التنبيه على بعض أوهام البغدادي في كتاب هدية العارفين

التنبيه على بعض أوهام البغدادي في كتاب "هدية العارفين"

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد:

أولاً: قال البغدادي في "هدية العارفين" (1/ 273): "ابن وَكيع - حسن بن علي بن أحمد بن أبي بكر محمد بن خلف بن زياد الضبِّي، أبو محمد الشاعر، البغدادي الأصل، التنِّيسي المولد والوفاة (بكسر التاء وتشديد النون، مدينة بديار مصر)، المعروف بابن وَكيع، وُلد سنة 306، وتوفِّي سنة 393 ثلاث وتسعين وثلاثمائة، له: "بحر الأوهام"؛ منظومة، ديوان شعره، كتاب الإخوان، كتاب الرمي والنصال، كتاب الشريف، كتاب الطريق، كتاب عدد آي القرآن والاختلاف فيه، كتاب المكاييل والموازين"؛ انتهى كلام البغدادي.

قلتُ (رفعت):

أخطأَ البغداديُّ؛ لأنَّ كتاب الشريف، وكتاب الطريق، وكتاب عدد آي القرآن والاختلاف فيه، وكتاب المكاييل والموازين - ليست من تأليف ابن وَكيع حسن بن علي بن أحمد بن أبي بكر محمد بن خلف بن زياد الضبي، وإنَّما هذه الكتب من تأليف جَدِّه القاضي وكيع محمد بن خلف بن حيان بن صدقة الضبِّي.

جاء في كتاب "الفِهْرست"؛ لابن النَّديم (1/ 144): "أبو محمد بكر بن محمد بن خلَف بن حيَّان بن صدقة، المعروف بوكيع، القاضي، وكان مفنَّنًا في جميع الآداب، وولي القضاءَ ببعض النَّواحي، وكان أولاً يَكتب لأبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب القاضي، وله من الكتب كتابُ أخبار القُضاة وتاريخهم وأحكامهم، كتاب الشريف يَجري مَجرى المعارف؛ لابن قتيبة، كتاب الأنواء، كتاب العَزو وأخبار، كتاب المسافر، كتاب الطريق، ويعرف أيضًا بالنواحي"؛ اهـ.

وقال القُفطيُّ في "المحمَّدون من الشعراء" (1/ 97): "محمد خَلَف بن حيَّان بن صدقة بن زياد، أبو بكر الضبيُّ المعروف بوكيع، كان عالِمًا، فاضلاً، عارفًا بالسِّيَر وأيامِ الناس وأخبارهم، وله مصنَّفات كثيرة؛ منها: كتاب " الطريق"، وكتاب "الشريف"، وكتاب "عددِ آي القرآن والاختلاف فيه"، وسئل أبو بكرِ بن مجاهد رحمه الله أن يصنِّف كتابًا في العدد، فقال: قد كفانا ذاك وَكيع؟ وكُتُبٌ أُخر سوى ذلك.

وكان حَسنَ الأخبار، وروى عن جماعة كثيرة مِن مشايخ العلم، وكان يَسكن ببغداد في الجانب الشرقي في دَرب أمِّ حكيم، روى عنه أحمد بن كامل القاضي وطبقتُه، وكان مِن أهل القرآن والفِقه والنحو؛ وله تصنيفٌ في "أخبار القضاة"، وله كتابٌ في "الرَّمي والنِّصال"، وكتاب في "المكاييل والموازين"؛ اهـ.

وقال الصفدي في "الوافي بالوَفَيات" (3/ 37): "وله تصانيفُ؛ منها عدد آي القرآن، قال الخطيب: وبلَغني أنَّ أبا بكر بن مجاهد سُئل أن يُصنِّف كتابًا في العدد، فقال: كفانا ذاك وَكيع، وله أخبار القضاة وتواريخهم، كتاب الأنواء، كتاب الشريف يجري مجرى المعارف لابن قتيبة، كتاب الغرر فيه أخبار، كتاب الطريف ويُعرف بالنواحي"؛ اهـ.

وقد أشار إلى ذلك محقِّق كتاب "سِيَر أعلام النبلاء"، فقال في الهامش (17/ 64): "وقد أخطأ صاحبُ "هدية العارفين"؛ فنسبَ مصنَّفات وكيع القاضي الجدِّ إلى حفيده الشَّاعر صاحبِ هذه الترجمة"؛ اهـ.

ثانيًا: ذكر البغداديُّ في "هدية العارفين" (2/ 158) من أسماء كتب ابن القيم: "مَدارج السالكين في شرح منازل السائرين، ومراحل السائرين".

قلتُ (رفعت):

أخطأ البغداديُّ في جعلِهما كتابين، وإنَّما "مراحل السائرين" هو نفسُه "مدارج السالكين"...، وقد ذَكره ابنُ رجب الحنبلي في "ذيل طبقات الحنابلة" (5/ 175): مراحل السائرين بَيْنَ منازل إيَّاك نعبُدُ وإياك نستعين، وذكره أيضًا ابن العماد في "شذرات الذهب" (8/ 289) بهذا الاسم، وذكره كذلك الداووديُّ في "طبقات المفسرين" (2/ 95).

وقد أشار إلى هذا الخطأ الشيخ بكر أبو زيد فقال في كتابِه "ابن قيِّم الجوزيَّة" (ص 296): "وقد وَهِم البغداديُّ فعدَّهما كتابين باسم مراحل السائرين وباسم مدارج السالكين"؛ انتهى كلامُ الشيخ بكر أبو زيد.

وبالله التوفيق، وصلِّ اللهمَّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.