• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

ضوابط تبني الأحكام الشرعية

أ. د. محمد أحمد علي مفتي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/8/2013 ميلادي - 24/10/1434 هجري

الزيارات: 27406

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ضوابط تبني الأحكام الشرعية

 

شارك في التأليف: الدكتور سامي صالح الوكيل

جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام تعالج مشكلة الحكم والتشريع في المجتمعات الإنسانية معالجة واقعية، فلم تفترض الشريعة افتراضات غير عملية؛ كفكرة فصل السلطات لمنع الاستبداد، ثم محاولة ترقيع ذلك بالتشريعات التي تجيز التداخل بين السلطات، وتسمح بنقض قرارات بعضها البعض؛ كما يحصل في النظام الليبرالي الغربي، ولم تمنح الشريعة كذلك الحكام سلطات مطلقة تجعل الحاكم فوق المحاسبة والنقد، وما ينجم عن ذلك من امتهان للأمة وإفرادها، وضياع حقوقهم؛ كما يحصل في الأنظمة الشمولية، وإنما عالج الإسلام مشكلة الحكم بما يتفق مع واقعه، فالقيادة فردية في طبيعتها؛ سواء أطلق على الحاكم أميرًا، أو رئيسًا، أو رئيس وزراء، أو غير ذلك.

 

وعند ممارسة الحكم يهيمن في النهاية فرد معين مهما وزِّعت الصلاحيات، أو فُصِلت السلطات، ففي النظام الغربي الرئاسي، تكون شخصية الرئيس هي المهيمنة، وفي النظام الغربي البرلماني يسيطر رئيس الوزراء واقعيًّا على دفة الحكم[1]؛ ولهذا فإن أحكام الشريعة جاءت بما يعالج هذا الواقع معالجة تتفق مع طبيعته؛ حيث قصرت الشريعة الإمارة على فرد واحد حتى في الأمور الجزئية؛ وقد ورد في الأثر قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمروا أحدهم)) [2].

 

فقصرت الإمارة على واحد، وأمر الشارع، فحصر الخلافة العظمى في فرد واحد، وأمر بقتال من نازعه تأكيدًا لفردية الإمارة العظمى؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((من أتاكم وأمركم جميعًا على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو أن يفرِّق كلمتكم - فاقتلوه))[3].

 

ولهذا جاءت الأحكام التفصيلية المتعلقة بالتقنين الشرعي، وسَن الأحكام بما يتفق مع هذا المبدأ، وخوَّل الشارع الإمام وحده حقَّ تبني الأحكام وسن القوانين التشريعية والإجرائية، وأوجب على الرعية طاعته بالعمل بما يسنه ويتبناه، كما أعطى الشارع الإمام صلاحيات واسعة لرعاية الشؤون، وتنفيذ الأحكام وَفْق ما يتبناه من أحكام.

 

ومع التأكيد على ما سبق، فإن الشارع راعى واقع كون الإمام شخصًا غير معصوم، قد يأتي منه عند ضعف الوازع الديني، ما يؤدي إلى الاستبداد أو الإخلال بمهام عمله المتعلقة بتنفيذ الشرع، مستغلاًّ في ذلك الصلاحيات الواسعة المخولة له؛ ولهذا جاء الإسلام بأحكام وضوابط شرعية تعالج هذا الواقع، وتحول دون حصول إساءة التطبيق من الإمام عند تبني الأحكام وسن القوانين، وتضمن سير الدولة والأمة ضمن الإطار الشرعي.

 

ويمكن إبراز أهم هذه الضوابط فيما يلي:

أولاً: حسم الشريعة للمسائل التشريعية في المجتمعات الإنسانية.

 

ثانيًا: وجوب التقيد بالشرع في تبني الأحكام وسن القوانين.

 

ثالثًا: قصر مجالات سن القوانين التشريعية على رعاية الشؤون وأعمال الحكم الضرورية للدولة دون غيرها.

 

رابعًا: قصر مجالات القوانين الإجرائية على تنظيم المباحات، وإقامة فروض الكفاية في مجالات مخصوصة فقط.

 

خامسًا: الشورى وخضوع الدولة لمحاسبة الأمة فيما يتعلق بسن القوانين وتبني الأحكام.

 

سادسًا: هيمنة القضاء الشرعي على حق الإمام في التبني.

 

أولاً: حسم الشريعة للمسائل التشريعية في المجتمعات الإنسانية:

جاءت الشريعة بأحكام تنظِّم حياة الإنسان في كافة جوانبها، وقد بيَّنا فيما سبق أن المصادر الشرعية تحوي قوانين تشريعية لكافة أفعال العباد؛ ولهذا فإن الدولة الإسلامية تتميز عن سائر الدول الوضعية بأن الحاكم عندما يضع قانونًا تشريعيًّا، فإنما يضعه ابتناءً لا ابتداءً؛ حيث إن الحاكم إنما يتبنى أحكامًا من الأدلة الشرعية، ويضعها موضع التنفيذ، دون أن يكون منشئًا لها ابتداءً، وبالتالي فإن صلاحيات الإمام في سن القوانين ليست مطلقة؛ كما هي الحال في النظام الغربي الذي جعل التشريع حقًّا مطلقًا لممثلي الشعب.

 

ولهذا فإن مسألة التشريع تعد مسألة محسومة سلفًا في النظام السياسي الإسلامي، فلا مجال للإمام أن ينظر في وضع عقوبات جنائية للجرائم الكبرى؛ نحو القتل، أو السرقة، أو قطع الطريق، أو الاعتداء على الأعراض؛ لكون الشريعة جاءت بأحكام الحدود والقصاص كعقوبات للجرائم التي يترتب عليها فِقدان الضرورات الإنسانية من النفوس، أو الأموال، أو الأعراض، ولا مجال كذلك للنظر في جعْل الملكية في الدولة ملكية عامة، أو ترْكها فردية؛ لأن الشريعة أظهرت أحكامًا تفصيلية تحدد ما يجوز تملُّكه من قِبَل الإفراد، وما ينبغي أن يكون من المرافق العامة للجماعة يشتركون فيها جميعًا.

 

وفي التنظيم الاجتماعي لعلاقة الرجل بالمرأة، حددت الشريعة أحكام الزواج والطلاق، والحضانة والنفقة، وغير ذلك، وفي المعاملات حددت الشريعة المعاملات الجائزة من بيع وغيرها، وحددت المعاملات المحرمة كالربا والقمار، ووضعت أحكامًا تفصيلية تحدد صحة أو فساد العقود والمعاملات، أو بطلانها، وشروط ذلك وموانعه؛ ولهذا لا مجال للنظر في وضع تشريعات منشئة لكل ذلك، كما حوت الشريعة كافة الأحكام المنظمة لعلاقة المسلمين بغيرهم من مواطني الدولة من الذميين، وعلاقتهم بغير رعايا الدولة من مستأمنين، أو من رعايا الدول الأجنبية، وغير ذلك من أحكام تنظم العلاقات الدولية؛ ولهذا فإن الشريعة قد حسمت كافة القضايا المصيرية التي عليها مدار التشريع في المجتمعات الإنسانية، والإمام عندما يضع قانونًا أو نظامًا تشريعيًّا، فإنه يلزم الرعية بما جاء في الإسلام من أحكام شرعية تفصيلية، بخلاف الأنظمة الوضعية التي لا يستند التشريع فيها إلى قواعد وأحكام ثابتة؛ مما قد يؤدي إلى استغلال سلطة التشريع لتبرير استبداد الحُكام، أو تركيز سلطة إفراد أو طبقة معينة في الحكم.

 

ثانيًا: وجوب التقيد بالشرع:

كما ألزم الشارع الإمام والأمة بالتقيد والخضوع الكامل للشرع الإسلامي؛ وذلك من منطلق سيادة الشرع في الدولة الإسلامية، وجعل الخروج على ذلك كفرًا أو فسقًا أو ظلمًا بحسب حال فاعله؛ قال - عز وجل -: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾[4]، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾[5]، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾[6].

 

كما نفى تعالى الإيمان عمن لم يحكم بما أنزل الله، ويحكم شرعه في كل نازلة؛ قال - عز وجل -: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [7]، وأمر تعالى بالحكم بما أنزل أمرًا واجبًا؛ قال تعالى: ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾[8]، ومنع تعالى الطاعة للدولة والحكام عند وجود المخالفة الشرعية في الأوامر والتبني؛ قال - عز وجل -: ﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾[9].

 

وقال رسول الله - عليه الصلاة والسلام -: ((على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كَرِه، إلا أن يؤمر بمعصية؛ فمن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة)) [10].

 

ولهذا فإن الإمام ملزم بالتقيد بالشرع في كل أمر عند سن القانون والأحكام في الدولة، فلا يجوز له مطلقًا تبني تشريعًا من غير الأدلة الشرعية؛ لأن التبني من غير الأدلة الشرعية يعد تبنيًا من غير الإسلام، فيكون بذلك من الحكم بغير ما أنزل الله، ويعد مخالفة للشرع.

 

كما أن طاعة الأمة للإمام مقيدة بالتزامه بالشرع، وعدم الخروج عليه، نص البيعة التي يبايع عليها الإمام تلزمه باتباع الشريعة الإسلامية؛ إذ إنها بيعة على الحكم بالكتاب والسنة، فلا يحل للإمام المخالفة لهما أو الخروج عليهما بتبني ما يخالف الشرع؛ ولهذا فإن سيادة الشرع في الدولة الإسلامية تعتبر ضمانًا لمنع الاستبداد السياسي، واستغلال التشريع كأداة للسيطرة السياسية.

 

ثالثًا: قصر مجالات القوانين التشريعية على ما كان ضروريًّا لعمل الدولة:

سبق أن أوضحنا أن القوانين التشريعية هي القوانين التي تعالج أفعال العباد، وتدل على حكم الفعل الإنساني؛ من حيث الوجوب أو الإباحة، أو الحرمة، أو غير ذلك، ولما كان الإمام ملزمًا بتسيير أعماله وَفق أحكام الشرع، وتسيير الأعمال بحسب الأحكام الشرعية، يقتضي أن يتبنى الإمام أحكامًا معينة في المسائل الاجتهادية، والتي تتفاوت فيها الأفهام لخطاب الشارع الوارد في الأدلة الشرعية، ظهرت الحاجة إلى التبني وصار للإمام الحق في أن يتبنى أحكامًا وقوانين تشريعية يباشر الحكم ورعاية الشؤون بحسبها؛ وذلك التبني قد يكون واجبًا على الإمام في الأحوال التي لا يستطيع أن يقوم بشؤون الحكم، أو رعاية شؤون الدولة، إلا عند تبنيه حكمًا معينًا فيها، مثل ما يتعلق بوحدة الدولة، وجمع الزكاة، أو فرض الخراج، وعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية وما أشبه ذلك.

 

ويكون التبني واجبًا كذلك لكل حكم ثبت بالنص، وأجمع عليه المسلمون؛ كوجوب الجهاد، وإباحة البيع، وتحريم الربا، وحرمة الزنا، ونحو ذلك.

 

أما إذا تمكن الخليفة من رعاية الشؤون وإباحة البيع، وتحريم الربا، وحرمة الزنا، ونحو ذلك.

 

أما إذا تمكن الخليفة من رعاية الشؤون وَفق أحكام الشريعة، دون أن يتبنى حكمًا معينًا في ذلك، فإن التبني يكون جائزًا له في هذه الحالة، وليس واجبًا عليه[11]، وذلك كالعقوبات التعزيرية مثلاً؛ حيث ليس ضروريًّا أن يتبنى عقوبة محددة لها، وله ترك تحديد العقاب لقضاة الحسبة؛ إذ إن الأصل في التبني أنه مباح إلا إذا كانت رعاية الشؤون الواجبة لا تتم إلا بالتبني، فيفعل ذلك حينئذ للحاجة إليه، أضف إلى ذلك أن كثرة التبني في الأحكام الاجتهادية تؤدي إلى تقييد الاجتهاد في المسائل المتبنى فيها، وفي ذلك أضعاف للفكر والنظر ممن يناط بهم تنفيذ هذه المسائل من قضاة وولاة وموظفين.

 

أما الأمور التي لا يرتبط تنفيذها بالدولة، ويقتصر دور الدولة فيها على الإشراف العام نحو أمور العقائد والعبادات التي اختلفت فيها اجتهادات العلماء والفقهاء، والتي هي علاقة الإنسان بخالقه تعالى، ولا يترتب عليها أحكامًا جماعية، فلا توجد حاجة للتبني من قبل الدولة فيها، فواقع العقائد والعبادات أنها علاقة بين الإنسان وخالقه تعالى، ولا ترتبط بالغير؛ مما يجعل التبني فيها من قبل الدولة تبنيًا لغير حاجة، بالإضافة إلى ذلك يؤدي التبني في الآراء الإسلامية المختلفة في أحكام العبادات والعقائد إلى الإكراه في الدين في الأمور المختلفة بين المسلمين؛ مما يؤدي إلى الحرَج بين المسلمين، ويحدث فتنة بينهم؛ كما ظهر من حوادث التاريخ عندما تبنى المأمون فتنة خلق القرآن، وما ظهر من تنازع بين المسلمين فيها، أدى إلى تكفير بعضهم بعضًا، وفي هذا ضرر وتفريق لوَحدة الأمة.

 

وكل ما يؤدي إلى الضرر والفرقة، فهو محرم شرعًا؛ ولهذا فإن الأصل أنه ليس للإمام أن يتبنى ويلزم المسلمين في أحكام العبادات والعقائد المختلف فيها بين المسلمين؛ منعًا للحرج عنهم، ومنعًا لتفريق المسلمين، ولعدم الحاجة إلى ذلك لرعاية الشؤون[12].

 

ويستثنى من ذلك العبادات التي تقتضي رعاية الشؤون التبني فيها؛ كجمع أموال الزكاة، ودخول شهر الصوم، وتحديد الأعياد الإسلامية، لكن هذا التبني يكون مع ذلك الاستثناء من القاعدة الثابتة، بألا يتبنى الإمام ولا يسن قانونًا تشريعيًّا إلا فيما ثبت بالنص الشرعي، وأجمع عليه المسلمون، أو عندما لا يمكن رعاية الشؤون الواجبة إلا به، فيصبح التبني حينئذ فرضًا.

 

رابعًا: قصر مجالات القوانين الإجرائية على مجالات مخصوصة:

لقد سبق أن بيَّنا أن واقع القوانين الإجرائية هو الأنظمة والأحكام ذات العلاقة بالوسائل والأساليب المطلوبة لتنفيذ الحكم الشرعي، أو بعبارة أخرى هي الإلزام أو المنع من مباح معين يعد وسيلة أو أسلوبًا متعلقًا بالحكم الشرعي.

 

ولقد ذكرنا أن للإمام تبني ذلك بحسب المصلحة مع اشتراط عدم مخالفة الشرع.

 

وبالنظر في الأحكام الشرعية التي تتطلب قوانين إجرائية في الدولة تجد أن هذه تقتصر على أوضاع مخصوصة منوط اقامتها بالدولة وتشمل أمرين هي:

1- إقامة فروض الكفاية المنوطة بالدولة.

2- تنظيم الملكية العامة ومرافق الجماعة، وتنظيم الشؤون الادارية الخاصة بالدولة.

 

أما فروض الكفاية، فإنه يجب على المسلمين بوصفهم جماعة إقامتها ويأثمون جميعًا إن لم يقيموها، وإن أقامها البعض، سقطت عن الباقين، ومثال هذه الفروض: إقامة الجهاد، والإنفاق على ذوي الحاجة وابن السبيل والمساكين، ممن لا يجدون عائلاً ولا نفقة، ونحو ذلك فإن كان إقامة هذه الفروض يتعلق بتنظيم الدولة، فإن للإمام أن يضع قانونًا إجرائيًّا لتنظيم ذلك؛ كتنظيم أمر الجهاد بوضع نظام للاكتتاب له، وقد ثبت فعل الرسول - عليه الصلاة والسلام - لذلك[13].

 

أما من حيث تنظيم المباحات، فإن المباح المؤدي إلى ضرر ممنوع شرعًا؛ لما ثبت من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ضرر ولا ضرار))[14]، وثبت بإجماع الصحابة إلزام عثمان - رضي الله عنه - الرعية بقراءة قريش للمصحف دفعًا للضرر وفرقة المسلمين؛ كما سبق بيانه، كما أن المباح المؤدي إلى حرام يكون حرامًا؛ حيث اتفق الفقهاء على سد الذريعة التي توصل إلى حرام، وأن الوسيلة إلى حرام محرمة؛ ولهذا يجوز للدولة التدخل في وضع قانون إجرائي في ذلك، فمثلاً: حرمت الشريعة صناعة الخمر، فيجوز للدولة أن تضع قوانين إجرائية تحدد من خلالها شروط صناعة الأدوية أو المنتجات الصناعية التي يدخل الكحول في تركيبها؛ حتى لا يَنجم عن ذلك تصنيع للخمور المحرم صنعها، وهكذا.

 

أما من حيث تنظيم المباحات الخاصة بشؤون الدولة، فإن للإمام - بوصفه المسؤول عن موظفي الدولة والجيش - أن يسن قانونًا إجرائيًّا للأساليب والوسائل المناسبة لذلك، ويلزم بها من يتعلق بهم ذلك، فله أن يحدد تفصيل أعمال موظفي الدولة، وأن يضع تشكيلاً معينًا للجيش ويلزم به، وقد ثبت منع الرسول - عليه الصلاة والسلام - عماله على الزكاة من قبول الهدايا[15]، كما ثبت فعل الخلفاء الراشدين بإلزام ولاتهم وعُمَّالهم على الأمصار على أمور معينة؛ نحو: مشاطرة عمر - رضي الله عنه - لعماله نصف أموالهم عقب توليتهم، ومنع عمر وعلي - رضي الله عنهما - عمالهما من وضع ستور لهم تحجبهم عن الناس[16]، إلى غير ذلك من أمثلة تبيِّن حق الإمام في وضع قواعد إجرائية لشؤون الدولة الخاصة بها.

 

كما أن المرافق العامة والملكية العامة للجماعة تستدعي تدخل الدولة؛ حتى لا يختص إفراد دون غيرهم بالاستئثار بها، فالطرق مثلاً من مرافق الجماعة، ويحتاج المرور بها إلى تنظيم؛ فللإمام أن يسن قانونًا للمرور يحدد كيفية السير والإشارات الضوئية كوسائل لذلك، والملكية العامة،، نحو مناجم المعادن والأحراش والغابات، والأنهار الجارية، ومجرى السيل، كلها يستدعي تنظيم الانتفاع بها وسائل معينة، وقد ثبت أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - نظَّم توزيع مياه مجرى السيل[17]، وجعل مناجم المعادن التي لا تنقطع والماء والكلاء والنار شراكة بين المسلمين[18]، وثبت أن عمر رضي الله عنه منع في جمع الصحابة استخدام مراع معينة وجعلها لرعاية خيل الجهاد؛ مما يدل على أن للدولة التدخل في تنظيم المرافق والملكية العامة بوضع القوانين الإجرائية المناسبة لذلك، وهكذا.

 

يتضح مما سبق أنه ليس للدولة التدخل بالمنع والالزام بإصدار قوانين إجرائية للأساليب والوسائل في غير الاحوال السابق ذكرها، حيث أن الاستقراء للأدلة الشرعية يدل على قصر التدخل في هذه الأمور فقط دون غيرها في التبني. وعليه فليس للدولة، مثلا، الزام الناس عن طريق سن قانون ينظم ألوان البيوت لان ذلك لا يترتب عليه ضرر وليس من مرافق الجماعة ولي من الفروض الكفائية، وليس للدولة كذلك سن قانون إجرائي يمنع تعدد الزوجات أو الطلاق، أو بمنع نكاح المسلم للمسلمة بسبب الانتساب القبلي أو الإقليمي؛ لأن ذلك كله خارج عن مجال القوانين الإجرائية؛ من فروض كفاية، وتنظيم المباحات، فيكون في حقيقته تحريم لما أحل الله.

 

ومما سبق يظهر أن القوانين الإجرائية قد قيدت بعدم مخالفة الشريعة؛ بحال حيث لا يجوز اتخاذ قانون إجرائي، أو أسلوب مخالف للشرع، كما فصل الشارع المجالات التي يجوز سن القانون الإجرائي فيها، وهي إقامة فروض الكفاية، وتنظيم المباحات الخاصة بالدولة، وبالتالي فإن الشرع الإسلامي يقدم إطارًا متكاملاً للرقي التشريعي في الدولة؛ من حيث تخويل الصلاحيات اللازمة للإمام، مع منع كل ما يمكن أن يؤدي إلى اختلال واستغلال تلك الصلاحيات للسيطرة والاستبداد السياسي في الدولة.

 

خامسًا: الشورى وخضوع الدولة لمحاسبة الأمة فيما يتعلق بسن القوانين وتبني الأحكام:

ومن الضمانات التي أقرها الشارع للتأكد من انضباط التشريع في المجتمع الإسلامي، ضمانة سابقة لتبني التشريعات وضمانة لاحقة له؛ أما الضمانة السابقة، فتتمثل في حرص الشريعة الإسلامية على إقرار مبدأ الشورى الإسلامي؛ مصداقًا لقوله تعالى ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾[19]؛ حيث جعل الإسلام الشورى وسيلة لتوجه أعمال الحاكم، وخير ضمانة لعدم إحداث تشريعات مخالفة للشرع، وقد أقر الصحابة - رضوان الله عليهم - مبدأ الشورى في مثل هذه المسائل، فقام عمر - رضي الله عنه - بمشاورة الصحابة فيما يتعلق بوقف الأراضي الخراجية[20]، والتزام الحاكم المسلم بالشورى في هذه الأمور، يضمن له رضا المسلمين عما يصدره من قرارات، ويتمكن بالتالي من الحصول على الدعم الكافي لحسن تطبيق الأنظمة في المجتمع الإسلامي، ويحول دون ذلك فجوة أو جفوة بين الحاكم والمحكوم؛ مما يعمق المشاركة السياسية لأفراد الأمة في النظام السياسي الإسلامي.

 

أما الضمانة اللاحقة، فتتعلق بحق الأمة في محاسبة الإمام، انطلاقًا من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [21]، فعلى الأمة المسلمة تقع مسؤولية التأكد من حسن تطبيق الإسلام، ومراقبة انحراف الحاكم عن الشرع الإسلامي، فقد أوجب عليها الشرع إنكار المنكر؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((من رأى منكم منكرًا، فليغيره))[22]، ويندرج الانحراف في التبني وسن القوانين، ضمن المنكرات الكبرى التي تقع على الأمة مسؤولية التأكد من تصحيحها ومعالجتها وفقًا للشرع الإسلامي.

 

سادسًا: هيمنة القضاء الشرعي على حق الإمام في التبني:

ومن الضمانات الأساسية التي أقرها الإسلام الرجوع إلى الشرع الإسلامي، متمثلاً في القضاء الشرعي عند حدوث نزاع بين الحاكم والمحكوم، فيما يتعلق بمخالفة التشريعات المتبناة للشريعة، أو تجاوز الإمام ما حول من صلاحيات في ذلك؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾[23].

 

فالرد إلى الله وإلى الرسول هو الرد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه والقضاء الشرعي، هو المخبر عن حكم الله ورسوله على وجه الإلزام، وقد أشار الفقهاء إلى الجهة المنوط بها التأكد من شرعية القوانين، وهي محكمة المظالم "النظر فيما عجز عنه الناظرون من الحسبة في المصالح العامة؛ كالمجاهرة بمنكر ضعف عن دفعه والتعدي في طريق عجز عن منعه، والتحيف في حق لم يقدر على رده، فيأخذهم بحق الله"[24]؛ ولهذا يتولى قاضي المظالم صلاحية القضاء على أولي الأمر ومن بيدهم السلطان في المجتمع السلامي، بمراقبة انبثاق سن التشريعات عن الإسلام، وعدم إحداث أنظمة تخالف الإسلام مطلقًا، ومن ذلك يظهر أن الإسلام يوجب وجود جهة قضائية عليا في الدولة، تتكفل بذلك، وتعمل مع الأفراد على التأكد من حسن تطبيق الإسلام في الدولة، والتي أطلق عليها في الفقه الإسلامي: "قضاء المظالم"، والذي يكون من صلاحياته النظر في دستورية وشرعية القوانين المتبناة من الإمام، وإلزام الإمام بالرجوع عما يظهر خطؤه أو مخالفته للشريعة الإسلامية.

 

فالقضاء الشرعي مهيمن في الدولة الإسلامية، وهو بذلك يعلو على حق الإمام في التبني، وفي ذلك أعظم ضمانة لمنع الاستبداد الفردي، أو استغلال حق سن القوانين.



[1]راجع في هذا الصدد، د. محمد أحمد مفتي؛ أركان وضمانات الحكم الإسلامي، الكويت، جامعة الكويت، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، السنة الخامسة، العدد الثاني عشر، ربيع الآخر 1409، ص 98 - 107.

[2]جامع الأصول، الجزء السادس، مرجع سابق، ص 13.

[3]جامع الأصول، الجزء الرابع، مرجع سابق، ص 442 – 443.

[4]سورة المائدة آية 44.

[5]سورة المائدة آية 45.

[6]سورة المائدة آية 47.

[7]سورة النساء آية 65.

[8]سورة المائدة آية 48.

[9]سورة الشعراء آية 151.

[10]سنن ابن ماجه، الجزء الثاني، حديث رقم 2894، ص 148.

[11]راجع في هذا الصدد محمود عبدالمجيد الخالدي؛ قواعد نظام الحكم في الإسلام، الكويت، دار البحوث العلمية، 1400 - 1980، ص 350.

[12] المرجع السابق، ص 356 - 363.

[13]سنن ابن ماجه، الجزء الثاني، حديث رقم 2932، مرجع سابق، ص 156.

[14] سنن ابن ماجه، الجزء الثاني، حديث رقم 2362، مرجع سابق، ص 44.

[15] راجع ما جاء في قصة ابن اللتبية؛ محي الدين النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، الجزء الثاني عشر، بيروت، دار الفكر، 1401 - 1981، ص 218 - 209.

[16]محمد بن يوسف الكاندهلوي؛ حياة الصحابة، الجزء الثاني، بيروت، دار القلم للطباعة والنشر، 1403 - 1983، ص 78.

[17]جامع الأصول، الجزء العاشر، ص 566.

[18]سنن ابن ماجه، الجزء الثاني، حديث 2497، ص 68.

[19]سورة آل عمران آية 159.

[20]الخراج، مرجع سابق، ص 35.

[21]سورة آل عمران آية 110.

[22]رواه مسلم، راجع جامع الأصول، الجزء الأول، مرجع سابق، ص 228.

[23]سورة النساء آية 59.

[24]الأحكام السلطانية والولايات الدينية، بيروت، دار الكتب العلمية، 1405 - 1985، ص 104.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأحكام الشرعية المتعلقة برؤية الهلال
  • الأحكام الشرعية بين وسائل الإعلام والإسلام
  • قواعد أصولية في تعليل الأحكام الشرعية
  • الأحكام الشرعية ( الوضعية )

مختارات من الشبكة

  • تسديد النظر في حقيقة المقاصد الشرعية والمصالح المرعية وكيفية اعتبارها في استنباط الأحكام الشرعية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كيف تبني نفسك من جديد؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تبني عالمك الخاص بك؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • استفسار عن تبني الأطفال(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • ذرة تفاؤل تبني مجرة إبداع(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تبني نفسك؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أمي تبني حياتها على الأحلام والرؤى(استشارة - الاستشارات)
  • تبني الموهوبين من منظور إسلامي (اكتشاف المواهب ورعايتها) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نحو تبني مشروع وطني للمعالجة والنهوض بواقع الدراسات العليا في العراق (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نحو تبني مشروع وطني للمعالجة والنهوض بواقع الدراسات العليا في العراق (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب