علمني أبي اللغة العربية

أخي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلاً وسهْلاً بك في (الألوكة).
بداية، لابدَّ أن نؤكِّد على سموِّ الهدَفِ الذي وضعتَه لنفسك، وبارك الله فيكَ؛ لأنَّكَ وضعتَ له زمنًا للتنفيذ، كما لا يفوتني أن أدْعوَ لأبيك بالخير الكثير، فنِعْم الأب لخَيْر الولد - إن شاء الله تعالى.
ولقد رأيتُ من خلال عملي كمعلِّم للُّغة العربيَّة للنَّاطقين بغيرها طلاَّبًا كثيرين جدًّا من تركيا، وكان منهم مَن يأتي ليدرس في الفصول، ومنهم من كان يفضِّل أن يدرس عبر الإنترنت، وكانوا مِن أفضل الطلاب خُلُقًا وتواصُلاً وعلمًا، ونحسَبُك من هؤلاء، فبارك الله فيك.

ولكن لنتَّفق أنَّ أباك قد وجَّهك إلى وجهة جيدة، وترككَ لتُكْمِل طريقًا بدأه معك، لا لشيء إلا لأنَّه يريد منك أن تستخرِج في السَّير في هذا الطريق كلَّ طاقتكَ؛ للوصول إلى الهدف في أقلِّ وقت وأكبر كفاءة، وأنت طالب جيِّد وتعلم أنَّ:
1- هناك فرقًا بين همزة القطع وألف الوصل، تقول: أخْرَجَ (في القطع)، وَاخْرُجْ (في الوصل).
2- هناك فرقًا بين الهاء والتاء المربوطة، تقول: هذ(ه) اللغـ(ـة) العربيـ(ـة).
3- للضمائر أحوالاً، تقول: هذا قسم أدرس فيـ(ـه)، وهذه كلية أحبـ(ـها).

وأنت فعلاً طالبٌ مُمتاز، ولقد لمست ذلك من خلال لُغتك في الكتابة، فهي تدلُّ على طالب واعد، نرحِّب به في القاهرة - إن شاء الله - أخًا فاضلاً، وطالبًا كريمًا، وزميلاً عاشقًا للغة العربيَّة ودار العلوم.

وبمناسبة دار العلوم فسأتحدَّث معك عن تاريخِها أوَّلاً، ثمَّ عن أقسامِها ثانيًا، ونَختم ببعض النَّصائح منِّي كواحد من طلاَّبها، والتي من الممكِن أن تُفيدك - إن شاء الله - فنقول على بركة الله:

• دار العلوم بنتٌ تكبُرُ أمَّها:
قرَّر علي مبارك (1823 – 1893م) أن يكون مثل G. Bude (ت 1540م)، الذي اقترح على الملك "فرانسوا الأوَّل" فِكْرتَين لقِيَتا من هذا الملك كلَّ ترحيب، وتمَّ تنفيذُهُما في عهده:

الأولى: كانت إنشاءَ مكتبة قوميَّة، أصبحت فيما بعدُ هي المكتبةَ الوطنيَّة المعروفة الآن بباريس.

والثانية: كانتْ إنشاءَ معهد علمي لتدريس اللُّغات، والذي أصبح فيما بعد College De Frane والموجود حتى الآن[1].

فقرَّر علي مبارك أن يستحدِث فكرة إنشاء دار الكتب المصرية (الكتبخانة الخديويَّة)، التي قام بتنفيذها 1871م فعلاً، مخصِّصًا إحدى قاعاتِها لتقوم بالدَّور الذي رآه في College De France، وأطلق على هذه القاعة اسم "دار العلوم"، وكانتْ تشبه إلى حدٍّ كبير الجامعاتِ الشعبيةَ التي ينادي بها البعض اليوم، وقام بالتَّدريس بها كبارُ الأساتذة المصريِّين والفرنسيين؛ أمثال: الشيخ حسين المرصفي، والشيخ أحمد المرصفي، والمسيو فيدال، والمسيو بكتيت، وغيرهم، وكان الحاضرون من كبار موظَّفي الحكومة، ونظارة المعارف، وبعْض طلبة الأزهر.

وبعد هذا تحوَّلتْ إلى مدرسة نظاميَّة 1872م، وظلَّ عدد طلابِها أقلَّ من 50 طالبًا حتَّى عام 1882م، وظلَّ يدرِّس بها كبار الأساتذة، إلاَّ أنَّ آراء المفكِّرين تِجاهها انقسمت إلى قِسمين:

الأوَّل: المشجِّعون لفكرة دار العلوم، والمؤيِّدون لها قلبًا وقالبًا، وكان على رأْس هذا الفريق الشيخ محمد عبده، الذي قال مقالة مازال يحفظُها طلاَّب الدَّار في قلوبِهم قبل أن تكون على جدران كلِّيَّتهم: "إنَّ باحثًا مدقِّقًا إذا أراد أن يعرف أين تموت اللغة العربيَّة؟ وأين تحيا؟ وجدها تموت في كلِّ مكان، ووجدها تحيا في هذا المكان"[2]، كما كان من هذا الفريق مصطفى عبدالرازق.

الثاني: السخرية من دار العلوم والهجوم عليْها من الدكتور طه حسين، الذي طالب بأن تنضمَّ إلى الأزْهر، معلِّلاً ذلك بأنَّها لم تستطِع التَّجديد في علوم اللغة العربيَّة، وكان هجومُه عليْها في كتابة الشَّهير "في الأدب الجاهلي" بالغًا[3].

ومن الجدير بالذِّكْر أنَّ الأزْهريِّين طالبوا عام 1924م بإلْغاء دار العلوم، وأن تكون وظائف تدريس اللغة العربية وآدابها مقصورة عليهم فقط، إلا أنَّ الحكومة قرَّرت أن تسمح للأزْهريين بالالتحاق بدار العلوم بعد امتحان مسابقة، ممَّا دعا الأزهريين إلى تعديل مناهجهم التعليميَّة لكي تقترب من دار العلوم، وبالتَّالي ساهمت دار العلوم - بطريق غير مباشر - في تطوير الأزْهر نفسِه.

وجاءت المرحلة التي تنضمُّ فيها دار العلوم إلى جامعة فؤاد الأوَّل 1946م لتُصبِح البنت التي تكبر أمَّها فعلاً، وبدأت دار العلوم ككلِّيَّة جامعيَّة بدلاً من كوْنِها مدرسة عُليا مستقلَّة.

• أقسام دار العلوم:
ويجب أن تعلم أنَّ الاختيار بالنسبة لك أثناء الدراسة في دار العلوم محدودٌ للغاية، فأنت تدرس في جميع الأقسام في وقْت واحد؛ ولكن في توافُق وتكامل بين هذه الأقسام - والحمد لله.

فأقسام دار العلوم كالتالي:
1- قسم النَّحو والصَّرف والعَروض: ويضمُّ ثلاثةَ علوم من علوم اللغة العربيَّة، وتعدُّ هي الأساسَ لدارس اللغة العربيَّة، وتستطيع أن تكمل فيه دراساتِك العليا، كما يضمُّ بعض الأعلام في الدراسات اللغويَّة بعامَّة، والمتخصِّصة في النحو أو الصَّرف أو العروض بخاصَّة، من أمثال الأساتذة: تمَّام حسان، وأحمد كشك، ومحمَّد حماسة عبداللطيف، والسيد أحمد علي، وشعبان صلاح، وصلاح روَّاي، ومحمد عبدالعزيز عبدالدايم، وأحمد عبدالدايم، ومحمد عبدالمجيد الطَّويل، وعلي أبو المكارم، وطه الجندي، وأحمد بسيوني سعيدة، وغيرهم كثير ممَّن ستقابلهم - إن شاء الله تعالى.

2- قسم علم اللغة والدراسات السامية والشَّرقية: ويضمُّ علوم الأصوات، والمعجم، والدلالة، والمقارنات اللغوية، وأصول اللغة، والساميات، وستختار - إنْ شاء الله - من بين لغتَين ساميتين، بدايةً من الفرقة الثَّانية، هما اللغة العبرية، واللغة الفارسية، وتستطيع أن تُكمل فيه دراساتِك العليا أيضًا، ومن أعلامِه الأساتذة: عبدالصبور شاهين، وكمال بشر، ومحمَّد حسن عبدالعزيز، ومحمد حمَّاد، ومحمد يونس، وإبراهيم ضوَّة، وفتحي جمعة، ومحمَّد صالح، وحبلص يوسف حبلص، ويوسف عبدالفتاح، وغيرهم كثير ممن ستقابلهم - إن شاء الله تعالى.

3- قسم الدراسات الأدبية: وهو القسم الذي يهتمُّ بتاريخ الأدب العربي في جميع عصوره، وما يدور حول ذلك من دراسات، وهو من الأقْسام التي يمكنك التسجيل فيها للدراسات العليا، كما أنَّ به عددًا من الأساتذة الأفاضل؛ أمثال: محمَّد أبو الأنْوار، والطَّاهر مكي، وعبداللطيف عبدالحليم (أبي همَّام)، وصلاح الدين الهادي، وفتوح أحمد، وغيرهم.

4- قسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن: وهو أيضًا من الأقسام التي يمكنك التسجيل فيها للدِّراسات العليا، كما أنَّ به نخبة من أعلام الدرْس البلاغي والنقْدي في الوطن العربي كلِّه، من أمثال الأساتذة: شفيع السيد، والسعيد الباز، وعبدالرحمن فودة، وعبدالحميد هنداوي، وحسن طبل، وغيرهم.

5- قسم الشريعة الإسلامية: ومن أعلامه الأفاضل الأساتذة: أحمد يوسف سليمان، ومحمد نبيل غنايم، ومحمد قاسم المنسي، وصلاح سلطان، وإبراهيم عبدالرحيم، وغيرهم.

6- قسم الفلسفة الإسلاميَّة: ومن أعلامِه الأساتذة الأفاضل: محمد السيد الجليند، وعبداللطيف العبد، والسيِّد رزق الحجر، وعبدالفتاح الفاوي، وحامد طاهر، وغيرهم.

7- قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلاميَّة: ومن أساتذتِه الأعلام: حسن الشافعي، وعبدالله جمال الدين، وحسن علي، وهاشم عبدالراضي، وطه عبدالمقصود، وحمدي شاهين.
ويمكنك الاختيار - إن شاء الله - بين إحْدى لغتين: إمَّا اللغة الإنجليزية، وإما الفرنسية؛ لدراستها على مدار السنوات الأربع.

• بعض النَّصائح التي تُفيدك في الدِّراسة بهذه الكلِّيَّة:
1- خُذ بحديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اتَّق الله حيثُما كنت، وأتْبع السيِّئة الحسنة تَمْحُها، وخالقِ النَّاس بخلُق حسن))؛ أخرجه التِّرْمذي وقال: حديث حسن صحيح، وحسَّنه الألباني في "صحيح التَّرغيب والتَّرهيب".

2- الاهتِمام بالتَّحصيل، ومُتابعة الأنشِطة الطلاَّبيَّة، والدَّورات التَّدريبية، والندوات، والمؤتمرات، ومناقشة الرَّسائل العلميَّة، فهذا كلُّه ممَّا يُفيدك، ويَجعلك من التَّمكُّن بحيثُ تتخرَّج في هذه الدَّار متمكِّنًا من أدواتِك في اللُّغة العربيَّة.

3- حاول أن تختار الأصْدقاء الجيِّدين، وابتعِدْ عن أصْدِقاء السُّوء، ولا أقول هذا لكَيْ أخيفك؛ ولكن ((المرْء على دين خليله))؛ كما أخبر سيدُنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الذي أخْرجه أبو داود والتِّرْمذي، وحسَّنه الألباني، فانظر - يا أخي - مَن تصادق؟

4- من الأشْياء المهمَّة: تنظيم الوقْت، ومحاولة التَّخطيط لإدارة نشاطاتِك داخل هذا الوقْت بطريقة مفيدة لك.

5- الاهتِمام بقراءة الدروس قبل حضور المحاضرات، وعمل تقاريرَ ميسَّرة لنفسِك عن النَّدوات أو المؤتمرات التي حضرتَها، فهذا ممَّا يفيدك في المستقبل - إن شاء الله.

6- ثِقْ في قدراتك التي تستطيع بها أن تصِل إلى ما تريد بعون الله وتوفيقه.

وأخيرًا: حاول قراءة استشارة "علوم اللغة العربية"، وكذلك "تعليم العربية لغير الناطقين بها".

سعدنا بك في (الألوكة)، وشكرنا لك تواصُلَك، على أمل اللقاء في استشارات قادمة بإذن الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــ

[1] هذا الكلام غير موجود في سيرة حياة علي مبارك؛ إلا أن هذا ما استنبطه الدكتور حامد طاهر من خلال سيرة الرجلين.
[2] يُنظَر في ذلك: "تاريخ التعليم في مصر" لأمين سامي باشا ص 81.  
[3] يُنظَر كمثال: ص 16 طبعة دار المعارف 1989م من الكتاب المذكور.