• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سفيه لم يجد مسافها
    محمد تبركان
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عفة النفس: فضائلها وأنواعها (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    لا تغضب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة السيرة: تحنثه صلى الله عليه وسلم في
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / نوازل فقهية
علامة باركود

معالجة النوازل في إطار الشرعية التجريمية والعقابية

د. مسلم اليوسف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/2/2017 ميلادي - 11/5/1438 هجري

الزيارات: 9285

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معالجة النوازل

في إطار الشرعية التجريمية والعقابية


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.[1]

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [2].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [3].

 

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [4].


فهذا بحث مبسط في معالجة النوازل في إطار الشرعية التجريمية والعقابية في الشريعة الإسلامية وذلك من عدة نقاط:

• مفهوم سياسة التجريم في التشريع الجنائي الإسلامي.

• خصائص سياسة التجريم في الشريعة الإسلامية.

 

إن معالجة النوازل، والقضايا المستحدثة والجرائم الموصوفة اجتماعياً، لا يكون إلا في إطار الشرعية التجريمية والعقابية ففي أي نازلة تنزل بالمسلمين، وديارهم لابد لها من حل شرعي سليم، فكل مسألة خرجت عن إطارها الشرعي ليست من الشريعة، وإن دخلت فيها عن طريق الخطأ أو التأويل[5]، وتكييف ذلك يعود إلى لجنة من العلماء، والمختصين بشؤون تلك النازلة، لذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( كلكم راع وكلكم مؤول عن رعيته ) [6].

 

ولا شك أن عدم معالجة النوازل، والقضايا المستحدثة، والجرائم الموصوفة اجتماعياً في إطار الشرعية التجريمية، والعقابية يعمل على انتشار الجريمة والفساد، لأن الأمة بمجموعها، وآحادها في ضرورة إلى تحصيل ذلك، بحيث إذا هتكت تؤول إلى الفساد والضياع، لذلك يجب معالجة القضايا المستحدثة في إطارها الشرعي الصحيح.

 

مفهوم سياسة التجريم في التشريع الجنائي الإسلامي:

يقوم مفهوم التجريم في الشريعة الإسلامية على إضفاء الحماية الجنائية على مجموعة من المصالح، والقيم والمبادئ التي تعمل الشريعة السمحة على حفظها باعتبار أهميتها في حفظ كيان المجتمع الإسلامي، فالشريعة الإسلامية تعتبر الأخلاق الفاضلة أولى الدعائم التي يقوم عليها المجتمع، ولهذا فهي تحرص على حماية الأخلاق، وتتشدد في حمايتها بحيث تكاد تعاقب على كل الأفعال التي تمس مكارم الأخلاق، لتكوين الأمة الصالحة التي تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر.[7]

 

إن النظام التجريمي في الشريعة الإسلامية يهدف في تجريمه لبعض السلوكات، والأفعال إلى حماية مصالح الأفراد في مختلف تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية، فالمقاصد الرئيسية للشريعة الإسلامية تشتمل على مصالح العباد، فما من أمر شرعه الإسلام إلا كانت فيه مصلحة حقيقية للعباد، والهدف من تجريم أي فعل أو أمر ما إلا لأنه فعل الضار بالعباد، والذي يجب على الفرد والجماعة اجتنابه حفاظاً النفس والدين، وأفراده، وجماعته.

 

خصائص سياسة التجريم في الشريعة الإسلامية:

إن سياسة التجريم التي ينتهجها المشرع الإسلامي تتميز بخصائص جوهرية تهدف أساسا إلى التأكيد على شموليتها، وسموها، ولعل أهم هذه الخصائص هي التدرج في التشريع، واقتصاره على الكليات دون الجزئيات، والعموميات دون الخصوصيات من جهة ثانية.

 

أولاً -  التدرج التشريع:

لقد تدرج الشارع الحكيم في وضعه للأحكام التكليفية الجنائية، وذلك تبعا لحاجة الزمان، وقدرة الناس على استيعاب، وتقبل ما فرض عليهم من أوامر ونواهي، لذا اقتضت الحكمة الإلهية - رحمة بالناس - التدرج بالأحكام حتى ألا يفاجئوا بحكمها جملة واحدة، فيعسر عليهم تقبلها، والامتثال له. ولهذا نزل القرآن الكريم منجماً، فجاءت الأحكام الشرعية متدرجة حتى يكون السابق منها ممهداً للنفوس لقبول اللاحق، ولعل أشهر مثال على تدرج التجريم هو التدرج في تحريم الخمر [8]، حيث أن الشارع الحكيم وقف موقفاً حازماً من شرب الخمر، لكنه مع ذلك لم يجرمها جملة واحدة، لكون العرب قبل الإسلام يدمنون شربها، ويتغنون بها في أشعارهم، ونثرهم، ولم يكن قط من السهل تجريمها عليهم دفعة واحدة، فلم يكن تحريمها كلية، وإنما على مراحل عدة تلائم نفسية المكلفين، وظروفهم وعصرهم [9].

 

ثانياً - اقتصاره على الكليات دون الجزئيات والعموميات دون الخصوصيات:

ومقتضى ذلك، أن الشارع الحكيم عمل عند بيانه للجرائم، والمحظورات الشرعية على الاقتصار على وضع الأصول الكلية، والقواعد العامة، والأحكام الإجمالية من غير التعرض إلى جميع الجزئيات، والتفاصيل والكيفيات والمراحل [10].

 

ولعل العلة والمقصد في وضع النصوص التجريمية على هذا الشكل أن الشريعة الإسلامية لا تقبل التعديل أو التبديل، فوجب أن تكون نصوصها - الجنائية وغير الجنائية - من المرونة، والعموم ما يمكنها من استيعاب ما يستجد من التغييرات، والتطورات البشرية مهما تغيرت ظروف الزمان، والمكان والأشخاص.

 

إن هذه الخاصية المتميزة في التشريع الجنائي الإسلامي تتيح للحاكم، وأولي الأمر من أهل الحل والعقد في الأمة الإسلامية منفذاً واسعاً، ومجالاً فسيحاً في باب السياسة التجريمية، بحيث يستطيع أولى الأمر، ومن يمثلهم من أهل العلم في معالجة أية واقعة ونازلة في تجريم كل فعل، أو سلوك  جد في المجتمع، وإن لم يكن قد نص على حكمه تفصيلا، وذلك كله في ظل كليات، وعموميات الشريعة الإسلامية السمحة [11].

 

ففي الجرائم المتعلقة بحوادث المرور[12]- على سبيل المثال - فهذه النازلة من الموضوعات الفقهية التي تحتاج إلى دراسة، وبحث دقيقين في إطار الشرعية التجريمية والعقابية، ذلك أن معالجة مسائل حوادث المرور هو حديث معاصر له أسس شرعية، لأن هذه الحوادث كثيراً ما تؤدي إلى إزهاق الأرواح، وإتلاف الأبدان والأموال، فما طبيعة تلك الجرائم التي تنتج عن تلك الحوادث؟.

 

لقد أهتم الفقه الإسلامي في موضوع الجنايات، بطبيعة كل جناية، وما يصاحبها من ظروف، وملابسات وقوعها ونية الجاني ومقصده، وبذلك تحدث الفقهاء عن الجناية المقصودة وغير المقصودة .... وغيرهما. فربما تكون الجناية خطأ إذا لم تكن مقصودة، وتكون متعمدة إذا كانت مقصودة.

 

فسائق المركبة الذي يدهس شخصا، فيقتله، فهو مخطئ غير قاصد للقتل، فالسائق يعتبر مرتكب جناية القتل الخطأ بغض النظر عن كونه مخالفا لقانون تحديد السرعة مع أنه لو ثبت ذلك، فيعتبر قاصدا لمسببات الجريمة.

 

وفي مجال الخطأ أيضاً هناك جانب يتعلق بما يقع من الشخص، وهو عالم أو جاهل بفعله ونتائجه، حيث قد تقع الجناية والجاني فاقد العلم وقت وقوعها، وهذه تسمى جناية جارية مجرى الخطأ.

 

لعل تلك هي أهم المحددات لطبيعة الجناية في الشريعة الإسلامية والتي يستنبط منها إطار الشرعية التجريمية، والعقابية لأي نازلة من نوازل العصر، وعليه، فإن النظر في الجناية المرورية تقسم إلى ما يلي:

أ- جنايات مرورية تقع دون قصد في إحداثها مطلقا: مثل ظهور خلل مفاجئ في كوابح المركبة مما أدى إلى صدم إنسان، فمات من جراء ذلك.

ب - جنايات مرورية تقع بتعمد مسبباتها دون قصد نتائجها: كمثل السائق الذي يحمل حمولة زائدة عن المسوح به، لضعف في الحبال تسقط بعض تلك الحمولة أمام مركبة مما يجعلها تنقلب، ويموت كل من فيها.

ج - جنايات مرورية تقع دون علم بالفعل، ولا بالنتائج: مثاله كمن كان يقود شاحنة كبيرة وبشكل نظامي فيتعلق بشاحنته طفل من دون أن يدري، فيتعثر هذا الطفل نتيجة سرعة النظامية للشاحنة، فيسقط الطفل ويموت.

د - جنايات مرورية تقع تحت الإكراه: ومثالها كمن يقود مركبته بسرعة هارباً من مجرم يريد قتله، فيصدم من جراء ذلك شخصا فيقتله.

هـ - جنايات مرورية تقع بفقدان متعمد للوعي والإكراه: ومثاله السائق الذي يشرب الخمر، فيصدم من جراء ذلك شخصا فيقتله.

 

ومن خلال ما سبق يمكن القول أن الجناية المرورية تكون غالباً ناتجة عن خطأ، وليست عن عمد مع اختلاف درجات الخطأ، ووجوهه وفق التفصيل السابق، فربما يكون ناتجاً عن الإهمال في احترام نظام المرور، وقد يكون ناتجاً عن التقصير في التحرز من الأدنى وعدم القيام بواجب الصون، أو ناتجاً عن تعمد مخالفة كل ذلك، بما يجعل منها جناية واقعة بفعل قصد مسببات الفعل، ويقر بها من الجناية شبه العمد التي يتوفر فيها قصد الفعل، ولا يتوفر القصد إلى الجناية.[13]

 

فالجريمة التي تقع فيه يمكن معالجتها في إطار الشرعية التجريمية والعقابية للعقوبات التعزيرية، فعدم مراعاة سائق المركبة لقواعد تقنين المرور يعتبر من باب ترك المندوب الذي يجب مراعاته تحقيقا للمصلحة العامة، ولا يكون السائق مسؤولا مسؤولية جزائية ومدنية عن كل فعل يقوم به إلا وفقا للشروط التالية:

1- وجود نصوص تقنينية: تبين الفعل المجرم والعقوبة أيضا، لأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي.

2- أن يكون السائق مختارا: فسائق المركبة يعتبر مسؤولا عن كل فعل متعمد لمخالفة لوائح تقنين السير، وعليه فالخطأ الذي يقع من سائق المركبة دون قصد لا يتحمل مسؤوليته إلا بمقدار مشاركته في التسبب بالضرر الواقع على الغير.

 

فلو نتج عن سير الإنسان أو مركبة أي تلف أو أذى مهما كان بسيطاً، فإنه يضمن كل ما أتلفه، إذا كان بإمكانه أن يتحرز منه، أما ما لا يمكن الاحتراز منه كإثارة الغبار من السيارة فإنه لا يضمنه قياساً على عدم المسؤولية على هذا الفعل اليسير والذي يصعب عدم القيام به.

 

وقد أشارت المادة 926 من مجلة الأحكام العدلية إلى ذلك،

فقالت: ( لكل واحد حق المرور في الطريق العام، ولكن بشرط السلامة، يعني أن مروره مقيد بشرط أن لا يضر غيره بما يمكن التحرز منه ).

ولعل أنه بمروره في الطريق العام ينتج عنه حقين:

1- أنه استعمل حقه في المرور المباح.

2- أنه تصرف في حق غيره كونه المرور في الطريق العام حق مشترك بين كل الناس، وقد علل عدم اشتراط أي ضرر بحيث تشمل ما يمكن التحرز منه، ربما سيؤدي ذلك إلى الضر البالغ في مستعمل الطريق العام حيث سيمتنع عن المسير مخالفة أن يبتلى بما لا يمكن التحرز منه. وذكرت المادة 932 من مجلة الأحكام العدلية، فنصت: ( لكل واحد حق المرور في الطريق العام بحيوانه بشرط السلامة، فيما يمكن الاحتراز عنه، وبناء عليه لا يضمن من يمر في الطريق العام راكباً على حيوانه الضرر، الخسارة اللذين لا يمكن التحرز عنهما، مثلا لو انتشر من رجل الدابة غبار، أو طين ولوث ثياب الآخر....). وينطبق ذلك على سائق المركبة فسائق السيارة يضمن الخسارة والضرر الذي وقع من مصادمة مركبته، لأن التحرز من هذا مقدور عليه، وبإمكان السائق أن يسير بسرعة معتدلة، فلا يتعدى السرعة المسموح بها وفق اللوائح المعمول بها في دائرة السير، وتبينها لوحة السرعات على الطرق وفق تعليمات لوائح تنظيم السير في المملكة.

 

فمن عهد مركبته إلى شخص غير مرخص له بالسوق فيصيب أحد المارة، فصاحب السيارة يكون مسؤولا عن وقوع هذا الحادث لأنه خالف لوائح تقنين السير لتسليمه قيادة سيارته لشخص غير مرخص له بقيادة المركبات، فوجب أن يتحمل مدنيا وجنائيا مسؤولية ما حدث بسبب عدم مراعاته أحكام ذلك التقنين.

 

والمعروف أن الخطأ وحده ليس كافيا للمسؤولية، بل لابد أن يثبت لدى أن هذا الخطأ هو السبب في وقوع هذه النتيجة الضارة، فلا بد من وجود رابطة السببية بين الخطأ الناشئ عن الإهمال وقلة الاحتراز وحصول الضرر من قتل أو جرح ناتج عن حوادث الطرق وصور الخطأ هنا متداخلة، وهي إما أن تكون ذات مظهر سلبي ويكون الخطأ في الامتناع، ويسمى عندئذ إهمالا. أو أن تكون ذات مظهر إيجابي ويكون الخطأ في النشاط الإيجابي ويسمى عدم تبصر.

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( ليس للنساء وسط الطريق ). وفي رواية عن أبي أسيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للنساء: ( عليكن بحافتي الطريق ). [14]

 

ووجه الاستدلال بمفهوم ومنطوق هذا الحديث أن من سار في غير الطريق المخصص له ثم صدم فلا شيء على الصادم إلا بحدود ما صدر منه من خطأ كما لو لم يتقيد سائق المركبة بحدود السرعة المبينة في مثل هذا الشارع.

 

وأما ما يصدر من السائقين مما لا يمكن الاحتراز منه كإثارة الغبار والدخان، وأمثال ذلك فلا مسؤولية في هذه الحالة، لأن ما لا يمكن الاحتراز منه ليس مضمون، إذ لو كان مضمونا لصار ممنوعا من السير وهو من الأمور المباحة.

 

والمتسبب بحوادث الطرق يؤخذ بفعله إذا ألحق ضرراً بالغير إذا صدر هذا الفعل منه وكان غير مباح شرعاً، كالذي يضع حجرا في الطريق العام ليتمكن من إصلاح مركبته، فتسبب من جراء ذلك بحادث، فإنه يضمن، لأن فعله ليس مشروعاً.

 

فمن يخالف اللوائح والأنظمة والأوامر التي تصدرها السلطات الشرعية يعتبر مخالفا لأوامر النصوص الشرعية ذاتها التي تدخل في مضمونها تلك نصوص والأوامر والتنظيمات.

 

ويتضح مما أوردناه أن تقنين تنظيم المرور يمكن أن يقع تحت أحكام العقوبات التعزيرية، فالشريعة الإسلامية قد أجازت سن عقوبات تعزيرية على فعل المحرمات، والامتناع عن أداء الواجبات تحقيقا للمصلحة العامة للمسلمين.

 

ومن هنا يجوز للدولة أن نضع التقنين المناسب تحقيقا للمصلحة العامة لمعالجة النوازل، والقضايا المستحدثة والجرائم الموصوفة اجتماعيا في إطار الشرعية التجريمية والعقابية لتحقيق أهداف العقوبة المرجوة من حماية المجتمع وأفراده، وتحقيق الإصلاح الزجر للجاني وأمثاله.

 

وفي الختام:

نسأل الله تعالى أن يهدينا، وإخواننا بالعودة إلى كتابه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم.

﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ (سورة البقرة 285 - 286).

 

والحمد لله رب العالمين.



[1] سورة آل عمران، الآية 102.

[2] سورة النساء، الآية 1.

[3] سورة الأحزاب، الآية 70-71.

[4] سورة آل عمران، الآية 185- 186.

[5] ا نظر إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، ج3/ 3.

[6] رواه الشيخان، البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة باب 10، ج1/ 304، حديث رقم 583. ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام ج6/ 7، حديث رقم 4828.

[7] انظر التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقوانين الوضعية، لعبد القادر عودة، ج1/ 69.

[8] انظر تاريخ التشريع الإسلامي، مناع القطان، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان، الطبعة السابعة والعشرون 1998 م، ص54.

[9] التدرج الأول : بقوله تعالى ﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل: 67].. جاءت هذه الآية الكريمة للتفرقة بين الرزق الحسن وهو الطعام الحلال والسكر، وذلك ما يؤيده العطف الذي من شأنه المغايرة بين المعطوف (السكر) والمعطوف عليه (الرزق الحسن)، 2 كما تتضمن هذه الآية إشارة دقيقة وتوجيها إيحائيا لأولى الألباب للتفكير في هذه التفرقة. ومن ثم نجد بعض الصحابة رضوان الله عليهم وعلى رأسهم عمر بن الخطاب أدركوا حرمة شرب الخمر انطلاقا من الآية المتقدمة. انظر السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية، أحمد فتحي بهنسي، ص 20.

التدرج الثاني، بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]. أثناء هذه المرحلة لم يكن الخمر محرما، حيث استمر شربها حتى بعد نزول هذه الآية، وقال الناس نشربها للمنفعة لا للإثم، وإثم الخمرة الذي ذكره العلماء هو ما يصدر عن شاربها من المخاصمة، والمشاتمة، وقول الفحش والزور وزوال العقل، وتعطيل فروض الله.أما المنافع التي عرفت عن الخمر، فهي من قبيل ربح التجارة إذ كان العرب يجلبونها من الشام بثمن زهيد، ويبيعونها في الحجاز بربح وافر، وقد قيل في منافعها أيضا بأنها تهضم الطعام وتقوي الضعيف وتشجع الجبان وتصفي اللون..... ) انظر السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية، أحمد فتحي بهنسي، ص 22.

التدرج الثالث بقوله جل جلاله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: 43]. ذهب غالبية الفقهاء إلى أن هذه الآية الكريمة أقرب دلالة على تحريم الخمر من الآية الواردة في سورة البقرة، وأشد منها إيعازا لذلك، على اعتبار أنها حرمت شرب الخمر في أغلب أوقات اليوم، لأن من يريد الصلاة يجب أن يمتنع عن شربها مدة كافية لزوال أثرها قبل دخول الصلاة. وهكذا كان المسلمون يشربونها بعد انتهاء صلاة العشاء، وقبل دخول وقت صلاة الفجر ) انظر السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية، أحمد فتحي بهنسي، ص 23.

التدرج الرابع بقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91]. نزلت هذه الآية لتقطع يقينا ونهائيا بحرمة الخمر على اعتبارها رجسا من عمل الشيطان، وبابا من أبوابه التي يتسلل منها إلى قلوب وعقول شاربيها ليوسوس لهم ما يذكي بينهم نار العداوة والبغضاء والتشاحن ويأججها،  فأراد الشارع الحكيم بتحريمه الصريح للخمر في هذه الآية أن يسد هذا المنفذ الشيطاني لما يترتب عنه من مفاسد، ومضار تلحق البلاد والعباد ) انظر السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية، أحمد فتحي بهنسي، ص 25.

[10] انظر فصول في المدخل الى دراسة الشريعة الاسلامية، د. عبد الخالق أحمدون، مطبعة سبرطيبل عام 2000-2001 م، ص 34 وما بعدها.

[11] الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، للشيخ محمد أبو زهرة، ج2/ 122.

[12] المقصود بحوادث المرور: هي الأمور التي تنتج عن السير في الطريق العام ، وما يترتب على ذلك من أضرار بالغير، لأن السير بالطريق العام مشروع، لكنه مقيد بعدم الضرر الذي يلحق بالغير أفرادا وجماعات أو الأموال بأنواعها، وما يضمنه سائق المركبة سواء أكان مباشرا للحادث أم كان متسببا في وقوعه.

[13] انظر أحكام حوادث المرور والآثار المترتبة عليها في الشريعة الإسلامية، إعداد عمار شويمت، مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العلوم الإسلامية، تخصص فقه وأصول - جامعة الحاج لخضر - باتنة - الجزائر عام 2010 - 2011 م ص 108 وما بعدها.

[14] اخرجه ابن حبان في صحيحيه وقال عنه: حسن لغيره - برقم 5601، ورواه ابن عدى، ج 4/ 1321، ومن طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " 7823.. من طريق مسلم بن خالد وإسناده ضعيف لأن مسلم بن خالد سيء الحفظ، ولكن يشهد له ما بعده، والحديث مروي عن أبى أسيد النصارى - رضى الله عنه -: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو خارج المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: " استأخرن فليس لكن أن تُحْقُقْن الطريق، عليكن بحافات الطريق ". فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها.وهو حديث حسن بما قبله - أخرجه أبوداود 5272 والبيهقي في " الشعب " 7822 والآداب.971.. قال ابن حبان: [ قوله ( ليس للنساء وسط الطريق ) لفظة إخبار مرادها الزجر عن شيء مضمر فيه، وهو ممارسة النساء للرجال في المشي، إذ وسط الطريق الغالب على الرجال سلوكه، والواجب على النساء أن يتحللن الجوانب حذر ما يتوقع من مماستهم إياهن ].فالسنة أن تمشى المرأة على جانبي الطريق وتبتعد عن مزاحمة الرجال.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • معنى النوازل والاجتهاد فيها
  • النوازل وأولو الأمر
  • الغوغائية عند النوازل، مسؤولية من؟
  • القنوت في النوازل وكيف يكون الدعاء فيه

مختارات من الشبكة

  • سلسلة فقه النوازل والقضايا المعاصرة: نوازل الحج (1) خطبة(مقالة - ملفات خاصة)
  • الأدب الإسلامي في إطار البدهيات الشرعية والواقعية(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • معالجة المشكلات بتهوين أو مبالغة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ملخص كتاب : الأساليب النبوية في معالجة المشكلات الزوجية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • معالجة الزكاة لمشكلة الفقر والمشاكل الاجتماعية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دور السنة في معالجة قضية اللحن وتأسيس العربية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تنمية العمل الاجتماعي: مواجهة الفقر (الوقفة الرابعة: الإسلام ومعالجة الفقر)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • خطة لمعالجة الضعف في الإملاء والتعبير تصلح للمرحلة المتوسطة والثانوية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • جدلية إعجاز النص القرآني لغويا وفكريا- اعتراضات ومعالجات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دليل حول أهم الأخطاء الشائعة في بحوث الخدمة الاجتماعية ورؤية لمعالجتها(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب