• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الخوف من الجليل

الخوف من الجليل
الشيخ حسين شعبان وهدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/2/2017 ميلادي - 19/5/1438 هجري

الزيارات: 34361

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخوف من الجليل

 

الحمد لله أجلِّ مقصودٍ وأكرمِ معبودٍ، سبحانه.. ينشر شآبيب الرحمة في قلوب الخائفين من عباده ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ (الشورى: 28).

 

يا أخا الإسلام:

قَضَى اللهُ مَوْلانَا عَلَى الخَلْقِ بِالفَنَا
ولا بُدَّ فيهِمْ من نُفُوذِ قَضَائِهِ
فخُذْ أُهْبَةَ الموْتِ من عَمَلِ التُّقَى
لِتَغْنَمَ وقْتَ العُمْرِ قبْلَ انقِضَائِهِ
وإِيَّاكَ والآمَالَ فالعُمْرُ يَنْقَضِي
وأَسْبَابُهَا مَمْدُودَةٌ مِن وَرَائِهِ
وحاَفِظْ على دِينِ الهُدى فلَعَلَّهُ
يَكُونُ خِتَامُ العُمْرِ عندَ انْتِهَائِهِ
فَدُونَكَ مِنِّي فَاسْتَمِعْهَا نصِيحَةً
تُضَارِعُ لَوْنَ التِّبْرِ حَالَ صَفَائِهِ

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، يجير الخائفين من بأس الدنيا وعذاب الآخرة بمحض عفوه ورحمته، ويمنح الأمل للراجين من فضله وكرمه.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، كان قلبه الشريف أشد القلوب تعلقاً بربه رغباً ورهباً، وهو القدوة العظمى في بابِ الرَّجاءِ.

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

فالخَوْفُ من الجليلِ مطيةُ الوصولِ إلى رضاه، وهو في قلب العبد محجَّةُ الوقايةِ والنَّجَاةِ، ومخافة الرحمن أمانُ الأرْواحِ المؤمنةِ من الأخطار العاجلةِ والآجلةِ، قال الله تعالى: ﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ (آل عمران من الآية 175)، ومدخل الرجاء في باب الخوفِ أنه ضامنٌ بإذن الله لسعادة الدنيا ونعيم الآخرة، قال الله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ (الرحمن 46).

 

وقالوا عنه تعريفاً: [ تألمُ القلبِ وانزِعَاجُهُ لتوقعِ مكْروهٍ في الاستقبالِ ] (الشيخ علي محفوظ / هداية المرشدين 213 بتحقيق مجدي فتحي السيد / المكتبة التوفيقية - القاهرة)، وقالوا عنه في كُنْهِ معناه وعن علو رتبته ومنزلته: [ مِنْ أَجَلِّ منازل الطريق وأنفعها للقلب وهي فرضٌ على كُلِّ أحدٍ ] (ابن القيم / مدارج السالكين ص 486/ج1/بتحقيق محمد حامد الفقي ومحمد عبد المطلب الطيب / المكتبة التوفيقية - القاهرة).

 

مخافةُ اللهِ تَذْكِرَةٌ قُرْآنِيَّةٌ

والقرآن الكريم متجدد الدعوة بذاتِهِ إلى الخوف من الله لأنهُ تذكرة الخائفين من جلال الله رب العالمين فمن يقرأ القرآن يُصبْهُ من خوف مولاه ما ينصلحُ به حاله، قال الله تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ (ق من الآية 45)، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ (الأنعام 51)، والإنذارُ مظنَّةُ التخويفِ كما قال الله ربنا عز وجل: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ (يس 96-70)، وقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾ (طه:113).

 

فمن جال بنظره وبصيرته في آيات القرآن ومعانيه نالَ قلبُهُ أوفى الحظوظِ من الخوف الذي يورثُ القلبَ خشيةً والعينَ دَمْعاً، لأن القرآن الكريم غالباً ما يقدم العبرة من نهايات قصص الأنبياء للاعتبار والخوف من عذاب الله حتى يدركَ المسيئون ما فعل الله بالأقدمين، فبعدما ذكر طرفاً من قصة موسى وفرعون قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾ (103)، وينعتُ الأبرارَ بالخوف في قوله تعالى: ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ (الإنسان:7) ، ويعلل على لسانهم هذا الإنفاق المتتابع للمسكين واليتيم والأسير بلا تردد بسبب خوفهم من ربهم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ (الإنسان 9:10).

 

والخوف من الجليل ضمان الرضا والنعمة من واهبها، ألا ترى أن الله قد أنعم على أهل مخافته بقوله: ﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ (المائدة:23)، والخوف من الله تعالى عِزٌ وجاهٌ وفضلٌ موهوبٌ، قال الله تعالى عن أهل محبته: ﴿ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (المائدة من الآية 54)، والخائفون من الله تعالى لا شك أنهم من أولى الألباب الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾ (الرعد:21)، والخائف من ربه موعودٌ بالاستخلاف في الأرض قال الله تعالى: ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ (إبراهيم 13: 14).

 

ومن خاف الله في الدنيا نال الأمان في الآخرة، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَروي عن ربِّه جلَّ وعلا قال: وعزَّتي لا أجمَعُ على عبدي خوفَيْنِ وأمنَيْنِ إذا خافني في الدُّنيا أمَّنْتُه يومَ القيامةِ وإذا أمِنَني في الدُّنيا أخَفْتُه يومَ القيامةِ" (صحيح ابن حبان 640)، وعن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يلجُ النَّارَ من بَكى مِن خشيةِ اللَّهِ حتَّى يعودَ اللَّبنُ في الضَّرعِ ولا يجتمِعَ غبارٌ في سبيلِ اللَّهِ ودُخانُ جَهنَّمَ في منخرَي مسلِمٍ أبدًا ويروى في جوفِ عبدٍ أبدًا ولا يجتَمعُ الشُّحُّ والإيمانُ في قلبِ عبدٍ أبدًا" (الألباني في تخريج مشكاة المصابيح 3715وقال: حديثٌ صحيحٌ).

 

وعلى العموم فإن خوف الله تعالى بابُ الولوجِ للأمانِ في الدُّنيا والآخرة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ رجلًا كان قبلَكم، رَغَسَهُ "رزقه" اللهُ مالًا، فقال لِبَنيهِ لمَّا حضَر: أيُّ أَبٍ كنتُ لكُم ؟ قالوا: خيرَ أَبِ، قال: إنِّي لَم أعملْ خيرًا قطُّ، فإذا مِتُّ فاحْرِقوني، ثمَّ اسْحَقوني، ثمَّ ذَرُّوني في يومٍ عاصِفٍ، ففَعلوا، فَجَمعَه اللهُ، فقال: ما حمَلكَ ؟ قال: مَخافتَكَ ؛ فَتلَقَّاه برحمتِهِ" (الألباني في صحيح الجامع 2077 وقال: حديثٌ صحيحٌ).

 

خوف النبي وصحابته

وكان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم القدوة الأولى في هذا الخلق الكريم، فعن وهب بن عبد الله السوائي أبو جحيفة قال: "قالوا: يا رسولَ اللهِ ! قد شِبْتَ ؟ قال: شيَّبتني هودٌ وأخواتُها. وفي روايةٍ: شيَّبتني هودٌ، والواقعةُ والمرسلاتُ وعمَّ يتساءلونَ وإذا الشمسُ كُوِّرتْ" (الألباني في تخريج مشكاة المصابيح 5238 وقال: صحيحٌ لغيره وإسناده صحيح)، وقال صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعمُ وقد التقمَ صاحبُ القرنِ القرنَ وحنى جبهتَه وأصغى سمعَه ينتظر أن يؤمرَ أن ينفخَ فينفخ قال المسلمون فكيف نقول يا رسولَ اللهِ قال قولوا حسبُنا اللهُ ونعمَ الوكيلُ توكَّلْنا على اللهِ ربِّنا وربما قال سفيان على اللهِ توكَّلنا" (سنن الترمذي 3243 وقال: حديثٌ حسنٌ عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه).

 

وقد دعت سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الخوف من الجليل في كثيرٍ من الأحاديث الشريفة، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "سبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأ في عبادةِ ربِّه، ورجلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلان تحابَّا في اللهِ اجتَمَعا عليه وتفَرَّقا عليه، ورجلٌ طلَبَتْه امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجمالٍ، فقال إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصَدَّق، أخفَى حتى لا تَعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه، ورجلٌ ذَكَر اللهَ خاليًا، ففاضَتْ عيناه" (صحيح البخاري 660 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه)، وجميع الصور الواردة في هذا الحديث الشريف تبين مخافة الله تعالى وخصوصاً من حذر الوقوع في فتنة النساء ومن فاضت عيناه من خشية الله، وعن هذا الخوف من جلال الله الذي يورث العين دمعاً يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "عَينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ: عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل اللهِ" (سنن الترمذي 1639 وقال: حديثٌ حسنٌ عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما).

 

وكذلك كان صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم أجمعين فقد كانوا بكائين من خشية الله وخائفين من جلاله، كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في وجهه خطان مثل الأخدود من غزارة الدمع وشدة البكاء من خشية الله تعالى، وكان عمران بن حصين يقول من خوفه لربه: [ لوددت أني كنت رماداُ على أكمةٍ فتنسفني الريح في يومٍ عاصفٍ، وكان شداد بن أوس الأنصاري رضي الله تعالى عنه إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم فيقول: اللهم إن النار أذهبت مني النوم فيقوم فيصلي حتى يصبح ] (محمد بن يوسف الكاندهلوي / حياة الصحابة /ص 732 تحقيق محمد الإسكندراني دار الكتاب العربي بيروت2005م).

أيا من ليس لي منه مجيرُ
بعفوك من عذابك استجيرُ
أنا العبد المقر بكلّ ذنب
وأنت السيّد المولى الغفورُ
فإن عذّبتني فبسوء فعلي
وأن تغفر فأنت به جديرُ
أفر إليكم منك وأين إلاّ
إليك يفرّ منك المستجيرُ

 

وعن عبد الله بن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما قال: "لمَّا أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ على نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه الآيةَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾، تلاها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ على أصحابِه فخرَّ فتًى مغشيًّا عليه، فوضع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدَه على فؤادِه، فإذا هو يتحرَّكُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا فتًى قُلْ: لا إلهَ إلَّا اللهُ. فقالها: فبشَّره بالجنَّةِ، فقال أصحابُه: يا رسولَ اللهِ أمن بيننا ؟ فقال: أوَ ما سمِعتم قولَه تعالَى: ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ (المنذري في الترغيب والترهيب 4/194 وقال: إسناده صحيح أو حسن أو ما يقاربها).

 

خوف الملائكة والعلماء والمؤمنين

وخوف الملائكة من الله تعالى خوف تقديسٍ وإجلال، قال الله تعالى عنهم: ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (النحل 50)، وخوف العلماء ناتجٌ عن معرفتهم بأنفسهم وبربهم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ (فاطر من الآية 28)، وقدوتهم في ذلك سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: "... والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" (صحيح البخاري/كتاب النكاح 4776).

 

وأما خوف المؤمنين فهو خلقٌ من أهم أخلاقهم طول الحياة حتى لقاء الله طمعاً في جنته وفطاماً للنفس عن طغيان الهوى، قال الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ (النازعات 40:41)، وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ (الزمر 13).

 

وانعم به من خلقٍ كريمٍ يدفع إلى مراقبة الله في الخلوات والجلوات، فلو خاف الله أهل المسئوليات العظمى لأتحفوا الدنيا بالعجائب من الفكر والأمانة والعدل بين المرؤوسين، ولو خاف الله أرباب المهن وقاموا بحقها دون إبطاء لقامت معالم الحضارة على الفور، ولو خاف الله تعالى الأزواج والزوجات والبنين والبنات والأقارب والجيران فيما بينهم من علاقات لتغيرت بعض الصور المشينة التي يترجمها الواقع من فقد الخوف في القلوب.

 

وعندما يغيض منسوب الخوف من الجليل في حياة الناس فحدث ولا حرج عن الباطل الذي يمرح في المجتمع من التظالم بأكل الأموال بالباطل وضياع الحقوق وانتحار القيم ومن الشقاق وانزواء الأخلاق الرشيدة من واقع الحياة، حيث يتحول الإنسان إلى شريعة الهوى والاحتكام إلى نداءات الرغائب المتسفلة، ومن مأثور الكلام بين الناس: خف ممن لا يخاف من الله، وقال ابن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه: رأس الحكمة مخافة الله.

 

[ قال أبو حفصٍ: الخوف سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه، والخوف سراج الله في القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر، وكلُّ احدٍ إذا خفته هربت منه إلا الله عز وجل فإنك إذا خفته هربت إليه، فالخائف هاربٌ من ربه إلى ربه. قال أبو سليمان: ما فارق الخوف قلباً إلا خرب، وقال إبراهيم بن سفيان: إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها، وقال ذو النون: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف فإذا زال عنهم الخوف ضلوا الطريق ] ( مدارج السالكين 488"سابق").

فيا مَنْ باتَ يَنْمُو بالخطايَا
وعَينُ اللهِ سَاهِرَة تَراهُ
أتَعْصِي اللهَ وهو يَراكَ جَهْرًا
وتَنْسَى في غدٍ حقاً تَراهُ
وتَخُلو بالمعَاصِي وهو دَانٍ
إليكَ وَليسَ تَخشَى مِنْ لِقَاهُ
وتُنْكِرُ فِعْلهَا وَلها شُهُود
بمَكتُوب عَليكَ وَقدْ حَوَاهُ
فيا حُزْن اُلمسِيءُ لِشُؤِم ذنْبٍ
وبَعْدَ الحزْنِ يَكْفِيهِ حماهُ
فَيَنْدُبُ حَسْرَة مِن بَعدِ مَوتٍ
ويَبْكِي حَيْثُ لا يُجْدِي بُكَاهُ
يَعضُّ اليَدَّ مِن نَدَم وحُزْنٍ
وَيَنْدُبُ حَسْرًة مَا قدْ عَرَاهُ
فبادِرْ بالصلاح وأنْتَ حَيٌ
لعّلكَ أنْ تَنَال بهِ رضَاهُ

 

والخوف جنديٌّ راسخُ في باب الأدب يؤدب الله به من يشاء من عباده منعاً وزجراً، وقد ضرب الله تعالى به المثل للوعيد بمن اجترح السوء واجترأ على المعاصي، قال الله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ (النحل: 112).

 

وليس من الخوف الممدوح أن يخاف الإنسان من مثله من بني البشر على نفسه ورزقه ويكتم الحق أو يذيع الباطل، فالآجال مضروبة والأرزاق مقسومة ولكن عليه أن يتوخى الحذر عند نذر الخوف إذا بدت.

فالمؤمن لا يخاف إلا الله ولا يتوكل إلا على الله، وهي للأسف الشديد في دنيا الناس على الحقيقة كلماتٌ تقال على الألسنة فإذا أدرج الناس في مدارج الاختبار بدا من بكى ممن تباكى، فما أشهر البيان عن خوف الله على ألسنة المجترئين!

 

ومن تاريخنا وقفاتٌ صامدةٌ تبين أن العلماء يدفعون بالحق في وجوه من ينكلون بهم ولا يخافون إلا الله رب العالمين، ها هو الإمام سعيد بن جبيرٍ رضي الله تعالى عنه في موقفه الشهير أمام الحجاج بن يوسف الثقفي كما ورد في الحلية ونقله الذهبي في السير: [ قال لسعيد وهو يرسف في قيوده: ما اسمك ؟ قال: سعيد بن جبير، قال: أنت شقي بن كسير. قال: بل أمي كانت أعلم باسمي منك. قال: شقيت أنت وشقيت أمك. قال: الغيب يعلمه غيرك. قال: لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى. قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها. فقال الحجاج: ويلك يا سعيد. قال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار. قال: اختر أي قتلة تريد أن أقتلك، قال: اختر لنفسك يا حجاج، فو الله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة. قال: اذهبوا به فاقتلوه. فلما خرج من الباب، ضحك، فأخبر الحجاج بذلك، فأمر برده، فقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك! فأمر بالنطع فبسط، فقال: اقتلوه. فقال ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ (الأنعام:79) قال: شدوا به لغير القبلة. قال: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة: 115) قال: كبوه لوجهه. قال: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ (طه: 55) قال: اذبحوه قال: إني أشهد وأحاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة. ثم دعا سعيد الله وقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي. فذبح على النطع.

وعاش بعده خمس عشرة ليلة قضاها في عللٍ متواصلةٍ من الآلام حتى لقي حتفه ] ( محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي / سير أعلام النبلاء ص332:331 ج4 مؤسسة الرسالة للطبع والنشر 2001م "بانتقاء وتصرفٍ يسيرٍ جداً").

 

وأخيراً:

فمن الخير للعباد أن يداوموا على الموازنة بين الخوف والرجاء في قلوبهم، فإن شدة الخوف يمكن أن تصيبهم باليأس والقنوط وإن غمرة الرجاء يمكن أن تلقيهم في بحار الأماني بلا زادٍ من الطاعات والقربات، والله تعالى قد صَفَّى الحساب بينهما بلا تقدمٍ لأحدهما على الآخر فقال تعالى: ﴿ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾ (الإسراء من الآية 57).

 

[ والقلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر ومتى فقد الجناحان فهو عرضةٌ لكل صائدٍ وكاسرٍ، وأكمل الأحوال اعتدال الخوف والرجاء وغلبة المحبة فالمحبة هي المركب والرجاء حادٍ والخوف سائقٌ والله الموصل بمنه وكرمه ] (مدارج السالكين 492"سابق")، وهكذا كان العظماء من هذه الأمة في الرغبة والرهبة [ فعن الحسن رضي الله تعالى عنه أن أبا بكرٍ الصديق رضي الله تعالى عنه قال: ألم تر أن الله ذكر آية الرخاء عن آية الشدة وآية الشدة عند آية الرخاء ليكون المؤمن راغباً راهباً لا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقي بنفسه إلى التهلكة ] (حياة الصحابة 730"سابق")

خفِ الله وارجوه لكلِّ عظيمةٍ
ولا تطع النَّفس الّلجوج فتندما
وكن بين هاتين من الخوف والرَّجا
وأبشر بعفو الله إن كنت مسلما

 

وسبحان الله المنعم بالخوف على بعض خلقه ليرتدعوا، ويُكرم بعض عباده بالأنس والمحبة والشوق لجنابه ليزيدهم بِرّاً وهدى، وهو العالِم بما يصلحهم، فبره زائد وكرمه بين الخلائق عائد.

نستمنح مولانا الكريم منح الهداية وأمن النفوس والأرواح وأن لا يبتلينا بالغفلة ولا يسلط علينا شرارَ خلقه ونسأله سبحانه أن ينشر علينا لواء الأمان يوم الفزع الأكبر إنه ولي المؤمنين.

والحمد لله في بدءٍ وفي ختمٍ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخوف والرجاء (1 - 2)
  • الخوف والرجاء (2-2)
  • هديه - صلى الله عليه وسلم - في الخوف
  • الخوف من الله
  • الخوف من الله
  • الخوف والرجاء
  • ثمرات الخوف من الله تعالى (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الخوف من الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • توحيد الله تعالى في الخوف والرجاء: مسائل عقدية وأحكام في عبادة الخوف والرجاء (كتاب تفاعلي)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لماذا الخوف من الله؟ الخوف من التقصير(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الخوف كل الخوف على من لا تعرف التوبة إليه سبيلا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخوف من علاج الخوف(استشارة - الاستشارات)
  • عبودية الخوف والرجاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نحن وثنائية الخوف والحزن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الخوف من الناس والخوف من الله(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • وقفات مع القدوم إلى الله (9)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخشية من الله وآثارها(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب