منهج المدرسة الفلسفية في الإصلاح المعاصر

منهج المدرسة الفلسفية في الإصلاح المعاصر

لمحات من مناهج الإصلاح المعاصرة وأثر العلماء في توجيهها وتقويمها (5)

أصل الفلسفة: دراسة المبادئ الأولى، وتفسير المعرفة تفسيرًا عقليًّا:

وقد أصبحت مجالاتها في العصر الحاضر: المنطق، وما وراء الطبيعة، والأخلاق، وعلم الجمال[1].

وهذه المدرسة، وإن كان بها شبه من المدرسة السابقة، لكنها أخذت عمقًا وبعدًا عقليين بلا حدود، وتأثَّرت بالفلاسفة: اليونانيين، والغربيين، ومَن يُسمَّون بالفلاسفة الإسلاميين؛ كابن سينا، والفارابي، والكندي، وابن رشد ونحوهم، كما اختلطت بالفلسفة الصوفية كمذهب تناسُخ الأرواح، ووحدة الوجود، والحلول.

ولعل من أبرز الأمثلة والنماذج المعاصِرة لهذه المدرسة المفكّر الفيلسوف، والشاعر الثائر: محمد إقبال (ت 1938م)، الذي درس الفلسفة القديمة والحديثة، والتصوف القديم والحديث، وتأثَّر بالفيلسوف الصوفي: جلال الدين الرومي (ت 672هـ)، وهيجل (ت 1831م)، وأوجست كونت الفرنسي (ت 1857م) ونيتشة الألماني (1900م)، وغيرهم.

هذا بالإضافة إلى تأثُّره الكبير بالمصادر الإسلامية، وبخاصة القرآن الكريم.

ولذلك جاءت أفكاره مزيجًا من الفلسفات والآراء المتناقضة.

وقد لخَّص لنا أفكاره في كتابه "تجديد التفكير الديني في الإسلام".

فبيَّن رأيه في (الذات الإلهية المقدَّسة والعلاقة بينها وبين المخلوق) وأنهما ليسا شيئًا واحدًا، كما أنهما ليسا منفصلين أو متباينين، بل إن المخلوق عبارة عن تجليات لله تعالى[2].

وبيَّن رأيه في (الموت، والبعث، والجزاء).

وخلاصته: أن الحياة لا تنقطع أبدًا، فالإنسان تحصُل له حالة استرخاء أثناء موته، فإذا صحا عمل جردًا وإحصاء لأعماله، فإن كانت صالحة عاد إلى الحياة سعيدًا.

وإن كانت سيئة، أصابه الهم والغم أحقابًا من السنين، ثم يعود إلى الحياة كرَّة أخرى ليبدأ حياة أفضل[3].

وبيَّن أن هبوط آدم إلى الأرض لا صِلة له بظهور الإنسان الأول على الأرض، بل هو تحوُّل الإنسان من حال إلى حال [4]، وكان لهذه الأفكار وما صاحبها من أفكار أخرى في المسار الإيجابي آثار كبيرة على أجيال كثيرة، وَجدت في هذا المنهج مادة ثرة من المعرفة الفلسفية، والآراء الإسلامية الجديدة التي تُناسِب الحرية الفكرية المعاصرة.

على أن الأمر الأبرز في شخصية إقبال هو شاعريته الفياضة التي أدهشت النقاد.

تقويم المدرسة الفلسفية وأثر العلماء في توجيهها:

ظاهر أن الفلسفة غريبة على الفكر العربي الإسلامي[5]، فإن منشأها في بلاد اليونان، ثم انتشرت في الحضارات القديمة: الهنديَّة والفارسية، ثم جاءت الفلسفة الحديثة الغربية، وكلها نظريات مُتضارِبة لا تلتقي مع المنهج القرآني ألبتة.

ومهما قيل من وجود فلسفة إسلامية، فإنما هي فلسفة عاشت وراجت في ظل الفكر الإسلامي، ومن هنا كان الأجدر في التسمية؛ كما يقول الدكتور عرفان عبدالحميد: أن يقال: الفلسفة في الإسلام[6].

وإذًا، فالمنهج الفلسفي لا يَمُت إلى دين الإسلام بصِلة، وكل ما قام به فلاسفة المسلمين في القديم والحديث من محاولات لصبغ الدين بالفلسفة، أو التوفيق بينهما، فهو جِنايةٌ على الدين لا محالة، وانظر ماذا جنى الإسلام أو المسلمون من فلسفة ابن سينا والفارابي وابن رشد، ثم فلسفة ابن عربي، ومَن جاء بعدهم؟! هذه نظرة نقدية عامَّة.

أما بالنسبة للأنموذج، وهو محمد إقبال:

فلقد كتب عنه الكثير، ولكن من زاوية شخصيَّته الشاعرية، أما من الناحية الفكرية، فقليل، ولعل الدكتور محمد البهي من أفضل مَن عرض لهذه الناحية وناقشها، وأبان بعض الملاحظات عليها.

وذلك في كتابه المعروف "الفكر الإسلامي الحديث وصِلته بالاستعمار الغربي"[7].

وعلى الرغم مما قدَّمه هذا الرجل من أعمال إيجابية نحو المسلمين في الهند، ومنها حرصه على استقلال شخصيَّة المسلمين هناك، ومنها شعره الكثير الذي يفيض عاطفة جياشة.

على الرغم من ذلك، فإنه - كما سبقت الإشارة - قد غرق في بحر الفلسفة القديمة والحديثة، وعمل منها نظريات فلسفية تختلف عن مبادئ الإسلام العقدية اختلافًا بيِّنًا، الأمر الذي يتطلَّب مزيدًا من التأمل في فِكْر إقبال، وعدم التزكية المُطلَقة المتأثِّرة بشعره الرصين، ومشاعره الإسلامية الفياضة.