• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

حياة طاهر لاشين وشخصيته

د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/11/2016 ميلادي - 29/2/1438 هجري

الزيارات: 16997

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حياة طاهر لاشين وشخصيته


وُلِد محمود طاهر لاشين في 7 يونيه 1894م بحي السيدة زينب في حارة حسني (وحسني اسم أبيه، الذي ينحدر من أسرة من مسلمي البلقان)[1]، وتلقى التعليمَ الابتدائي بمدرسة محمد علي، التي التحق بعدها بمدرسة الخديوية الثانوية، ثم تخصص في دراسة الهندسة بمدرسة المهندسخانة العليا، وعمل بعد تخرجه مهندسًا في مصلحة التنظيم، التي أخذ يترقى فيها حتى وصل إلى درجة "مدير عام"، ثم طلب إحالته إلى المعاش في أواخر سنة 1953 م؛ بغيةَ التفرغ للإنتاج الأدبي، لكن القدر لم يمهله؛ إذ توفي بعد ذلك بشهور في إبريل 1954م، وقد قضى طاهر لاشين شبابه عزَبًا، فلم يتزوج إلا في الخامسة والأربعين، غير أنه لم ينجب أولادًا، وقد انتقل بعد زواجه من حارة حسني إلى حي العجوزة[2].

 

وقد رسم صديقه الأستاذ يحيى حقي صورة تخطيطية سريعة له من الخارج، فقال: "حين عرفتُ محمود طاهر لاشين وجدته شابًّا ربعة عريض الصدر... ويحق للعامة أن يصفوه بأنه "أبو الروس"؛ بسبب ضخامة رأسه، لا يتأنَّق كثيرًا في ملبسه، عيناه واسعتان، فيهما شيء من الجحوظ، يبدوانِ مِن تحت النظارة كأن بهما حَوَلًا طفيفًا، سواد إنسانيهما يتضخَّم بسبب النظارة المحدبة، فيكاد يندلق على أطراف زجاجها"[3].

 

وكان - رحمه الله - طالبًا ذكيًّا مجتهدًا؛ إذ ذكر د. حسين فوزي أنه كانت في مِعصمه ساعة ذهبية، كافأه بها سلطان الزمان؛ لمجيء ترتيبه الأول على مدرسة المهندسخانة، غير أن ذكاءه واجتهاده لم يجعلاه يتقوقع على نفسه، ويمنعاه أن يخبُرَ الحياة العامة ويتخذ الأصدقاء[4]، وقد قدم د. حسين فوزي في الفصل الذي عقده في كتابه "سندباد في رحلة الحياة" للمدرسة الحديثة، معلوماتٍ كثيرة عن أعضاء هذه المدرسة، الذين كان طاهر لاشين واحدًا منهم، وكيف كانوا يكثرون من الكلام ولا يملُّون النقاش، ويغرمون بالمشي حتى ساعة متأخرة جدًّا من الليل، وحكى بعض نوادرهم وبوهيمياتهم، وأنهم لم يكونوا يرعَوْن لأحد حرمة أو مقامًا، فإذا جادلوا أحدًا صاحوا وشوحوا بأيديهم وأرجلهم ورؤوسهم، وإذا ضربوا ميعادًا لم يحترموه؛ لأنه لم تكن مع أي منهم، عدا طاهر لاشين، ساعة.

 

وكان مِن أصدقاء لاشين أحمد خيري سعيد، الذي كان بمثابة ناظر لهذه المدرسة، ود. حسين فوزي ويحيى حقي وحسن محمود وإبراهيم المصري وحبيب الزحلاوي ومحمود تيمور، كما كانت له علاقات بعبدالرحمن البرقوقي (صاحب مجلة "البيان")، ومحمد السباعي (والد الأستاذ يوسف السباعي الأديب المعروف)[5].

 

وكان طاهر لاشين أحدَ الأعضاء البارزين في هذه المجموعة، كما كان أقرب الأصدقاء إلى أحمد خيري سعيد؛ لتقارب المنزع النفسي، ولتشابههما في شدة الحماسة للدعوة الأدبية والفنية التي أعلنتها المدرسة، والاستعداد للتضحية في سبيل هذه الدعوة، وقد ذكر خيري سعيد أنه خسِر هو وطاهر لاشين ستة وتسعين جنيهًا عندما باعا أدوات الطباعة التي كانا قد اشترياها من قبلُ لطبع صحيفة "الفجر"، وما تريد الجماعة إصداره من كتب[6]، كذلك كانت دار طاهر لاشين أحد الأمكنة التي كان أعضاء المدرسة يجتمعون فيها، وما زال الأستاذ يحيى حقي يذكر كرم أسرة لاشين، وكيف أن أي شخص كان يستطيع أن يذهب إلى بيتهم فيدخل إلى مندرة الكتب في الطابق الأول، وبعد قليل تهبط إليه صينية فيها الشاي والفطائر حتى لو لم تعرفه الأسرة[7].

 

ومما يدلُّ على مكانة المرحوم طاهر لاشين بين أصدقائه هؤلاء ما قاله عنه د. حسين فوزي من أنه كان التلميذَ الأول في المدرسة، وأكبرهم مقامًا[8]، إلى جانب هذا الثناء الطيب الذي يذكره به كلُّ من كتب عنه؛ كمحمود تيمور، ويحيى حقي، وعباس خضر، وحبيب الزحلاوي... إلخ.

 

وقد اشتهر طاهر لاشين بالفكاهة والمقدرة على المطايبة والتنكيت، ويؤكد حبيب الزحلاوي أنه "قلما تسمَع منه نكتة تنحرف عن الذوق الدقيق، لازمتُه في كثير من المجالس متنوعةِ الألوان فلم أرَه مرة انزلق فيما ينزلق فيه سواه من الظرفاء"[9]، كما كان يتمتع بالطبع الرضيِّ والنفس السمحة، "ولا يزال مَن بقي على قيد الحياة من زملائه في العمل يذكرونه وهو في منصب الرياسة رجلًا متواضعًا سَمْحًا كريمًا، لا يتعالى ولا يشخط ولا ينطر، بل يداعب مرؤوسيه بنكاتِه وقفشاته"[10].

 

وقد أعانه، فيما يبدو، على هذه السماحة، إلى جانب طبعه الرضي، انغماره بين طوائف الشعب بحُكم عمله، واتصاله بأصناف متنوعة من الناس، ورؤيته إياهم عن قرب داخل بيوتهم، وبخاصة أنه وُلد وتربى وكبر في حي شعبي، هو حي السيدة زينب.

 

وقد ظل، كما يقول الأستاذ يحيى حقي، يذكر طيلة حياته مِيتةَ أخيه العزيز محمد عبدالرحيم صاحب اليد الطولى عليه، فقد وجهه ثقافيًّا، وألقى فيه بذرة حب الفن تذوقًا وممارسة[11]، وهذا يدل على طبع وفيٍّ مخلص، لا يعرف النسيان ولا الجحود، ولم يكتفِ لاشين بهذا، بل وصف مشهد احتضار أخيه في أول قصة من أول مجموعة قصصية له، وهي "سخريَّة الناي"، وصفًا ملتاعًا، من قلب محب فجع في حبيبه الغالي.

 

وكان طاهر لاشين في سَعة من العيش نسبية، ولعل ذلك كان أحد الأسباب التي جعلته يكتفي باتخاذ الأدب هواية، فإن وظيفته كانت توفر له حياة مادية لا بأس بها، وكان له إلى جانب وظيفته إرث، وفضلًا عن ذلك فإنه لم يكن مسرفًا ولا مقترًا[12].

 

وكان كاتبنا مغرَمًا بالقراءة، وقد هام منذ صغره بالاطلاع على الآداب الأوربية، وبخاصة الإنجليزية والفرنسية والروسية، وكان يعجب ببعض الكتاب إعجابًا خاصًّا، مثل: ديكنز ومارك توين وتشيكوف، ويُحكى عن غرامه بالقراءة أنه "منذ أن اشتغل بالتنظيم واضطرته وظيفته أن ينتقل كثيرًا في وسائل المواصلات كان يضع في جيبه أوراقًا منزوعة من مجلة "إستراند" اللندنية، فيقرأ قصصها حتى في الترام"[13]، وكان لأخيه، كما سبق أن قلت، فضلٌ عليه من هذه الناحية، وهو صاحب المكتبة التي أسبلت على البيت جوًّا ثقافيًّا ينادي الروحَ بالتطلع إلى الفن، كما يرجع الفضل إليه في إقدام طاهر لاشين على تأليف المسرحيات، ويذكر الأستاذ يحيى حقي أنه علم من أحد معارف لاشين أنه ألَّف بعض المسرحيات التي مُثلت، لكنه (كما يقول) لم يعثر على شيء من هذا مكتوب[14].

 

أما بالنسبة لمن كان يقرأ لهم من القصاصين، فإن الأستاذ يحيى حقي يذكر لنا أسماء كثيرة، من بينها: شكسبير وثاكري وبلزاك وموليير وهوجو وأوسكار وايلد ورامبو وبيرانديللو وتولوستوي وجوركي ودستويفسكي، إلى جانب بعض المجلات الأدبية الإنجليزية، مثل: "ملحق التايمز الأدبي" والـ: "نيشن"[15]، وإذا كان يحيى حقي يقول: إنه "كان من النادر أن نردد اسم الجاحظ والمتنبي"[16]، فإن محمود تيمور يؤكد أن طاهر لاشين كان قويَّ الاطلاع في الأدب العربي، وافر المحفوظ من فِقره البليغة وجمله المكينة[17]، كما ذكر د. حسين فوزي أن كل أعضاء المدرسة الحديثة نشؤوا على معرفة قيِّمة بأدبهم العربي، وإن عاد فذكر أنهم لم يكونوا يعرفون شيئًا لأساتذة الجيل الكبار الذين كانوا يهاجمونهم رغم ذلك[18].

 

ولم تكن اهتمامات أعضاء المدرسة الحديثة مقصورة على الأدب، بل شملت أيضًا الفن من باليه وموسيقا سيمفونية وأوبرا ومسرحيات؛ إذ كانوا "يذهبون شلة إلى كازينو دي باري بقنطرة الدكة، يناصرون محمد تيمور وسيد درويش في "العشرة الطيبة"، وإلى تياترو برنتانيا يؤازرون سيد درويش في "شهر زاد"، أو إلى كورسال دلباني يشاهدون باليه أنا بافلوفا، أو يستمعون للحفلات السيمفونية، ولعزف كبار العازفين، حيث يجلسون أو يقفون فيما كان يعرف بالمتنزه (البرومنوار)، أو يتشعلقون في أعلى التياترو بالأوبرا... ليشاهدوا ويسمعوا الفرق الغنائية التي وفدت على مصر بعد الحرب العالمية الأولى"[19].

 

ويذكر الأستاذ يحيى حقي أن د. حسين فوزي كان يهتم بطاهر لاشين، ويشجعه على الصبر، وينصحه بتوسيع أفقه الثقافي بالاطلاع على أدب الغرب والشرق معًا[20]، وقد ظلت هذه المودة قائمة بين الزميلين الصديقين حتى بعد أن افترق د. فوزي عن الجماعة وسافر بعيدًا في غربة طويلة[21]؛ إذ كان طاهر لاشين يوافيه بأخبار المدرسة عن طريق الرسائل، ونجد في صدر آخر مجموعة قصصية لطاهر لاشين (وهي مجموعة "النقاب الطائر") أحد هذه الخطابات، وكان قد أرفقه بهذه المجموعة طالبًا فيه من د. فوزي أن يقرأَها، على الأقل ليتسلى بها عما هو فيه من تعب، وقد قام د. فوزي بكتابة مقدمة لها، حلَّل فيها أدبه واتجاهه، وسلط الضوء على بعض ملامح فنه القصصي.

 

ولم يكن د. حسين فوزي هو الوحيدَ الذي كتب لطاهر لاشين مقدمة لأحد كتبه؛ فقد سبق أن قدم له د. أحمد زكي أبو شادي مجموعته الثانية "يحكى أن"، كما قدم له الأستاذ حسن محمود "حواء بلا آدم"، أما مجموعته الأولى "سخريَّة الناي" فقد كتب مقدمتها د. منصور فهمي، الذي أثنى عليه فيها، وقارنه ببعض الكتاب العالميين، كذلك لفت إنتاجُه أنظار النقاد والمهتمين بمتابعة الحركة الأدبية في مصر، ومن الذين تناولوا فنه بالنقد المرحوم محمد لطفي جمعة، الذي نصحه بأن يحترف الأدب[22]، وكذلك الأستاذ يحيى حقي، الذي كتب على الأقل مقالين تناول في الأول منهما (في مجلة "كوكب الشرق"/ فبراير 1927م) مجموعة "سخريَّة الناي"، وتناول في الثاني (في صحيفة "البلاغ" اليومية/ إبريل 1930م) مجموعة "يحكى أن"، كذلك كتب عنه الأستاذ حبيب الزحلاوي في كتابه "أدباء معاصرون"[23]، ويذكر الأستاذ يحيى حقي أن ست مقالات قد نُشرت في "كوكب الشرق" تباعًا منذ أول فبراير 1927م بتوقيع "لبيب"[24] في نقد أعمال لاشين الأدبية.

 

ويبدو أن طاهر لاشين قد انصرف عن الكتابة فترة طويلة تحت تأثير التشاؤم واليأس، ولم يرجع إلا عندما وجد بعض النقاد يشيرون إليه ويشيدون بنتاجه، فكان هذا حافزًا لأن يعاود الكتابة ويطرح التشاؤم عن نفسه[25]، وقد كان الأدباء أثناء غيبته تلك يتساءلون عنه ويفتقدونه[26]، وفي رأي محمود تيمور أن لاشين لو كان أعطى لفنه اهتمامًا أكبرَ لكان له شأن أعظم من ذلك بين الأدباء.

 

وقد كان كاتبنا في البداية ينشر قصصه في مجلة "الفنون"، التي كانت تصدر نصف شهرية عام 1924م، ثم في صحيفة "الفجر"، التي صدرت في يناير 1925م، ثم في مجلة "الجديد"، التي كان يصدرها محمد المرصفي، و"المجلة الجديدة"، التي أصدرها سلامة موسى، وبعد ذلك في "الهلال"، كما كان يعيد نشر قصصه في مجلات أخرى[27].

 

ويذكر بعضُ أصدقائه أنه كان قد تمرس من قبل ذلك بالكتابة القصصية، وإن كان قد انتظر سنتين أو ثلاثًا حتى ابتدأ ينشر ما يكتب[28]، وقد أجرت معه بعض المجلات المشهورة أحاديث صحفية حول أدبه ومذهبه الفني؛ كـ: "المجلة الجديدة" في عدد يونيه 1931م[29].

 

ويذكر الأستاذ يحيى حقي أن لطاهر لاشين بعضَ المسرحيات، حسبما ذكر له صديقه المهندس زكي الدباغ، ولكن سيد حامد النساج لا يعلق كبير أهمية على هذا؛ بسبب صمت لاشين عن الكلام في ذلك الموضوع، ثم يضيف قائلًا: إن ذلك لو صحَّ فإنه لا يعدو أن يكون مسرحية كتبها طاهر لاشين لوزارة الصحة بغرض الدعاية، أو للحصول على جائزة نقدية[30].

 

ومن يقرأ مقدمة الأستاذ يحيى حقي لمجموعة "سخريَّة الناي" يجد بعضًا مما كان ينظم لاشين من الشعر الفكاهي الذي يناوش به أصدقاءه، ويتهكم عليهم، مثل هذين البيتين اللذين قالهما في صديق له سافر إلى قنا:

بأقصى الصعيدِ لنا صاحبٌ
مفتِّشُ صحةِ مركزْ قنا
وإن السخيفَ سخيفٌ هناك
كما كان قبْلًا سخيفًا هنا

 

ومِن هذا الشعر أيضًا ما كتبه للمرحوم محمد لطفي جمعة حين ذهب للقائه ذات مساء فلم يجده، فترك له الأبيات التالية:

عزيزي وأستاذي وفخري وقدوتي
ويا مَن برُوحي أن أنال رضاءه[31]
سلامي وأشواقي إليك، وبعد ذا
نفيد بأنَّا قد حضرنا مساءه
ولكننا لم نحظَ، يا بؤس حظنا
بهذا الذي كنا نودُّ لقاءه
فقُمْنا نحاكي الكلب دُعَّ بمسمط
يريد فرارًا والصبي وراءه
فيا ربِّ، لا تحرم حبيبًا حبيبه
بجاه النبي ألا تُخِيبَ رجاءه

 

وقد استمد محمود طاهر لاشين موضوعات قصصه من مشاهداته ومِن واقع... أحيانًا؛ فهو مهندس تنظيم، يجول خلال البيوت والدكاكين، ويقابل أنماطًا مختلفة من الناس، كما استمدها من القصص الأجنبي عن طريق الاقتباس أحيانًا أخرى، وإن كان هذا في نطاق ضيق؛ كاقتباسه أقصوصة "الانفجار" من أقصوصة لتشيكوف، ترجمها المرحوم محمد السباعي بعنوان "زوبعة منزلية"، وقد سار لاشين مع تشيكوف خطوة خطوة في القصة، وإن كان قد أعطاها جوًّا مصريًّا خالصًا[32].

 

وكان طاهر لاشين قد أعلن في آخر "النقاب الطائر" عن قُرْب صدور قصة طويلة له، بعنوان "سر المنتحر"، وقد بحثت عنها في المكتبات العامة فلم أجدها، والواضح من كلام كل مِن يحيى حقي وسيد حامد النساج أنها لم تصدر، وإن كان يحيى حقي قد أخطأ حين ظن أنها مجموعة قصصية؛ فقد ذكر لاشين ذاتُه في الإعلان المشار إليه أنها قصة طويلة.

 

ويذكر الأستاذ يحيى حقي أنه حدَث للاشين في أواخر حياته تحوُّل عجيب؛ فإنه منذ تشييع جنازة زوج أخته بدأ لأول مرة في حياته يواظب على الصلاة وقراءة القرآن، وقد تُوفي كاتبنا في 17 إبريل 1954م بالسكتة القلبية[33].

 

هذا، وقد بدأت "المدرسة الحديثة" التي كان كاتبُنا واحدًا من أعضائها، بثلاثة أعضاء، هم: د. حسين فوزي ومحمد تيمور ومحمد رشيد، وتولدت مما كان يدور بينهم في اجتماعاتهم بقصر آل تيمور من نقاش، ووجدت غذاءَها في صحيفة أدبية أسبوعية أصدرها سنة 1917م عبدالحميد حمدي باسم "السفور"[34]... واتخذ أعضاؤها مكانهم في قهوة مواجهة لمسرح رمسيس([35])، وكانت المناقشات الأدبية بينهم لا تنتهي، وكان النقاش عنيفًا حادًّا.

 

ويقول د. حسين فوزي: إن أعضاء الجماعة قد أطلقوا على أنفسهم اسم "المدرسة الحديثة" تندُّرًا على تعاليمهم الثائرة[36]، وحينما قوِيَ عودهم أصدروا صحيفة "الفجر"، التي لم تستمر إلا سنتين[37].

 

ويتحدث يحيى حقي عن بعض أعضاء هذه المدرسة قائلًا: "سيكتب بعض أعضاء هذه المدرسة قليلًا من القصص ثم ينقطع، وبعضهم لا يُعْنَى بضم ما نشره من قصص مبعثرة في مجموعة واحدة، وللأستاذ حسن محمود قصص كثيرة أيضًا لم تضمها مجموعة، ولكن قصته المتوسطة "جدتي الصغيرة" التي نشرت في سلسلة "اقرأ" أجدها مِن أجمل القصص التي قرأتها: نغمة عاطفية مكتومة رقيقة كلحن من ألحان شوبيرت تفيض بالإنسانية السامية التي تقوى ولا تضعف بالتسامح، ولكن الذي سار في الشوط إلى اليوم رغم فترة انقطاع ضئيلة.... أستاذ إبراهيم المصري بإنتاجه الغزير، وقد انعكست في قصصه مذاهب أدبية.... ثم أصبح اليوم يميل أحيانًا إلى التشاؤم"[38].

 

وكان أعضاءُ هذه المدرسة جميعًا من الهواة، لا من المحترفين، وكانوا ينادون بتجديد أنماط الأدب العربي وقوالبه، والاهتمام بالفن القصصي، والانتقال به من المذهب الرومانسي إلى المذهب الواقعي[39].



[1] يحيى حقي/ مقدمة مجموعة "سخريَّة الناي" لطاهر لاشين/ الدار القومية للطباعة والنشر/ س.

[2] مقدمة مجموعة "سخريَّة الناي"/ س، وعباس خضر/ القصة القصيرة في مصر/ 302، ويحيى حقي/ فجر القصة المصرية/ المكتبة الثقافية/ 78.

[3] مقدمة "سخريَّة الناي"/ س.

[4] د. حسين فوزي/ سندباد في رحلة الحياة/ سلسلة "اقرأ"/ 32.

[5] د. حسين فوزي/ سندباد في رحلة الحياة/ 32.

[6] فجر القصة المصرية/ 30.

[7] مقدمة "سخريَّة الناي"/ س.

[8] سندباد في رحلة الحياة/ 30.

[9] حبيب الزحلاوي/ أدباء معاصرون/ 31.

[10] مقدمة "سخريَّة الناي"/ ف.

[11] نفس المرجع والصفحة.

[12] عباس خضر/ القصة القصيرة في مصر/ 204.

[13] يحيى حقي/ فجر القصة المصرية/ 84.

[14] مقدمة "سخريَّة الناي"/ ف.

[15] سندباد في رحلة الحياة/ 32.

[16] فجر القصة المصرية/ 81.

[17] محمود تيمور/ مقدمة "يحكى أن" لطاهر لاشين/ الدار القومية للطباعة والنشر/ هـ.

[18] سندباد في رحلة الحياة/ 30 - 31.

[19] المرجع السابق/ 29.

[20] مقدمة "سخريَّة الناي"/ ي.

[21] يبدو أنها بعثته العلمية في المحيطات والبحار لدراسة الأحياء المائية على الطبيعة.

[22] يحيى حقي/ خطوات في النقد/ 65، ومقدمة "سخريَّة الناي"/ س، وأغلب الظن أن الإشارة هنا إلى المقال المنشور في "البلاغ" بتاريخ 20 يناير 1930م، ويجده القارئ في كتاب محمد لطفي جمعة، الذي ظهر مؤخرًا بعنوان "في الأدب والنقد" (عالم الكتب/ 1421هـ - 2000م/ 219 وما بعدها).

[23] ص 31 وما بعدها.

[24] فجر القصة المصرية/ 88.

[25] انظر د. حسين فوزي/ مقدمة "النقاب الطائر" لطاهر لاشين، ويحيى حقي/ مقدمة "سخريَّة الناي"/ ن.

[26] محمود تيمور/ مقدمة "يحكى أن"/ و.

[27] سيد حامد النساج/ تطور فن القصة القصيرة في مصر/ 196 - 197.

[28] نفس المرجع والموضع.

[29] المرجع السابق/ 218.

[30] السابق/ 203 - 204.

[31] هذه الأبيات موجودة في كتاب "حوار المفكرين - رسائل أعلام العصر إلى محمد لطفي جمعة خلال نصف قرن (1904م - 1953م)"/ جمع وتعليق رابح لطفي جمعة/ عالم الكتب/ 1420هـ - 2000م/ 517.

[32] عباس خضر/ القصة القصيرة في مصر/ 242.

[33] مقدمة "سخريَّة الناي"/ ص.

[34] فجر القصة المصرية/ 74.

[35] المرجع السابق/ 76.

[36] سندباد في رحلة الحياة/ 29.

[37] فجر القصة المصرية/ 80.

[38] المرجع السابق/ 82 - 83.

[39] انظر "سندباد في رحلة الحياة"/ 30، ومقدمة "سخريَّة الناي".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قراءة في مجموعة أحمد صوان القصصية
  • الفن القصصي في القرآن
  • مكونات العمل القصصي
  • مقدمة أطروحة دكتوراه بعنوان: الكتابة القصصية النسائية المغربية
  • أسلوب القاص محمود طاهر لاشين
  • الخصائص التركيبية في القصة القصيرة
  • الخصائص اللغوية للقصة عند محمود طاهر لاشين
  • الوصف في القصة

مختارات من الشبكة

  • كيف نحيا ألف حياة وحياة؟(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • القصاص محمود طاهر لاشين: حياته وفنه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • القصاص محمود طاهر لاشين: حياته وفنه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • والحياة حياة (قصيدة عمودية)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أبناء عبدالله بن عمر العدوي حياتهم وأثرهم في الحياة الاجتماعية والعلمية في المدينة المنورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حياة الصادقين حياة طيبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حياة محمد صلى الله عليه وسلم وصناعة الحياة (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • التغير في المفاهيم التربوية: التعليم مدى الحياة أم التعليم من أجل المساهمة في وظيفية الحياة؟!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • وحين تكون الحياة حياة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الفرق بين الحياة المستمرة والحياة المستقرة(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب