• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بستان الخطيب - الجزء التاسع (PDF)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    بحث حول حقيقة تكافئ الأجر والثواب لتكاليف الرجال ...
    محمد عادل حسن
  •  
    الإنسان والكون بين مشهد جلال التوحيد وجمال
    عامر الخميسي
  •  
    حديث في العدة والإحداد
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    مظاهر الأدب مع رسول الله (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    مسألة: العلج
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    خطبة: البشرى للمؤمنين
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    من مائدة العقيدة: أصول العقيدة الإسلامية
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: إعلانه المبكر ...
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    صفة السمع
    عبدالعزيز بن محمد السلمان
  •  
    تفسير سورة الماعون
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    الفرع الثاني: بيان حدود العورة (من الشرط السابع ...
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    وقفات مع سورة المرسلات (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    إجلال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - للقرآن ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    خطبة: القراءة بوابة العلم
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حكم الاشتراك في أمازون برايم
    د. عدنان رويشان محمد سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الإنسان والكون بين مشهد جلال التوحيد وجمال التسخير

الإنسان والكون بين مشهد جلال التوحيد وجمال التسخير
عامر الخميسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/11/2025 ميلادي - 18/5/1447 هجري

الزيارات: 184

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإنسان والكون بين مشهد جلال التوحيد وجمال التسخير

 

المحور الأول: الإنسان ككائن قارئ للكون:

مدخل تأسيسي:

القرآن الكريم لا يكتفي بوصف الإنسان كمخلوق يعيش في الكون، بل يقدمه ككائن قارئ، متأمل، متفاعل، ومكلَّف بفهم هذا الكون، واستخلاص دلالاته، وربطها بمصيره الروحي والأخلاقي. هذه القراءة ليست معرفية فقط، بل إيمانية، تربوية، حضارية، تجعل من الإنسان شريكًا في المعنى، ومسؤولًا عن التفاعل، ومطالبًا بالتزكية من خلال التأمل.

 

الإنسان في القرآن ليس متفرجًا على الكون، بل قارئٌ له، والقراءة هنا لا تعني فقط النظر، بل التدبر، والتفكر، والتأمل، والاستنباط، والتفاعل؛ مما يجعل من العلاقة بين الإنسان والكون علاقة معرفية وروحية في آنٍ واحدٍ.

 

أدوات الإنسان في قراءة الكون:

القرآن يمنح الإنسان أدوات متعددة لقراءة الكون، منها:

• العقل: وهو أداة الفهم والتحليل؛ كما في قوله: ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].

 

• القلب: وهو موضع الإيمان والتزكية؛ كما في قوله: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179].

 

• الحواس: وهي نوافذ الإدراك؛ كما في قوله: ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً ﴾ [الأحقاف: 26].

 

هذه الأدوات تجعل الإنسان قادرًا على إدراك الآيات الكونية، والتفاعل معها، واستخلاص المعاني منها؛ ومن هنا فإن القراءة الكونية ليست علمية فقط، بل إيمانية، أخلاقية، وجودية، تجعل من الكون مجالًا للتزكية، ومن التأمل وسيلةً للتقرب إلى الله.

 

القراءة الكونية كعبادة:

القراءة في الكون ليست فعلًا معرفيًّا فقط، بل عبادة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190].

 

ثم يصف هؤلاء أولي الألباب بأنهم: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 191].

 

فالقراءة الكونية تقود إلى الذكر، والذكر يقود إلى التزكية، والتزكية تقود إلى العمل، والعمل يقود إلى النجاة؛ مما يجعل من التأمل الكوني عبادة قلبية وعقلية وسلوكية.

 

الفرق بين النظر والتبصُّر:

القرآن يميز بين النظر السطحي، والتبصُّر العميق؛ كما في قوله: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [يوسف: 105].

 

فكثير من الناس يرون الآيات، لكنهم لا يبصرونها؛ لأنهم لا يربطونها بالمعنى، ولا يستخرجون منها الدلالة، ولا يتفاعلون معها روحيًّا. أما المؤمن، فإنه يبصر، ويتدبر، ويستنبط، ويحول المشهد الكوني إلى رسالة إيمانية.

 

الإنسان ككائن متأمل ومتفاعل:

القرآن يصف الإنسان بأنه كائن متأمل؛ كما في قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 185].

 

ويصفه بأنه كائن متفاعل؛ كما في قوله: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13].

 

فهو لا يكتفي بالملاحظة، بل يتفاعل، ويستفيد، ويعمر، ويصلح، ويشكر، ويعبد؛ مما يجعل من القراءة الكونية فعلًا حضاريًّا، لا مجرد تأمُّل فردي.

 

القراءة الكونية في القصص القرآني:

القرآن يقدم نماذج حية للقراءة الكونية، من خلال قصص الأنبياء، مثل:

• إبراهيم عليه السلام: حين تأمَّل في الكواكب والقمر والشمس، وربطها بالبحث عن الحقيقة؛ كما في قوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي... فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 78].

 

• نوح عليه السلام: حين استخدم المعرفة الكونية في بناء السفينة، والتعامل مع الطوفان؛ مما يوضح أن القراءة الكونية ليست نظرية، بل عملية.

 

• يوسف عليه السلام: حين قرأ الرؤيا الكونية وربطها بالمستقبل؛ مما يوضح أن التأمُّل الكوني يمكن أن يكون وسيلةً لفهم السنن، والتخطيط، والتدبير.

 

أثر القراءة الكونية في بناء السلوك الإيماني:

حين يقرأ الإنسان الكون قراءة إيمانية، فإنه:

• يصبح أكثر تواضعًا أمام عظمة الخلق.

 

• أكثر شكرًا أمام النعم الكونية.

 

• أكثر صبرًا أمام الابتلاءات الطبيعية.

 

• أكثر عدلًا في التعامل مع البيئة.

 

• أكثر وعيًا في فهم السنن الكونية والاجتماعية.

 

فالقراءة الكونية تبني شخصية مُتَّزنة، تربط بين العقل والروح، بين العلم والإيمان، بين الفرد والمجتمع، بين الدنيا والآخرة.

 

المحور الثاني: مفهوم الاستخلاف في الأرض:

مدخل تأسيسي:

الاستخلاف في القرآن الكريم ليس مجرد مصطلح سياسي أو اجتماعي، بل هو مفهوم عقدي، وجودي، ووظيفي، يحدد موقع الإنسان في الكون، ويشرح علاقته بالخالق، وبالمخلوقات، وبالزمان والمكان. فالإنسان في الرؤية القرآنية ليس كائنًا عابرًا، بل هو خليفة في الأرض، موكَّل من الله بإعمارها، وإقامة العدل فيها، وحفظ التوازن الكوني، وَفْق منهج إلهي شامل.

 

الاستخلاف هو أحد المفاتيح الأساسية لفهم العلاقة الكلية بين الإنسان والكون؛ لأنه يربط بين التكريم والتكليف، بين الحرية والمسؤولية، بين العلم والعمل، وبين الفرد والمجتمع، في إطار توحيدي متكامل.

 

تعريف الاستخلاف في القرآن:

الاستخلاف في اللغة يعني الإنابة والتمثيل، وفي القرآن يأخذ معنى أوسع، يشمل التمكين، والتكليف، والمسؤولية؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30].

 

وهذا الإعلان الإلهي في بداية خلق الإنسان يضعه في موقع وظيفي، لا بيولوجي فقط، ويمنحه دورًا محوريًّا في إدارة الأرض، والتفاعل مع الكون، وَفْق منهج إيماني وأخلاقي.

 

الاستخلاف لا يعني السيطرة المطلقة، بل يعني التفاعل المسؤول، والتدبير الحكيم، والالتزام بالمنهج الرباني؛ مما يجعل من الإنسان وكيلًا عن الله في الأرض، لا سيِّدًا مُتسلِّطًا.

 

الإنسان خليفة في أرض الله:

القرآن يصف الإنسان بأنه خليفة في الأرض، وهذا الوصف يحمل دلالات عميقة:

• أنه لا يملك الأرض، بل يديرها بأمانة.

 

• أنه لا يتصرف وَفْق هواه، بل وَفْق منهج إلهي.

 

• أنه لا يعيش منعزلًا، بل ضمن شبكة من العلاقات الكونية.

 

• أنه لا يُحاسَب فقط على عباداته، بل على إدارته للكون أيضًا.

 

وهذا ما يظهر في قوله تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، فالاستعمار هنا لا يعني الاحتلال، بل الإعمار؛ أي: إن الإنسان مطالب ببناء الأرض، وتطويرها، وحمايتها، ضمن إطار أخلاقي وإيماني.

 

شروط الاستخلاف: الإيمان والعمل الصالح:

الاستخلاف في القرآن ليس حقًّا مكتسبًا، بل هو نتيجة لشروط واضحة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [النور: 55].

 

فالإيمان والعمل الصالح هما الشرطان الأساسيان للاستخلاف؛ مما يعني أن الإنسان لا يُستخلَف؛ لأنه قوي أو ذكي، بل لأنه مؤمن وعامل؛ مما يجعل من الاستخلاف مسؤولية أخلاقية، لا امتيازًا ماديًّا.

 

وهذا الشرط يربط بين العقيدة والسلوك، بين العبادة والإعمار، بين الروح والمادة؛ مما يؤسس لرؤية كلية تجعل من الإنسان كائنًا متوازنًا، لا ماديًّا فقط، ولا روحانيًّا فقط.

 

الفرق بين الاستخلاف والسيطرة:

من الأخطاء الشائعة في فهم الاستخلاف هو الخلط بينه وبين السيطرة أو الاستغلال. فالسيطرة تعني التسلُّط، أما الاستخلاف فيعني المسؤولية. والسيطرة تعني الهيمنة، أما الاستخلاف فيعني التفاعل الأخلاقي.

 

القرآن يرفض النظرة المادية التي ترى الإنسان سيدًا مطلقًا، ويؤكد أن الإنسان مسؤول؛ كما في قوله: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56].

 

فالفساد البيئي، والاجتماعي، والاقتصادي، هو نتيجة لفهم خاطئ للاستخلاف، وتحويله إلى أداة للهيمنة، بدل أن يكون وسيلةً للإعمار والتزكية.

 

الاستخلاف كمسؤولية حضارية:

الاستخلاف في القرآن لا يقتصر على الفرد؛ بل يمتدُّ إلى الأمة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 14].

 

وهذا يعني أن الاستخلاف مسؤولية حضارية، تتطلب بناء مجتمع عادل، متوازن، متفاعل مع الكون، يحترم السنن، ويقيم العدل، ويعمر الأرض، ويحقق مقاصد الشريعة في حفظ النفس، والعقل، والدين، والمال، والبيئة.

 

وهذا البُعْد الحضاري يجعل من الاستخلاف مشروعًا جماعيًّا، لا فرديًّا فقط، ويؤسس لفهم شامل للعلاقة بين الإنسان والكون، في إطار اجتماعي وتاريخي.

 

نماذج قرآنية للاستخلاف:

القرآن يقدم نماذج حية للاستخلاف، مثل:

 

• آدم عليه السلام: أول خليفة في الأرض، خُلق بعلم، وسُجد له، وابتُلي، وتاب؛ مما يوضِّح أن الاستخلاف يبدأ بالعلم، ويُختبر بالاختيار، ويُثبت بالتوبة.

 

• داود عليه السلام: استخلفه الله، وأمره بالحكم بالعدل؛ كما في قوله: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾ [ص: 26].

 

• بني إسرائيل: استخلفهم الله، ثم فسقوا؛ مما يوضح أن الاستخلاف ليس دائمًا، بل مشروطٌ بالسلوك؛ كما في قوله: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].

 

أثر الاستخلاف في بناء المجتمع:

حين يُفهَم الاستخلاف بوصفه مسؤولية، فإنه يؤسس لمجتمع:

• عادل؛ لأن العدل شرط في إدارة الأرض.

 

• متوازن؛ لأن التوازن شرط في حفظ البيئة.

 

• متعلم؛ لأن العلم شرط في فهم السنن.

 

• متزكٍّ؛ لأن التزكية شرط في إدارة النفس.

 

• متفاعل؛ لأن التفاعل شرط في بناء الحضارة.

 

وهذا المجتمع لا يعيش في صراع مع الكون، بل في انسجام معه، ولا يستغل الموارد، بل يحفظها، ولا يفسد الأرض، بل يعمرها؛ مما يجعل من العلاقة بين الإنسان والكون علاقة أخلاقية، حضارية، إيمانية.

 

المحور الثالث: التوحيد والتسخير كأساس:

مدخل تأسيسي:

في الرؤية القرآنية، لا يمكن فهم العلاقة بين الإنسان والكون إلا من خلال مفهومين محوريين: التوحيد والتسخير؛ فالتوحيد هو الأساس العقدي الذي يربط كل شيء بالله، ويجعل من الكون مجالًا للتسبيح، ومن الإنسان عبدًا مسؤولًا. أما التسخير فهو البعد الوظيفي الذي يجعل من الكون في خدمة الإنسان، لا ليستغله، بل ليشكر ويعبد ويعمر الأرض وفق منهج إلهي.

 

هاتان القاعدتان تشكلان البنية التحتية للعلاقة الكلية بين الإنسان والكون، وتمنحانها معناها الروحي، وأفقها الأخلاقي، ومداها الحضاري.

 

التوحيد: وحدة المصدر ووحدة الغاية:

التوحيد في القرآن لا يعني فقط الإيمان بإله واحد، بل يعني أن كل شيء في الوجود يعود إلى مصدر واحد، ويتجه نحو غاية واحدة. فالله هو الخالق، والمدبر، والمحيي، والمميت، وهو الذي خلق الإنسان والكون، وجعل بينهما علاقة وظيفية وروحية، يقول تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62]، ويقول أيضًا: ﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [البقرة: 210].

 

هذه الوحدة في المصدر والغاية تجعل من الكون مجالًا للتوحيد، ومن الإنسان كائنًا موحدًا، يرى في كل شيء أثرًا لله، وفي كل ظاهرة تجليًا لصفاته، وفي كل تجربة طريقًا نحو القرب منه.

 

مظاهر التوحيد في الكون:

القرآن يعرض الكون بوصفه تجليًا للتوحيد، من خلال:

• وحدة النظام: كما في قوله: ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ﴾ [يس: 40].

 

• التناسق والتوازن: ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 7].

 

• التنوُّع المنضبط: ﴿ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [الرعد: 3].

 

هذه المظاهر تدلُّ على وحدة الإرادة، ووحدة التدبير، ووحدة الحكمة؛ مما يجعل من الكون مرآةً للتوحيد، ومن التأمل فيه وسيلة لفهم صفات الله، والتقرب إليه.

 

أثر التوحيد في فهم الإنسان لذاته:

حين يدرك الإنسان أن الكون كله يسير وفق إرادة واحدة، فإنه يدرك أن وجوده ليس عبثًا، وأن حياته لها غاية، وأن أفعاله لها وزن، وأن علاقته بالكون ليست مادية فقط، بل روحية أيضًا.

 

التوحيد يجعل الإنسان:

• أكثر تواضعًا أمام عظمة الخلق.

 

• أكثر شكرًا أمام النعم.

 

• أكثر صبرًا أمام الابتلاءات.

 

• أكثر عدلًا في التعامل مع البيئة.

 

• أكثر وعيًا في فهم السنن الكونية.

 

وهذا الإدراك يغير طريقة التفكير، ويعيد تشكيل العلاقة مع الذات، والكون، والخالق؛ مما يؤسس لرؤية كلية متزنة.

 

التسخير: الكون في خدمة الإنسان:

التسخير في القرآن يعني أن الله جعل الكون في خدمة الإنسان، لا ليستغله، بل ليشكر ويعبد ويعمر الأرض، يقول تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13].

 

وهذا التسخير يشمل:

• الماء: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48].

 

• النبات: ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 99].

 

• الحيوان: ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [النحل: 5].

 

• الليل والنهار: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ﴾ [الإسراء: 12].

 

التسخير لا يعني التملُّك المطلق، بل يعني الاستخدام المسؤول، ضمن إطار أخلاقي، يراعي التوازن، ويحفظ النعمة، ويحقق مقاصد الشريعة.

 

العلاقة بين التوحيد والتسخير:

التوحيد والتسخير في القرآن مرتبطان ارتباطًا وثيقًا؛ فالتوحيد هو الأساس العقدي، والتسخير هو التطبيق العملي، ومن لا يؤمن بالتوحيد، لا يفهم التسخير، ومن لا يفهم التسخير، يفسد في الأرض؛ كما في قوله: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41].

 

فالتسخير بدون توحيد يتحوَّل إلى استغلال، والتوحيد بدون فهم للتسخير يبقى نظريًّا؛ مما يجعل من العلاقة بينهما شرطًا لفهم العلاقة الكلية بين الإنسان والكون.

 

نماذج قرآنية للتفاعل مع التسخير:

القرآن يقدم نماذج حية لكيفية تعامل الإنسان مع التسخير؛ مثل:

• سليمان عليه السلام: استخدم الريح، والجن، والطير، في خدمة الدعوة، ضمن إطار توحيدي؛ كما في قوله: ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ ﴾ [ص: 36].

 

• ذي القرنين: استخدم الحديد والنار لبناء السدِّ، لحماية الناس، ضمن إطار أخلاقي؛ كما في قوله: ﴿ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ... أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾ [الكهف: 96].

 

• موسى عليه السلام: استخدم العصا، والبحر، والنار، في خدمة الرسالة؛ مما يوضح أن التسخير لا يعني الترف، بل يعني التفاعل المسؤول.

 

أثر التوحيد والتسخير في بناء الحضارة:

حين يُفهم التوحيد بوصفه أساسًا، والتسخير بوصفه وسيلة، فإن الإنسان يبني حضارة:

• قائمة على العلم والإيمان.

 

• متزنة بين المادة والروح.

 

• عادلة في توزيع الموارد.

 

• مسؤولة في التعامل مع البيئة.

 

• متفاعلة مع السنن الكونية.

 

وهذه الحضارة لا تعيش في صراع مع الكون، بل في انسجام معه، ولا تستغل الطبيعة، بل تحترمها، ولا تفسد الأرض، بل تعمرها؛ مما يجعل من العلاقة بين الإنسان والكون علاقة حضارية، أخلاقية، إيمانية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حكاية العصفورة التي أوقفت الجيش
  • شواهد ومشاهد (4)
  • بلعام بن باعوراء (قصيدة)
  • السبيل اقتحام العقبة (قصيدة)
  • مسألة فقهية عويصة
  • وصايا من عصر الجاهلية

مختارات من الشبكة

  • التوازن في حياة الإنسان: نظرة قرآنية وتنموية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الدماغ: أعظم أسرار الإنسان(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العلم عبادة ورسالة لبناء الإنسان والمجتمع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما يلقاه الإنسان بعد موته(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • شناعة جحود النعم وقوله تعالى (إن الإنسان لربه لكنود)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تسخير الكون للإنسان: نظرات وتأملات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإنسان والكون بين الإيمان العلمي والإلحاد الخرافي(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • نظرة الإسلام إلى الإنسان والكون والحياة(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • الآيات الإنسانية المتعلقة باللسان والشفتين في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأستاذ الدكتور صابر عبد الدايم عالم الأدب والإنسان (WORD)(كتاب - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد ثلاث سنوات من الجهد قرية أوري تعلن افتتاح مسجدها الجديد
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/5/1447هـ - الساعة: 15:25
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب