• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    اللغات العروبية: دراسة في الخصائص
    د. عدنان عبدالحميد
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للتسخير في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج التنافس والتدافع
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الاستشراق والعقلانيون المعاصرون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    عجائب الأشعار وغرائب الأخبار لمسلم بن محمود ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    صحة الفم والأسنان في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

مدنية الإسلام

مدنية الإسلام
الشيخ محمد علي عتر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/1/2016 ميلادي - 7/4/1437 هجري

الزيارات: 3755

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مدنية الإسلام


كم ترتاح النفس وينتعش السمع لذكر المدنية الصحيحة والتمدن الصحيح مدنية الأخلاق السامية والآداب العالية التي تكون عنوان المجد ومبعث التقدم في مناحي الحضارة والعمران؟

 

إن تلك المدنية هي ما دعت إليه الأديان الإلهية تعاليمها وكتبها السماوية، وتسابقت في مضماره القوانين الموضوعة الصالحة، وإن الدستور الأعظم والقانون المحكم من جميع ذلك هو كتاب الله الحكيم ذاك القرآن العظيم الذي قال تعالى بحقه: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9] فإنه لم يدع أصلاً من أصول الفضائل إلا أتى عليه، ولا أماً من أمهات الصالحات إلا أحياها، ولا قاعدة من قواعد النظام البديع إلا قررها، فاستجمع للإنسان عند بلوغ رشده حرية الفكر واستقلال العقل وما به صلاح السجايا واستقامة الطبع وما فيه إنهاض العزائم إلى العمل والسعي وراء المجد والعز.

 

فالقرآن قد اشتمل على "6100" آية ونيفاً كلها وضعت لتدبير العالم وتنظيمه كافلة حوائج الإنسان في هذا المعترك الحيوي آخذة بأيدي العاملين بها إلى أسمى مراتب السعادة في هاته الحياة والحياة الأخرى وكفى قوله سبحانه: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38] ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 138] فأين السذج من الناس الذين راحوا يتقولون على الإسلام باطلاً زاعمين أن مدنيته لم تبلغ منتهى الإبداع وغاية الكمال.

 

أية مدنية أرقى من مدنية الإسلام المرتكزة على دعائم الأخلاق التي هي رمز المجد وسر الحياة.

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ♦♦♦ فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 

وأية مدنية أرقى من مدنية الإسلام التي احتفظت بالآداب كاحتفاظ الصدف باللؤلؤ والسماء بالأقمار فحضّت المسلم أن يكون مثال الأدب في جميع الأحوال حتى في مشيته ونظرته قال تعالى: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18] ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: 30].

 

أدبته في لفظه ومنطقه قال تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [المؤمنون: 96] ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

أدبته حتى في أكله وشربه. قال عليه السلام: "البركة تنزل في وسط الطعام، كلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه" وقال أيضاً: "لا تشربوا غبّاً فإنه يورث داء الكبد".

 

أرشدته إلى الوفاء والصدق: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1] ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].

 

أمرته بالعمل للمصلحة العامة قال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77].

 

حضته على الآداب الاجتماعية فعلمته آداب اللقاء والمجالسة قال عليه السلام: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يفترقا".

 

علمته أدب الحديث قال عليه السلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

 

علمته أدب الجلوس قال عليه السلام: (لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ولكن توسعوا وتفسحوا).

 

علمته ما يجب عليه نحو إخوانه قال عليه السلام: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس).

 

فأية مدنية بعد أرقى من مدنية الإسلام المتشبعة بروح الحشمة والطهارة اللتين هما مبعث العز ورسول الفلاح؟ ومن رجع إلى القرآن وحدوده ما أعدت الشريعة للسارق من القطع وللزاني المحصن من الرجم ولغير المحصن من الجلد ولشارب الخمر من الجلد ولقاتل النفس من القتل... علم ما انطوت عليه المدنية الإسلامية من الفضيلة ومحاربتها للرذيلة وكفى قوله سبحانه: "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن".

 

وكما أنها أوجبت الطهارة المعنوية دائماً أمرت بالطهارة الحسية، فأوجبت على المسلم التطهر خمس مرات في اليوم والليلة لأداء الصلاة وعند قراءة القرآن، وأوجبت عليه الاغتسال من الجنابة وندبت الاغتسال يوم الجمعة وللسفر وزيارة الإخوان وحضور مجامع الناس، وأن يغسل يديه إذا استيقظ من نومه، كل ذلك لحكمة بالغة وسر عظيم، ليكون المسلم أشد الناس بنية، وأعظمهم قوة، وأكملهم تمتعاً بنعيم الحياة ولذاتها البريئة الحلال.

 

كل ذلك بعداً بالمسلم عن الجراثيم التي تصرف الدول الأموال العظيمة للقضاء عليها ولن تجد سبيلاً سوى الطهارة والنظافة التي حض الإسلام عليهما حتى جعلهما أصلاً من أصول الدين وركناً من أركان الإسلام: قال عليه السلام: (الدين النظافة) وقال: (الطهور شطر الإيمان).

 

وأية مدنية أرقى من مدنية الإسلام التي أوثقت عرى الوحدة الإسلامية السامية وقررت ما كان في الاشتراكية من المبادئ العالية قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ وقال عليه السلام: (لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا) وقد قطعت دابر الفوضى والشحناء، فأوجبت الزكاة على الأغنياء للفقراء قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [المعارج: 24، 25].

 

فأية مدنية أرقى من مدنية الإسلام عطف على الشيخ الكبير والطفل والمرأة والقاصرة حتى على الحيوان الأعجم قال عليه السلام: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وهذا يشمل كل ذي روح عاقل أو غير عاقل[1].

 

فأي مدنية أرقى من مدنية الإسلام التي رفعت عن كاهل الإنسانية عبء العظامية وسنت للأمم نظام العدل ورفعت فوق الشعوب أعلام الحرية ونادت بملء الصوت حتى أسمعت كل من في الأرض روح الديموقراطية والمساواة قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13] وقال المهذِّب الأعظم سيدنا محمد: (لا فضل لعربي على عجمي، وليس لابن بيضاء على ابن سوداء سلطان إلا بالحق) فلم يجعل الدين ميزة لإنسان على إنسان ولا فضلاً لأمرئ على آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، ولم يكن شيء أبغض على الرسول صلى الله عليه وسلم من الاستعباد، روى أبو يعلى أنه دخل عليه السلام يوماً السوق ودخل معه أبو هريرة فاشترى سراويل فأتى رجل ليقبل يده فقال له النبي: (مه) ثم جذبها منه وقال: (إنما تفعل هذه الأعاجم بملوكها ولست بملك إنما أنا رجل منكم) ثم أخذ سراويله ومضى قال أبو هريرة: فذهبت لأحملها عنه فقال: (صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفاً يعجز عنه، فيعينه أخوه المسلم).

 

وكان عليه السلام في سفر فأمر أصحابه بإصلاح شاة فقال رجل: يا رسول علي ذبحها وقال الآخر: علي سلخها وقال الآخر: علي طبخها فقال عليه السلام: (وعلي جمع الحطب) قالوا: يا رسول الله نكفيك العمل فقال: (قد علمت أنكم تكفونني العمل ولكن أكره أن أتميز عليكم إن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه). وكان عمر بن الخطاب أشد رجالات الإسلام بغضاً للعظامية والعظاميين ولم يكره شيئاً ككراهته للعظمة، والأبهة، للامتيازات التي كانت يدعيها الأشراف.

 

ادعى يوماً يهودي على علي بن أبي طالب بحضرة عمر رضي الله عنه فقال: قم يا أبا الحسن ساو خصمك فقام وعلى وجهه أثر الغضب وقعد بجانب ذاك اليهودي، وبعد الحكم وذهاب اليهودي قال عمر: لعلك اغتظت مني يا علي لقولي لك: قم ساو خصمك؟ قال: لا، ولكن غضبت لقولك: قم يا أبا الحسن فكان ينبغي أن تقول: قم يا علي (أي فلا تكنيني بجانب خصمي حيث الكنية فيها تعظيم عند العرب)، وهذه خير شرعة يستقي منها دعاة الحرية والمساواة.

 

فأية مدنية أرقى من مدنية الإسلام التي هدت الإنسان إلى أقوم الطرق وأنجح السبل في هذا المعترك الحيوي، فلم تدعه إلى الدنيا تلهيه عما يحتاج إليه في معاده، ولم تكله إلى الآخرة تشغله عما هو ضروري إليه في حياته، بل أمسكته طرفي الدنيا والآخرة، وأمرته أن يحسن القبض عليهما قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾ [البقرة: 201] ومما قالته الآداب الإسلامية (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)، ولكي لا يكون المرء عالة على الناس ذليلاً بطالاً أمرته بالكسب مهما كان فيه مشقة وتعب قال عليه السلام: (لأن يغدو أحدكم ليحتطب على ظهره فيتصدق منه ويستغني به عن الناس خير من أن يسأل).

 

فأية مدنية أرقى وأعلى من مدنية الإسلام؟ دخلت كل باب وسلكت بالمسلم كل طريق للوصول إلى دار الرزق وتقدم الحضارة وازدهار العمران، لذلك حضت على العناصر الثلاثة: الزراعة والتجارة والصناعة قال عليه السلام: (اطلبوا الرزق من خبايا الأرض) (إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها) وهذا أبعد مدى في الحض على الزراعة وقال تعالى: ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ قال بعض العلماء: المراد بذلك التجارة وقال عليه السلام: (إن أفضل الكسب أن يأكل المرء من عمل يده، كان داود يأكل من عمل يده، كان زكريا نجاراً) وهذا أكبر حض على الصناعة إذ جعلها النبي أفضل الكسب مرغباً فيها.

 

ومن رجع بالطرف نحو العصور السالفة علم مبلغ ما وصلت إليه الأمة الإسلامية من تقدم ورقي، علم أن أول من وضع حجراً أساسياً للطيران هم الإسلام وأبناء الإسلام وأول من اخترع الساعات الرملية وأول من صنع الورق ودبغ الجلود هم الإسلام وأبناء الإسلام، وكم اشتهروا باستخراج البلور والسكر والبارود والخزف حتى النحاس؟

 

جُل بطرفك ثانية في بلاد الأندلس وما برعت فيه من علوم وفنون، فقد ذكرت دائرة المعارف أنه كان في إشبيلية في القديم (16) ألف محل لصناعة الحرير فعلتها 130 ألف شخص وكان في شقوبيه معامل يخرج منها 35 ألف شقة من الحرير. وكفى قصر الحمراء الخالد (معجزة الفن ورمز الحضارة العربية) أنه لا يزال يؤمه الأوربيون حتى اليوم، إنهم لا يتمالكون عند رؤيته إلا أن يسجدوا لجماله البديع وهندسته المتقنة معترفين للعرب والإسلام أنهم كانوا سادة العالم، علماً وفناً حضارة وعمراناً.

 

فأية مدنية أرقى من مدنية الإسلام، أنارت طرق الحياة الخالدة وأخذت بأسباب العز والمجد، فحضت على المعارف والفنون قال تعالى: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9] وقال عليه السلام: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) (اطلبوا العلم ولو بالصين) (كن عالماً أو متعلماً ولا تكن الثالث فتهلك)، ولم يخصص الدين علماً من العلوم، بل أمر المسلم أن يتعلم كل ما هو مفيد يعود نفعه على الأمة والمجتمع الإنساني.

 

ومن أعمل الطرف قليلاً في تاريخ الإسلام، واطلع على ما كان للمسلمين من المدارس في بغداد والبصرة والشام والأندلس ومراكش وسمرقند، علم أن المسلمين لم يجهلوا علماً من علوم الكون أبداً، علِمَ أن المسلمين هم سادة الأمم وأساتذة الشعوب، علم أنهم هم الذين هذبوا أوربا وثقفوها، هم الذين خلصوها من مخالب العبودية الهمجية التي كانت عاضة عليها حتى الحروب الصليبية.

 

فسلُوا فرنسا وتاريخها، أولم تكن ترسف في قيود الجهل إلى أن قام البابا سلبيستروس الثاني ودخل المدارس الأندلسية الإسلامية في إشبيلية وقرطبة وتعلم ثم عاد إلى أوربا فأسس فيها مدرستين إحداهما في إيطاليا والثانية في ريمز فكانتا العامل الأكبر في تنوير كثير من الناشئة الأوربية.

 

وسلوا إيطاليا وراجعوا تاريخها، أولم تكن تائهة في بيداء الجهالة والهمجية إلى أن قام من بينهم (دوك رمونيه وليورند البيزي) فتعلما الهيئة والطب والفلسفة في المدارس الإسلامية بطليطلة وترجما كتب الرازي وابن سينا وتعلما الجبر والحساب والرياضيات، ثم عادا إلى شعبهما فهذباه وثقفاه.

 

وهذه بريطانيا العظمى اليوم، فاستوحوا ماضيها المظلم، أولم تكن أشد الأمم جهلاً وهمجية إلى أن نهض من بينهم الرهبان (بلارد ومورلي واسكوت) ودخلوا المدارس الأندلسية وتغذوا بروح العلوم الإسلامية ثم عادوا إلى شعبهم فهذبوه وثقفوه سلوا جرمانيا وغيرها من أمم الأرض والشعوب، سلوا ملوك الغرب عندما كانت راية الإسلام تخفق فوق ربوع الأندلس بل وفوق أربعة أقطار المسكونة أولم يترجموا كتب الإسلام إلى تعاليمهم لتكون لهم مصابيح ترشدهم إلى طرق المدنية الصحيحة والتمدن الصحيح؟

 

إذن ماذا دعا البسطاء من الناس حتى رموا مدنية الإسلام بكل ما فيهم من نقائص. أغرهم ما عليه المسلمون اليوم من التأخر والانحطاط فليس الوزر في ذلك على الإسلام ومدنية الإسلام، وإنما الوزر في ذلك على المسلمين وأبناء المسلمين، فإنهم الذين أرادوا لأنفسهم غير ما أراد لهم قرآنهم.

 

فلدين أبى أن يكون المسلم ذليلاً وضيعاً قال تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ [لقمان: 18] ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8].

 

والدين أبى أن يكون المسلم يؤوساً ملولاً، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾ [آل عمران: 139] وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

 

والدين أبى أن يكون المسلم مستعبداً لغير الله قال تعالى: ﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40] ﴿ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ [البقرة: 41].

 

والدين أبى أن يكون المسلم ضعيفاً مهاناً قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60] فالقرآن أمرنا منذ أربعة عشر قرناً بتعليم الطيران والمدفع وأن نعد اليوم وغداً كل قوة تخيف عدو الله وعدو المؤمنين.

 

إذن من لنا بتحريك إحساس الشرف وبهز أعصاب المروءة في رؤوس بعض الجهال البسط، الذين زعموا أن مدنية الإسلام لم تبلغ منتهى الإبداع وغاية الكمال، فماذا يريدون من مدنية الإسلام يا ترى، يريدون أن تكون كمدنية الغرب مجردة من الأخلاق و الآداب تدعو إلى الخلاعة والاختلاط لتعم الفوضى وتنحر الفضيلة أو تهدم صروح الحشمة والعفاف؟ أيريدون أن تكون كمدنية الغرب ملونة بأدران الفحش الذي هو شر مستطير على الأمة وجراثيم تفتك في جسم الشعب حتى تفقده كل مزية من مزايا الاستقلال النفسي؟ إنما تلك دعارة وليست بمدنية إنما هي سفالة وشهوات حيوانية يتبرأ منها المنطق والوجدان إذن ماذا يريدون من مدنية الإسلام؟ يريدون أن تكون كمدنية الغرب مجبولة بالظلم المفسد لأخلاق الأمة الداعي لتفشي أمراض الخيانة والمداهنة؟

 

أيريدون أن تكون كمدنية الغرب المتشبعة بروح الجشع والطمع تسلب الشعوب البسيطة حقها، وتفقد الضعيف نسيم الحرية والحياة وإن ضجت من ذلك البشرية واستغاث الإنسان.

 

يريدون أن تكون كمدنية الغرب تقيم القوة مقام الحق والسيف مقام القانون وإن نشأ عن ذلك إذلال النفوس الكريمة واعتيادها الرضوخ والضعف والإهانة، ألا ليست تلك مدنية إنما هي همجية ووحشية أعيذ منها الإسلام ومدنية الإسلام.

 

أيها العربي الباسل أيها المسلمون لا يغركم زخرف القول وتنميق الكلام، لقد شهد لكم التاريخ وأيدته الحقائق أن مدنيتكم أسمى مدنية عهدها وشاهدها الإنسان ولم يسع فلاسفة العرب وحكماؤه، لم يسع كتابه ومفكروه أن يطمسوا نور الحقيقة، بل أرغمهم الإنصاف أن يعترفوا بفضلها على أوربا وعلى سائر الأمم أجمع.

 

أيها الشباب العربي، أيها الشباب المحمدي، أيها المسلمون إنه لعار أن تنشق أمم الأرض روح الحياة الخالدة، روح الأخلاق والآداب من مدنيتكم وقرآنكم وأنتم بعيدون عنهما بعد السماء عن الأرض على أنكم أولى الشعوب بتلك كلها، إنكم أولى الشعوب في الاستماتة في سبيل العلوم والفنون افتحوا أبصاركم جيداً وانظروا إلى الغربان فوق طلال مدارس بغداد ودمشق، فوق أطلال مدارس غرناطة والقيروان وسمرقند، فإنها لا تزال تقرع سمعكم بنعيقها وتذكركم ما كان لأمتكم في سالف العهد من العز والمجد. ولا تنفك أرواح أولئك العظماء والحكماء أرواح أولئك الأجداد والآباء لا تزال أرواحهم ترفرف فوق رؤوسكم وتناديكم صارخة: لقد أضعتم علومنا ودرستم آثارنا واستهنتم بمجدنا وسلمتم ثمار أعمالنا إلى غيرنا، فهتكتم حرمتنا وأسقطتم عظمتنا حتى طمعت فيكم وحوش الغرب وذئاب الاستعمار حتى أذلكم من كنا لهم سادة وكانوا لنا عبيداً فخسئتم من أولاد...

 

أيها الشباب العربي أيها المسلمون بمثل تلك الكلمات المؤلمة وذاك التقريع المر تناديكم أرواح آبائكم وهي في عالم البرزخ فاسمعوا لندائهم وتدبروا كلامهم واسألوا وجدانكم ثم اعملوا ما شئتم ﴿ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 105].

 

مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثالثة، العدد الخامس، 1356هـ - 1937م



[1] المجلة: في العدد الرابع من مجلد هذه المجلة الثاني مقال نفيس في الرفق بالحيوان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فردوس المدنية الإسلامية المفقود
  • نظرة في تعريف الثقافة والحضارة والمدنية

مختارات من الشبكة

  • بين الحضارة والثقافة والمدنية(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • فوائد لضبط السور المكية والمدنية بسهولة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شبابنا والمدنية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة فقهية مقارنة بنظام المعاملات المدنية السعودي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الحواشي المدنية على شرح المقدمة الحضرمية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • توضيح نظام المعاملات المدنية (PDF)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • المجالس المدنية في شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل حافظ السنة النبوية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التعليق على التحفة المدنية في العقيدة السلفية للشيخ عبد العزيز الراجحي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المسؤولية المدنية والجنائية عن عمليات نقل الدم - دراسة مقارنة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • خطاب النفس في السور المكية والمدنية في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب