• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

التوكل

التوكل
علي عيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/5/2016 ميلادي - 26/7/1437 هجري

الزيارات: 5702

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التوكل


لا يُجادل مجادِل في علاقة التوكُّل بالإيمان، وبما يضيفه إلى شخَصية المؤمن من سِماتٍ سابقة، تَرفع ذِكرَه في ديوان الإيمان بين عِباد الله وأوليائه رضوان الله عليهم أجمعين.

 

وإذا كانت الشَّجرة تَعتمد على النَّبتة والبذرة الصغيرة أولًا؛ فإنَّ التوكُّل - ومِثلُه كلُّ ثمار الإيمان - تَعتمد على مَعرفةٍ صحيحة بالله سبحانه وتعالى؛ لأنَّه أهلٌ للتوكُّل عليه، فهو (الوكيل)؛ قال تعالى: ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 81]، وقال: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]، وقال: ﴿ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 2].

فالوكالَة من الوكيل: استقلاله بالأمورِ الموكولة إليه، وقيامه بما يتوكَّل عليه، فهو فعيل بمعنى مفعول.

 

والوكيل في صِفات الله تعالى بمعنى: الرب، أو الحافِظ، أو الكافي، وقيل: بمعنى موكول إليه؛ فإنَّ العباد وكَّلوا مصالحَهم، واعتمدوا على إحسانه؛ وذلك لأنَّ تفويض المهمَّات إلى الغير إنما يَحسُن بشرطين:

أحدهما: عجز الموكل عن إتمامه، ولا شك أنَّ الخلق عاجزون عن إتمام أو تحصيل مهماتهم.

 

الثاني: كون الموكول إليه موصوفًا بكمال القدرة والعِلم والشَّفقة، والبراءة والنَّزاهة عن طلب النَّصيب؛ لأنَّ الجاهل بالأمر لا يحسن توكيل الأمر إليه، وكذلك العاجِز.

 

ثمَّ إن كان عالمًا قادرًا ولم يكن له شفقة لم يَحسُن أيضًا تفويض الأمر إليه، ثمَّ إن حصلَت هذه الصِّفات الثلاث؛ وهي العلم والقدرة والرحمة، ولكن قد تطلَّب النَّصيب لم يحسن أيضًا تفويض الأمر إليه؛ لأنَّه لا محالة يقدِّم مصالحَ نفسه على مصالحك، فتَصير مصالحك مختلَّة.

 

فإذا حصلَت الصفات الأربع فحينئذ يحسن توكيلُ المصالح وتفويضها إليه، ولا شك أنَّ كمال هذه الصفات غيرُ حاصل إلَّا لله سبحانه وتعالى، فلا جرَم كان وكيلًا؛ بمعنى أنَّ العباد وكَّلوا إليه مصالحهم، وهذا هو المراد بقوله تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: 58]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، وقولِه صلى الله عليه وسلم: ((لو أنَّكم توكَّلون على الله حقَّ توكله لرَزَقكم كما يَرزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح بطانًا)).

 

وحقيقة التوكُّل هو إظهار العجز، ومن ثمَّ يكون الاعتماد على مَن لا يعجز، وعلى مَن بيدِه الخلق والأمر، ومن بيدِه ملَكوت كل شيء، فيرضى بحكمه، ويصبر على قضائه، ويجمع عزمه على انتهاج نَهجه، وسلوكِ صراطه، لا يُبالي بما ينالُه من أذًى، وما يصيبه من عنَت، ما دام معتمدًا على الله، وقد علم وصدَّق ورضي أنَّ ما أصابه من خير أو شرٍّ فهو بأمر الله سبحانه وتعالى، لا يردُّه مانع، ولا يَرفع منه أحد، فقد قال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51]، وقال: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173، 174].

 

والإمام ابن القيم يقول: "والاستعانة تَجمع أصلين: الثِّقة بالله، والاعتماد عليه؛ فإنَّ العبد قد يثِق بالواحد من النَّاس، ولا يَعتمد عليه في أموره - مع ثقته به - لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه - مع عدم ثقته به - لحاجته إليه، ولعدم مَن يقوم مقامه، فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنَّه غير واثق به.

والتوكُّل معنًى يَلتئم من أصلين؛ من الثِّقة، والاعتماد، وهو حقيقةُ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].

 

وهذان الأصلان - وهما التوكُّل، والعبادة - قد ذُكرا في القرآن في عدَّة مواضع، قرن بينهما فيها؛ هذا أحدها، الثاني: في قول شعيب: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]، الثالث: قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123]، الرابع: قوله حكاية عن المؤمنين: ﴿ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4]، الخامس: قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾ [المزمل: 8، 9]، السادس: قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30].

 

فهذه ستة مواضع، يجمع فيها بين الأصلين، وهما: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].

 

وتقديم العِبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغاياتِ على الوسائل؛ إذ العبادة غاية العباد التي خُلقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها"؛ انتهى.

 

والحقُّ أنَّ روح الإسلام تفهمنا أنَّ تقديم العبادة على الاستعانة معنًى بليغ يَنطوي على إيجابية الإيمان؛ إذ إنَّه يقرِّر أنَّ العمل أولًا، ثمَّ يأتي بعده طلب العون والمساعدة، فنحن يجب علينا أن نَعزم ونعبد، ثمَّ نطلب من الله التوفيقَ والسداد والعون، وهذا ما يعلمنا الإسلامُ إياه؛ فإنَّ قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((لو أنَّكم توكَّلون على الله حقَّ التوكل لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح بطانًا))، ليدلنا على التوكُّل المقصود والمطلوب؛ فإنَّ الطير تسعى صباحًا لطلب الرزق وتجتهد فيه، فيَرزقها الله ما يَكفيها هي وصغارَها في العشش، ولو فهمَت التوكُّلَ كفهمِ المتأخرين له لظلَّت في عششها تنتظر الرزقَ، وأنَّى لها أن تَجده وقد ربط الله الأسبابَ بالمسببات وجعل لكلِّ غاية طريقًا؟

 

وما يَنبغي علينا أن نَفهمه جيدًا ونعيَه تمامًا هو أنَّ مؤدَّى التوكل أنَّ القلب إذا خلص لله وحده، وبرِئ من كلِّ ما سواه، ورأى قدرةَ الله سبحانه، وعِزَّته وتصرُّفه في كلِّ شيء بمشيئته وإرادته، ومِلكيَّته لكل شيء وأنه وحدَه الخالق الرازق، المعطي المانع، المعزُّ المذلُّ، الضارُّ النافع، وأنه ما شاء الله كان بحوله وقوته، وما لم يَشأ لم يكن بحوله وقوته: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأعراف: 194]...

 

إذا علم العبدُ ذلك جيدًا أسلَمَ وجهَه لله وهو محسِن، فمقاليد أمره جميعها بيده سبحانه، يصرفها كيف شاء، فلن يطلب العبد شيئًا إلَّا من الله، ولن يَدعوَ إلَّا الله، ولن يرجو إلَّا الله، ولن يَخشى إلَّا الله، ولن يذل إلَّا لله، ولن يعزَّ إلَّا بالله، ولن يقدر على شيء إلَّا بعون الله، ولن يَستعيذ من شيء إلا بالله؛ فقد روي في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "حَسبنا الله ونِعم الوَكيل]؛ قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين أُلقي في النَّار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قيل له: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]".

 

ويُروى عن جابر رضي الله عنه أنَّه قال: "غزَونا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَل نَجد - وفي رواية: (بِذات الرِّقاع) - فإذا أتَينا على شجرة ظليلة ترَكناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجلٌ من المشركين، وسَيفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم معلَّق بالشجرة، فاخترَطه، فقال: تخافني؟ قال: ((لا))، فقال: من يَمنعك منِّي؟ قال: ((الله))، فسَقط السيفُ من يده، فأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم السيفَ فقال: ((مَن يَمنعك مني؟))، قال: فكُن خيرَ آخِذ! فقال: ((تَشهد أن لا إله إلا الله، وأنِّي رسول الله؟))، قال: لا، ولكنِّي أعاهدك ألَّا أقاتلك، ولا أكون مع قومٍ يقاتلونك، فخلَّى سبيلَه، فأتى أصحابَه فقال: جئتكم من عند خيرِ النَّاس".

 

فالمؤمن في توكُّله يتَّبع أنبياءَ الله ورسله، فيعتقد أنَّ الله وحده هو حَسبُه وكافيه، ومؤيِّده وناصره؛ طالما كان سَعيه لله، وعبادته خالِصة لوجهه الكريم، ولذا قال تبارك وتعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113]، وقال عز وجل: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 126]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وقال: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107].

 

وليست حادثة الغار ببعيدةٍ عن خيال المؤمِن، حين يَروي أبو بكر رضي الله عنه فيقول: نظرتُ إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، وهم على رؤوسنا فقلتُ: يا رسولَ الله، لو أنَّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟!))، ونزل قولُ الله تبارك وتعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ﴾ [التوبة: 40].

 

ومن يتوكَّلُ على الله غيرُ أوليائه؟! لقد كان التوكُّل - وما زال - حِليةً في قلوبهم في كلِّ وقت وحين، لا تذهل عنه البصائر، ولا تَغفل عنه المدارك، ولا تحيد عنه العقول فضلًا عن الوجدان، فقد روى الترمذي أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال - يعني إذا خرج من بيته -: بسم الله، توكَّلتُ على الله، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله، يُقال له: هُديتَ وكُفيتَ ووُقيت، وتنحَّى عنه الشيطان))، فإذا كان الرجل يَستقبل يومه، بالتنصُّل من كلِّ حول وقوةٍ إلَّا قوةَ الله تبارك وتعالى، تلك التي يحقُّ له أن يَعتمد عليها ويُسلِم قِيادَه إليها، فلا منفذ للشيطان وإغوائه إليه؛ بل له أن يَبحث عن غيره، لم يَعتصم بالله ولم يَستفتح يومه ذاكرًا الله متوكِّلًا عليه، ومن هنا تكون للمؤمن هدايته ورشده وتسديده طوال يومه.

 

ويعلِّمنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن نقول مثلَ ذلك قبل النوم أيضًا؛ فعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا فلان، إذا أَويتَ إلى فراشك فقل: اللهمَّ أسلمتُ نفسي إليك، ووجَّهتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وأَلجأتُ ظهري إليك؛ رغبةً ورهبةً إليك، لا مَلجأ ولا منجى منك إلَّا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أَنزلتَ، وبنبيك الذي أرسلتَ؛ فإنَّك إن متَّ من ليلتك متَّ على الفِطرة، وإن أصبحتَ أصبت خيرًا)).

 

ممَّا سبق نعلم أنَّ التوكُّل هو: أن يَعتمد القلبُ اعتمادًا كليًّا على الوكيل بحقٍّ، وهو الله سبحانه وتعالى، وأن يَعقل أنَّ مَردَّ كل شيء إليه، ومَدار الأمر عليه، وأنَّ الأمَّة كلها لو اجتمعَت على شيء لا تَستطيع تحقيقه ما لم يكن مقدَّرًا من قِبَل المولى العليِّ العظيم؛ كما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنتُ خَلف النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا غلام، إنِّي أعلِّمك كلمات: احفظ اللهَ يَحفظك، احفظ اللهَ تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأمَّةَ لو اجتمعَت على أن ينفعوك بشيء لم يَنفعوك إلَّا بشيء قد كتبه اللهُ لك، ولو اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لم يضروك إلَّا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعَت الأقلامُ وجفَّت الصحف))، وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قوله: ((المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما يَنفعُك، واستعن بالله ولا تَعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنِّي فعلتُ كذا وكذا كان كذا، ولكن قل: قَدر الله وما شاء فعَل؛ فإنَّ لو تَفتح عملَ الشيطان)).

 

ويصوِّر الأستاذ المودودي رحمه الله المؤمنَ في توكله قائلًا: "ثمَّ إن الإيمان بالله يَرتفع بالإنسان من حضيض الذلِّ والهوان إلى أرفعِ ما يكون من مَنازل الأنَفَة وعزَّة النفس؛ كأنَّ مَن لا يعرف ربَّه يُطأطئ رأسَه لكلِّ شيء في الدنيا إذا رأى فيه نوعًا من العظمة والكبرياء أو القدرة على نفعه أو ضرِّه، فكان على هذا يخافه أو يمد إليه يدَه بالاستعانة والاستجداء، ويعلق به آمالَه وأمانيَّه، ولكنه لما عرَف الله ربَّه، عَلِم عِلمَ اليقين أنَّ الذين كان يمد إليهم يدَه ويستعينهم في قضاء حاجاته لا يقِلُّون عنه حاجة إلى مَعونة ربهم: ﴿ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ [الإسراء: 57]، وأن الذين كان يدعوهم ويعكف لعبادتهم إنما هم عبادٌ أمثاله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأعراف: 194]، وأن الذين كان يَرجو منهم العونَ والمساعدة عاجزون عن نصرة أنفسِهم، فضلًا عن أن ينصروه ويجلبوا إليه النفعَ أو يدفعوا عنه الضرر؛ ﴿ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ﴾ [الأعراف: 192]، وأنْ ليست القوة والسيادة في واقع الأمر إلا لله وحده: ﴿ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 165]، وأن ليس له وليٌّ ولا نَصير من دون الله: ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113]، ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 126]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107]، ﴿ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [آل عمران: 156]، ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 145]، فالإنسان عندما يحصل له هذا العلم يَستغني عن كلِّ قوة من قوى العالم ولا يعود يخافها، وعندئذ لا يطأطئ رأسَه أمام أحد غير الله، ولا يمدُّ يده إليه بالاستعانة والاستجداء، ولا يعظِّمه ولا يعلق عليه آماله".

 

المصدر: مجلة التوحيد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرزق والتوكل
  • التوكل
  • التوكل على الله (1/2)
  • حقيقة التوكل على الله (1/ 2)
  • التوكل على الله
  • حسن التوكل على الله (1)
  • الإيثار والتوكل في غزوة أحد
  • حقيقة التوكل وثمرته
  • التوكل (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • توحيد الله تعالى في عبادة التوكل: مسائل عقدية وأحكام في عبادة التوكل (كتاب تفاعلي)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التوكل والأسباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاقتداء بالرسل عليهم الصلاة والسلام في خلق التوكل على الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معنى التوكل على الله وآثاره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في اسمه تعالى الوكيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المحطة الأولى: التوكل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوكل على الله: نور القلب وراحة الروح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: التوكل على الله تعالى والأسباب بين الإفراط والتفريط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل التوكل على الله (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (11) (التوكل والخلوة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب