الشيخ خليل الصيفي من الأئمة المصلحين رحمه الله

وُلِد الشيخ خليل الصيفي سنة 1934م، وتدرّج في طلب العلم حتى زَفَّته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من كلية أصول الدين، أَحد خريجي الدفعة الأولى، متخصصاً في الدعوة.

ولمّا رجع إلى لبنان تسلَّم الإمامة في مساجد مدينة صيدا سنة 1970 حتى 1978م؛ حيث تحرك بالدعوة، وربى الشباب، وألحق كثيراً منهم بصفوف الجماعة، ثم أَلحقوه بهم صهراً لآل الصباغ؛ فتزوج أم أنس، وله منها 7 أبناء وبنات.

وكان واسطة عِقد الشباب الذين رباهم إيمانيًّا وبناهم عِلميًّا، وأهمهم الشيخ القائد المجاهد محرّم عارفي - رحمه الله تعالى - الذي صاغ شخصيته برعاية خاصة، فنهض به قفزات مُذهلة في العلم والقيادة، ولو لم يكن لنشاطه نتاج غيره لَكفاه ذُخرًا.

وكان الشيخ رحمه الله إماماً أيضاً في مسجد الحنابلة في بعلبك، حيث رَبّى وبَثّ روحَ الجهاد، فواجه تلاميذه مِن كل المناطق اليهود في صيدا والبقاع الغربي ببطولة وإيمان.

وكان دائمَ الحركة والبركة، وزياراته عَمَّت الناسَ بفقرائهم وأغنيائهم، مَن يَعرف ومن لا يَعرف، يَألف ويُؤلَف، يُلبِّي كل من دعاه، فيغشاهم في مناسباتهم، متواضعاً خادماً للناس يَرى لهم حقوقاً عظيمة عليه ولا يَرى لنفسه عليهم شيئاً، وكانت كلماته البسيطة تنفذ إلى القلوب؛ فهو داعية بِحاله قبل مقاله، كَثير التفاؤل والبسمة، حتى على نَعشه!

وكان يَعرِض على طلاب العلم مَبالغ من حُرِّ ماله؛ هدية بعيدة عن المِنة والشهرة، ويزورهم ويُشعرهم بالأخوة وإن كان يكبرهم بخمسين سنة، وهو الأبيض اللحية، الطويل القامة.

وكان يلبي طلب المحاضرات ولو بَعدتْ، ولا يَطلب ممن يدعوه تأمين النقليَّات له، رغم أنه في آواخر سِنيه لم يُسْعفه بصره لقيادة السيارة، وعندما تنتهي المحاضرة آخر الليل يسألونه: هل معك سيارة؟ فيستعمل التورية لئلا يكلفهم عبء توصيله ولو كان في مخيم الرشيدية - في صُوْر؛ جنوب لبنان أو في طرابلس، على بُعد أكثر من 150كلم عن بيته... إنه شاب في السادسة والسبعين!

وكانت له إقامة سنوات في البرازيل حيث أكثَرُ أهلِ بلدته "السلطان يعقوب - لوسي" البقاعية، فتحرك فيها رغم أن بضاعته من اللغة البرازيلية مُزجاة قليلة؛ يدخل الكنائس وقت احتشادها فيعتلي منابرها ويدعوهم إلى الإسلام، ويُبطل القول بالتثليث وإلهية المسيح عليه السلام والتبعية العمياء لرجال الدين، فيُعجبون بكلامه وربما صفقوا له! فأسلم على يديه عدد منهم بينهم أكثر مِن خوري ورجل دين.

وله شعر وديوان "ريح وريحان"، وكان يستعمل الشِّعر للدعوة أحياناً؛ فيَطبع بيتين في قُصاصة عن حُرْمة التبرج   مثلاً، فإذا صادف متبرِّجة مرَّرها لها.

وكان يدعو طلاب العلم والمشايخ لتكتيل طاقاتهم والعمل الجماعي حتى في أصعب الظروف، وصبَر على أذى بعضهم واستهجانهم لهذا الطرح سنين طويلة، فكَتب الله له القَبول في الأرض، وجَعل له بعد عسر يُسراً.

وفي الوقت نفسه كان بعيداً عن العصبية الحزبية، ينصر ويحب كل العاملين بصدق للإسلام، وهو بوابة لاستقبال النُّصح من محبِّي جماعته، وحامل أمين لتلك النصائح يستوثق منها ويحاول معالجتها؛ فالحق عنده أحقُّ أن يُتَّبع. وقصصه لا تكاد تُحصَر.

ذَلك "رَوْح" الشيخ وأما "رِِيْحه" وغضبه على أعداء مَنهج الإسلام والمعتدين على المسلمين؛ يعلن مواقفه في البراءة منهم من على المنابر لا يَخشى في الله لومة لائم!

توفي رحمه الله في صيدا -فالمَحيا مَحياهم والمَمات مَماتهم- يوم السبت 6ربيع الأول 1431هـ = 20/2/2010م، ورغم أنه مات فجأة؛ لم يستطع مغسّلوه تغيير سبَّابته عن هيئة التشهُّد! ودُفن الأحد في بلدته لوسي في جنازة ذكَّرتْ بجنازات السلف، حيث تقاطر نحو أربعة آلاف شخص؛ بينهم مئات المشايخ وطلاب العلم -ربما لم يجتمع مثلُهم مِن قبل- فضلاً عن الآلاف الأخرى التي حضرت لا تَدري أَتُعزِّي أم تُعزَّى به! مِن مختلف المناطق حُبًّا ووفاء لِلشيخ الذي لم يتربَّع على المناصب، ولم يسكن القصور الفخمة، أو يمتلك الأرصدة الضخمة، لكنه امتلك القلوب وأسرها بسلطان الحب.

نحسبه من الصالحين ولا نزكي على الله أحداً.

اللهم اجزه عنا كل خير، واجعله في عليين، وارحمه واخلفه في أهله، وهَبْنا أمثالَه وخيراً منه يا كريم.