من الاستفادات من رمضان

من الاستفادات من رمضان

رمضان لم ينتهِ، لكنه باقٍ بالاستفادات منه؛ ومن أهم هذه الاستفادات:

1- أنت تستطيع: من أهم الاستفادات من رمضان:

الاستفادات من رمضان كثيرة، ينبغي أن نقف عندها، ومن هذه الاستفادات: بيان قوة نفوسنا، وظهور قُوانا الحقيقية، وبيان أن المسلم مُستطيع، لا ضعيف عاجز.

فالمسلم في رمضان جمع أعمالًا كثيرة؛ ففي الجانب الإيماني: يصوم ويصلي ويقرأ القرآن، وفي الجانب السلوكي: يضبط نفسه، ويهذِّب خلقه، وفي الجانب العملي: يمارس عمله ويُتقنه، ويُساير وظيفته بجدٍّ واجتهاد.

هذا يدل على قوة المسلم، وقدرته على إنجاز الأعمال الكبيرة، وأنه يستطيع أن يتغلب على الهزيمة النفسية وضعفه الموهوم.

هذه من أكبر الاستفادات من رمضان، ما عليك إلا أن تستكمل المسير، وتحدد أهدافك، وتضع خطتك، فتوفيق الله حليفك، وإعانته حتمًا محققة.

2- أهمية الوقت: من أهم الاستفادات من رمضان:

جاء رمضان شهرًا واحدًا في السنة؛ ليُعلمنا أهمية الأوقات، وضرورة استباقها بالطاعات، وتعميرها بالقربات.

يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: "ابنَ آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ، ذهب بعضك، ويوشِك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وأنت تعلم فاعمل"[1].

يقول ابن الجوزي في رسالته القيمة (رسالة إلى ولدي): "واعلم أن الأيام تبسُط ساعاتٍ، والساعات تبسط أنفاسًا، وكل نفس خزانة، فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء، فترى يوم القيامة خزانة فارغة فتندم؛ فإن في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غُرست له نخلة في الجنة))[2]، فانظر إلى مضيع الساعات كم يفوته من النخيل!"[3].

يقول أبو بكر ابن عياش: "لو سقط من أحدهم درهم، لظل يومه يقول: إنا لله ذهب درهمي، وهو يذهب عمره ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات"[4].

ومن النماذج الطيبة في حسن استثمار الأعمار: الإمام أبو زكريا بن شرف الدين النووي: يموت في الخامسة والأربعين (631 - 676هـ)، ويترك من المؤلفات ما قسموه بعد موته على أيام حياته، فكان نصيب كل يوم أربع كراريس[5].

فلنطبق هذه الاستفادة، ونُحسن بناء أعمارنا، وقضاء أوقاتنا، فالوقت أنفَسُ ما يملكه الإنسان.

3- الوحدة بين المسلمين: من أهم الاستفادات من رمضان:

تعلمنا في رمضان: الاتحاد والوحدة في إقامة الشعائر وتنفيذ التكاليف، هذا يجعل المسلم دائمًا، في رمضان وفي غير رمضان، يستشعر هذا الرباط الوثيق، الذي يربط بينه وبين إخوانه في العقيدة، فيعيش همومهم، وتؤرقه مشكلاتهم، ويسعى للتفريج عنهم بما يستطيع.

وهذا تنفيذ لوصايا ديننا الحنيف؛ قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 103].

وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71].

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: ((مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتواصلهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوٌ منه، تداعى له سائر الجسد، بالحُمَّى والسهر)).

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه: ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشُدُّ بعضه بعضًا، وشبَّك بين أصابعه)).

فينبغي ألَّا ننسى إخواننا المسلمين، وخصوصًا في فلسطين، ندعو لهم، وننصرهم، ونؤازرهم، ولا نكون عونًا لأعدائهم عليهم.

4- من الاستفادات من رمضان: الرجوع إلى القرآن:

نختم هذه الاستفادات من هذا الشهر المبارك، بهذه الاستفادة العظيمة: إعادة القرآن إلى مكانه اللائق به في حياتنا، وإصلاح حالنا مع القرآن، والعودة إليه من جديد.

يقول الله عز وجل: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30]، قال المفسرون: "وليس المقصود من حكاية هذا القول: الإخبار بما قاله المشركون، بل المقصود منها: تعظيم شكايته، وتخويف قومه؛ لأن الأنبياء إذا التجؤوا إلى الله، وشكَوا قومهم، حلَّ بهم العذاب ولم يُهمَلوا"[6].

هل ترضى أن تكون في هذا الحال، أم تكون في حال آخر؟

في الحديث الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار)).

وفي صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى: ((لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة)).

وفي سنن النسائي: أنه ذكر مرة في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم الصحابيَّ الجليل شريح الحضرمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذاك رجل لا يتوسد القرآن))؛ والمعنى: أنه لا ينام بالليل ويترك حزبه من القرآن.

رمضان ذكَّرنا بما ينبغي أن نكون مع القرآن، ندعو الله أن يثبتنا على قراءته، وأن يجعله لنا نورًا وهدًى.