• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع
علامة باركود

السوق: آداب وأحكام

السوق: آداب وأحكام
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/12/2016 ميلادي - 1/4/1438 هجري

الزيارات: 46131

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

السوق.. آداب وأحكام[1]

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].


أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، إن العيش الإنساني قائم على تبادل المصالح الحياتية التي تعين على بقاء النفس البشرية، وقضاء الحاجات المعيشية.

فمن تلك المصالح: مصلحة البيع والشراء، التي يستفيد منها البائع والمشتري وغيرهما من شركاء الحياة الإنسانية.


وهذه المصلحة قديمة قِدمَ الإنسان؛ فقد تعارف عليها الناس منذ قديم الزمان، ولا زالت في تطور مستمر في آلياتها ووسائلها، وكيفياتها، حتى وصل الإنسان المعاصر إلى ممارسة البيع والشراء عبر الأسواق الالكترونية.


ولعظم الحاجة الإنسانية إلى هذه المصلحة فقد أباحها الشارع الحكيم، وحرّم منها أشياء قليلة محدودة؛ لما في تلك البيوع المحرمة من المضرة الدينية أو الدنيوية، العاجلة أو الآجلة.


قال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، وقال:  ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطيب الكسب: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور)[2].

وحينما كانت هذه الحاجة المعيشية مما يحتاجها كل الناس جُعلت لها أماكن تسمى الأسواق، سواء كانت أسواقًا عامة لكل ما يطلبه المتسوق، أم خاصة ببعض السلع.


وقد سُميتْ السوقُ سوقًا: لأن البائع يسوق سلعته إليها لبيعها، والمشتري يسوق تلك السلعة منه إلى رحله.

عباد الله، إن السوق لما كان مقصداً يوميًا للإنسان كان لابد من الوقوف قليلاً لمعرفة بعض الآداب والأحكام الشرعية المتعلقة به؛ لأن ديننا الحنيف حاكم عادل على شؤون الدنيا؛ ليحقق للمسلم بذلك السعادة في الدنيا والآخرة.


وقد كان من أسباب الحديث عن هذا الموضوع: اتساع مجال البيع والشراء، وتنوع وسائله وسلعه، وكثرة الجهل بجكم الشرع في ذلك، مع ظهور الحرص الشديد على كسب المال، ولو من طرق غير مشروعة.


وقد أخبر رسولنا عليه الصلاة والسلام عن زمان الطمع فقال - على سبيل الإنكار والتعجب -: ( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه: أمن الحلال أم من الحرام! )[3].


ومن الأسباب كذلك: أن الأسواق هي مواطن الغفلة، والحرص على الدنيا، ومكان للغِش والخصام والكذب والخيانة، ونحو ذلك.


يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أحب البلاد إلى الله تعالى: مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله: أسواقها)[4].

فلذلك يحتاج المسلم إلى معرفة بعض الآداب والأحكام التي تسلمه من هذه المعاصي.


أيها الأحبة الكرام، إن السوق في ظل الدولة في الإسلام لابد أن يقوم على نظام ديني ودنيوي؛ حتى تحفظ فيه حقوق الناس: الباعة والمشترين.


وهذا من مهمات الدولة، حيث تقوم بإيجاد النظام الذي تقوم عليه الأسواق، ثم تراقب سير العمل على ذلك. وغرضها من ذلك: إرضاء الله تعالى بحصول الحلال في هذه الأسواق، وبعدها عن الحرام، وكذلك: تحقيق مصالح الناس الاقتصادية والأمنية.

فمن تلك الآداب: اختيار المكان المناسب للسوق، وتنظيم مكان البائعين فيه؛ حتى لا يكون هناك مضرة على الآخرين.


ومنها: متابعة أحوال البيع والشراء حتى لا يكون هناك مخالفات شرعية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما يخرج إلى السوق ويعلِّم الباعةَ ما يجوز لهم وما لا يجوز، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صُبْرة طعام[5]، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟! قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس! من غش فليس مني)[6].


ومنها: تعليم البائعين ما يجوز وما لا يجوز في البيع والشراء، وحثهم على الفقه في ذلك-بأي وسيلة من الوسائل الممكنة-.

فقد روي أن عمر رضي الله عنه كان يطوف في الأسواق ويقول: " لا يبيع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين"[7].


وما أحسن أن تكون هناك لجنة شرعية تقوم بالتوعية السوقية؛ لتعريف أهل السوق ما يشرع وما لا يشرع، واستقبال الفتاوى المتعلقة بالبيع والشراء والإجابة عنها.


أيها المسلمون، إن على البائع المسلم أن يتعلم ويفقه الآداب والأحكام المتعلقة بالبيع والشراء؛ حتى يكون كسبه حلالاً، وقلبه مطمئنًا، وسمعته حسنة بين الناس.

وهذه الآداب التي سنذكرها للبائع منها الواجب، ومنها المستحب.


فعلى من يتصدر للبيع: أن ينوي بعمله التقرب إلى الله تعالى؛ لأنه بعمله هذا يكف نفسه عن الحرام، ويسعى على أهله وأولاده، وربما يتصدق، ويحسن على الخلق من ذلك الكسب، ولأن العادات تتحول إلى عبادات بصلاح النية.


وعلى البائع: أن يتحرى الحلال، ويحرص أشد الحرص على اجتناب الحرام في بيعه، فكل ما حرمه الله تعالى من المطعومات، والمشروبات، والملبوسات وغير ذلك يجب عليه أن يتجنب بيعه، ولا يسع المقام لذكر كل ذلك.


كما أن عليه أيضًا: أن يجتنب البيوع المحرمة؛ كبيوع الغرر، والربا، ونحو ذلك.

وعلى البائع كذلك: أن يتعلم ما يحل وما لا يحل في بيعه، والوسائل لذلك في عصرنا كثيرة: إما بدراسة، وإما قراءة، وإما سماع، وإما مشاهدة، وإما استفتاء وسؤال؛ لأن ذلك من العلم الواجب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)[8].


أيها الأحبة الكرام، ما أحسنَ أن يرى الناس بائعًا أمينًا لا يطفِّف في المكيال والميزان؛ بل يعطي المشتري حقه، ولا يأخذ منه إلا ما يستحقه؛ لأنه يعلم أن عقوبة المطفف شديدة، قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 5، 6].


وما أجملَ أن يجد المشتري بائعًا لا يغش ولا يخدع، بل يكون ناصحًا للمشتري، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( خير الكسب: كسب العامل إذا نصح)[9].

فإن كان في السلعة عيب أو نقص أظهره للمشتري، ولم يكتم ذلك.

قيل لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:" ما سبب كثرة مالك؟ قال: ما كتمت عيباً، ولا رددت ربحاً"[10].


والبائع الأمين صادق مع المشترين، فلا يكذب في وصف السلعة، ولا في سعر شرائها، وهذا يبارك له في بيعه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)[11].


والبائع الأمين لا يحلف اليمين الكاذبة، ولا يكثر من اليمين الصادقة من أجل ترويج بضاعته، وإقناع المشتري بها.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة ) [12]. وفي رواية مسلم: (ممحقة للربح).


وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: ( المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)[13].


والبائع الأمين لا يبيع المواد المحرمة لضررها، أو لفسادها بانتهاء زمنها المحدد لها من قبل مصانعها؛ لأنه لا يحرص على ربح فيه تلفٌ لنفوس الناس، وضرر عليهم، مهما كثر ذلك الربح.


فرضى الله هو غايته، وعدم غش الناس هو سبيله في كسبه، فهو يجلب البضاعة المباحة وينقيها من الحرام إن كان فيها، ويبيعها للمشتري بيعًا يرضي الله تعالى.


أيها الأحبة الفضلاء، إن من الواجبات على البائعين: ترك بيعهم في وقت الصلاة؛ لأن من المشاهد المؤلمة: ازدحام بعض الأسواق، وفتح محلات البيع في أوقات الصلوات، بل حتى في صلاة الجمعة!، والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة:9].


فكيف يطلب هؤلاء اللاهون عن الصلاة رزقَ الله تعالى وهم مقيمون على معصيته في ذلك الوقت؟!!.

ومن الواجبات على البائعين: أداء حق الله تعالى من الزكاة إذا بلغت بضاعتهم النصاب، وحال عليها الحول.


ومن الواجبات كذلك: أن يحفظ البائع عورات الناس، فيغض بصره عن تتبع محاسن النساء، ويحذر إمالتهن عن الستر والعفة بقول أو بفعل؛ فإن الله تعالى يراقبه، وإن له عورات، وللناس عيونٌ، وأقوال وأفعال أيضًا.


ومن الخصال الحميدة التي تُحمد من البائعين: استعمال الأخلاق الحسنة؛ كالسهولة والسماحة، وطلاقة الوجه وبشاشته، وحسن التعامل مع المشترين، وما أحسنَ أن يكون ذلك ابتغاء مرضاة الله.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله رجلا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى )[14].

وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب سمحَ البيع، سمح الشراء، سمح القضاء)[15].

وقال عليه الصلاة والسلام: (أدخل الله الجنة رجلا ًكان سهلاً مشتريًا، وبائعًا وقاضيًا ومقتضيًا)[16].


أيها الإخوة الفضلاء، إن هذه الآداب والأحكام ونحو ذلك مما لم يُذكر إذا أخذ بها البائع المسلم ربح ونجا، واطمأن وسلِم، وبورك له في بيعه وماله، ونال الكسب الطيب. وزاد قُصَّاده من المشترين، واثقين بأمانته، وحسن معاملته، وجودة بِضاعته.


فلو كان الباعة عاملين بهذه الآداب والأحكام لعمَّ المجتمعَ الخيرُ الكثير، وتمكّنت في المال البركةُ والنماء، وساد في الناس الإخاء والحب والصحة.


فيا أيها البائع-أيًا كانت بضاعتك-، لا تغفل عن هذه الآداب والأحكام؛ فهي خير لك في الدنيا والآخرة، واحذر أن تبيع دينك من أجل دنياك، وآخرتك من أجل عيش لا يساوي عند الله جناح بعوضة.


قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً حمداً، والشكر له شكراً شكراً، والصلاة والسلام على من شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، أما بعد:

أيها المسلمون، كما أن البائع محتاج إلى آداب وأحكام تحفظ له دينه في بيعه، كذلك المشتري مفتقر إلى شيء من الآداب والأحكام؛ كي يربح الحسنات، ويسلم من السيئات، ويُبارَك له فيما اشترى.


فالشراء حاجة يومية لا يستغني عنها الناس، وهو معاملة من المعاملات التي ينبغي للمسلم معرفة آدابها وأحكامها.

فعلى المشتري: أن يختار السوق التي تبعده عن معصية الله تعالى، ويختار الأوقات المناسبة التي يسلم فيها مما يؤذي قلبه وجسده؛ كأوقات الزحام، وكثرة النساء، وغير ذلك.


وعلى المشتري: أن يكون مال شرائه حلالاً، فلا يكون أكله وشربه، ولبسه وفرشه، ومركبه كالسيارة من الحرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت، النار أولى به)[17].


لأن المسلم التقي لا يملأ بطنه، ولا يصلح عيشه بشيء جاء من الحرام، قالت عائشة رضي الله عنه: "كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبوبكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبوبكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبوبكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أُحسنُ الكهانة، إلا أني خدعته، فأعطاني بذلك، فهذا منه. فأدخل أبوبكر يده فقاءَ كلَّ شيء في بطنه"[18].


وعلى المشتري كذلك: أن لا يقدم على شراء شيء حرمه الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه منهي عن ذلك، ولأن شراءه يشجع البائعين رقيقي الديانة على التجارة بالمحرمات.


وعلى المشتري أيضًا: أن يتعامل مع البائع بأمانة وصدق، من غير خيانة ولا غش ولا كذب، فلا يأخذ سلعة بغير حقها؛ كسرقة أو نهب أو اختلاس، أو من غير طيب نفس البائع، ولا يعطي البائع عملة مزوَّرة أو تالفة، ولا يخدعه في حساب ما اشترى؛ طمعًا في المال، ورغبة في السلعة من غير دفع ما تستحقه من الثمن.


أيها الأحباب الكرماء، إن من أخلاق المسلم الباذخة: الغيرة على نسائه، وكراهة أن يتعرضن لسوء قولي أو عملي.

ألا وإن من الغيرة المحمودة: أن تصان النساء عن الخروج إلى الأسواق وحدهن؛ خشية عليهن، وخشية منهن كذلك.


ألم يقل الله تعالى لأطهر النساء في أطهر العصور: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ [الأحزاب:33]، فماذا سيقال لغيرهن، ولمن في عصرنا الحاضر؟.


ولكن إن كان للمرأة حاجة للسوق، وليس لها من يكفيها إياها فليكن خروجها لقضائها إلى سوق قريب غير مريب، وعلى حجاب كامل يرد عنها ذُباب البشر، حجاب غير ضيّق ولا شفاف، ولا رقيق ولا وصّاف، ولا مزيّن ولا جذاب لعيون الناظرين.


وأن تخرج في الأوقات الآمنة، غير متعطرة، ولا متبخترة، ولا مبخَّرة، ولا مبدية زينتها وفتنتها إعجابًا بنفسها، وفتنة لغيرها، وأن لا تكون خالية بالبائع، ولا مكثرة للحديث معه، فإذا قضت حاجة شرائها فلتعجل الرجوع إلى خدرها الكريم.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة تطيّبت، ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل) [19].-من أجل إذهاب رائحة الطيب-. فإذا كان هذا إلى المسجد فكيف إلى السوق؟!


وقال عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة، وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها)[20].


ومعنى: (استشرفها الشيطان): يعني: رفع البصر إليها، وزينها في أعين الرجال؛ ليغويها، أو يغوي بها، فيوقع أحدهما أو كليهما في الفتنة[21].


أيها الفضلاء، إن البائع لينشرح صدره، ويشرق خاطره عندما يأتيه مشترٍ حسن الأخلاق، سهل التعامل، سمحاً إذا اشترى، صادقًا إذا أخبر، لا يكثر الخصام ولا الجدال، غير صخّاب ولا حالفٍ الأيمانَ الكاذبة، فإن نصح البائع لخطأ رآه منه كان ذلك بكلمة طيبة.


بل إن المشتري الأمين الناصح قد يشتري من البائع سلعة فلو وجدها تستحق أكثر من ثمنها فإنه يدفع للبائع زيادة على ذلك.

فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم"[22].


زاد ابن حبان في صحيحه: "فكان إذا اشترى شيئاً، أو باعه يقول لصاحبه: اعلم أن ما أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناكه فاختر". قال ابن حجر: "وروى الطبراني في ترجمته: أن غلامه اشترى فرساً بثلاثمائة فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال: إن فرسك خير من ثلاثمائة، فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثمانمائة"[23]. فانظروا-رحمكم الله- إلى أين وصلت به الأمانة والنصيحة؟

هذا وصلوا وسلموا على النبي الهادي...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 24 /3 /1438هـ، 23 /12 /2016م.

[2] رواه أحمد والطبراني والحاكم، وهو صحيح.

[3] رواه البخاري.

[4] رواه مسلم.

[5] الصُّبْرة: الطعام المجْتَمِع كَالكُومَةِ.

[6] رواه مسلم.

[7] شرح السنة، للإمام البغوي (8/ 17).

[8] رواه ابن ماجه والبيهقي، وهو صحيح.

[9] رواه أحمد، وهو حسن.

[10] النجم الوهاج، للدميري (4 /177).

[11] متفق عليه.

[12] متفق عليه.

[13] رواه مسلم.

[14] رواه البخاري.

[15] رواه الترمذي والحاكم، وهو صحيح.

[16] رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وهو حسن.

[17] رواه أحمد وابن حبان، وهو صحيح.

[18] رواه البخاري.

[19] رواه ابن ماجة، وهو صحيح.

[20] رواه الترمذي والطبراني، وهو صحيح.

[21] التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 881)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (10/ 58).

[22] متفق عليه.

[23] فتح الباري (1 /249)، المعجم الكبير (2/ 334).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حين يكون السوق ملاذاً للمرأة!
  • حديث: دعاء السوق
  • أخلاق السوق
  • دلوني على السوق
  • حديث: ابتعت زيتا في السوق

مختارات من الشبكة

  • بين سوق السمك وسوق الخضار(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الوجيز في أحكام التداولات المالية المعاصرة (3) مصطلحات خاصة بنوعية السوق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأبرار والعتق من النار(مقالة - ملفات خاصة)
  • قراءات اقتصادية (35) خرافة عقلانية السوق(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • أحكام فقهية في البيوع: كتاب يرافقك في السوق بأسلوب بسيط يسهل فهمه على البائع والمشتري (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حكم خروج المرأة من بيتها متعطرة إلى بيت الله أو السوق أو لحاجة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ضوابط السوق في الإسلام وأثرها في تحقيق أمن المجتمع واستقراره (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • منع البيع بأقل من سعر السوق حماية له (PDF)(كتاب - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • كلمة مختصرة عن ضعف حديث السوق (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الصين: جهود للتوسع في السوق الحلال(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب