• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    {وجادلهم بالتي هي أحسن}
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    القمار والميسر... متعة زائفة، وعاقبة مؤلمة
    بدر شاشا
  •  
    ومضات نبوية: "يا حنظلة ساعة وساعة"
    علي بن حسين بن أحمد فقيهي
  •  
    من تجالس؟ (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من درر العلامة ابن القيم عن الزهد
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الله البصير (خطبة) - باللغة النيبالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    ذكر الموت زاد الحياة (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    تفسير: (قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب)
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الحديث الرابع عشر: المحافظة على أمور الدين وسد ...
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    منزلة أولياء الله (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    صفة العلم الإلهي
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    ماذا قدموا لخدمة الدين؟ وماذا قدمنا نحن؟ (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    فقه مرويات ضرب الزوجة في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الشرط السابع من شروط الصلاة: ستر العورة
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: عظمة أخلاقه
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

خطبة: فضائل الصدقة والحث عليها في الشتاء

خطبة: فضائل الصدقة والحث عليها في الشتاء
الزبير بن مبارك الحدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/1/2019 ميلادي - 20/5/1440 هجري

الزيارات: 49737

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: فضائل الصدقة والحث عليها في الشتاء


عبادَ الله: هل سمعتم بخبر السَّحابة، التي أُمِرَتْ فأَتَتْ فسَقَتْ أرضًا معينة لِرجلٍ مُعيَّن، ثم ولَّت دون أن تسقيَ غيرَه؟ جاء في صحيح مسلمٍ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ [يعني: في أرضٍ ذات حجارةٍ سُودٍ كثيرة] فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ [منزلق لسيل الماء] قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ [يريد أن يعرف نهايته إلى أين]، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ [يُرتِّب دخول الماء إلى أرضه بآلته!]، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟! قَالَ: فُلَانٌ - لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ - فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟! قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا؛ فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ)).


نعم – عبادَ الله – إنها عجائبُ الصدقة وما أدراكم ما الصدقة؟! منبعُ البركة، جالبةُ النعمة، دافعةُ النقمة، إنها التجارة التي لا تحتمل الخسارة، أرباحُها لا تعرف إلا الزيادة! لأنها مع الله الكريم العظيم سبحانه، أقلُّ نِسبة تخرجُ بها مِن هذه التجارة؛ هي سبعُون ألفًا في المائة من الأرباح الخالصة.. نعم! أَلَم تسمع قول الله سبحانه: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ؟ [البقرة: 261 - 262].


إنها الصدقة - أيها الأحبة -، كم لها مِن أسرارٍ عظيمة وآثارٍ كريمة؟!

أولُّها: أنها مُنَمِّيةُ الأرزاق ومُكثِّرةُ الخيرات ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276].


هذه الصدقة: هي التي تُكفِّر لغو البيع والتجارة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّهُ يَشْهَدُ بَيْعَكُمُ الْحَلِفُ وَاللَّغْوُ؛ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ)) أي امزجوه بالصدقة. رواه النَّسائي وصححه الألباني.


هذه الصدقة: هي التي تُطفئ نارَ الخطيئة، وما أكثرَ خطايانا أيها الإخوة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ)) رواه الترمذي وغيرُه، وصححه الألباني.


لا يزال العبدُ في حِلمِ الله سبحانه مادام يتصدَّق في سِرّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صدقة السِّر تُطفئ غَضبَ الرب، وصِلةُ الرَّحِم تزيد في العُمر، وفِعلُ المَعروف يَقي مَصارعَ السوء)) رواه الطبراني وحسّنه الألباني.


هذه الصدقة: هي الشافعة الراحمة لأهل التقصير الكثير.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ! تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ... تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ! )) رواه البخاري.


هذه الصدقة: مِن مُكفِّرات الافتتان بالأهل والمال والنفس والعيال، والمراد بالفتنة هنا الميلُ عن الاعتدال في التعامل مع هذه النِعمة؛ بالإفراطِ الزائد فيها أو التفريطِ عنها، وكلاهما لا يرضي اللهَ جلّ وعلا، فتأتي هذه الصدقة مُكفِّرة لهذه الفتنة، يقول حذيفةُ رضي الله عنه: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ؛ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ، وَالصَّلَاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ)) رواه مسلم.


هذه الصدقة: - أيها الكريم - بابٌ لحياتك بعد موتك؛ كيف ذلك؟ بأن تكون أعمالُك الصالحة مستمرةٌ جارية، وأنتَ تحتَ الأرض مقطوعٌ عن العمل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) رواه مسلم. ولذا هي أوَّلُ ما يتمناه العبد بعدَ مماته لو رجع إلى حياته ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10].


صدقتُك: -أيها الفَطِن- ظِلُّكَ الآمن يومَ تدنو الشمسُ من العباد! فاختر ظِلّك من الآن.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ - أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ -)) "وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ [أحدُ رواةِ الحديث] لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ؛ وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً أَوْ كَذَا!" رواه أحمد وصحّحه الألباني. ومَن أخفى صدقته كان من السبعة الذين ((يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ)) متفق عليه.


صدقتُك هذه: - يا عبدَ الله - تَقِيك النار، ولو كانت أقلَّ مِن دينار! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ! )) أي: بنِصف تمرة! رواه البخاري ومسلم.


ومِن عجيب الأخبار في هذا الباب، ما روته أمُّنا عائشةُ -رضي الله عنها- قالت: "جاءتْني مسكينةٌ تحمِلُ ابْنتَينِ لها، فأطعَمْتُها ثلاثَ تمراتٍ. فأَعطَتْ كلَّ واحدةٍ منهما تمرة، ورَفَعَتْ [الأمُّ] إلى فِيها تمرةً لِتأكُلها، فاسْتَطعَمَتْها ابنتاها، فشَقَّتْ التمرةَ التي كانت تريدُ أن تأكُلَها بينهما، فأعجبني شأنُها! فذكرتُ الذي صَنَعَتْ لِرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إنَّ اللهَ قد أوْجَبَ لها بها الجنةَ، أو أَعتَقَها بِها مِن النار!))" رواه مسلم.


إنّ الجَنةَ تُناديك أيها المُتصدِّق! تَشهَدُ لَك بالخير، تفتحُ بابها لك.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ... فمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ)) رواه البخاري ومسلم - نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم -.


أيها الكرام: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: ((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))؟ أي برهانٌ على صحةِ إيمانك ومحبتِك لربك، لأنه كيف يُخرِج العبدُ مِن ماله ما يُنقِصه؛ وهو يعتقد أنّ إخراجَهُ يزيدُه؟! إلا لِكونه مُؤمنًا بربِّه، مُوقِنًا بِغَيبه، مُصدِّقًا لِوحيه.. فهو القائل جلَّ جلالُه: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يَخْلُفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39] وهو القائل تعالى: ((أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)) رواه البخاري.


نعم! ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ)) رواه مسلم. لا يمكن أن ينقص المال بسبب الصدقة! بل يزيد.. ويكفيك، أن ملائكةَ الرَّحمن؛ تؤيِّدك بالدعاء منذ الصباح! قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)) رواه البخاري ومسلم.


وإذا خَرَجَتْ منكَ هذه النَّفقَة؛ فقد وَجَبَتْ لكَ الـمُعاوَضَة، ولكن على أضعافٍ مضاعفة، لأنك تتعامل مع الكريم سبحانه! ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245] وتأمّل هذه العبارة: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ ﴾ كأنك أنت المُقرِض! واللهُ هو الآخِذ..


ولذا قرأنا لبعض السلف أنه كان يُعطِّرُ دراهمه قبل أن يتصدَّق! يقول: لأنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير!! يعني ثوابها. وهذا مِن كمال الفهم وجمال الأدب مع الربِّ تبارك وتعالى.. ومَن عاش بهذا الفهم كان كحال القائل: "لو عَلِمَ المُتصدِّق ما لَه عند الله؛ لكانت سعادةُ المُعطي أكثرَ من سعادة الآخذ"، لأنه في الحقيقة إنما ينفعُ نَفسَه، يقول الحقُّ سبحانه: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272].


أخي الحبيب: كل ما أخرجتَهُ لله فهو محفوظٌ عند الله.. استثمارُك في ودائع الله لا تضيع، بل تأتيك بعجائب الأرباح! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ -وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ- إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ! كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ)) رواه البخاري ومسلم. والفَلُوُّ: وَلَدُ الخيل، والفصيل: ولد الناقة.


وعلى هذه الحقيقة الغَيبِيَّة ربّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ! قَالَ: ((فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ!)) رواه مسلم. (فإنَّ مالَه ما قدَّم) أي: ما صرفه في حياته في الخير، (ومالُ وارِثِه ما أخَّر) أي: ما ادَّخره لنفسه ثم مات وصار إلى ورثته!


ولذا كانوا يُقدّمون أحبَّ ما لديهم لله ليبقى لهم، فهذا أَبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه كان أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ [عَذْب]، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ!! قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((بَخٍ، بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ)) رواه البخاري ومسلم.


أيها الموفقون: بعد هذه الفضائل العظيمة نُدرك حقيقةً بأننا جميعًا بحاجة لبذل الصدقة، كُلُّنا في هذه الجامع المبارك -الكبير والصغير، الغني والفقير - بحاجة إلى إخراج الصدقة، إذا كانت نصفُ التَّمرة تَقِي صاحبَها النار! وتأتيهِ في الثواب أمثالَ الجبال؛ فكيف بما فوقها مِن المال؟ ومن منّا لا يستطيع إخراجَ نِصفِ تمرة؟! ولكن العِبرة -أيها الأحبة- بإخلاصِ العطاء، ومقدارِ هذا المال مِن استطاعة الإنسان؛ ولذلك قد يتصدقُ الفقير بأقلّ مِن الغني بكثير؛ ولكنّه -أي الفقير- عند اللهِ أعظمُ وأكرَم، اسمع هذا الحديث العجيب! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ)) قَالُوا: وَكَيْفَ؟! قَالَ: ((كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ؛ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا [يعني نصف ماله!]، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ [واسع ماله]، فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا)) رواه النَّسائي وحسّنه الألباني.


الخطبة الثانية

أخي الكريم: ونحن نعيش في هذه الأيام الباردة!

تذكَّرْ.. وأنتَ ترفع إلى فمك اللُّقمة؛ بأنّ لك أخًا يتضوّرُ جوعًا، لم يجد هذه القِشرة التي ترميها أنتَ على السُّفرة!


تذكَّر.. حينما تأوي ليلاً إلى فِراشِكَ الدافئ وغِطائِكَ الهانئ، وأنتَ بين هذه الجدران الواقية والأسوار الساترة؛ بأنّ لك أخًا وأختًا وأبًا وأمًّا وابنًا وبِنتًا؛ باتوا وأغطيتُهم رياحُ السماء وفُرُشُهم ثلجُ الأرض! تذكّر ذلك..


تذكّر.. حينما تحتار في أيِّ مَلبَسٍ ستلبَسُ اليوم! وقد امتلأتْ خِزانتُك بملابس لم تتحرك منذ أشهُر؛ بأنّ هناك نُفُوسًا كانت تتوق إلى قطعة واحدة منك! تحفظُ بها حياتَها، تَشُدُّ بها عودَها، تُخفّفُ مِن رجفةِ عظمها.. لا تنسى ذلك...


يقول نبيُّنا نبيُّ الرحمة صلى الله عليه وسلم: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ؛ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ)) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تدخله على مسلم، أو تكشفُ عنه كربة، أو تقضِيْ عنه دَينًا، أو تَطردُ عنه جوعا..)) رواه ابنُ أبي الدنيا في قضاء الحوائج وحسَّنه الألباني.


ويُروى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ؛ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَإٍ؛ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ؛ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ)) رواه أحمد والترمذي وغيرهم.


وتأمّل هذا الخبر! جاء في صفة الصفوة: أنّ رجلاً مِن أهل الشّام قَدِم فقال: دُلُّوني على "صفوان بن سُلَيم" فإني رأيتُه دَخَل الجنة! [يعني في رؤيا المنام] فقيل له: بأيِّ شيء؟! قال: بِقميصٍ كساهُ إنسانًا.. فسُئِلَ صفوانُ عن قِصَّةِ القميص؟ فقال: (خرجتُ مِن المسجدِ في ليلةٍ باردة، فإذا رجلٌ عارٍ؛ فنَزَعتُ قميصي فكسوتُه..) بقميص دخل الجنة!


فأروا الله - عبادَ الله - مِن أنفسكم خيرًا، وقدموا مِن دنياكم ما يَرجِعُ بالخيرات لكم، فما أكثرَ المحتاجين في هذا الأيام، وما أكثرَ المُشرَّدين في العراء، وما أكثرَ الجَوعى في هذا الشِّتاء، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقول: ((الراحمونَ يَرحمهم الرحمنُ - تبارك وتعالى - ارحموا مَن في الأرض يَرحَمْكم مَن في السماء)). - رحمني الله وإياكم برحمته، وكشف الكروب والمِحَن عن أُمّته، واستعملنا في طاعته ومرضاته، وسخّرنا لخدمة عباده.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة: أحكام الصدقة الفقهية
  • المستخفي بالصدقة
  • الصدقة فضائل وآداب (خطبة)
  • الصدقة وفضلها
  • كل امرئ في ظل صدقته
  • شرح حديث ابن مسعود: إن الصدق يهدي إلى البر
  • الشتاء والبرد (خطبة)
  • خطبة عن الصدقة وأهميتها
  • الصدق منجاة (خطبة)
  • الصدق مع الله مفتاح العمل ومحفز الهمم
  • الصدقة (خطبة)
  • حال المؤمن في الشتاء
  • خطبة: فله بكل يوم مثليه صدقة
  • من فضائل الصدقة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • عبرة اليقين في صدقة أبي الدحداح (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (26) «كل سلامى من الناس عليه صدقة» (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر البركة والبركات محقها بالسيئات وللحصول عليها مسببات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: ثمرات وفضائل حسن الخلق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فضيلة الصف الأول والآثار السيئة لعدم إتمامه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من تجالس؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الله البصير (خطبة) - باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذكر الموت زاد الحياة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منزلة أولياء الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ماذا قدموا لخدمة الدين؟ وماذا قدمنا نحن؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/5/1447هـ - الساعة: 17:35
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب