• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | استشارات نفسية   استشارات دعوية   استشارات اجتماعية   استشارات علمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حيرة بين فتاتين
    أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي
  •  
    تأثير الغش في مستقبلي الدراسي
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    مر على زواجي ثلاثة أشهر وما زلت بكرا
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حيرة بين فتاتين
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    زوجتي تفلتت من قوامتي
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    أمي وإخوتي تركوني وحيدة
    د. شيرين لبيب خورشيد
  •  
    وقعت في محرم قبل الزواج: هل عقد الزواج صحيح؟
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    قسوة القلب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    زواج بالإكراه
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    ممارسة السحر من غير قصد
    أ. منى مصطفى
  •  
    الهوس بالأبراج
    أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي
  •  
    رجل مطلق يحبني
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
شبكة الألوكة / الاستشارات / استشارات اجتماعية
علامة باركود

مراعاة المشاعر في النقد وتصحيح الأخطاء

أ. عائشة الحكمي

استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/4/2010 ميلادي - 19/4/1431 هجري

الزيارات: 14130

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
السؤال:

أتابع موقعكم باستمرار؛ لِمَا فيه من نصائحَ علاجيَّة هامَّة.

 

 مشكلتي تحديدًا: هي أنِّي لا أتقبَّل نَقْدَ الآخَرين، خصوصًا لو أجمعوا كلُّهم على أنِّي مُخطئ.

 

 ونظرًا لعدم اختلاطي بالمجتمع بالشكل المطلوب، فدائمًا ما أنزعِج من أسلوب الكثير من الناس، أشعر بأنَّهم غيرُ لطاف في أسلوبهم وفي حديثهم.

 

بالأمس كنت مع الأصدقاء، وبدأ أحدُهم يخبرهم عن موقفٍ لم أحسن التصرُّف فيه، فشعرت بالإهانة منه ومنهم.

 

رغم مشاعري المضطربة دائمًا، إلاَّ أنني أشعر أني صاحبُ مشاعرَ، وغالبية مَن أقابلهم يفتقدونها.

 

ودائمًا ما أتعجب: لماذا تخلو حياةُ الناس من المشاعِر؟!

الجواب:

أخي الفاضل، حيَّاكَ الله، ولكَ مني، ومن (الألوكة) كلُّ الشُّكر والتقدير على المتابعة والثقة الغالية.

  

لعل سؤالكَ هو: لماذا لا يُراعي الناس مشاعرَ بعضهم بعضًا عند توجيه النَّقْد، وإبداء الملاحظات، أو عند التحدُّث عنهم في حضورهم، أو في غَيْبتهم؛ أليس كذلك؟!

 

لأنَّ سؤالكَ: لماذا تخلو حياةُ الناس من المشاعر؟! يحمل معنى آخرَ غير المعنى الذي طرحتَه في ثنايا استشارتِكَ، ومع ذلك سأُجيبكَ عنِ السؤالين بالقدر الذي يفتح الله لنا فيه للإجابة عليك.

 

أولاً: لماذا لا يُراعي الناس مشاعرَ بعضهم بعضًا عند توجيه النقد؟

دِيننا الإسلاميُّ - يا أخي الكريم - هو دِينُ المشاعر، ومراعاة المشاعر، فالشريعة التي تنهَى عن ذبْح البهيمة التي لا تعقل والأخرى تنظر إليها؛ مراعاةً لمشاعر تلك البهيمة الأخرى، وتنهى عن حدِّ السكِّينِ والبهيمةُ تنظر؛ على اعتبار أنَّ حدَّ الشفرة أمامَ البهيمة يُؤذيها، ويُشعرها بالذعر - لهي جديرة بأن تُتَّبع، أعْظِم بها مِن شريعة وشارع!

 

هذه هي شريعة الإسلام، شريعةٌ سَمْحة، توجِب الإحسانَ، والحبَّ والرحمة؛ ((إنَّ الله كَتَب الإحسانَ على كلِّ شيء))، لقد راعتْ مشاعرَ الحيوان، أفلا تراعي مشاعرَ الإنسان، الذي هو كتلة نابضة من الأحاسيس والمشاعِر؟!

 

لا يمكن أن نجدَ في القرآن الكريم كلمةً واحدة تخدش الشعورَ، أو تؤذي الأذن، أو تُشعِر أحدًا بعَينه بالنقيصة، أو يُستحيا منها، كما أنَّه لم يَرِد عن نبيِّ الإسلام - صلَّى الله عليه وسلَّم - كلمةٌ واحدة نابية أو جافة، نغضُّ بسببها الطرْف حياءً من قولها أمامَ العالَم، فهو نبيُّ المروءة، والأدب العالي، والخلق الرفيع.

 

وكون المسلِم يتكلَّم الكلام ولا يبالي بأحد؛ فذلك لأنَّه لا يبالي بتعاليم دِينه، وهو حين يَنتقص شخصًا ما بأسلوبه الجارِح، فإنما ينقص من قَدْر نفسه في عيون الآخرين، مثلما ينقص من درجات حسناته في صحيفة أعماله.

 

فربُّنا الله - سبحانه وتعالى - لا يأمر بالفحش والإساءة والإيذاء، بل يأمر بالقوْل الحسن، والفعل الحسن؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: [90، ويقول: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: [83، وكذلك: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاء مِنْ نِّسَاء عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: [11، وغيرها الكثير والكثير.

 

الفَهْم الحقيقي للدِّين، وتطبيقه في تعاملاتنا اليوميَّة، هو الذي يجعلُنا نتعامل مع الناس بإحساس، ومراعاة للمشاعر، وعدم فَهْمه أو تَرْك تطبيقه هو الذي يجعلُنا ننحدرُ كلَّ هذا الانحدار، فالسبب الأول والرئيس إذًا لعدم مراعاة مشاعِر الآخرين بعضهم لبعض، هو: ضَعْف الوازِع الدِّينيّ.

 

السبب الثاني: يكمُن في التربية الأسرية، والتنشِئة الاجتماعية؛ لأنَّنا قد نجد مجتمعاتٍ لا دِينيَّة، أو بدِينٍ سماويٍّ محرَّف، أو دِين شرقي لا أصلَ له، ومع ذلك تتمتَّع هذه المجتمعات بأخلاقيات وآدابِ تعامُل في قمَّة الرقي؛ نتيجةً لحسن التربية والتنشئة في البيت والمدرسة، فتربية الشخص (الفرد) منذ الصِّغر على حُسن التعامل، والتقمُّص العاطفي، وفَهْم الأحاسيس، واستقراء المشاعِر في ظلِّ وجود القدوة - كفيلٌ بخلق (مجتمع) حضاريٍّ مثالي ونموذجي، يحبُّ الناس فيه بعضهم بعضًا مثلما يحبُّون الخير لأنفسهم.

 

السبب الثالث: مستوى التعليم؛ ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9] فالعلم يسمو بصاحبه، فِكرًا ورُوحًا، ونفسًا وهمَّة، وكلما ارتفع تعليمُ الإنسان ترفَّع عن الإساءة والإيذاء، والتجريح لغيره؛ لأنَّ العالِم المتعلم لا ينتقي من الكلمات إلا أسماها وأرقاها وأرفعها؛ لرفعتِه وسموِّه؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾ [إبراهيم: 24 - [26.

 

ويندرج تحت هذا السبب: الجهل بقواعد الأدب والاحترام (الإتيكيت)!

 

السبب الرابع: عُقدة النقْص، فالإنسان لا ينتقص أحدًا إلاَّ من نقص يحسُّه من نفسه، وفي هذا المعنى يقول الخليفة المأمون: "ما تكبَّر أحد إلا لنقص وجَدَه في نفسه، ولا تطاول إلاَّ لوهن أحسَّه من نفسه".

 

السبب الخامس: الطبيعة الشِّرِّيرة لدى الإنسان؛ فعن عائشة: أنَّ رجلاً استأذن على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلما رآه قال: ((بئس أخو العشيرة، وبئس ابنُ العشيرة))، فلمَّا جلس تطلق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في وجهه، وانبسط إليه، فلمَّا انطلق الرجل قالت عائشة: يا رسولَ الله، حين رأيت الرجلَ قلت له كذا وكذا، ثم تطلقتَ في وجهه وانبسطت إليه؟! فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا عائشة، متى عَهدتِني فحَّاشًا؟! إنَّ شرَّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة مَن تَرَكه الناسُ اتقاءَ شرِّه))؛ رواه البخاري.

 

ومن الشرِّ أيضًا ينبع الشعورُ بالحقد والكراهية، مما قد يدفع بصاحبه إلى التجريح، وتعمُّد إيذاء المشاعر بكلِّ وسيلة ممكنة، بما فيها الإساءة من خلال المزاح.

 

السبب السادس: نقْص الذكاء العاطفي، مع وجود النيَّة الحسنة، وعدم تعمُّد الإساءة، يقول (أندرو لاي) - مؤلِّف كتاب "أثر الجاذبية الشخصية" -: "الذكاء العاطفيُّ مثل "رادار" خاص، يقرأ المواقفَ، ويحلِّل سلوك الآخرين ونواياهم، وحالاتهم الشعورية، ورغبتهم في التفاعل، والمشكلة هي أنَّنا بدلاً من ذلك نُعاني أحيانًا من وجود مناطقَ عمياء في "راداراتنا" الشعورية، وهي المناطق التي نُسيء فيها قراءةَ الموقف، أو لا نقرؤه على الإطلاق".

 

ثانيًا: لماذا تخلو حياة الناس من المشاعر؟

حين نتكلَّم عن المشاعر، فإنَّنا نتكلَّم عن القلوب، والقلوبُ ملكٌ لله، الذي له ملكوت السموات والأرض، ومتى اتصلتْ هذه القلوب بالله، واقتربتْ منه، دخلتْ في ملكوت السموات حيث السَّديمُ والنور؛ ﴿ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الشورى: [5، فتُصبح القلوب في هذا الجوِّ السماويِّ خاشعةً وَجِلة، مطمئنة مخبتة، تقيَّة، تمتلئ رأفةً ورحمةً ومحبَّة.

 

ومتى انقطعتْ عن ربها، وابتعدتْ عنه، هَوَتْ إلى ملكوت الأرض، حيث الترابُ والجمادات، وهمزات الشياطين، فتصبح القلوبُ في هذا الجوِّ الأرضيِّ قاسيةً مريضة، غليظة زائغة، مرتابة مقفلة، تمتلئ غِلاًّ وحقدًا، وقحطًا في المشاعر.

 

وحدَها القلوبُ المتصلة بالآخِرة، والمتفكِّرة في حقيقة الموت والفناء، المتعلِّقة بنعيم الجنَّة، والمستعيذة بالله من عذاب النار، هي التي تنبض بالإحساس، وتتوهَّج بالحبّ، وتذوب شفقةً ورحمة.

 

تخلو حياةُ الناس من المشاعر يا سيِّدي، إذا خلَتْ حياتُهم من الابتلاءات والمصائب، فالأحزان الكبيرة، والآلام العظيمة، والجروح الغائرة، هي التي تجعلُنا نُفيض رقَّةً وإحساسًا بالآخرين، فدموع الحُزن حين تسيل لا تغسل أحداقَ العيون وحسبُ، بل تُطهِّر في مجراها الأفئدةَ والقلوب من شحنائها وشحناتها؛ ولهذا لا يساوي قلوبَ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أحدٌ في المشاعر؛ لأنَّه لا يساويهم أحد في الابتلاء؛ فعن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قلت: يا رسولَ الله، أيُّ الناس أشدُّ بلاء؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبْتلَى الرجلُ على حسب دِينه، فإن كان في دِينه صُلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دِينه رقَّةٌ ابْتُلي على قدر دينه، فما يبرح البلاءُ بالعبد حتى يتركَه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة))؛ رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

 

لقد مثل اليهود على مرِّ التاريخ نموذجًا سيِّئًا لأصحاب القلوب القاسية؛ نتيجةً لحبهم الشديد للمال، وشغفهم بالذهب؛ ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ﴾ [البقرة: [93، ﴿ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: [161، فحبُّ المال، والمال الحرام مِن أسباب جفاف منابع الحِسِّ في دواخلنا؛ ولهذا كان من دعاء الحبيب - صلى الله علي وسلم -: ((اللهمَّ أحْيني مسكينًا، وتَوفَّني مسكينًا، واحشرني في زُمْرة المساكين)).

 

نُصْبح بلا مشاعرَ حين نغترُّ بالحياة الدنيا، والعمر والشباب، وطول الأمد؛ ﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الحديد: [16.

 

ونصبح بلا مشاعرَ حين نلتفت إلى كلامِ البشر، ونترك كلام ربِّ البشر (القرآن العظيم) أحسن الحديث؛ ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: [23.

 

وكذلك حين ننسى كلامَ خير البشر محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال حذيفة: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((تُعرَضُ الفِتن على القلوب كالحصير عُودًا عودًا، فأيُّ قلْب أُشْرِبها نُكت فيه نُكتة سوداء، وأيُّ قلْب أَنْكَرها نُكِت فيه نُكتة بيضاء، حتى تصيرَ على قلبَيْن، على أبيضَ مثلِ الصَّفَا، فلا تضرُّه فتنة ما دامتِ السماوات والأرض، والآخَرُ أسودُ مُرْبادًّا، كالكُوز مجخيًّا، لا يَعرِف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا، إلاَّ ما أُشْرِب من هواه))؛ رواه مسلم.

 

والآن دعْكَ من الناس، وقسوةَ قلوبهم، وتجرُّدهم من مشاعرهم، والْتفت إلى مشكلتك، فهدايةُ الناس - هداية توفيق وإلهام - إلى جادَّة الصواب ليس من اختصاصِنا؛ لأنَّ الله - جل في علاه - يقول في محكم كتابه: ﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272]، وبالتالي سيكون تحقيقُ الهداية لكل ِّالناس من المحال، واجبنا فقط هو النُّصْح والتوجيه والإرشاد؛ ﴿ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ﴾ [يونس: [108.

 

ما يهمُّني من هذه السطور: مشكلتكَ الشخصية كمُستشير، والتي عبَّرْتَ عنها بقولكَ: "مشكلتي تحديدًا: هي أني لا أتقبَّل نقدَ الآخرين، خصوصًا لو أجمعوا كلُّهم على أني مخطئ".

 

وهي مشكلة ليستْ بالصعبة في ظلِّ وجود الرغبة في التغيير التي تمتلكها يا أخي الكريم، والتي كانت سببًا في دفعِكَ للسؤال، ومتابعة استشارات (الألوكة) مشكورًا.

 

جميعُنا يا أخي، عُرْضة للنقد بشقَّيه: البنَّاء والهدَّام، وإذا كان الأسلوبُ الذي نستعمله في توجيه النقْد مهمًّا، فكذلك الطريقة التي نتعامل بها في تلقِّي النقد مهمَّة للغاية.

 

مُتلقِّي النقد أشبه بحارس المرمى، الذي يتلقَّى الأهداف من كل صَوْب، وهذه الأهداف (أي: الانتقادات هنا) بعضُها يصيب ويدخل الشباك، وبعضها يخطئ، أما الأهداف التي تصيب وتهزُّ الشباك، فهي ثلاثة أشكال:

 

1- هدفٌ صحيح صائب، يدخل المرمى، ويصفِّق له الجمهور، وهذا الهدف هو النقد البنَّاء، الذي يجب علينا أن نلتفتَ إليه، ونهتمَّ به، ونعطيَه سمعَنا وفَهْمنا، ونتقبله برِضا، ونأخذه بعين الاعتبار.

 

يدخل المرمى؛ ولكنَّه لا يُحتسب، وهو النقد الهدَّام الذي يهزُّ ثِقتَنا من الداخل؛ برغم أَّنه عارٍ من الصحة!

 

لكنَّه جاء بالخطأ من قِبَل أحد لاعبي الفريق، وليس مِن لاعبي فريق الخَصْم، وهذا الهدف هو النقْد الصحيح الذي يصلنا بطريقة جارِحة، ومن أقرب الناس.

 

في حين أنَّ الأهداف التي لا تصيب، فلها ثلاثة أسباب تمنع دخولَها إلى شباك المرمى (أعني دواخلنا):

 

1- الهدف الذي يَبْتعد عن المرمى من تلقاء نفسه، وهو النقد العابِر الذي يُنسَى، فلا يهزنا، ولا نلتفت إليه.

 

2- والهدف الذي يصدُّه الحارس بنفسه بأيِّ جزء من جسمه، وهو النقْد غير الصحيح، الذي يحتاج منَّا إلى تدخُّل ودِفاع عن النفس.

 

3- والهدف الذي يتمُّ صدُّه من قِبل أطراف أخرى غير الحارس، كأحد لاعبي الدِّفاع، أو الاصطدام بعارض المرمى على سبيل المثال، وهو هنا النقد الذي لا يصل إلينا، ويقوم فيه أحبتُنا بتفنيده، والدِّفاع عنَّا في غيبتنا.

 

ما أُريده منك هو أن تُحلِّل النقدَ الموجَّه إليك، كما لو كنتَ حارس مرمى تمامًا، وتعلم كيف تصدُّ الكرة، ومتى تصدُّها، وكن منفتحًا على الناس، وخصوصًا أحبتَكَ وأهلكَ، ممَّن يَصْدُقون في نصحهم لك؛ لتتمكنَ من تلافي أخطائِكَ وعثراتكَ مستقبلاً، ولكي تبني نفسكَ بطريقة صحيحة - إن شاء الله تعالى.

 

نعم، من حقِّك أن تغضب، وتتألَّم حين يُوجَّه إليكَ النقد، فقد دخل عُيينة بن حِصْن على عمر، فقال: "هِيْ، يا ابن الخطَّاب، فوالله ما تُعطينا الجزل، ولا تحكُم بيننا بالعدل"، فغضب عمرُ، حتى همَّ أن يوقع به، فقال ابنُ أخي عُيَينةَ، الحرُّ بنُ قيس: "يا أميرَ المؤمنين، إنَّ الله - تعالى - قال لنبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199[، وإنَّ هذا من الجاهلين"، فوالله ما جاوزَها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله - تعالى.

 

النقدُ مؤلِم، لكن يجب تقبُّلُه، خصوصًا وأنك في عُمرٍ لا تزال فيه بحاجة إلى الزاد المعرفيِّ عن نفسكَ، والناس والحياة، ولو زوَّدك به أقلُّ الناس عِلمًا، وأصغرُهم سِنًّا، وأقلُّهم شأنًا.

 

فقد خَرَج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من المسجد، والجارودُ العَبْديُّ معه، فبينما هما خارجان إذ بامرأةٍ على ظهْر الطريق، فسلَّم عليها عمرُ فردَّت عليه السلام، ثم قالت: "رويدَك يا عمر، حتى أكلِّمك كلماتٍ قليلة"، قال لها: "قولي"، قالت: "يا عمر، عهدي بك وأنت تُسمَّى عُميرًا في سوق "عكاظ" تُصارِع الفتيان، فلم تذهب الأيَّام حتى سُمِّيت عمر، ثم لم تذهب الأيَّام حتى سميتَ أميرَ المؤمنين، فاتَّقِ الله في الرعية، واعلم أنَّه مَن خاف خشي الفَوْت"، فقال الجارود: "هيه، قد اجترأتِ على أمير المؤمنين"، فقال عمر: "دعْها، أمَا تعرف هذه يا جارود؟ هذه خولَةُ بنت حكيم التي سَمِع الله قولَها من فوق سمائه، فعمر واللهِ أحرى أن يسمعَ كلامَها"، أراد بذلك قولَه – تعالى -: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [المجادلة: [1.

  

ختامًا:

لفتتْني عبارةٌ قلتَها عن نفسكَ: "رغمَ مشاعري المضطربة دائمًا، إلاَّ أنَّني أشعر أني صاحبُ مشاعرَ، وغالبية مَن أقابلهم يفتقدونها"، فبارك الله فيكَ يا أخي الفاضل، وفي صَفْو مشاعرِكَ، أمَّا مَن يؤذيكَ فيها، فلا أجد لكَ مِن تسلية إلاَّ قول المتنبي حين قال:


أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ سِهَامِهِمُ
وَمُخْطِىءٌ مَنْ رَمِيُّهُ القَمَرُ

دُمتَ بألف خير، ولا تنسَنا من صالح دعائك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة ابن الجوزي في المسجد الأموي (تنبيه جديد)
  • ما الروافد النقدية؟
  • الحساسية من النقد

مختارات من الشبكة

  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تساؤلات حول النقد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ما الفرق بين أسس وسمات ومقاييس النقد؟(استشارة - الاستشارات)
  • في النقد الأدبي: ما الأدب؟ ما النقد؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النقد من أجل النقد(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مظاهر النقد الأدبي وخصائصه في العصر الجاهلي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النقد الانتقامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مراعاة أحوال المدعوين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النقد الهزيل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النقد وإيجابياته(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 


مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب