• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج أهل السنة والجماعة في تقرير مسائل الاعتقاد ...
    إيلاف بنت فهد البشر
  •  
    أثر البركة والبركات محقها بالسيئات وللحصول عليها ...
    الشيخ الحسين أشقرا
  •  
    التسبيح مكفر للخطايا
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    دعاء الأنبياء عليهم السلام على الكفار
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    وعد الآخرة
    محمد حباش
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    كفى بالموت واعظا (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    متى ينال البر؟
    سعيد بن محمد آل ثابت
  •  
    فقه العمل الصالح (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    الحذر من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    علة حديث: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة))
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    شرح حديث دعوات المكروب
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    وجعلت قرة عيني في الصلاة (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    فضل التيسير على الناس وذم الجشع (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    نعمة الأمن ووحدة الصف (خطبة)
    الشيخ أحمد إبراهيم الجوني
  •  
    {ليس عليكم جناح}: رفع الحرج وتيسير الشريعة
    بدر شاشا
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

فقه العمل الصالح (خطبة)

فقه العمل الصالح (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/10/2025 ميلادي - 28/4/1447 هجري

الزيارات: 461

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فقه العمل الصالح

 

الحمد لله الذي وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمغفرة والأجر العظيم، أحمَده سبحانه يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له ما في السماوات وما في الأرض وهو العليُّ العظيم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ المُبلِّغ الكريم والمعلِّم العظيم، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين؛ أما بعد:

أهمية الحديث عن العمل الصالح:

أيها المسلمون: إن منزلة العمل الصالح في الإسلام منزلة عظيمة، ومرتبته مرتبة عالية، وحاجة الإنسان إليه أشدُّ من حاجته إلى الهواء والماء والطعام، فهذا قِوام جسده في الدنيا، وذاك سعادة قلبه في الدنيا، ونجاته في الآخرة، وهو ركن ركين من أركان الدين العظيم، وثمرة من ثمرات الإيمان، وما ذُكر الإيمان في كتاب الله إلا كان مقرونًا بالعمل الصالح؛ لأن الإيمان المتجرد من الأعمال الصالحة، الخالي من أركان الإسلام وواجبات الدين، لا يغني عن صاحبه شيئًا؛ بل هو يدل على اتباع الهوى وعلى زيغ في القلب، وانحراف عن الصراط المستقيم.

 

والعمل الصالح ميدانه الحياةُ كلها، برها وبحرها، سماؤها وأرضها، متى توافرت شروطه وأركانه، ولا يقتصر على عبادات معينة وحالات مخصوصة، بل هو عام واسع، ومفهوم شامل، من العبادات المفروضة، التي هي بين العبد وربه؛ كالصلاة والزكاة، والصيام والحج، وبين العبد والناس؛ من الأخلاق الفاضلة والإحسان إليهم، فمن واسى فقيرًا، وكفل يتيمًا، وعاد مريضًا، وأنقذ غريقًا، وساعد بائسًا، وأنظر مُعسِرًا، وأرشد ضالًّا؛ فقد عمل صالحًا، ومن بر والديه، وعفَّ نفسه، وغضَّ بصره، وأدى الأمانات، وترك المحرمات، وستَرَ المسلمين، فهو عمل صالح، ومن بنى مسجد أو أنشأ مدرسة، أو أقام مستشفى أو شيد مصنعًا ليسد حاجة الأمة، فقد عمل صالحًا.

 

والعمل الصالح العملُ المَرضيُّ عند الله تعالى، هو الجامع لشيئين؛ الأول: أن يكون وفق الشرع الإسلامي، والثاني: أن يكون المقصود به وجهَ الله ومرضاته وطاعته، فإذا فقد العمل هذين الشيئين - أو أحدهما - لم يكن مرضيًّا عند الله، فلا أجرَ فيه ولا ثواب.

 

القرآن والسنة تحدثنا عن طرق العمل الصالح:

أيها المسلمون: لقد تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية المطهَّرة عن العمل الصالح؛ فمن ذلك أن العمل الصالح هو الذي يزكي صاحبه، ويرفع له ذكره في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الكلم الطيب هو ذكر الله، والعمل الصالح هو أداء فرائض الله"، وبيَّن القرآن أن العمل الصالح يُدخل المؤمنين في عداد الصالحين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴾ [العنكبوت: 9]، ووعد الله قائمٌ لأهل الإيمان والعمل الصالح؛ قال الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]، وصاحب العمل الصالح يحصل على الحياة الطيبة والجزاء الحسن في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، والعمل الصالح سبب من أسباب تكفير السيئات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [العنكبوت: 7]، وأهل العمل الصالح لهم حسن العاقبة؛ قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [الرعد: 29]، ولهم البشرى بدخول الجنة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [البقرة: 25]، وحصول الدرجات العالية؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [طه: 75، 76]، وفي السنة النبوية عن عمرو بن مُرة الجهني رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت زكاة مالي، وصمت رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا، كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة، هكذا ونصب إصبعيه، ما لم يعُقَّ والديه))؛ [صحيح الترغيب].

 

مسلك الربح في العمل الصالح:

أيها المسلمون: العمل الصالح يجعل حياة المسلم مليئة بالسَّكينة والراحة، وفرح القلب، وذهاب همِّه وغمه وحزنه، وهذه السعادة التي لا تُشترى بمال، ولا تُنال بجاهٍ، وهي من الجزاء العاجل على العمل الصالح؛ قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 277]، وهذه الحياة الطيبة قد تكون في الرزق المبارك، أو في راحة القلب، أو في التوفيق للأعمال؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ [محمد: 2]، وإصلاح البال يجمع صلاح الأمور كلها؛ لأن تصرفات الإنسان تأتي على حسب رأيه، فالمعنى: أقام أنظارهم وعقولهم فلا يفكرون إلا صالحًا، ولا يتدبرون إلا ناجحًا، مع استجابة دعائهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [الشورى: 26]؛ أي: إذا دعَوه استجاب دعاءهم، وأعطاهم ما طلبوا، وزادهم على مطلوبهم، ورزقهم الثبات في الشدائد والفتن؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا))؛ [مسلم]، فالرسول صلى الله عليه وسلم حثَّ على المبادرة إلى الأعمال الصالحة عند حلول الفتن من صلاة وصيام، وصدقة وبرٍّ، وأداء للحقوق الواجبة، وصِلة الرحم وقراءة القرآن، وغيرها من الأعمال الصالحة.

 

كما أن العمل الصالح يترك أثرًا اجتماعيًّا عظيمًا، فهو يقوِّي الروابط بين الناس، وود الخلق ومحبتهم، والقلوب لا يملكها إلا الله تعالى، فيقذف في قلوب الناس محبة من يعمل صالحًا، وهذا أمر مجرَّب معروف؛ فإن أكثر الناس يحبون من يعمل صالحًا ولو لم يعملوا عمله، بل حتى الفسَّاق المسرفون على أنفسهم يحبون أهل الأعمال الصالحة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ودًّا: محبة في الناس في الدنيا"، وقال مجاهد رحمه الله تعالى: "يحبهم ويحبِّبهم إلى خلقه"، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "ما من الناس عبدٌ يعمل خيرًا ولا يعمل شرًّا، إلا كساه الله رداء عمله".

 

والإنسان العاقل يسلك مسلك الربح في العمل الصالح، ويستثمر وقته في أعمال تبقى بعد موته؛ كالمساهمة في بناء مسجد، أو مستشفى، أو إصلاح طريق، أو بئر ماء ليسقي الناس منها، أو نشر علمٍ، أو تربية جيل صالح، فهذه الأعمال لا ينقطع ثوابها، حتى وإن مات الإنسان، بل تجري على العبد وهو في قبره؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله، إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ [رواه مسلم]، وأهل العمل الصالح يوفَّون أجورهم كاملة يوم القيامة، وينعمون بأمنٍ لا يكدره خوفٌ، وبفرح لا يخالطه حزن؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 277]، وقال الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 57]، ووفاء الله تعالى أعظم الوفاء، وأجره أجزلُ الأجر، كيف؟ قد وعد المؤمنين بذلك: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 9]، وعملك الصالح معروف ومُحصًى غير مَنسِيٍّ، ولا يضيع منه شيء؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30]، بل إن الله تعالى يضاعف لهم أجورهم، ويزيدهم على أعمالهم؛ قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 173]، وفضل الله كبير وحسن لا ينقطع؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، وقال الله تعالى: ﴿ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 2، 3]، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ [فصلت: 8]؛ أي: غير مقطوع، ويوفيهم الله أجرهم كاملًا غير منقوص ولا مبخوس، جزاء أعمالهم الصالحة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: 124]، وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه: 112]، وقال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ [الأنبياء: 94].

 

مسلك الخسارة للعمل الصالح:

أيها المسلمون: العمل الصالح في هذه الدنيا هو عزتك في الآخرة، هو رِفعة لرأسك بين الناس يوم القيامة، يوم تذل نفوس، وتُداس بالأقدام شخوص، يوم تنكس رؤوس، لطالما اغترت في هذه الحياة الدنيا، وألقت بعمل الصالحات وراء ظهرها، وسلكت مسلك المتكبر المغرور، وتطاولت على عباد الله، وأجرمت في حق الخلق والخالق، واستهزأت بأهل الصلاح والصالحات، فإنها ستقف بين يدي الله ذليلة ومهينةً، ومخذولة ومنكوسة؛ لأن هذا هو شأن أولئك الذين استنكفوا عن عمل الصالحات في هذه الدنيا، وغرقوا في الظلم والإجرام والإسفاف، وإهانة عباد الله ودُعاته وعلمائه، بل والتكبر عليهم وإلحاق الأذى بهم؛ من قتل وتجويع، وحصار وتشريد، والمكر السيئ بهم، كما وصفهم العليم الخبير؛ قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأنعام: 123]، أولئك الذين كانوا مجرمين في حياتهم الدنيا؛ لأن أعمالهم كانت إجرامية، وظلامية، وعدوانية، أولئك الذين ما رآهم الناس في الدنيا إلا متغطرسين، وعن الذِّكر مُعرضين، وللمجرمين سامعين مطيعين، ها هم بين يدي الله عز وجل في حالة يُرثى لها، وصفهم ربنا سبحانه وصفًا هو الدواء لهم، وهو الشفاء لما في صدور المؤمنين، وهو العلاج لكل مستكبر عن عمل الصالحات؛ فقال ربنا سبحانه: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 12]، ولما استنكفوا في هذه الحياة الدنيا، عن الإيمان بالله والعمل الصالح؛ قال لهم الله: ﴿ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 172، 173].

 

أيها الأحِبَّة: إن العمل الصالح حينما يختفي من حياة الإنسان، ويُنسى ويُترك، وهو يفرح ويمرح في هذه الحياة الدنيا، وحينما يغفُل عنه الإنسان وهو أشِرٌ بطِرٌ غارق في عالم الشهوات، فإنه سيضعه في طريقٍ نهايتُه الألم والصراخ، والبكاء والعويل، صراخ وعويل يصاحبه طلب ورجاء من الله رب العالمين، يقول فيه أولئك الغافلون والساهون: يا ربنا، أعدِنا مرة أخرى إلى تلك الدنيا، سنتغير وسنُغير الطريق، سنسلك طريق الصالحين والصالحات، ولكن صراخهم هذا وطلبهم ذاك لا يُؤبَه له، ولا يُلتفت إليه، استمع ماذا يقول الله سبحانه في وصف حال هؤلاء الذين غرقوا في عالم الشهوات، وغفلوا عن بحر الصالحات، وما استيقظوا إلا وهم في جوف النار؛ يقول الله تعالى عنهم: ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 37]، لقد كان يُدعى الإنسان إلى العمل الصالح ليسلك مسلكه، لكنه يأبى ويسلك مسلك الخسران في هذه الحياة الدنيا؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104]، وما يملكه الإنسان في هذه الدنيا من الكنوز والأموال، ولو كانت له كنوز الدنيا، ولو كان له من الأولاد عدد النجوم والحصى، فإنها لا تنفعه يوم القيامة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37]، فليست النجاة بين يدي الله عز وجل بالمال أو الجاه، أو العلم، أو الابتكار، أو العمل الدنيوي المحض، وإنما النجاة بين يدي الله بأصول أربعة، هي جسر النجاة في الموازين الإلهية؛ أَلَا وهي الإيمان الثابت، والعمل الصالح، والتواصي بالتزام الحق، والتواصي بالصبر على الطاعة وعلى مصائب الدنيا، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلِم من الخَسار وفاز بالربح العظيم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].

 

كيف نسلك طريق الربح في العمل الصالح؟

أيها المسلمون: العمل الصالح لا يقتصر على عبادات معينة وحالات مخصوصة، بل هو عام واسع ومفهوم شامل، فمن بنى مسجدًا أو أنشأ مدرسةً، أو كفل حلقة للقرآن، أو أقام مستشفى أو شيد مصنعًا ليسد حاجة الأمة، فإنه يكون بذلك قد عمل صالحًا وله به أجر، ومن واسى فقيرًا، وكفل يتيمًا، وعاد مريضًا، وأنقذ غريقًا، وساعد بائسًا، وأنظر معسرًا، وأرشد ضالًّا، فقد عمل صالحًا؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((كل معروف صدقة))؛ [رواه البخاري].

 

كل عمل صالح ينتفع به الآخرون أنت مأجور عليه وهو من الصالحات، حتى الإحسان إلى البهائم عمل صالح، رجل سقى كلبًا فشكر الله له سعيه، فغفر له؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن رجلًا رأى كلبًا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خُفَّه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له، فأدخله الجنة))؛ [البخاري]، وغرسُ الأشجار وإماطة الأذى عن طريق الناس عمل صالح، الخدمة العامة للمجتمع وصيانة مرافق المسلمين العامة عمل صالح؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مرَّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأُنحِيَنَّ هذا عن المسلمين، لا يؤذيهم، فأدخل الجنة))؛ [البخاري ومسلم]، وعلى المسلم ألَّا يحقر المعروف وعمل الخير الصالح، مهما كان صغيرًا، فالله يجازي على وزن الذرة من الخير؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

 

وإذا قعدت بالعبد قلة ذات اليد، وكان يملك نفسًا تواقةً للعمل الصالح، فتح الله له من ميادين الخير حسب طاقته؛ فعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((على كل مسلم صدقة، فإن لم يجد فليعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدق، فإن لم يستطع فيعين ذا الحاجة الملهوف، فإن لم يفعل فيأمر بالخير، فإن لم يفعل فيُمسك عن الشر، فإنه له صدقة))؛ [البخاري ومسلم].

 

كل من يؤدي رسالةً لأمته فهو في عمل صالح، الكاتب بقلمه الصالح، فيكشف الزيف والباطل، وينصر المظلوم، والطبيب بأدويته النافعة، والباحث في معمله، والفلاح في مزرعته، والمعلم بين يدي طلابه، والمسؤول يؤدي ما اؤتمن عليه، وصاحب المال بصدقته، كل هؤلاء ينصرون الدين ولهم فضل عظيم، وهو عمل صالح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المداومة على العمل الصالح بعد رمضان (خطبة)
  • المداومة على العمل الصالح لماذا وكيف؟
  • من فضائل عشر ذي الحجة وفضل العمل الصالح فيها
  • الوصية بـ (المداومة على العمل الصالح)
  • المواظبة على العمل الصالح (خطبة)
  • الذكر بالعمل الصالح (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: كيف يوفق الشباب إلى البركة وحسن العمل؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية المسؤولية في العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفقهاء والأخذ بالسنة (رسالة موجزة في بيان مكانة السنة عند الفقهاء وأعذارهم في ترك العمل ببعضها)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الأعمال الصالحة وثمراتها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن أعمال ترفع الدرجات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: {أفمن زين له سوء عمله...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القيم النبوية في إدارة المال والأعمال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة في فقه الجزية وأحكام أهل الذمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المواظبة على العمل الصالح (درس)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان
  • آلاف المسلمين يشاركون في إعادة افتتاح أقدم مسجد بمدينة جراداتشاتس
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/4/1447هـ - الساعة: 16:3
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب