• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الحياة في ظل العمل بالإسلام

الحياة في ظل العمل بالإسلام
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/2/2017 ميلادي - 19/5/1438 هجري

الزيارات: 12019

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحياة في ظل العمل بالإسلام [1]

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].


أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، لقد ظل الناس قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، متعددي الأديان، متمزقي الكيان، إلا بقايا من الحنفاء، وأهل الكتاب الباقين على الحق من غير تبديل ولا تحريف. فرضي الله لعباده أن يرسل إليهم رسولاً يختم به الرسالة، ويطهر به الأرض من رجس الضلالة، يبعثه بشريعة تكون خاتمة الشرائع لكل المكلفين إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، فأخرج الله تعالى لذلك نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]. فجاء محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى بدين الإسلام؛ لهداية الأنام، وانتشالهم من عبادة الأوثان والأصنام، وتحريرهم من الرق للمخلوقين، وتعبيدهم لله رب العالمين. فصار الإسلام هو سفينةَ النجاة الوحيدة، وسبيل الحق المنفردة القاصدة، والأفقَ النوراني الموصل إلى الحق المبين، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)[2].


عباد الله، إن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم معناه: الاستسلام الكامل، والانقياد التام الشامل لما جاء في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير جحود ولا إنكار، ولا تشكك ولا اعتراض، ولا كراهية ولا امتعاض، ولا اختيارٍ لما وافق الميول والأهواء، أو المصالح والآراء، وطرحُ ما سوى ذلك. قال تعالى: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]. ودين الإسلام الحنيف مبني على أوامر يُعمل بها، ونواهٍ يُبتعد عنها، ومعتقدات ترسخ في الضمائر، وأحكام وأخلاق تمتثل حسب توجيه الشرع الحكيم. وله من المصادر المعصومة التي دونت فيها شرائعه؛ لتبقى إلى نهاية الزمان موئلاً للخلق، ومصدراً للحق. وهذه المصادر المعصومة هي: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]. فمن شهد شهادة الحق: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وقام بما توجبه هذه الشهادة من الأعمال الباطنة والظاهرة فهو المسلم، ومن أتى بناقض من نواقض الإسلام الاعتقادية أو القولية أو العملية التي حكم الإسلام بكفر فاعلها فقد أخرج نفسه من دائرة الإسلام.


أيها الأحباب الفضلاء، إن دين الإسلام دين معصوم من الخطأ والزلل، والقصور والخلل؛ لأنه آتٍ من عند الله تعالى، وليس من عند البشر، ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]. وهو دين صالح لكل زمان ومكان وبيئة؛ لأن عوامل الحياة والاستمرار فيه لا تقبل الموت، ولا التبوتق في ظروف زمانية أو مكانية خاصة، فهو دين عابر للزمان والمكان، وتجدُّدُ الحياة وتطورها لا يزيده إلا وهجًا وإشراقًا. وهو دين يشتمل على كل مصالح الفطرة السليمة في العاجل والآجل، ويتضمن دفع كل ضر عليها في الدنيا والآخرة، وهو دين قابل للعمل به في كل حين، وفي كل مكان، وفي أي جانب من جوانب الحياة المختلفة. وهو دين العلم والحضارة، والرقي والتقدم، والتطور والإبداع، ويكفي تدليلاً على ذلك أن أول كلمة نزلت من الوحي هي كلمة العلم: ﴿ اقرأ ﴾. وأما تقدم الكافرين في هذا المجال، وتأخر المسلمين فيه فليس سببه الأخذ بالإسلام، وإنما سببه: تخلي المسلمين عن بعض تعاليم دينهم، فلو تمسك المسلمون بالإسلام حق التمسك، وجعلوه رائدهم في كل سبيل لخرجوا من نفق التأخر المظلم، وصعدوا من وهدة الانحطاط الذليل. وثمت سبب آخر هو: أن المسلمين لا تنقصهم العقول المبدعة، ولا الأفهام العلمية المشرقة، بل لهم من ذلك نصيب وافر، وهم قادرون حقًا على السيادة العلمية الدنيوية؛ إذ لدى الأمة الإسلامية اليوم مسلمون في شتى بقاع العالم في كثير من التخصصات، وعندهم عقول جبارة، ولكنها لم تجد في بلاد المسلمين الأرضَ الخصبة لبذرها وإنتاجها؛ بسبب حربها من الداخل والخارج، أو شرائها من الغرب؛ لتعمل في نطاق المصلحة الغربية.


ودين الإسلام كذلك هو دين الرحمة في موضع الرحمة، ودين الشدة في موضع الشدة، قال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التحريم: 9]. وهو دين العزة والسيادة، وليس دين الذل والتبعية، ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8]، وما ذل أهله إلا لقلة تمسكهم به، ومن قلّب صفحات التاريخ سيرى متى عز المسلمون وسادوا، ومتى ذلوا لغيرهم وانقادوا.

اقرأ التاريخ إذ فيه العبرْ ♦♦♦ ضل قوم ليس يدرون الخبرْ[3].

وهو دين الاجتماع والاتحاد لكل من انضوى تحت لوائه، وإن تعددت الأجناس والبلدان، واللغات والألوان، ولا يعرف حدوداً يقف عندها، بل حدوده الكرة الأرضية كلها.


أيها الأحبة، إن دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم باقٍ في هذه الدنيا لا ينسخ، خالد لا يفنى، حي لا يموت بمكر الماكرين به، وتخلِّي أهله عنه. فوعد الله ببقاء هذا الدين لا يتبدل، وعناصر الخلود عنه لا تذهب، فهو دين الحياة حتى تفنى الحياة والأحياء، قال تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32] ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33].


أيها الإخوة الكرام، إن أعداء الإسلام لا ينامون عن عداوته، ولا يفترون عن مقارعته، وهم في هذا الطريق سائرون، وبكل قوة لديهم له محاربون، ولو تُرِك الإسلام لحفظ الخلق دون حفظ الله لذهب، ولكن الله سلَّم. ومع شدة الكيد، وقوة المكر فإن الإسلام اليوم حي متجدد، منطلق في فضاء التمدد، رغم كل سهام الحرب التي توجه صوبه، بل إنها لا تزيده إلا ثباتًا واتساعًا ووضوحاً. يقول أحد الغربيين: ".. إن الاعتداء على الإسلام لا تُرجى منه فائدة.. ولن يرد المسلمين عن دينهم، ولن يعوق النهضة الإسلامية، بل سيقوّيها"[4]. لكن الحقيقة التي يعلمها أهل الباطل عن بقاء سفينة الإسلام وصمودها الدائم في محيط الحياة المتلاطم بالحرب الشعواء، وعنفوان أعاصير المكر الهوجاء؛ لم تثنهم عن مواصلة المعركة، بل ازدادوا حربًا وخبثًا، فماذا فعلوا بعد عجزهم العسكري عن وقف مدِّ الإسلام المتدفق، وتياره الشديد؟


لقد سلك أعداء الحق القدماء والمعاصرون طريقًا خبثيًا ألا وهو: محاولة القضاء عليه من الداخل. فالقدماء منهم أدخلوا فيه البدع والخرافات التي جاءوا بها من اليهودية أو النصرانية المحرفتين، أو من الهندية أو البوذية أو الفارسية أو اليونانية، أو غيرها. فصار لتلك الأفكار المنحرفة مدارس ومنظِّرون، ومناهج ومتبِعون، ففرقوا بذلك الأمة، حتى بقي من تلك الانحرافات الفكرية بقايا إلى يومنا هذا تعمل على وتر التمزيق والتفريق. وأما أعداء الإسلام المعاصرون فقد أيقنوا من خلال قراءة متأنية للواقع أن دين الإسلام اليوم لا يعيش مرحلة انكفاء وانحسار، بل يعيش مرحلة امتداد وانتشار، مع كل محاربتهم التي وجوهها نحوه؛ لكبح جماح توسعه، وإيقاف عنفوان جذبه لأهل الديانات الأخرى، أو لمن لا دين له.


فلجأوا إلى سلاح تشويه الإسلام، وتشويه أهله المؤثرين، وقد حصل منهم ذلك عبر عدة قنوات عملية، منها:

تشجيع الأفكار المنحرفة، ودعم أهلها ماديًا ومعنويًا، ومنها: تأجيج الاحتراب الداخلي بين المسلمين، وإطالة أمد الصراع والاقتتال؛ حتى يبقى المسلمون منشغلين بأنفسهم، وحتى يقول أولئك الأعداء لغير المسلمين: هذا واقع دين المسلمين، وهذه حياتهم معه. ومنها: السيطرة على قرر المسلمين، وجعلهم تحت التبعية الغربية القائمة على الهضم، ودفن النهوض؛ من أجل أن لا تقوم للمسلمين نهضة وحضارة معاصرة تجذب غير المسلمين ممن يتعلقون بالحياة المادية، ومنها: استقطاب بعض الشخصيات التي تجيد حسن الخطاب، وقوة التأثير الجماهيري، واحتواؤها ودعمها وتلميعها؛ من أجل أن تشكك في بعض مسلمات الدين، وتزعزع ثوابت المسلمين، ومنها: إحياء تباين الآراء وتعدد الاختلافات التي قد عفا عليها الزمن بين المسلمين والترويج لها، ومنها: محاربة كل من يريد الخروج من تحت القبعة الغربية من المسلمين، وتأليب الرأي العام عليه، ووصمه بالألقاب المنفرة عنه. ومنها-وهو من أخبثها-: إعادة صياغة إسلام جديد لا يتعارض مع المصالح الغربية؛ بحيث يقضي على روح العزة والتميز، ويكتفي صاحب الإسلام الجديد ببعض شعائر الإسلام الذاتية، مع العمل على تفتيت رابط الأخوة الإسلامية، واستقبال كل إساءة واعتداء من غير إبداء دفاع، وتعطيل شرائع الإسلام المهمة التي تجعل من المسلمين أمة قوة عزيزة ذات سيادة. وهذا الإسلام الجديد يسمى بالإسلام الأمريكي، أو الإسلام الشعبي؛ لأن أمريكا عبر مؤسساتها الاسترتيجية؛ كمؤسسة "راند" تولت كبر هذا الموضوع.

فهل وعى المسلمون اليوم حقيقة المعركة، وطبيعتها، وأبعاد الصراع بين الحق والباطل؟.


أيها المسلمون، ومن هنا تولد اليوم إشكال فهمي لدى بعض المسلمين حينما ازداد الجهل بالدين، وكثر على آفاق العقول رهجُ المشبِّهين وهم يرون المسلمين متفرقين فكريًا وجغرافيًا، ومتمزقين عواطفَ ومواقف، حتى صرح بعضهم قائلًا: بأي فهم نفهم الإسلام الصحيح، هل بفهم طائفة كذا، أو حزب كذا، أو جماعة كذا، أو الشيخ فلان؟.


وحلُّ هذا الإشكال سهل لمن كان صادقًا في البحث عن الحقيقة، والتجرد للحق، والانطلاق من دائرة الإنصاف نحو الصواب، وهو: أن الطوائف والجماعات، والأحزاب والشخصيات ليست معصومة من الزلل، ففيها حق وباطل، ولكن الشيء المعصوم الذي نجد الحل فيه هو: كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة رسول الله الصحيحة، وسيرته وحياته التي تمثَّلّ فيها الإسلامَ في أبهى صوره. فننظر كيف فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف عمل، وكيف تعامل مع ربه، ومع كتابه، ومع نفسه، وكيف تعامل مع المسلمين، وكيف تعامل مع الكافرين، فنقتدي به، ونسير على دربه، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

وهذا الأمر يوجب على الإنسان المتحير في مفترق الطرق الرجوعَ الواعي إلى القرآن والسنة الصحيحة، وسؤال أهل العلم الموثوق بعلمهم، وإنصافهم، كما أنه يوجب على علماء الأمة الكبار أن يصدعوا بالحق بحكمة، وأن لا يكنوا مؤطَّرين ضمن طوائف وجماعات، وأحزاب وتكتلات يدورون في إطارها في الحق والباطل، يسمعون بسمعها، وينظرون بعيونها، ويفكرون بعقولها، ولا يخرجون عن مشروعها الضيق.


أيها المسلمون، إن الإسلام الذي ترجى آثاره الحسنة في الدنيا والآخرة، وتُصلح به الأحوال الخاصة والعامة ليس هو الانتساب إلى الإسلام من غير ممارسة عملية باطنًا وظاهراً في واقع حياة الإنسان. فالحياة الإسلامية للمسلم مع دينه العظيم لا تنحصر في جانب واحد من جوانب الإسلام مع إفراغ الجوانب الأخرى من شعائر هذا الدين الحنيف، بل الحياة الحقيقية مع الإسلام أن يكون هو الحاكمَ والموجِّه والنور في جميع شؤون حياة المسلم. فيكون الإسلام معه في جميع مظاهر حياته الخاصة والعامة.

الحياة مع الإسلام أن يكون الإسلام هو منطلق المسلم إلى أهدافه، ومرجعه عند اختلاف أموره، وليست الحياة مع الإسلام أن ينتقى منه ما يوافق الهوى، ويترك ما لا يوافقه.


أيها الأحبة الفضلاء، إن المسلم إذا صبغ حياته بالإسلام الصافي باطنًا وظاهراً، وسمع وأطاع ما جاء فيه، وسار عليه في حياته كلها فإنه سيعيش حياة سعيدة، معمورة بالاطمئنان والراحة، وستقبل إلى فنائه وفود الخيرات، وسترحل عنه كتائب المكدِّرات، وأهل الإسلام إذا حكَّموا الإسلام في جميع جوانب حياتهم الخاصة والعامة عاشوا أعزة شرفاء، وصارت لهم مكانة مرموقة عند الله تعالى، وبين خلقه. فما أحسنَ الحياة والإسلامُ حاكمها، وشريعته حية في جميع شؤونها، يَرِدها الناس ويصدرون عنها، ولا يلجؤون إلى سواها مما يخالفها. أهل هذه الحياة تُفْتحُ عليهم بركاتُ السماء والأرض، ويحفظ لهم الدين والنفس والمال والعرض، وتصلح جميع أحوالهم، ويعيشون في جنة في الدنيا قبل جنة الآخرة بإذن الله تعالى.

قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وقال: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

أيها المسلمون، وبعد هذا، فماذا علينا تجاه نعمة الإسلام العظيمة التي منَّ الله تعالى بها علينا من غير جهد منا ولا قوة؟؛ فبعض المسلمين الجُدد اليوم يظلون يبحثون عن الدين الحق سنوات إثر سنوات، ويبذلون أشياء كثيرة من جهد ووقت، ومال وتحرٍّ حتى يصلوا بعد ذلك إلى نعمة الإسلام التي وصلتَ إليك - أيها المسلم - عن طريق أبويك، ومجتمعك المسلم؛ فلهذا لا غرابة أن نرى لدى بعض المسلمين الجدد تمسكًا شديداً بالإسلام، وحرصًا كبيراً عليه، وحزنًا على أهله المظلومين، وفي المقابل نرى انفلاتًا عند بعض المسلمين الذين أخذوا دين الإسلام بالوراثة.


فعلينا - عباد الله -: أن نشكر الله تعالى ونحمده على هذه النعمة العظيمة، ونجعل من أنفسنا أهلاً لها بصلاح أعمالنا. وعلينا كذلك: أن نبذل جزءاً من وقتنا لمعرفة ديننا، والتفقه فيه؛ لنكون على دراية به؛ ولنحمي أنفسنا من الشبهات التي تُثار حوله، فمن كان ذا بصيرة بدينه، وعملٍ خالص لربه صار له درعٌ واقٍ من سهام الأهواء المضلِّة، والشهوات المزلِّة. وما تشرَّب متشرب شبهاتِ الضلال إلا لجهله، أو ميل نفسه إلى حب الشهوات، أو الظفر بالمصالح العاجلة. وعلينا أيضًا: أن نعمل بشعائر ديننا في باطننا وظاهرنا، وأن نكون مسلمين حقًا وصدقًا، فلا يكون الإسلام في جانب ونحن بأعمالنا في جانب آخر مباينٍ له. وأخيراً علينا: أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: ماذا قدمنا للإسلام؟، فإذا متنا كنا قد وضعنا لبنة في صرح الإسلام المشيد، أو شاركنا في حمايته وحراسته.

وأختم حديثي إليكم بقصة رجل حمل همَّ نشر الإسلام، وحرص على إيصال هذا الخير إلى من لا يعرفه، وجدَّ واجتهد حتى بسقت شجرة جهده وعطائه، وأثمرت ثمرات يانعة باقية.


هذا الرجل لم يكن عالمًا شرعيًا، وإنما كان طبيبًا متخصصًا في الأمراض الباطنية، والجهاز الهضمي، هجر هذا الطبيب مكان الدعة والترف والراحة إلى مكان الفقر والنصب والتعب، وانتقل من علاج الأجساد إلى علاج الأرواح والأجساد معًا في قارة أفريقيا. هذا الرجل هو الدكتور الداعية المبارك: عبد الرحمن السميط رحمه الله، الذي ترك الكويت ونعيمها واتجه نحو القارة السمراء لإضاءتها بنور الإسلام. فبقي في تلك الوجهة الدعوية تسعًا وعشرين سنة، فما هي ثمرات هذا العطاء العمري الكريم في تلك البلاد؟

لقد أسلم على يديه أحد عشر مليون إنسان، كما في بعض الإحصائيات، هؤلاء غير الذين سيسلمون على أيدي هؤلاء المسلمين بعد وفاته، فكم هو الأجر العظيم الذي سيناله هذا الرجل- إن شاء الله -؟، رحمه الله رحمة واسعة.

هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 6/ 5/ 1438هـ، 3/ 2/ 2017م.

[2] رواه مسلم.

[3] موسوعة الشعر الإسلامي (24/ 1).

[4] قالوا عن الإسلام، د/ عماد الدين خليل (ص: 477).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ماذا يعني تطبيق الشريعة؟
  • لماذا نطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية؟

مختارات من الشبكة

  • التغير في المفاهيم التربوية: التعليم مدى الحياة أم التعليم من أجل المساهمة في وظيفية الحياة؟!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • عقبات الحياة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الموازنة بين العمل وشؤون الحياة(استشارة - الاستشارات)
  • خطبة: الحياة في سبيل الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أبناء عبدالله بن عمر العدوي حياتهم وأثرهم في الحياة الاجتماعية والعلمية في المدينة المنورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حياة محمد صلى الله عليه وسلم وصناعة الحياة (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وحين تكون الحياة حياة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الفرق بين الحياة المستمرة والحياة المستقرة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • رقي الحياة في حياة الرقي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فقدت طعم الحياة وملأ اليأس حياتي(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب