• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، يتيمة مجهولة في بئر ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    فقه يوم عاشوراء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    أدوات الكتابة المستخدمة في الجمع الأول في العهد ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أفضل الخلق بعد الأنبياء (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل صلاة الضحى
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    الآباء والأمهات لهم دور كبير في توجيه الطفل حتى ...
    عثمان ظهير
  •  
    الاستهزاء بالأحاديث النبوية
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    المحرم: فضائل وخصائص وبدع
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    العلاج بالحجامة في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    وقفة معبرة مع تقويم الهجرة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    محاسبة النفس في ضوء الكتاب والسنة وأحكام شهر الله ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    حديث: إذا مضت أربعة أشهر وقف المولي حتى يطلق، ولا ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    ختام الشهر والحساب وأحكام الرؤية
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    خطبة المسكرات والمفترات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الزواج وفوائده وآثاره النافعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة}

الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة}
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/2/2024 ميلادي - 19/8/1445 هجري

الزيارات: 6533

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخليل عليه السلام (10)

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ﴾


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ؛ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَكَانُوا مِنَ الْفَائِزِينَ، وَضَلَّ عَنْ هُدَاهُ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ فَكَانُوا مِنَ الْخَاسِرِينَ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ دَلَّ خَلْقَهُ بِآيَاتِهِ عَلَيْهِ، وَدَعَاهُمْ بِوَحْيِهِ إِلَيْهِ، وَأَمْهَلَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، وَيَجْزِيهِمْ فِي أُخْرَاهُمْ ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الْكَهْفِ: 49]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ؛ أَمَرَهُ رَبُّهُ بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ؛ فَدَعَا إِلَيْهَا وَجَدَّدَهَا، وَقَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهَا، وَقَضَى حَيَاتَهُ فِي بَلَاغِهَا وَبَيَانِهَا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا دِينَهُ وَلَا تُضَيِّعُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِشَرْعِهِ وَلَا تُفْلِتُوهُ، وَاقْرَؤُوا كِتَابَهُ وَلَا تَهْجُرُوهُ؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ عَظِيمٌ، وَإِنَّ الْحِسَابَ قَرِيبٌ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النِّسَاءِ: 77]، ﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التَّوْبَةِ: 38].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: فِي سِيَرِ الصَّالِحِينَ مَوَاضِعُ لِلْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ، وَمَوَاطِنُ لِلتَّأَسِّي وَالِاقْتِفَاءِ. وَأَعْظَمُ سِيَرِ الْبَشَرِ سِيَرُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَمِنْ أَغْزَرِهَا ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ سِيرَةُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَتَّبِعَ مِلَّتَهُ ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 95].

 

وَحَيَاةُ الْخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَافِلَةٌ بِالْأَحْدَاثِ الْكَثِيرَةِ، مَمْلُوءَةٌ بِالِابْتِلَاءَاتِ الْمُنَوَّعَةِ، وَهِيَ نِبْرَاسٌ لِلثَّابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ، الدَّاعِينَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى بَصِيرَةٍ، الْمُنَاضِلِينَ عَنْ دِينِهِ سُبْحَانَهُ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالْبُرْهَانِ. وَكَانَ الْخَلِيلُ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ، وَإِنْقَاذِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْعَذَابِ، وَجَادَلَ أَبَاهُ وَقَوْمَهُ فِي ضَلَالِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمُشْرِكُونَ فِي زَمَنِهِ كَانَ مِنْهُمْ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ، وَعُبَّادُ الْكَوَاكِبِ، فَنَاظَرَهُمْ جَمِيعًا، وَدَحَضَ حُجَجَهُمْ ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 74]، فَعَابَ عَلَيْهِمْ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَعَابَ عَلَيْهِمْ صِنَاعَةَ آلِهَتِهِمْ وَاخْتِيَارَهَا، فَهُمْ يَتَّخِذُونَهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَالْمَصْنُوعُ لَا يَكُونُ إِلَهًا. وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ لَهُمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا لَيْسَتْ آلِهَةً؛ لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مُسَيَّرَةٌ مُسَخَّرَةٌ ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 75]، «وَالْمُوقِنُ هُوَ الْعَالِمُ عِلْمًا لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ. أَيِ: الْيَقِينُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ». فَعَرَفَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ بِآيَاتِهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَانْتَهَزَ فُرْصَةَ وُجُودِهِمْ مَعَهُ لِيَصْرِفَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ فَنَاظَرَهُمْ فِيهَا؛ ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي «أَيْ: عَلَى وَجْهِ التَّنَزُّلِ مَعَ الْخَصْمِ، أَيْ: هَذَا رَبِّي، فَهَلُمَّ نَنْظُرْ، هَلْ يَسْتَحِقُّ الرُّبُوبِيَّةَ؟ وَهَلْ يَقُومُ لَنَا دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ؟ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ». ﴿ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 76]، افْتَرَضَ أَنَّ الْكَوْكَبَ رَبٌّ، وَلَكِنَّ الْكَوْكَبَ غَابَ بَعْدَ ظُهُورِهِ، وَكَانُوا يُؤْمِنُونَ أَنَّ الرَّبَّ لَا يَغِيبُ. وَبَزَغَ الْقَمَرُ فَحَجَبَ نُورُهُ ضَوْءَ الْكَوْكَبِ فَافْتَرَضَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْقَمَرَ هُوَ الرَّبُّ تَنَزُّلًا مَعَهُمْ، وَلَكِنَّ الْقَمَرَ غَابَ لَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَأَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، فَحَجَبَتْ بِشُعَاعِهَا الْقَمَرَ، فَافْتَرَضَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهَا الرَّبُّ حَسَبَ مُعْتَقَدِهِمْ؛ ﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 77-78]، وَلَكِنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ أَيْضًا وَدَخَلَ اللَّيْلُ، فَأَثْبَتَ لَهُمْ بِمَا يُشَاهِدُونَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَيْسَتْ أَرْبَابًا؛ وَلِذَا تَبَرَّأَ مِنْ شِرْكِهِمْ بِعِبَادَتِهَا؛ لِيُحَرِّكَ عُقُولَهُمْ وَيُوَجِّهَهَا لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 78]، « فَتَبَرَّأَ مِنَ الشِّرْكِ، وَأَذْعَنَ بِالتَّوْحِيدِ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ الْبُرْهَانَ». وَأَعْلَنَ تَوَجُّهَهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ، وَمَيْلَهُ عَنِ الشِّرْكِ وَقَالَ: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 79]، « وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِوَجْهِهِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ هُوَ الَّذِي يُوَاجَهُ بِهِ، وَيُتَّجَهُ بِهِ إِلَى مَا يُتَّجَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَظْهَرُ الْخُضُوعِ وَالطَّاعَةِ، وَبِهِ يَكُونُ السُّجُودُ، فَكَانَ الْوَجْهُ لَهُ مَظْهَرٌ يَجْعَلُهُ صَالِحًا لَأَنْ يُعَبَّرَ بِهِ عَنِ الْجِسْمِ كُلِّهِ».

 

«وَلَمَّا أَعْلَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُعْتَقَدَهُ لِقَوْمِهِ أَخَذُوا فِي مُحَاجَّتِهِ» وَقَصَّ اللَّهُ تَعَالَى خَبَرَ مُحَاجَّتِهِمْ لَهُ فِي سُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَالصَّافَّاتِ؛ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهَا قُرَّاءُ الْقُرْآنِ طَرِيقَةَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ، وَدَحْضِ التَّنْدِيدِ، وَإِبْطَالِ حُجَجِ الْمُشْرِكِينَ؛ وَلِيَعْلَمُوا فَضْلَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْبَشَرِ، وَاجْتِهَادَهُمْ فِي دَعْوَتِهِمْ، وَصَبْرَهُمْ عَلَى أَذَاهُمْ؛ لِيَقْتَدُوا بِهِمْ، وَيَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ ﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 80]، «أَيْ: تُجَادِلُونَنِي فِي أَمْرِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَقَدْ بَصَّرَنِي وَهَدَانِي إِلَى الْحَقِّ وَأَنَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ؟ فَكَيْفَ أَلْتَفِتُ إِلَى أَقْوَالِكُمُ الْفَاسِدَةِ وَشُبَهِكُمُ الْبَاطِلَةِ؟!».

 

وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْمَهُ خَوَّفُوهُ بِغَضَبِ آلِهَتِهِمْ عَلَيْهِ حِينَ سَفَّهَ عِبَادَتَهَا، وَأَنْذَرُوهُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ، فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يَخَافُ آلِهَتَهُمْ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَإِنَّمَا يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ ﴿ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ﴾ «أَيْ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ». فَلِذَا أَخَافُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا أَخَافُ غَيْرَهُ ﴿ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 80]، «وَمَعْنَاهُ: لَكِنْ إِنْ شَاءَ رَبِّي أَنْ يَأْخُذَنِي بِشَيْءٍ، أَوْ يُعَذِّبَنِي بِجُرْمِي؛ فَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ».

 

ثُمَّ حَرَّكَ عُقُولَهُمْ بِتَعَجُّبٍ آخَرَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ ﴾ «يَعْنِي: الْأَصْنَامَ، وَهِيَ لَا تُبْصِرُ وَلَا تَسْمَعُ، وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ» ﴿ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ﴾ أَيْ: أَشْرَكْتُمْ بِهِ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، فَكَيْفَ لَا تَخَافُونَ عَذَابَهُ وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، ثُمَّ تَسَاءَلَ مَنْ هُوَ الْأَحَقُّ بِالْأَمْنِ: فَرِيقُكُمُ الَّذِي أَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ، أَمْ فَرِيقُنَا الَّذِي وَحَّدَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَفْرَدَهُ بِالْعِبَادَةِ ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 81]، وَأَجَابَ بِأَنَّ فَرِيقَ الْمُوَحِّدِينَ اللَّهَ تَعَالَى هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْأَمْنِ ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 82]، وَالْمَقْصُودُ بِالظُّلْمِ هُنَا هُوَ الشِّرْكُ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لُقْمَانَ: 13]» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَخُتِمَتْ هَذِهِ الْمُحَاجَّةُ بَيْنَ الْخَلِيلِ وَقَوْمِهِ بِبَيَانِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخَلِيلِ إِذْ آتَاهُ الْحِكْمَةَ، وَأَعْطَاهُ الْحُجَّةَ، فَأَلْزَمَ بِهَا قَوْمَهُ، وَهَدَمَ مَذْهَبَهُمْ فِي الشِّرْكِ ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 83].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا مِنْ سِيرَةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِبْرَةً وَعِظَةً فِي ثَبَاتِهِ عَلَى الْحَقِّ، وَدَعْوَتِهِ لِلتَّوْحِيدِ، وَانْتِهَازِ الْفُرَصِ لِمُجَادَلَةِ قَوْمِهِ فِي شِرْكِهِمْ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ. وَالْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ إِمَامُ الْحُنَفَاءِ، وَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِالْحَنِيفِيَّةِ الْمَائِلَةِ عَنِ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ.

 

وَالْأُمَمُ الثَّلَاثُ الْعَرَبُ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعَرَبِ يَنْتَسِبُونَ لِإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَثِيرًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَنْتَسِبُونَ لِإِسْحَاقَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالْخَلِيلُ وَابْنَاهُ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ بَرِيؤُونَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَمُشْرِكِي الْيَهُودِ وَمُشْرِكِي النَّصَارَى. وَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَرَبِ أَوْ مِنَ الْيَهُودِ أَوْ مِنَ النَّصَارَى فَلَا يَصِحُّ انْتِسَابُهُ لِدِينِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى حَرَّفُوا كُتُبَهُمْ، وَمَالُوا عَنِ التَّوْحِيدِ إِلَى الشِّرْكِ، وَالْخَلِيلُ وَالْأَنْبِيَاءُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ بُرَآءُ مِنَ الشِّرْكِ؛ وَلِذَا نَفَى اللَّهُ تَعَالَى انْتِسَابَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ إِلَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 67]. وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ شِرْكِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التَّوْبَةِ: 30- 31]. وَكُلُّ ادِّعَاءٍ بِانْتِسَابِ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِلْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ ادِّعَاءٌ يُكَذِّبُهُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ مِنْ لَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَمُحَاوَلَةِ خِدَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِإِدْخَالِ الْبَاطِلِ عَلَيْهِمْ، وَنَشْرِهِ فِي أَوْسَاطِهِمْ، وَتَسْوِيغِهِ لَهُمْ. فَعَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ تِلْكَ الدَّعَوَاتِ الْبَاطِلَةِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخليل عليه السلام (1) (ملة إبراهيم حنيفا)
  • الخليل عليه السلام (2)
  • الخليل عليه السلام (3) (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله)
  • الخليل عليه السلام (4) ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾
  • الخليل عليه السلام (5) تغيير دين الخليل
  • الخليل عليه السلام (6) {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
  • الخليل عليه السلام (7) ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الببت ﴾
  • الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} (خطبة)
  • الخليل عليه السلام (9): { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }
  • على خطى الخليل عليه السلام: قيمة الدعاء للذرية
  • الخليل عليه السلام (11) {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}

مختارات من الشبكة

  • الصفات التي اتصف بها إبراهيم الخليل -عليه السلام-(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخليل إبراهيم عليه السلام في الكتاب والسنة: دعوته وهجراته ورد شبه المستشرقين(رسالة علمية - ملفات خاصة)
  • الخليل إبراهيم عليه السلام في الكتاب والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين الخليل عليه السلام وأبيه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • على خطى الخليل عليه السلام: قيمة البر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة مثير الغرام وخلاصة الكلام في فضل زيارة سيدنا الخليل عليه السلام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ثناء الخليل عليه السلام على ربه سبحانه (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من دعوات الخليل عليه السلام (٢) ويليه من فضل عشر ذي الحجة(محاضرة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • من دعوات الخليل عليه السلام ووصيته لبنيه (١)(محاضرة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • مخطوطة فضل زيارة الخليل عليه السلام وموضع قبره وقبور أبنائه الكرام(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 6/1/1447هـ - الساعة: 14:41
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب