نشأة المكتبات الإسلامية

نشأة المكتبات الإسلامية

المكتبات هي من أهم المعالم التي تدل على مدى ما تبلغ الأمم والشعوب من الرقي والتقدم في الثقافة والحضارة والعلم والأدب، فلها دور كبير في بناء المجتمع وإنشاء الروح العلمية والفكرية لدى الناس، حيث تعتبر المكتبات أكبر مركز لتنمية المؤهلات العلمية والأدبية في جل الشعوب والمجتمعات، وأعظم مجال للبحث والتحقيق والدراسة والتنقيب، فليست هي مجرد دور للأوراق والقراطيس، بل هي عبارة عن كيان للعلم والمعرفة، وأكبر ذريعة لصيانة التراث العلمي والتاريخ الإنساني، نظرًا لهذه الأهمية القصوى فقد ركَّز كل مجتمع عنايته الفائقة على إنشاء المكتبات وجمع الكتب والمخطوطات منذ أن بدأ الإنسان يتدرج في مدارج الثقافة والحضارة، ويتعلى على معالي العلم والأدب، وظلت هذه المكتبات أكبر محافظ على تراثه العلمي والفكري وبقية ثقافته وحضارته ونصوصه الدينية.

نشأة المكتبات:

يتبيَّن من استقراء التاريخ أنه لا يمكن القول بالقطع عن أول مكتبة أُسِّسَت على وجه الأرض؛ ولكن يمكننا القول بأن إنشاء مكتبة الإسكندرية كان أهم حدث على الإطلاق في تاريخ المكتبات في الأزمنة القديمة، ويعزى تخطيط هذه المكتبة إلى بطليموس سوتر (المتوفى عام ثلاث وثمانين ومائتين قبل الميلاد) وقد تم الكشف عن المكتبات العديدة التي تعود آثارها إلى الحضارة الآشورية والبابلية والعصور الوسطى، من أهمها مكتبة آشور بانيبال، ومكتبة قيصرية، ومكتبة بورلينوس وأمثال ذلك.

اهتمام المسلمين بإنشاء المكتبات:

بدأ اهتمام المسلمين بإنشاء المكتبات ودور الكتب والمخطوطات منذ بداية انتشار الإسلام خارج حدود الجزيرة العربية، وقامت سيطرة المسلمين على القوتين الكبيرتين قيصر وكسرى، وظهرت فيهم تطورات وتغيُّرات هائلة عن طريق اختلاطهم بالعجم وامتزاج الثقافة العربية البسيطة بالثقافات العالمية المتطورة النامية، فأدَّى ذلك المسلمين إلى تركيز الجهود على تعلُّم الدراسات الجديدة المعاصرة والتقدم والازدهار في مجال الثقافة والحضارة، فقد أقبل المسلمون على العلم والأدب إقبالًا كبيرًا، وركَّزوا جُلَّ عناياتهم على تدوين الكتب وترجمتها إلى اللغة العربية.

المكتبات الإسلامية عبر التاريخ:

ومن ثم بدأت سلسلة إنشاء المكتبات في الإسلام، فأول مكتبة إسلامية هي بيت الحكمة التي قد تم بناؤها على يد الخليفة هارون الرشيد في بغداد، وجمعت فيها كتب الطب والعلم، وما ألف في العلوم الإسلامية، وأدت هذه المكتبة دورًا رياديًّا في نشر العلم والفكر.

وقامت في الأندلس مكتبات كثيرة، أكبرها مكتبة قرطبة أنشأها الحاكم بن ناصر في سنة ٣٥٠هـ، وأنشأ العزيز بالله سنة ٣٥٣هـ مكتبة سمَّاها خزانة الكتب، ويقال إنها كانت تضم ستمائة ألف كتاب، وكثرت المكتبات الإسلامية في القرن الرابع والخامس الهجري، وازداد شغف المسلمين بإنشائها، فكانت العواصم والمدن الإسلامية تغص بدور الكتب والمكتبات العامة والخاصة بشكل لا مثيل لها في التاريخ، وقلما كانت مدرسة في شتى أنحاء العالم الإسلامي ليس بجانبها مكتبة، وقل أن نجد قرية صغيرة تخلو من دار للكتب.

أما المكتبات العامة فقد كان ينشئها الخلفاء والأمراء والأغنياء، كانت تشيد لها أبنية خاصة وأحيانًا كانت تلحق بالمساجد والمدارس الكبرى.

وأما الأبنية الخاصة فقد كانت تحتوي على حجرات متعددة تربط بينها أروقة فسيحة، وكانت الكتب توضع على رفوف مثبتة بالجدران، تخصص كل غرفة لفرع من فروع العلم، فلكتب الفقه غرفة، ولكتب الطب غرفة، ولكتب الأدب غرفة، وهلم جرًّا.

ومن أشهر المكتبات الإسلامية مكتبة الخلفاء الفاطميين في القاهرة، كانت مكتبة عجيبة مما حوت من نفائس المصاحف والكتب والمخطوطات، بلغ مجموع كتبها كما يرويه المؤرخون مليوني كتاب، في الفقه والنحو واللغة والحديث والتاريخ والروحانيات، والكيمياء، والهندسة والفلسفة والفلك.

ومنها مكتبة دار الحكمة بالقاهرة أنشأها الحاكم سنة 395هـ، كانت تضم 40 خزانة، واحتوت إحدى خزانتها على 1800 كتاب في العلوم القديمة والحديثة.

ومن المكتبات الإسلامية مكتبة الحكم بالأندلس، كانت غاية من الاتساع والعظمة، وصرح المؤرخون بأن مجموع ما حوته هذه المكتبة أربعمائة ألف مجلد.

ومن المكتبات العامة في الدول الإسلامية مكتبة بني عمار في طرابلس، كانت آية في العظمة والضخامة، كان فيها مائة وثمانون ناسخًا ينسخون فيها الكتب، وكانت تحتوي على مليون كتاب.

ومن المكتبات الخاصة في شرق العالم الإسلامي وغربه مكتبة الفتح بن خاقان، ومكتبة ابن الخشاب، ومكتبة جمال الدين القفطي، ومكتبة ابن جرادة العلماء في حلب، ومكتبة الموفق بن المطران الدمشقي وما إلى ذلك من المكتبات الإسلامية الأخرى، أما في شبه القارة الهندية فيوجد فيها عدد غير قليل من المكتبات الإسلامية التي تظل أكبر محافظ على التراث العلمي النادر الغزير. يجدر بالذكر منها المكتبة النظامية ومكتبة سالار جنع الثالث بمدينة حيدر أباد، ومكتبة رضا برامفور، ومكتبة خدا بخش بمدينة بتنه، ومكتبة مولانا آزاد بجامعة علي جراه الإسلامية، والمكتبة العامة لندوة العلماء تتسمَّى بمكتبة شبلي النعماني في رحاب جامعة ندوة العلماء، وأمثال ذلك.

وبالجملة فإن المكتبات الإسلامية ما زالت ولا تزال تلعب دورًا رئيسيًّا في صيانة التراث العلمي بحيث إنها حملت في طيَّاتها المورد العلمي الهائل من كتب ومخطوطات علمية نادرة، ومستندات تاريخية ووثائق ثقافية وفنية، بالإضافة إلى تعزيز التعلم والدراسة وتيسير الوصول إلى المراجع والمصادر العلمية الغزيرة للجمهور.

المصادر والمراجع:

1- تاريخ المكتبات، تعريب: دكتور شعبان خليفة.

2- من روائع حضارتنا، للدكتور مصطفى السباعي.

3- تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب، عبدالحي الكناني.

4- نصوص من التراث التربوي الإسلامي، فتحي حسن ملكاوي.

5- المكتبات الإلكترونية: كل ما يحتاجه أمين المكتبة لتطوير مكتبته، حسان عبابدة.

6- تاريخ الثقافة الإسلامية: محمد واضح رشيد الندوي.