• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير: (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    من درر العلامة ابن القيم عن العين والحسد
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تذكرة النبلاء بحياء سيد الأتقياء صلى الله عليه ...
    السيد مراد سلامة
  •  
    تخريج حديث: «لا يبول في مستحمه، فإن عامة الوسواس ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    وقفات تربوية مع سورة الكافرون (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (5)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
  •  
    خطبة: احتساب الثواب والتقرب لله عز وجل (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    البحوث القرآنية في مجلة كلية الدراسات الإسلامية ...
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    الابتسامة (خطبة)
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    کشف الغطاء عن حال عشرة أحادیث باطلة في ذم النساء ...
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    الأحكام الفقهية للممارسات الجنسية الممنوعة في ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اللغة من أدلة إثبات وجود الخالق جل وعلا
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الفتور داء خطير (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    "المعوقين"
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    ثاني اثنين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    الخلاف شر
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / رجالات الإسلام
علامة باركود

من أخبار الشباب (13) الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى

سيرة عالم.. وحث الطلاب على الاجتهاد
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/8/2023 ميلادي - 1/2/1445 هجري

الزيارات: 12629

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أخبار الشباب (13)

الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى

 


الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الشَّبَابُ عُمَّارُ الْأُمَمِ إِنِ اسْتُثْمِرُوا، وَهُمْ دَمَارُهَا إِنْ أُهْمِلُوا، وَكُلُّ الْأُمَمِ الَّتِي نَهَضَتْ إِنَّمَا نَهَضَتْ بِقُوَّةِ شَبَابِهَا، وَكُلُّ الدَّعَوَاتِ الَّتِي نَجَحَتْ إِنَّمَا نَجَحَتْ بِالشَّبَابِ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ بِدَعْوَتِهِ الشَّبَابُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، كَانُوا أَرْبَعِينَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ أَسَنُّهُمْ أَبُو بَكْرٍ لَمْ يَبْلُغِ الْأَرْبَعِينَ، وَأَكْثَرُهُمْ فِي الثَّلَاثِينَ وَالْعِشْرِينَ. وَمَنْ شُغِلَتْ طُفُولَتُهُ وَشَبَابُهُ بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ كَانَ فِي كِبَرِهِ عَالِمًا يُشَارُ لَهُ بِالْبَنَانِ، وَيُرْحَلُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ.

 

وَهَذِهِ سِيرَةُ عَلَمٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَإِمَامٍ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ، اعْتَنَى وَالِدَاهُ بِتَعْلِيمِهِ فِي طُفُولَتِهِ، فَبَرَزَ فِي شَبَابِهِ ثُمَّ فِي كُهُولَتِهِ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَشْهَرِ الْحُفَّاظِ. ذَلِكُمْ هُوَ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ. كَانَ أَبُوهُ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَثِقَاتِهِمْ، فَأَلِفَ سُفْيَانُ الْعِلْمَ وَالْحَدِيثَ مِنْ صِغَرِهِ. وَوَجَّهَتْهُ أُمُّهُ لِلْعِلْمِ وَأَعَانَتْهُ عَلَيْهِ مَادِّيًّا وَمَعْنَوِيًّا فَقَالَتْ لَهُ: «اذْهَبْ فَاطْلُبِ الْعِلْمَ، حَتَّى أَعُولَكَ بِمِغْزَلِي، فَإِذَا كَتَبْتَ عِدَّةَ عَشَرَةِ أَحَادِيثَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ فِي نَفْسِكَ زِيَادَةً، فَاتَّبِعْهُ، وَإِلَّا فَلَا تَتَعَنَّ». وَبِعُلُوِّ هِمَّتِهَا وَمِغْزَلِهَا خَرَّجَتْ لِلْأُمَّةِ إِمَامًا هُوَ شَيْخُ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ كَبِيرُهُمْ فِي زَمَنِهِ.

 

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ طَلَبَ الْعِلْمَ فِي صِغَرِهِ قَوْلُهُ: «طَلَبْتُ الْعِلْمَ، فَلَمْ يَكُنْ لِي نِيَّةٌ، ثُمَّ رَزَقَنِي اللَّهُ النِّيَّةَ». وَلِفَرْطِ ذَكَائِهِ، وَجِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ تَصَدَّرَ لِلتَّحْدِيثِ وَهُوَ شَابٌّ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: «كَانَ يُنَوَّهُ بِذِكْرِهِ فِي صِغَرِهِ، مِنْ أَجْلِ فَرْطِ ذَكَائِهِ وَحِفْظِهِ، وَحَدَّثَ وَهُوَ شَابٌّ». وَقَالَ أَبُو الْمُثَنَّى بْنُ الزُّبَيْرِ: «سَمِعْتُهُمْ بِمَرْوَ يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَ الثَّوْرِيُّ، قَدْ جَاءَ الثَّوْرِيُّ. فَخَرَجْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ قَدْ بَقَلَ وَجْهُهُ». وَهُوَ أَوَّلُ ظُهُورِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ.

 

وَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى حَافِظَةً قَوِيَّةً حَتَّى قَالَ: «مَا اسْتَوْدَعْتُ قَلْبِي شَيْئًا قَطُّ فَخَانَنِي». وَيَحْفَظُ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ كَمَا قَالَ صَاحِبُهُ الْأَشْجَعِيُّ: «دَخَلْتُ مَعَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فَجَعَلَ سُفْيَانُ يَسْأَلُ وَهِشَامٌ يُحَدِّثُهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أُعِيدُهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ سُفْيَانُ وَأُذِنَ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَتَخَلَّفْتُ مَعَهُمْ، فَجَعَلُوا إِذَا سَأَلُوهُ أَرَادُوا الْإِمْلَاءَ، فَيَقُولُ: احْفَظُوا كَمَا حَفِظَ صَاحِبُكُمْ، فَيَقُولُونَ: لَا نَقْدِرُ نَحْفَظُ كَمَا حَفِظَ صَاحِبُنَا».

 

وَكَبِرَ الْغُلَامُ، وَصَارَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَتَصَدَّرَ لِلتَّحْدِيثِ وَالتَّعْلِيمِ، وَعُقِدَتْ لَهُ الْمُجَالِسُ، وَضُرِبَتْ لَهُ أَكْبَادُ الْإِبِلِ، وَرَحَلَ إِلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَثُنِيَتْ حَوْلَهُ الرُّكَبَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ فَلَا يُخْطِئُ، وَيُخْطِئُ غَيْرُهُ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ، حَتَّى أَذْعَنُوا لَهُ بِأَنَّهُ حَافِظُ عَصْرِهِمْ، قَالَ مِهْرَانُ الرَّازِيُّ: «كَتَبْتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَصْنَافَهُ، فَضَاعَ مِنِّي كِتَابُ الدِّيَاتِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِذَا وَجَدْتَنِي خَالِيًا، فَاذْكُرْ لِي حَتَّى أُمِلَّهُ عَلَيْكَ. فَحَجَّ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ، طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَذَكَّرْتُهُ، فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَيَّ الْكِتَابَ بَابًا فِي إِثْرِ بَابٍ، حَتَّى أَمْلَاهُ جَمِيعَهُ مِنْ حِفْظِهِ». وَهَذَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ»، وَهَذَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ: «مَا خَالَفَ أَحَدٌ سُفْيَانَ فِي شَيْءٍ إِلَّا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ سُفْيَانَ». وَالَّذِينَ خَالَفُوهُ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ كِبَارٌ، فَكَانَ أَحْفَظَهُمْ وَأَضْبَطَهُمْ لِمَرْوِيَّاتِهِ. وَهَذَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَعْلَمَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ».

 

وَعَلَى جَادَّةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ سَارَ الْإِمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَكَانَ يُتْبِعُ الْعِلْمَ الْعَمَلَ، وَيَعْمَلُ بِالسُّنَّةِ، وَيَقُولُ: «مَا بَلَغَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ قَطُّ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ وَلَوْ مَرَّةً». وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ، وَخَاصَّةً الْعُلَمَاءَ وَطُلَّابَ الْعِلْمِ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا عَلِمُوا.

 

وَمَا كَانَ سُفْيَانُ مُتَزَيِّنًا بِالْعِلْمِ لِيَنَالَ بِهِ الدُّنْيَا، بَلْ زَهِدَ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ، وَلَمْ يُدَاهِنْهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَاحْتَسَبَ عَلَيْهِمْ، قَالَ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ: «كُنْتُ أَحُجُّ مَعَ سُفْيَانَ، فَمَا يَكَادُ لِسَانُهُ يَفْتُرُ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، ذَاهِبًا وَرَاجِعًا». وَكَانَ قَلْبُهُ يَتَأَلَّمُ لِرُؤْيَةِ الْمُنْكَرَاتِ حَتَّى قَالَ: «إِنِّي لَأَرَى الشَّيْءَ يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَتَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا أَفْعَلُ، فَأَبُولُ دَمًا».

 

وَهُوَ مَعَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمَةِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ كَانَ صَاحِبَ خَشْيَةٍ وَخَوْفٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَلْ يُرَادُ الْعِلْمُ إِلَّا لِلْخَشْيَةِ ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فَاطِرٍ: 28]، قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ: «مَا جَلَسْتُ مَعَ سُفْيَانَ مَجْلِسًا إِلَّا ذَكَرْتُ الْمَوْتَ، مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَكْثَرَ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ مِنْهُ». وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: «كَانَ سُفْيَانُ إِذَا أَخَذَ فِي ذِكْرِ الْآخِرَةِ يَبُولُ الدَّمَ». وَمِنْ أَقْوَالِ سُفْيَانَ: «مَنْ يَزْدَدْ عِلْمًا يَزْدَدْ وَجَعًا، وَلَوْ لَمْ أَعْلَمْ كَانَ أَيْسَرَ لِحُزْنِي». وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ مَهْدِيٍّ: «كُنْتُ لَا أَسْتَطِيعُ سَمَاعَ قِرَاءَةِ سُفْيَانَ مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ». وَقَالَ: «كُنَّا نَكُونُ عِنْدَهُ، فَكَأَنَّمَا وُقِفَ لِلْحِسَابِ». وَقَالَ أَيْضًا: «كُنْتُ أَرْمُقُ سُفْيَانَ فِي اللَّيْلَةِ بَعْدَ اللَّيْلَةِ، يَنْهَضُ مَرْعُوبًا يُنَادِي: النَّارَ النَّارَ، شَغَلَنِي ذِكْرُ النَّارِ عَنِ النَّوْمِ وَالشَّهَوَاتِ»، وَقَالَ عَطَاءٌ الْخَفَّافُ: «مَا لَقِيتُ سُفْيَانَ إِلَّا بَاكِيًا، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: أَتَخَوَّفُ أَنْ أَكُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيًّا».

 

وَلَمَّا تَعَلَّقَ قَلْبُ سُفْيَانَ بِالْآخِرَةِ رَخُصَتْ فِي عَيْنِهِ الدُّنْيَا، فَكَانَ يَقُولُ: «مَنْ سُرَّ بِالدُّنْيَا نُزِعَ خَوْفُ الْآخِرَةِ مِنْ قَلْبِهِ». وَقَالَ أَيْضًا: «الْمَالُ دَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْعَالِمُ طَبِيبُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا جَرَّ الْعَالِمُ الدَّاءَ إِلَى نَفْسِهِ، فَمَتَى يُبْرِئُ النَّاسَ؟!»، وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْمُبَارَكِ: «قَالَ لِي سُفْيَانُ: إِيَّاكَ وَالشُّهْرَةَ، فَمَا أَتَيْتُ أَحَدًا إِلَّا وَقَدْ نَهَى عَنِ الشُّهْرَةِ»؛ وَلِذَا كَانَ أَصْحَابُهُ يَتَعَلَّمُونَ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا بِمُجَالَسَتِهِ، قَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ: «كُنَّا نَتَعَزَّى عَنِ الدُّنْيَا بِمَجْلِسِ سُفْيَانَ».

 

عَاشَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَرْبَعًا وَسِتِّينَ سَنَةً فِي الْقَرْنِ الثَّانِي الْهِجْرِيِّ، قَضَاهَا فِي الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْعَمَلِ وَالِاحْتِسَابِ عَلَى النَّاسِ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَائِرَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَرَحِمَنَا مَعَهُمْ وَسَائِرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي دَارِ النَّعِيمِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كُلُّ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَالَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَهُ أَفَاضُوا فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَقَدَّمُوهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَمْ يَعْدِلُوا بِهِ أَحَدًا، وَهُمْ هُمْ عِلْمًا وَصِدْقًا وَوَرَعًا وَتَحَرِّيًا لِلْحَقِّ. قَالَ الْإِمَامُ الْأَوْزَاعِيُّ: «لَوْ قِيلَ: اخْتَرْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلًا يَقُومُ فِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، لَاخْتَرْتُ لَهُمْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ». وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ: «رَأَيْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ لَا يُقَدِّمُ عَلَى سُفْيَانَ أَحَدًا فِي زَمَانِهِ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالزُّهْدِ وَكُلِّ شَيْءٍ». وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: «لَنْ تَرَى بِعَيْنَيْكَ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَتَّى تَمُوتَ». وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِتِلْمِيذِهِ الْمَرُّوذِيِّ: «أَتَدْرِي مَنِ الْإِمَامُ؟ الْإِمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، لَا يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ فِي قَلْبِي». يَقُولُ أَحْمَدُ هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ إِمَامُ الْأُمَّةِ فِي زَمَنِهِ، وَلَمْ يَلْقَ سُفْيَانَ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ وُلِدَ بَعْدَ وَفَاةِ سُفْيَانَ بِثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، وَلَكِنْ لِمَا عَلِمَ مِنْ سِيرَتِهِ، وَسَمِعَ عَنْهُ مِنْ شُيُوخِهِ؛ إِذْ إِنَّ شُيُوخَ أَحْمَدَ هُمْ تَلَامِذَةُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: «قَدْ كَانَ سُفْيَانُ رَأْسًا فِي الزُّهْدِ وَالتَّأَلُّهِ وَالْخَوْفِ، رَأْسًا فِي الْحِفْظِ، رَأْسًا فِي مَعْرِفَةِ الْآثَارِ، رَأْسًا فِي الْفِقْهِ، لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ».

 

وَسِيرَةُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَافِلَةٌ بِالْأَحْدَاثِ، مَمْلُوءَةٌ بِالْعِبَرِ وَالْمَوَاعِظِ، وَهِيَ نِبْرَاسٌ لِكُلِّ شَابٍّ وَمُبْتَدِئٍ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ؛ فَإِنَّ حِرْصَ سُفْيَانَ عَلَى الْعِلْمِ مَعَ عَمَلِهِ بِمَا عَلِمَ صَيَّرَهُ -بَعْدَ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْدِيدِهِ- لِيَكُونَ عَلَمًا مِنَ الْأَعْلَامِ، وَإِمَامًا مِنَ الْأَئِمَّةِ، تُتْلَى سِيرَتُهُ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَفِي الدُّرُوسِ وَالْمَوَاعِظِ، بَعْدَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ قَرْنًا عَلَى وَفَاتِهِ. وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ هُمُ الَّذِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا قُدْوَةً لِلشَّبَابِ؛ لِيَعْلَمُوا أَنَّ طَرِيقَ الْعِلْمِ شَائِكَةٌ وَعِرَةٌ، وَلَكِنَّهَا عَظِيمَةُ الْأَثَرِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالثَّمَرَةِ «وَإِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ». وَقَالَ: «مَا تُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِشَيْءٍ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ».

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرحلة في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله
  • الجد والاجتهاد في طلب العلم
  • الاجتهاد في الإسلام من خلال قواعده الأصولية العلمية ومقاصد الشريعة الإسلامية
  • العلم الذي يلزم فيه الاجتهاد بالنسبة للمجتهد
  • الحث على الاجتهاد في طلب العلم والعمل به

مختارات من الشبكة

  • الأربعون المنتقاة من صحيح الإمام البخاري رحمه الله (وهم أربعون حديثا بإسناد واحد) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الرسالة في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى - تأليف الإمام أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي (المتوفى سنة 376 هـ) رحمه الله تعالى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أخبار الشباب (14) الإمام ابن مهدي رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من أخبار الشباب (12) الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من أخبار الشباب (11): الإمام الليث بن سعد رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من أخبار الشباب (6) الإمام الشافعي رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • شرح الأصول الثلاثة: للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة: موعظة الإمام مالك بن أنس للخليفة هارون الرشيد رحمهما الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان اتصاف النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة إخبار الأحياء بأخبار الإحياء(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان
  • آلاف المسلمين يشاركون في إعادة افتتاح أقدم مسجد بمدينة جراداتشاتس
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/4/1447هـ - الساعة: 11:13
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب