• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    رد القرض عند تغير قيمة النقود (PDF)
    د. عمر بن محمد عمر عبدالرحمن
  •  
    هل أنت راض حقا؟
    سمر سمير
  •  
    حين يرقى الإنسان بحلمه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطى المساجد (خطبة)
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
  •  
    فوائد من حديث: أتعجبين يا ابنة أخي؟
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    مع سورة المعارج
    د. خالد النجار
  •  
    وقفات مع اسم الله السميع (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    من مائدة الحديث: التحذير من الظلم
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: ليس منا (الجزء الثاني)
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    حقوق الخدم في الاسلام
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الصفات الفعلية
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    لقبول المحل لا بد من تفريغه من ضده
    إبراهيم الدميجي
  •  
    الإسلام يدعو لمعالي الأخلاق
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    كيف واجه العلماء فتنة السيف والقلم؟
    عمار يوسف حرزالله
  •  
    مغسلة صلاة الفجر
    خميس النقيب
  •  
    من صور الخروج عن الاستقامة
    ناصر عبدالغفور
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

مع سورة المعارج

مع سورة المعارج
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/11/2025 ميلادي - 5/6/1447 هجري

الزيارات: 191

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مع سورة المعارج

 

قال ابن عاشور: سميت هذه السورة في كتب السنة وفي «صحيح البخاري» و«جامع الترمذي»، وفي «تفسير الطبري» وابن عطية وابن كثير «سورة سأل سائل».

 

وكذلك رأيتها في بعض المصاحف المخطوطة بالخط الكوفي بالقيروان في القرن الخامس.

 

وسميت في معظم المصاحف المشرقية والمغربية وفي معظم التفاسير «سورة المعارج». وذكر في «الإتقان» أنها تسمى «سورة الواقع».

 

وهذه الأسماء الثلاثة مقتبسة من كلمات وقعت في أولها، وأخصها بها جملة ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ ﴾ [المعارج:1]؛ لأنها لم يرد مثلها في غيرها من سور القرآن، إلا أنها غلب عليها اسم «سورة المعارج»؛ لأنه أخف.

 

وهي مكية بالاتفاق. وهي السورة الثامنة والسبعون في عداد نزول سور القرآن عند جابر بن زيد، نزلت بعد سورة الحاقة وقبل سورة النبأ.

 

وعد جمهور الأمصار آيها أربعًا وأربعين. وعدَّها أهل الشام ثلاثًا وأربعين.

 

﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 1 - 4].


﴿ سَأَلَ سَائِلٌ ﴾ سائل: لزيادة تصوير هذا السؤال العجيب.

 

والسؤال مستعمل في معنيين: الاستفهام عن شيء والدعاء، على أن استفهامهم مستعمل في التهكم والتعجيز.

 

﴿ بِعَذَابٍ ﴾ من قال أن السؤال بمعنى الدعاء؛ أي: دعا داعٍ بعذاب﴿ وَاقِعٍ ﴾ وفيه تضمين دل عليه حرف "الباء"، كأنه مُقَدر: يستعجل سائل بعذاب واقع؛ كقوله: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الحج:47]؛ أي: وعذابه واقع لا محالة؛ كقوله تعالى: ﴿ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾ [المؤمنون:20]، وقوله. ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [مريم:25]، فالباء تأكيد؛ أي: سأل سائل عذابًا واقعًا.

 

قال مجاهد: أي: دعا داعٍ بعذاب يقع في الآخرة، وهو قولهم: ﴿ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال:32].

 

والسائل هو النضر بن الحارث بن كَلَدَة- فيما رواه النسائي عن ابن عباس- فنزل سؤاله، وقتل يوم بَدْر صبرًا هو وعقبة بن أبي مُعيط؛ لم يقتل صبرًا غيرهما؛ قاله ابن عباس ومجاهد. ففي الآية إخبار عن مغيب وقع مصداقه.

 

وإذا كانت الباء بمعنى «عن»- وهو قول قتادة- فكأن سائلًا سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع.. قال الله تعالى: ﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 59]؛ أي: سل عنه.

 

قال ابن عاشور: ووصف العذاب بأنه واقع، وما بعده من أوصافه إلى قوله: ﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ﴾ [المعارج: 6] إدماج معترض ليفيد تعجيل الإجابة عما سأل عنه سائل بكلا معنيي السؤال؛ لأن السؤال لم يحك فيه عذاب معين؛ وإنما كان مجملًا؛ لأن السائل سأل عن عذاب غير موصوف، أو الداعي دعا بعذاب غير موصوف، فحكي السؤال مجملًا ليرتب عليه وصفه بهذه الأوصاف والتعلقات، فينتقل إلى ذكر أحوال هذا العذاب وما يحف به من الأهوال.

 

وقد طويت في مطاوي هذه التعلُّقات جمل كثيرة كان الكلام بذلك إيجازًا؛ إذ حصل خلالها ما يفهم منه جواب السائل، واستجابة الداعي، والإنباء بأنه عذاب واقع عليهم من الله لا يدفعه عنهم دافع، ولا يغرُّهم تأخُّره.

 

وهذه الأوصاف من قبيل الأسلوب الحكيم؛ لأن ما عدد فيه من أوصاف العذاب وهوله ووقته هو الأولى لهم أن يعلموه ليحذروه، دون أن يخوضوا في تعيين وقته، فحصل من هذا كله معنى: أنهم سألوا عن العذاب الذي هدَّدوا به عن وقته ووصفه سؤال استهزاء، ودعوا الله أن يرسل عليهم عذابًا إن كان القرآن حقًّا، إظهارًا لقلة اكتراثهم بالإنذار بالعذاب. فأعلمهم أن العذاب الذي استهزءوا به واقع لا يدفعه عنهم تأخُّر وقته، فإن أرادوا النجاة فليحذروه.

 

﴿ لِلْكَافِرِينَ ﴾ مُرصد مُعَدّ للكافرين، واللام لشبه الملك؛ أي: عذاب من خصائصهم؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24].

 

﴿ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴾ رادٌّ يرده من جهته، لتعلق إرادته به. وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الحج: 47].

 

﴿ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾ المعارج جمع مِعْرَجٍ، وهو ما يعرج به؛ أي: يصعد من سلم ومدرج، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ [الزخرف: 33].

 

والمفسرون ذكروا فيه وجوهًا:

أحدها: قال ابن عباس في رواية: أي: هي السماوات؛ وسماها معارج؛ لأن الملائكة يعرجون فيها.

 

وثانيها: قال قتادة: ذي الفواضل والنعم؛ وذلك لأن لأياديه ووجوه إنعامه مراتب، وهي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة.

 

وثالثها: أن المعارج هي الدرجات التي يعطيها أولياءه في الجنة. وقيل: المعارج الغرف؛ أي: إنه ذو الغرف؛ أي: جعل لأوليائه في الجنة غُرُفًا.

 

وإجراء وصف ﴿ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾ على اسم الجلالة لاستحضار عظمة جلاله، ولإدماج الإشعار بكثرة مراتب القرب من رضاه وثوابه، فإن المعارج من خصائص منازل العظماء، قال تعالى: ﴿ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ [الزخرف: 33]. ولكل درجة المعارج قوم عملوا لنوالها قال تعالى: ﴿ يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة:11]، وليكون من هذا الوصف تخلُّص إلى ذكر يوم الجزاء الذي يكون فيه العذاب الحق للكافرين.

 

﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ ﴾ جبريل، ويكون من باب عطف الخاص على العام. وتخصيصه بالذكر لتمييزه بالفضل على الملائكة. ونظير هذا قوله: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾ [القدر:4]؛ أي: في ليلة القدر.

 

ويحتمل أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم، فإنها إذا قبضت يُصعد بها إلى السماء.. قال قبيصة بن ذؤيب: إنه روح الميت حين يقبض.

 

والجملة اعتراض لبيان أن المعارج منازل من الرفعة الاعتبارية ترتقي فيها الملائكة وليست معارج يعرج إليه فيها؛ أي: فهي معارج جعلها الله للملائكة فَقُرِّبَ بها من منازل التشريف، مُعْرَجُ إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ لَا عَارِجٌ، وبذلك الجعل وصف الله بأنه صاحبها؛ أي: جاعلها، ونظيره قوله تعالى: ﴿ ذُو الْعَرْشِ ﴾ [غافر: 15].

﴿ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ قال ابن جرير: أي: تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل، إليه عز وجل، في يوم كان مقدار صعودهم ذلك، في يوم لغيرهم من الخلق: خمسين ألف سنة؛ وذلك أنها تصعد من منتهى أسفل الأرض، إلى منتهى أمره من فوق السماوات السبع.

 

وقيل: المراد بذلك يوم القيامة، تعرج الملائكة والروح إليه في يوم يفرغ فيه من القضاء بين خلقه قدره خمسون ألف سنة.. فهذا العروج كائن يوم القيامة، وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة. وهذه تقريبات لنهاية عظمة تلك المنازل وارتقاء أهل العالم الأشرف إليها وعظمة يوم وقوعها.

 

وهذه الآية كآية: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة: 5].

 

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي عُمَرَ الْغُدَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ جَالِسًا، قَالَ: فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا أَكْثَرُ عَامِرِيٍّ نَادَى مَالًا [جمع مالًا]، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: رُدُّوهُ إِلَيَّ، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّكَ ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: إِي وَاللهِ، إِنَّ لِي لمِائَةً حُمْرًا، وَمِائَةً أَدْمَاءَ [وفي رواية ومائة أدمًا]، حَتَّى عَدَّ مِنْ أَلْوَانِ الْإِبِلِ، وَأَفْنَانِ الرَّقِيقِ [جمع فن؛ أي: نوع]، وَرِبَاطِ الْخَيْلِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِيَّاكَ، وَأَخْفَافَ الْإِبِلِ، وَأَظْلَافَ الْغَنَمِ [أي: إياك وأن تمنع زكاة الإبل والغنم فتطؤك الإبل بأخفافها والغنم بأظلافها]، يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى جَعَلَ لَوْنُ الْعَامِرِيِّ يَتَغَيَّرُ، أَوْ يَتَلَوَّنُ، فَقَالَ: مَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ-: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا، وَرِسْلِهَا) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا نَجْدَتُهَا وَرِسْلُهَا؟ قَالَ: (فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا [يعطي وهي سمان حِسَان يشتد عليه إخراجها فتلك نجدتها، ويعطي في رسلها وهي مهازيل مقاربة]، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ [من الإغذاذ؛ أي: أسرع وأنشط]، وَأَكْبَرِهِ، وَأَسْمَنِهِ، وَآشرِهِ [وأسَرَّه؛ أي: كأسمن مما كانت وأوفره، مِن سَر كل شيء: وهو لُبه ومُخه، وقيل: هو من السرور؛ لأنها إذا سمنت سَرَّت الناظرَ إليها. وأما "آشره": أبطره وأنشطه]، ثُمَّ يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ [المكان الواسع] قَرْقَرٍ [المكان المستوي]، فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، إِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بَقَرٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا، وَرِسْلِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ، وَأَكْبَرِهِ، وَأَسْمَنِهِ، وآشَرِهِ، ثُمَّ يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَطَؤُهُ كُلُّ ذَاتِ ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ كُلُّ ذَاتِ قَرْنٍ بِقَرْنِهَا، إِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى يَرَى سَبِيلَهُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا وَرِسْلِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ، وَأَكْبَرِهِ، وَأَسْمَنِهِ، وآشَرِهِ، ثُمَّ يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَطَؤُهُ كُلُّ ذَاتِ ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ كُلُّ ذَاتِ قَرْنٍ بِقَرْنِهَا- يَعْنِي لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ [الملتوية القرن]، وَلَا عَضْبَاءُ [المكسورة القرن]- إِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ)، فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: وَمَا حَقُّ الْإِبِلِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: "أَنْ تُعْطِيَ الْكَرِيمَةَ [هي الخالية من العيوب، وذلك في الصدقة]، وَتَمْنَحَ الْغَزِيرَةَ [هي كثيرة اللبن]، وَتُفْقِرَ الظَّهْرَ [تعيره للحمل والركوب، والظهْر: الدابة]، وَتُسْقِيَ اللَّبَنَ، وَتُطْرِقَ الْفَحْلَ [الطْرْق: ماء الفحل؛ أي: تعيره من أجل اللقاح]"؛ [حديث صحيح].

 

وروى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ، إِلَّا جُعِلَ صَفَائِحَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يُرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ))؛ [حديث صحيح].

 

﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴾ [المعارج: 5 - 7].


﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك، واستعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه؛ كقوله: ﴿ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ﴾ [الشورى: 18].

 

والصبر الجميل: هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله.

 

وقال ابن عاشور: الصبر الحسن في نوعه، وهو الذي لا يخالطه شيء مما ينافي حقيقة الصبر؛ أي: اصبر صبرًا محضًا، فإن جمال الحقائق الكاملة بخلوصها عما يعكر معناها من بقايا أضدادها.

 

وقيل: هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدري من هو.

 

﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ ﴾ العذاب الدنيوي أو الأخروي ﴿ بَعِيدًا ﴾ وقوع العذاب وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع، بمعنى مستحيل الوقوع؛ لعدم إيمانهم بوعيده تعالى.

 

وأيضًا هو تجهيل لهم إذا اغتروا بما هم فيه من الأمن ومسالمة العرب لهم، ومن الحياة الناعمة، فرأوا العذاب الموعود بعيدًا، إن كان في الدنيا فلأمنهم، وإن كان في الآخرة فلإنكارهم البعث، والمعنى: وأنت لا تشبه حالهم.

 

وذلك يهون الصبر عليك، فهو من باب: ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [المائدة: 48]، ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ [الكهف: 28].

 

﴿ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴾ قريب الحضور. والمؤمنون- أيضًا- يعتقدون كونه قريبًا، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله عز وجل، لكن كل ما هو آتٍ فهو قريب وواقع لا محالة.

 

واستعمل ﴿ قَرِيبًا ﴾ كناية عن تحقُّق الوقوع على طريق المشاكلة التقديرية والمبالغة في التحقيق.

 

﴿ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ﴾ [المعارج: 8 - 14].


﴿ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ﴾ كالشيء المذاب، أو درْديّ الزيت وعكره.. تشبيه السماء في انحلال أجزائها بالزيت.

 

﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ﴾ كالصوف المنفوش. والمعنى: أنها تلين بعد الشدة، وتتفرَّق بعد الاجتماع.

 

وقيل: أول ما تتغير الجبال، تصير رملًا مهيلًا، ثم عهنًا منفوشًا، ثم هباء منبثًّا، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ﴾[المزمل: 14]، ﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ﴾ [القارعة: 5]، ﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاء مُنبَثًّا ﴾ [الواقعة: 5-6].

 

﴿ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ﴾ لشدة ما يعتري الناس من الهول، فمن شدة ذلك أن يرى الحميم حميمه في كرب وعناء فلا يتفرغ لسؤاله عن حاله؛ لأنه في شغل عنه؛ كقوله: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون:101]، وقوله: ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 37].

 

﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ ﴾ يرون أقرباءهم، وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس. فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته وعشيرته ولا يسأله ولا يكلمه؛ لاشتغالهم بأنفسهم.

 

وقال ابن عباس: "يتعارفون ساعة ثم لا يتعارفون بعد تلك الساعة".

 

كما قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [يونس: 45]؛ أي: يعرف بعضُهم بعضًا إذا بعثوا، ثم ينقطع التعارف؛ لشدة الأحوال والأهوال.

 

وفيه تنبيه على أن المانع من هذا السؤال هو الاندهاش مما نزل، لا احتجاب بعضهم من بعض.

 

وقيل: إنه يبصر المظلوم ظالمه، والمقتول قاتله، والمتبوع تابعه.

 

وفي بعض الأخبار: أن أهل القيامة يفرُّون من المعارف مخافة المظالم.

 

﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ ﴾ الذي أتى الجُرم، وهو الذنب العظيم؛ أي: الكفر، فيتمنَّى الكافر وذلك إما بخاطر يخطر في نفسه عند رؤية العذاب. وإما بكلام يصدر منه نظير قوله: ﴿ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40]، وهذا هو الظاهر؛ أي: يصرخ الكافر يومئذٍ فيقول: أفتدي من العذاب ببني وصاحبتي وفصيلتي؛ فيكون ذلك فضيحة له يومئذٍ بين أهله.

 

﴿ لَوْ يَفْتَدِي ﴾والافتداء: إعطاء الفداء، وهو ما يعطى عوضًا لإنقاذ من تبعة، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ﴾ [البقرة: 85].

 

﴿ مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ﴾ الذين هم محل شفقته.

 

﴿ وَصَاحِبَتِهِ ﴾ زوجته التي هي أحب إليه ﴿ وَأَخِيهِ ﴾ الذي يستعين به في النوائب.


﴿ وَفَصِيلَتِهِ ﴾ عشيرته، وقال المبرد: "الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد، وهي دون القبيلة. وسميت عترة الرجل فصيلته تشبيها بالبعض منه"؛أي: الأقرباء الأدنون من القبيلة، وهم الأقرباء المفصول منهم؛ أي: المستخرج منهم، فشملت الآباء والأمهات.

 

وقد رتبت الأقرباء على حسب شدة الميل الطبيعي إليهم في العرف الغالب؛ لأن الميل الطبيعي ينشأ عن الملازمة وكثرة المخالطة.

ولم يذكر الأبوان؛ لدخولهما في الفصيلة قصدًا للإيجاز.

 

﴿ الَّتِي تُؤْوِيهِ ﴾ تضمُّه إليها عند الشدائد حماية ونصرة له، وتؤمنه من خوف إن كان به.

 

﴿ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ ويفتدي بمن في الأرض، ومن له في الأرض مما يعز عليه من أخلَّاء وقرابة ونفائس الأموال مما شأن الناس الشحُّ ببذله والرغبة في استبقائه على نحو قوله تعالى: ﴿ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ ﴾ [آل عمران:91].

 

﴿ ثُمَّ ﴾ للتراخي المشير للاستبعاد ﴿ يُنْجِيهِ ﴾؛ أي: الافتداء.

 

﴿ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾ [المعارج: 15 - 18].


﴿ كَلَّا ﴾لا يكون إنجاء ولا افتداء، فلا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض، وبأعز ما يجده من المال، ولو بملء الأرض ذهبًا، أو من ولده الذي كان في الدنيا حُشَاشة كبده.

 

﴿ إِنَّهَا ﴾ النار الموعود بها المجرم ﴿ لَظَى ﴾ تتلظى نيرانها؛ كقوله تعالى: ﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ﴾ [الليل: 14] واشتقاق لظى من التلظي. والتظاء النار التهابها، وتلظيها تلهبها.

 

﴿ نَزَّاعَةً ﴾ المبالغة في النزع؛ وهو الفصل والقطع، ﴿ لِلشَّوَى ﴾ جمع شواة؛ وهي جلدة الرأس؛ أي: نزاعة لمكارم وجهه.

 

وقال الضحاك: تبري اللحم والجلد عن العظم، حتى لا تترك منه شيئًا.

 

﴿ تَدْعُو ﴾ تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها، وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طَلق ذَلِق، ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب.

 

قال ابن عباس: "تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح: إليَّ يا كافر، إليَّ يا منافق؛ ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحَبَّ.

 

قال القشيري: "ودعاء لظى بخلق الحياة فيها حين تدعو، وخوارق العادة غدًا كثيرة".

 

وقال الخليل: إنه ليس كالدعاء "تعالوا"، ولكن دعوتها إياهم تمكنها من تعذيبهم.

 

﴿ مَنْ أَدْبَرَ ﴾ عن الحق فكذب بقلبه ﴿ وَتَوَلَّى ﴾ ترك العمل بجوارحه ﴿ وَجَمَعَ ﴾ المال، وفيه إشارة إلى الحرص ﴿ فَأَوْعَى ﴾ جعله في وعاء وكنزه، ومنع حق الله منه، فلم يزكِّ، ولم ينفق فيما أوجب الله عليه إنفاقه. وفيه إشارة إلى طول الأمل.

 

قال ابن كثير: جمع المال بعضه على بعض فأوعاه؛ أي: أوكاه ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج الزكاة. وفي البخاري عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ).

 

وكان عبدالله بن عُكيم لا يربط له كيسًا ويقول: سمعت الله يقول: ﴿ وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾.


وقال الحسن البصري: يا بن آدم، سمعتَ وعيدَ الله ثم أوعيتَ الدنيا.

 

وقال قتادة في قوله: ﴿ وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾ قال: كان جَمُوعًا قمُومًا للخَبيث.

 

وروى أبو داود عن أبي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((شَرُّ مَا فِي رَجُلٍ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ))؛ أي: شح يحمل على الحرص على المال والجزع على ذهابه، وجبن شديد فكأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه، فالشح والبخل كل منهما مذموم على انفراده، فإذا اجتمعا فهو النهاية في القبح.

 

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [المعارج: 19 - 35].


﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ ﴾ يعني بها التنبيه على جِبِلَّة الإنسان ﴿ هَلُوعًا ﴾ صيغة مبالغة للاتصاف بالهلع.. والهلع في اللغة: أشدُّ الحرص وأسوأ الجزع وأفحشه، كما بيَّنه بقوله: ﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ ﴾ الضرُّ والبلاء والأذى ﴿ جَزُوعًا ﴾ كثير الجزع من قلة صبره﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ ﴾كثر ماله وناله الغنى ﴿ مَنُوعًا ﴾ لِما في يده، بخيل به؛ لشدة حرصه.

 

﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾؛ أي: الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم إلا من عصمه الله ووفقه، وهداه إلى الخير، ويسَّر له أسبابه، وهم المصلون.

 

والكلام استئناف بياني لمقابلة أحوال المؤمنين بأحوال الكافرين، ووعدهم بوعيدهم على عادة القرآن في أمثال هذه المقابلة.

 

وهذه صفات ثمانٍ هي من أشعار المسلمين، فعدل عن إحضارهم بوصف المسلمين إلى تعداد خصال من خصالهم إطنابًا في الثناء عليهم؛ لأن مقام الثناء مقام إطناب، وتنبيهًاعلى أن كل صلة من هذه الصلات الثمانية هي من أسباب الكون في الجنات.

 

وهذه الصفات لا يشاركه المشركون في معظمها بالمرة، وبعضها قد يتصف به المشركون ولكنهم لا يراعونه حق مراعاته باطراد، وذلك حفظ الأمانات والعهد، فالمشرك يحفظ الأمانة والعهد اتقاء مذمة الخيانة والغدر، مع أحلافه دون أعدائه، والمشرك يشهد بالصدق إذا لم يكن له هوى في الكذب، وإذا خشي أن يوصم بالكذب. وقد غدر المشركون بالمسلمين في عدة حوادث، وغدر بعضهم بعضًا، فلو علم المشرك أنه لا يطَّلع على كذبه وكان له هوى لم يؤدِّ الشهادة.

 

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ مقيمون، لا يضيِّعون منها شيئًا.. جملة اسمية دون أن يقال: الذين يدومون. لقصد إفادتها الثبات تَقْوِيَةً كَمُفَادِ الدوام.

 

وقال قتادة: ذُكر لنا أن دانيال- عليه السلام- نعت أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يصلون صلاة لو صلَّاها قوم نوح ما غرقوا، أو قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة. فعليكم بالصلاة؛ فإنها خُلُق للمؤمنين حسن.

 

وقال عقبة بن عامر: هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا يمينًا ولا شمالًا. والدائم الساكن، ومنه: نهي عن البول في الماء الدائم؛ أي: الساكن.

 

﴿ وَالَّذِينَ ﴾ إعادة اسم الموصول مع الصلات المعطوفة لمزيد العناية بأصحاب تلك الصلات.


﴿ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴾ للإشارة إلى أنهم جعلوا السائل والمحروم كالشركاء لهم في أموالهم من فرط رغبتهم من مواساة إخوانهم؛ إذ لم تكن الصدقة يومئذٍ واجبة، ولم تكن الزكاة قد فُرِضَتْ.

 

ومعنى كون الحق معلومًا أنه يعلمه كل واحد منهم ويحسبونه، ويعلمه السائل والمحروم بما اعتاد منهم.

 

﴿ لِلسَّائِلِ ﴾ هو المستعطي ﴿ وَالْمَحْرُومِ ﴾ الذي لا يسأل الناس تعفُّفًا مع احتياجه فلا يتفطن له كثير من الناس فيبقى كالمحروم.

 

وهذه الصفة للمؤمنين مضادة صفة الكافرين المتقدمة في قوله: ﴿ وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾ [المعارج: 18].

 

والحق المعلوم قيل: هو الزكاة المفروضة، قاله قتادة وابن سيرين؛ لأنه وصف الحق بأنه معلوم، وسوى الزكاة ليس بمعلوم، إنما هو على قدر الحاجة، وذلك يقل ويكثر.

 

وعن ابن عباس قال: هو سوى الصدقة، يصل بها رَحِمًا، أو يُقري بها ضيفًا، أو يحمل بها َكلًّا، أو يعين بها محرومًا.وعن الشعبيِّ: أن في المال حقًّا سوى الزكاة.

 

﴿ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ ﴾ فعل مضارع يدل على الاستمرار ﴿ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴾ يوم الجزاء، يوم القيامة؛ أي: يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء، فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب.

 

وهذا الوصف مقابل وصف الكافرين بقوله: ﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ﴾ [المعارج: 6].

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ﴾ الإشفاق: توقُّع حصول المكروه وأخذ الحذر منه.. أي: خائفون وَجِلون أن يعذبهم في الآخرة، فهم من خشية ذلك لا يُضيِّعون له فرضًا، ولا يتعدون له حدًّا.

 

وهذا الوصف مقابل قوله في حق الكافرين: ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، لِلْكَافِرِينَ ﴾ [المعارج: 1-2]؛ لأن سؤالهم سؤال مستخف بذلك وَمُحِيلِهِ.

 

﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ﴾ لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله تبارك وتعالى.

 

وهذا تعريض بزعم المشركين الأمن؛ إذ قالوا: ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ [الشعراء: 138].

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه؛ لغلبة ملكة الصبر، وامتلاك ناصيته﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ من الإماء ﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾ قال ابن جرير: أي: التمس لفرجه منكحًا سوى زوجته، أو ملك يمينه ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ الذين عدوا ما أحل الله لهم، إلى ما حرَّمه عليهم.

 

وهو تعريض بالمشركين: أي ليس في المسلمين سفاح ولا زنى ولا مخالة ولا بغاء.. والعادي: المفسد؛ أي: هم الذين أفسدوا فاختلطت أنسابهم، وتطرقت الشكوك إلى حصانة نسائهم، ودخلت الفوضى في نظم عائلاتهم، ونشأت بينهم الإحن من الغيرة.

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ والرعي: الحفظ والحراسة. وأصله رعي الغنم والإبل.

 

أي: راعون لأمانات الله التي ائتمنهم عليها من فرائضه، وأمانات عباده التي ائتمنوا عليها، وعهوده التي أخذها عليهم بطاعته فيما أمرهم به ونهاهم، وعهود عباده التي أعطاهم على ما عقده لهم على نفسه ﴿ رَاعُونَ ﴾ يرقبون ذلك ويحفظونه فلا يضيِّعونه.

 

وهذه صفات المؤمنين، وضدها صفات المنافقين، وفي الحديث: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ))؛ [البخاري].

 

وذكر رعي الأمانات والعهد لمناسبة وصف ما يود الكافر يوم الجزاء أن يفتديه من العذاب بفصيلته التي تؤويه، فيذهب منه رعي العهود التي يجب الوفاء بها للقبيلة وحسبك من تشويه حاله أنه قد نكث العهود التي كانت عليه لقومه من الدفاع عن حقيقتهم بنفسه وكان يفديهم بنفسه، والمسلم لما كان يرعى العهد بما يمليه عليه دينه جازاه الله بأن دفع عنه خزي ودادة فدائه نفسه بواليه وأهل عهده.

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ﴾ لا يكتمون ما استشهدوا عليه، ولكنهم يقومون بأدائها حيث يلزمهم أداؤها، غير مغيَّرة ولا مبدَّلة.

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها... لا يضيِّعون لها ميقاتًا ولا حَدًّا. قيل: الحفظ عن الضياع، استعير للإتمام والتكميل للأركان والهيئات.. وإيثار الفعل المضارع لإفادة تجدُّد ذلك الحفاظ وعدم التهاون به.

 

فالدوام خلاف المحافظة. فدوامهم عليها أن يحافظوا على أدائها، لا يخلون بها، ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل، ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها، ويقيموا أركانها، ويكملوها بسننها وآدابها، ويحفظوها من الإحباط باقتراب المأثم. فالدوام يرجع إلى نفس الصلوات والمحافظة إلى أحوالها.

 

فافتتح الكلام بذكر الصلاة واختتمه بذكرها، فدَلَّ على الاعتناء بها والتنويه بشرفها؛ ولذا قال القاضي: وتكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها أولًا وآخرًا باعتبارين: للدلالة على فضلها، وإنافتها على غيرها.

 

ولما أجريت عليهم هذه الصفات الجليلة أخبر عن جزائهم عليها بأنهم مكرمون في الجنة.

 

﴿ أُولَئِكَ ﴾ وجيء باسم الإشارة للتنبيه على أنهم استحقوا ما بعد اسم الإشارة من أجل ما سبق قبل اسم الإشارة كما تقدم في قوله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 5].

 

﴿ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾والإكرام: التعظيم وحسن اللقاء؛ أي: هم من جزائهم بنعيم الجنات يكرمون بحسن اللقاء والثناء، قال تعالى: ﴿ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23-24] وقال: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [التوبة: 72].

 

﴿ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ﴾ [المعارج: 36 - 39]. ﴿ فَمَالِ الَّذِينَ ﴾ وكتب في المصحف اللام الداخلة على ﴿ الَّذِينَ ﴾ مفصولة عن مدخولها، وهو رسم نادر.

 

﴿ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ﴾مسرعين نافرين منك، والإهطاع: مَدُّ العنق عند السير، والاستفهام إنكاري وتعجبي.

 

﴿ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ ﴾ والمقصود: كثرة الجهات ﴿ عِزِينَ ﴾ متفرقين حِلقًا ومجالس، جماعة جماعة، معرضين عنك وعن كتاب الله.

 

واحدها عِزَةٌ بتخفيف الزاي؛ أي: متفرقين. وهو حال من مهطعين؛ أي: في حال تفرُّقهم واختلافهم، كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء: فهم مخالفون للكتاب، مختلفون في الكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب.

 

وكما قال تعالى: ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾ [المدثر: 49-51].

 

وروى أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: (مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟) وَهُمْ قُعُودٌ؛ [وأخرجه مسلم أيضًا].

 

﴿ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ﴾ وأسند الطمع إلى ﴿ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ﴾ دون أن يقال: "أيطمعون أن يدخلوا الجنة"، تصويرًا لحالهم بأنها حال جماعة يريد كل واحد منهم أن يدخل الجنة لتساويهم، يرون أنفسهم سواء في ذلك، ففي قوله: ﴿ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ﴾ تقوية التهكم بهم.

 

﴿ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ﴾ ولم يتَّصف هو بصفات أهلها المنوَّه بها قبل ﴿ كَلَّا ﴾ لا يكون ذلك، لأنه طمع في غير مطمع.

 

﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ﴾ من النطف؛ يعني: ومن قدر على ذلك فلا يعجزه إهلاكهم، فليحذروا عاقبة البغي والفساد.

 

كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾ [المرسلات: 20]. وقال:﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴾ [الطارق: 5 - 10].

 

وقيل: أي إنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة؛ كما خلق سائر جنسهم. فليس لهم فضل يستوجبون به الجنة، وإنما تستوجب بالإيمان والعمل الصالح ورحمة الله تعالى.

 

قال قتادة في هذه الآية: إنما خلقت يا بن آدم من قذر فاتق الله.

 

وروي أن مطرف بن عبدالله بن الشخير رأى المهلب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خز وجبة خز، فقال له: يا عبد الله، ما هذه المشية التي يبغضها الله؟ فقال له: أتعرفني؟ قال: نعم، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة. فمضى المهلب وترك مشيته.

 

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [المعارج: 41 - 44].


﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ﴾ يعني: مشرق كل يوم من السَّنة ومغربه، أو مشرق كل كوكب ومغربه، أو الأقطار التي تشرق فيها الشمس وتغرب.

 

وتقدير الكلام: ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب، ولا بعث ولا نشور، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة.

 

ولهذا أتى بـ "لا" في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي، وهو مضمون الكلام، وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة، وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة، وهو خلق السموات والأرض، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات، وسائر صنوف الموجودات؛ ولهذا قال تعالى:

﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ﴾ [غافر: 57]، ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأحقاف: 33]، ﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 81، 82].

 

والقسم بالله بعنوان ربوبيته المشارق والمغارب معناه: ربوبيته العالم كله؛ لأن العالم منحصر في جهات شروق الشمس وغروبها.

 

وجمع ﴿ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ﴾ باعتبار تعدُّد مطالع الشمس ومغاربها في فصول السنة، فإن ذلك مظهر عجيب من مظاهر القدرة الإلهية والحكمة الربانية؛ لدلالته من عظيم صنع الله من حيث إنه دالٌّ على الحركات الحافة بالشمس التي هي من عظيم المخلوقات؛ ولذلك لم يذكر في القرآن قسم بجهة غير المشرق والمغرب دون الشمال والجنوب مع أن الشمال والجنوب جهتان مشهورتان عند العرب.

 

﴿ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ ﴾ نقدر على إهلاكهم والذهاب بهم والمجيء بأمة خير منهم، والخيرية في الإيمان والفضل والطوع والمال.

 

ويكون هذا تهديدًا لهم بأن سيستأصلهم ويأتي بقوم آخرين، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 19]، ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].

 

وفي هذا تثبيت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتذكير بأن الله عالم بحالهم.

 

وقيل: يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه، فإن قدرته صالحة لذلك.وإنما كان خلقًا أتقن من النشأة الأولى؛ لأنه خلق مناسب لعالم الخلود، وكان الخلق الأول مناسبًا لعالم التغيُّر والفناء.

 

﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ بمغلوبين، إن أردنا ذلك؛ أي: وما نحن بعاجزين عن ذلك، ولن يفوتنا أحد من هؤلاء الكفار، وليس معناها أنه لن يسبقنا أحد في تبديلهم. ومثله قوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [العنكبوت: 4]؛ أي: يفوتونا ويعجزونا.

 

وقوله: ﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الواقعة:60-61]؛ أي: فلا يفوتنا شيء ولا يعجزنا أمر نريده.

 

﴿ فَذَرْهُمْ ﴾ يا محمد ﴿ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا ﴾ اتركهم يخوضوا في باطلهم وتكذيبهم وكفرهم وعنادهم، ويلعبوا في دنياهم؛ على جهة الوعيد. واشتغل أنت بما أمرت به ولا يعظمن عليك شركهم ﴿ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ أخذهم فيه وهلاكهم.

 

﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ ﴾ القبور ﴿ سِرَاعًا ﴾ حين يسمعون الصيحة الآخرة إلى إجابة الداعي.

 

﴿ كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ ﴾الصنم المنصوب للعبادة، أو هو حجر أو صنم يذبح عليه؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾ [المائدة: 3].

 

قال الحسن: كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا يلوي أولهم على آخرهم.

 

أو النصب: العَلَم المنصوب على الطريق ليهتدي به السالك، أو ما ينصب علامة لنزول الملك وسيره.

 

فهم يسرعون إسراع عبدة الأصنام نحو صنمهم، أو إسراع من ضَلَّ عن الطريق إلى أعلامها، أو إسراع الجند إلى راية الأمير.

 

﴿ يُوفِضُونَ ﴾ يسرعون ﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ ﴾ ذليلة خاضعة من الخزي والهوان، لا يرفعونها لما يتوقعونه من عذاب الله ﴿ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ تغشاهم ذلة من هول ما حاق بهم، في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة.. قال قتادة: هو سواد الوجوه.

 

﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ يوعدونه في الدنيا أن لهم فيه العذاب وأنهم ملاقوه.

 

وأخرج الخبر بلفظ الماضي؛ لأن ما وعد الله به يكون ولا محالة من تحقق وقوعه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إعراب سورة المعارج
  • آيات من سورة المعارج بتفسير الإمام الزركشي
  • تفسير سورة المعارج للأطفال
  • تفسير سورة المعارج كاملة
  • التوحيد في سورة المعارج

مختارات من الشبكة

  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (8)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (7)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (6)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية
  • مدينة كارجلي تحتفل بافتتاح أحد أكبر مساجد البلقان
  • متطوعو أورورا المسلمون يتحركون لدعم مئات الأسر عبر مبادرة غذائية خيرية
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا
  • برنامج تدريبي للأئمة المسلمين في مدينة كارجلي
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 4/6/1447هـ - الساعة: 21:0
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب