ثم يقرون بالخوف دون توبة أو رجوع، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 48].[3]

 

وقال تعالى: ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحشر: 16].[4] فهو الذي يأمر بالفحشاء والمنكر، ثم ينكر على الفاعل معللاً ذلك بالخوف من الله.

 

والناس قسمان، قسم متمرد يخاف خوف الشياطين، وقسم وجِلٌ يخاف خوف الملائكة؛ فمن خاف خوف الملائكة فهو الذي صعد بنفسه إلى سمو الملائكية ورفعتها، ومن خاف خوف الشياطين فقد تدنى إلى شهوانيته فأطاعها وأتبع نفسه هواها؛ ثم إذا سألته قال إني أخاف الله وأعلم أنه شديد العقاب!

 

قال الله عن الخائفين الوَجِلِين الراغبين إلى ربهم: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 19 - 21].[5]

 

وقال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 57].[6]

 

وقال تعالى على لسان من سَمَى بنفسه إلى مكانة الملائكية بالخوف الدافع إلى الخضوع لأوامر الله ونواهيه: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 28].[7]

 

إنهم الذين يقدمون الخير ويبادرون إلى الصالحات خوفاً وطمعاً، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 9، 10].[8]

 

ووصف الله حالهم بقوله: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور:36: 37] .[9]

 

إنهم قوم يخافون مقام ربهم؛ فلا يقترفون ما نهاهم عنه، قال صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين ينعمون بظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله).[10]

 

فهم دائما يتذكرون ربهم ويخافون مقامه لذلك لما دُعي يوسف عليه السلام إلى ما تحبه النفس وتدعوا إليه الشهوة في محل لا يطلع عليه فيه بشر، ولا يحاسبه به بشر ولا يسأله عنه إلا الذي يعلم السر وأخفى قال في لجوء إلى ملك الملوك متذكرا ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾ [يوسف: 23].[11]

 

أما المتمردون الخائفون خوف الشياطين، فهم الذين يقترفون الرذائل والمنكرات ولا يتذكرون الله ولا يخافونه إلا وقت الشدة والمحنة، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت: 65].[12]

 

وقال تعالى عن بني إسرائيل: ﴿ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴾ [الأعراف: 134، 135].[13]

 

الفرق بين الخوف والخشية وغيرهما:

أيها الأحبة: كما أن الجنة درجات والنار دركات فإن الناس متفاوتون في المقامات، وليس كل مؤمن يخاف!

نعم ليس كل أهل الإيمان يخافون؛ بل منهم من يخاف الله ومنهم من يخشاه ومنهم من يَوجَل ومن يهاب الله؛ وبينهم فروق جوهرية حقيقية؛ فلا ترادف بينهم وإن كان المشترك بين الجميع والدافع لكل هذا هو ما استقر في القلب من الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر.

 

فالخشية: هي خوف يشوبه تعظيم. وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يُخشى منه، ولذلك خص العلماء بها في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].[14] وقوله: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]، وقوله: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31].[15] وقوله: ﴿ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ﴾ [المائدة: 44].[16]

 

ومدح الله تعالى أهله فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57، 61]..[17]

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، أهو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر؟ قال: (لا يا ابنة الصديق. ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه).[18]

قال الحسن: عملوا لله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم.

إن المؤمن جمع إيماناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً.

والخوف: توقع العقوبة على مجاري الأنفاس. قاله الجنيد.[19]

 

قال ابن القيم رحمه الله: الخوف: هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره. والخشية: أخص من الخوف فإن الخشية للعلماء بالله.[20]

أما الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه. وهي ضد الرغبة.

والوجل: هو رجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته.

والهيبة: هي خوف مقارنٌ للتعظيم والإجلال. وأكثر ما يكون مع المحبة والإجلال.

فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والوجل للمقربين.

 

وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية)، وقال: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، وبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله "، قال أبو ذر: يا ليتني كنت شجرة تعضد.[21]

 

فأقل شيء في المؤمن أن يخاف فإذا ارتقى فسيكون ممن يخشى الله أي يخاف عن علم ومعرفة فإذا ارتقى وسمى بنفسه أكثر فإنه سيخاف عذاب الله وهو عالم بقدره محب له فإذا ارتقى أكثر من ذلك فسيكون من المقربين الوجلين.

وبالعموم فإن الخوف فرض على كل أحد، قال تعالى: ﴿ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].[22]

وكل واحدٍ إذا خفته هربت منه إلا الله فإنك إذا خفته هربت إليه.

 

وسائل استجلاب الخوف:

من الناس من يجد الجمود في قلبه والصلابة ولا يعرف الطريق إلى الخوف؛ يتساءل: إذا كان لابد من الخوف فكيف السبيل إليه؟!

اعلموا أيها الأحبة أن أهم وسائل استجلاب الخوف من الله وزيادته في القلب كثرة ذكر الموت والتوقع الدائم لقدومه، قال صلى الله عليه وسلم: " أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت، فإنه لم يذكره أحد في ضيق العيش إلا وسعه عليه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه".[23]

 

ومن الوسائل المعينة للتذكر الدائم للموت: زيارة المقابر، وتغسيل الموتى، واتباع الجنائز، وكتابة الوصية، ودوام مطالعتها.

ويقول الحافظ ابن حجر: الخوف من المقامات العلية، هو من لوازم الإيمان، قال تعالى: ﴿ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].

 

علامات الخوف من الله:

كيف تعرف الخائفين من الله، وكيف تقيم نفسك هل أنت ممن يخاف الله أم لا؟

روى مالك بن دينار رحمه الله ، أنه قال: إذا عرف الرجل من نفسه علامة الخوف، وعلامة الرجاء فقد تمسك بالأمر الوثيق، أما علامة الخوف، فاجتناب ما نهى الله عنه، وأما علامة الرجاء، فالعمل بما أمر الله به.

وقيل: للرجاء والخوف علامتان: فعلامة الرجاء عملك لله بما يرضى، وعلامة الخوف اجتنابك ما نهى الله عنه.

 

وعن ابن عباس، أنه دخل على عمر حين طعن، فقال: «أبشر يا أمير المؤمنين، أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض ولم يختلف في خلافتك رجلان، وقتلت شهيدا» فقال: أعد، فأعاد فقال: «المغرور من غررتموه لو أن ما على ظهرها من بيضاء وصفراء، لافتديت به من هول المطلع».[24]

وعن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي إني لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أمنين، من خافني في الدنيا أمنته في الآخرة، ومن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة).[25]

 

وذكر عن الربيع بن خثيم ، أنه كان لا يزال باكيا خائفا ساهرا بالليل، فلما رأت أمه ما به من الجهد نادته يا بني: أقتلت قتيلا؟ قال: نعم.

قالت: فمن هو حتى نطلب العفو من أوليائه، فوالله لو يعلمون ما تلقاه لرحموك؟ قال: يا أماه قتلت نفسي.

 

وقد عد السمرقندي رحمه الله سبعة علامات جمعها للخوف من الله يقول: علامة خوف الله تعالى يتبين في سبعة أشياء:

أولها: يتبين في لسانه، فيمتنع لسانه من الكذب، والغيبة، وكلام الفضول، ويجعل لسانه مشغولا بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، ومذاكرة العلم.

والثاني: أن يخاف في أمر بطنه، فلا يدخل بطنه إلا طيبا وحلالا، ويأكل من الحلال مقدار حاجته.

والثالث: أن يخاف في أمر بصره، فلا ينظر إلى الحرام، ولا إلى الدنيا بعين الرغبة، وإنما يكون نظره على وجه العبرة.

والرابع: أن يخاف في أمر يده، فلا يمدن يده إلى الحرام، وإنما يمد يده إلى ما فيه طاعة الله عز وجل.

والخامس: أن يخاف في أمر قدميه، فلا يمشي في معصية الله.

والسادس: أن يخاف في أمر قلبه، فيخرج منه العداوة، والبغضاء، وحسد الإخوان، ويدخل فيه النصيحة والشفقة للمسلمين.

والسابع: أن يكون خائفا في أمر طاعته، فيجعل طاعته خاصة لوجه الله تعالى، ويخاف الرياء، والنفاق، فإذا فعل ذلك فهو من الذين قال الله فيهم: ﴿ وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 35]، وقال تعالى في آية أخرى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾ [النبأ: 31]. يعني نجاة وسعادة وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾ [الدخان: 51]، وقد مدح الله المتقين في كتابه في مواضع كثيرة، وأخبر أنهم ينجون من النار.

 

وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72][26]

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله غيره ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وسيد خلقه أجمعين والهادي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وبعد:

الاعتدال في الخوف:

أيها الأحبة إن ديننا الإسلام هو الوسط في كل شيء، هو دين الاعتدال في جميع الأمور فلا يطلب منا أن نجور على البدن بكثرة الخوف والزهد والابتعاد عن الدنيا، ولا يتركنا لننجرف خلف الشهوات والملذات ننسى الآخرة فنضر بالروح؛ بل الوسطية التي علمنا إياها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حنظلة بن الربيع الأسيدي - رضي الله عنه -، قال: لقيني أبو بكر قال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله ما تقول؟! قلت: نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -. فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وما ذاك؟) قلت: يا رسول الله! نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة! ساعة وساعة) ثلاث مرات.[27]

 

ولقد أقر صلوات ربي وسلامه عليه مبدأ التعادل بين الخوف والرجاء كطريقٍ للنجاة، عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال: (كيف تجدك؟). قال والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف).[28]

وقد وعد الله الخائفين بالجنة فقال: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]. [29]

 

يقول ابن الجوزي: "اعلم أن أصلح الأمور الاعتدال في كل شيء، وإذا رأينا أرباب الدنيا قد غلبت آمالهم، وفسدت في الخير أعمالهم، أمرناهم بذكر الموت والقبول والآخرة.

 

فأما إذا كان العالم لا يغيب عن ذكره الموت، وأحاديث الآخرة تقرأ عليه، وتجري على لسانه، فتذكاره الموت - زيادة على ذلك - لا يفيد إلا انقطاع بالمرة.

 

بل ينبغي لهذا العالم الشديد الخوف من الله تعالى، الكثير الذكر للآخرة، أن يشاغل نفسه عن ذكر الموت، ليمتد نفس أمله قليلًا، فيصنف، ويعمل أعمال خير، ويقدر على طلب ولد، فأما إذا لهج بذكر الموت، كانت مفسدته عليه أكثر من مصلحته. ألم تسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة رضي الله عنها فسبقته، وسابقها فسبقها، وكان يمزح ويشاغل نفسه؟ فإن مطالعة الحقائق على التحقيق تفسد البدن، وتزعج النفس، وقد روي عن أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: أنه سأل الله تعالى أن يفتح عليه باب الخوف، ففتح عليه، فخاف على عقله، فسأل الله أن يرد ذلك عنه. فتأمل هذا الأصل، فإنه لابد من مغالطة النفس، وفي ذلك صلاحها. والله الموفق، والسلام".[30]

 

فلنتضرع إلى الله أن يرزقنا قلوباً وجلة وأنفساً صافية طاهرة؛ فاللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم تولى أمرنا وأصلح شأننا ونق نفوسنا من الرياء والسمعة وطهرها من الحقد والغل والحسد، اللهم باعد بيننا وبين النار كما باعدت بين المشرق والمغرب.



[1] النحل: 49 - 51.

[2] أورده المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (260)، وابن عساكر في تاريخه (4/ 58، 61) قال ابن كثير: إن إسناده لا بأس به، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1988).

[3] الأنفال:48.

[4] الحشر:16.

[5] الرعد:19 - 21.

[6] الإسراء:57.

[7] المائدة:28.

[8] الانسان 9 - 10.

[9] النور 36 - 37.

[10] رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

[11] يوسف:23.

[12] العنكبوت:65.

[13] الأعراف:134-135.

[14] فاطر:28.

[15] الإسراء:31.

[16] المائدة:44.

[17] المؤمنون:57-61.

[18] رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.

[19] الرسالة القشيرية 78

[20] مدارج السالكين ص362.

[21] رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه.

[22] آل عمران:175.

[23] حسن، أخرجه البيهقي في الشعب عن أبي هريرة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ح (1211).

[24] صحيح ابن حبان، قال الألباني صحيح لغيره دون قوله «المغرور من غررتموه».

[25] رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان.

[26] تنبيه الغافلين للسمرقندي ص 390، 391.

[27] رواه مسلم.

[28] الترمذي (983) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (4261) وقال النووي: إسناده حسن.

[29] النازعات 40 /41.

[30] صيد الخاطر لابن الجوزي ص 172 - 173.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • السمو الروحي والجمال الفني في البلاغة النبوية
  • حديث: قبض الله عز وجل أرواحنا وقد ردها إلينا

مختارات من الشبكة

  • الخوف من الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • توحيد الله تعالى في الخوف والرجاء: مسائل عقدية وأحكام في عبادة الخوف والرجاء (كتاب تفاعلي)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لماذا الخوف من الله؟ الخوف من التقصير(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الخوف كل الخوف على من لا تعرف التوبة إليه سبيلا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخوف من علاج الخوف(استشارة - الاستشارات)
  • عبودية الخوف والرجاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نحن وثنائية الخوف والحزن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الخوف من الناس والخوف من الله(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الخشية من الله وآثارها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القدوم إلى الله (9)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب