• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج أهل السنة والجماعة في تقرير مسائل الاعتقاد ...
    إيلاف بنت فهد البشر
  •  
    أثر البركة والبركات محقها بالسيئات وللحصول عليها ...
    الشيخ الحسين أشقرا
  •  
    التسبيح مكفر للخطايا
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    دعاء الأنبياء عليهم السلام على الكفار
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    وعد الآخرة
    محمد حباش
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    كفى بالموت واعظا (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    متى ينال البر؟
    سعيد بن محمد آل ثابت
  •  
    فقه العمل الصالح (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    الحذر من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    علة حديث: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة))
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    شرح حديث دعوات المكروب
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    وجعلت قرة عيني في الصلاة (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    فضل التيسير على الناس وذم الجشع (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    نعمة الأمن ووحدة الصف (خطبة)
    الشيخ أحمد إبراهيم الجوني
  •  
    {ليس عليكم جناح}: رفع الحرج وتيسير الشريعة
    بدر شاشا
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خواتيم الأعمال.. وانتظار الآجال (خطبة)

خواتيم الأعمال.. وانتظار الآجال (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/6/2025 ميلادي - 14/12/1446 هجري

الزيارات: 17436

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خواتيم الأعمال.. وانتظار الآجال

10 /12 / 1446

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الزَّمَانَ، وَأَجْرَى الشُّهُورَ وَالْأَعْوَامَ، وَقَسَّمَ الْأَرْزَاقَ، وَضَرَبَ الْآجَالَ؛ ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 145]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ جِهَادِهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى؛ فَإِنَّكُمْ فِي يَوْمٍ عَظِيمٍ، عَظَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَجَعَلَهُ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ، قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌أَعْظَمُ ‌الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ ‌يَوْمٍ ‌طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ يَتَقَرَّبُ الْمُسْلِمُونَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا لِلَّهِ تَعَالَى بِذَبْحِ أَضَاحِيهِمْ. وَبَعْدَهُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فَيَا لَهَا مِنْ أَيَّامٍ مَا أَعْظَمَهَا! وَالْحَاجُّ يَبِيتُ لَيَالِيَهَا بِمِنًى، وَيَرْمِي الْجِمَارَ، وَيَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُهُ، وَهَذِهِ الشَّعَائِرُ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ؛ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الْحَجِّ: 32].

 

وَمَنْ وُفِّقَ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هِدَايَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ، وَيَدُومَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَهَا؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى إِلَى نِهَايَةِ دُنْيَاهُ، وَعَلَى الَّذِينَ جَدُّوا وَاجْتَهَدُوا فِي الْعَشْرِ الْمُبَارَكَةِ أَنْ يُعَلِّقُوا بِاللَّهِ تَعَالَى قُلُوبَهُمْ، وَيَسْأَلُوهُ قَبُولَ أَعْمَالِهِمْ، وَصَلَاحَ أَحْوَالِهِمْ، وَيَجْتَهِدُوا فِي مَرَاضِيهِ، وَيَجْتَنِبُوا مَعَاصِيَهُ، فَهُمْ فِي خَيْرٍ عَظِيمٍ، لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ، وَعَلَى الْمُفَرِّطِينَ الْمُضَيِّعِينَ فِي الْعَشْرِ أَنْ يَثُوبُوا إِلَى رُشْدِهِمْ، وَيَتُوبُوا إِلَى رَبِّهِمْ، وَيُقْلِعُوا عَنْ ذَنْبِهِمْ، قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِمْ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ.

 

عِبَادَ اللَّهِ:

إِنَّ الْحَجَّ خَامِسُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَشَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْعَامِ، فَيَخْتِمُ الْحَاجُّ عَامَهُ بِهَذَا النُّسُكِ الْعَظِيمِ، وَغَيْرُ الْحَاجِّ يَخْتِمُهُ بِالتَّعَبُّدِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالتَّقَرُّبِ بِالضَّحَايَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا مُذَكِّرٌ لِلْمُؤْمِنِ بِأَنْ يَجْتَهِدَ فِي خَتْمِ عُمْرِهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَامُهُ هَذَا خَيْرًا مِنْ عَامِهِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَعَامُهُ الْقَادِمُ خَيْرًا مِنْ عَامِهِ هَذَا؛ فَيَزْدَادُ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى كُلَّمَا زَادَ عُمُرُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي رِحْلَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مُنْذُ وِلَادَتِهِ إِلَى وَفَاتِهِ، وَكُلُّ عَامٍ يَمْضِي يُقَصِّرُ الْعُمْرَ وَيُقَرِّبُ الْأَجَلَ، فَكَمْ فَرَّطَ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ؟ وَكَمْ مِنْ فَرَائِضَ ضَيَّعَهَا أَوْ قَصَّرَ فِيهَا؟ وَكَمْ مِنْ نَوَافِلَ أَهْمَلَهَا وَتَرَكَهَا، وَكَمْ مِنْ مَعَاصٍ ارْتَكَبَهَا؟ وَكَمْ مِنْ حُقُوقٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْخَلْقِ بَخَسَهَا؟ فَإِذَا اسْتَحْضَرَ أَنَّ الْعُمْرَ يَمْضِي جَدَّ وَاجْتَهَدَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ الْهَمْدَانِيُّ: «إِذَا بَلَغَ أَحَدُكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَلْيَأْخُذْ حِذْرَهُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ»، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: ‌‌«كَانُوا يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا، فَإِذَا ‌بَلَغُوا ‌الْأَرْبَعِينَ طَلَبُوا الْآخِرَةَ»، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: «مِقْدَارُ عُمْرِكَ فِي جَنْبِ عَيْشِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَنَفَسٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا ضَيَّعْتَ نَفْسَكَ فَخَسِرْتَ عَيْشَ الْأَبَدِ إِنَّكَ لَمِنَ الْخَاسِرِينَ». وَهَذِهِ مِنْ أَبْلَغِ الْمَوَاعِظِ، فَكَمْ يَمْكُثُ الْإِنْسَانُ فِي الدُّنْيَا؟ إِنَّهُ إِذَا عُمِّرَ بَلَغَ مِئَةً أَوْ زَادَ عَلَى الْمِئَةِ، وَإِذَا مَاتَ قَامَتْ قِيَامَتُهُ، فَإِمَّا مُنَعَّمٌ فِي قَبْرِهِ وَإِمَّا مُعَذَّبٌ، وَكَمْ يَمْكُثُ فِي قَبْرِهِ؟ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنَّ أُنَاسًا فِي قُبُورِهِمْ يُنَعَّمُونَ مِنْ مِئَاتِ السِّنِينَ، وَآخَرِينَ يُعَذَّبُونَ فِيهَا مُنْذُ قُرُونٍ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَبُعِثُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، فَإِمَّا خُلُودٌ فِي الْجَنَاتِ، وَإِمَّا خُلُودٌ فِي الْجَحِيمِ، فَهَلْ تُسَاوِي الدُّنْيَا أَنْ نَبْنِيَهَا، وَأَنْ يَكُونَ جُلُّ عَمَلِنَا لَهَا، وَنَنْسَى دَارَ قَرَارِنَا، لَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّ تِلْكَ لَغَفْلَةٌ تُؤَدِّي إِلَى خَسَارَةٍ، وَأَعْظَمُ الْخَسَارَةِ خَسَارَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ [الزُّمَرِ: 15-16].

 

مَضَى عَامُنَا هَذَا فِي لَمْحِ الْبَصَرِ، كُنَّا نَنْتَظِرُ دُخُولَهُ، ثُمَّ انْتَظَرْنَا رَمَضَانَ وَاسْتَبْشَرْنَا بِهِ، وَمَضَى سَرِيعًا، ثُمَّ انْتَظَرْنَا الْحَجَّ، وَهَا نَحْنُ فِي الْحَجِّ، وَسَيَمْضِي سَرِيعًا، وَيَنْتَهِي الْعَامُ إِلَى عَامٍ جَدِيدٍ يَمْضِي كَمَا مَضَى مَا قَبْلَهُ، يَمُوتُ أُنَاسٌ وَيُولَدُ آخَرُونَ، وَالْحَيَاةُ كُلُّهَا تَمْضِي كَمَا مَضَى هَذَا الْعَامُ، فَلْنَعْتَبِرْ بِذَلِكَ، وَلْنَعْمَلْ مَا يُنَجِّينَا، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنِ ازْدَادَ عَمَلُهُ الصَّالِحُ بِطُولِ عُمْرِهِ؛ وَسَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ ‌وَحَسُنَ ‌عَمَلُهُ، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى عِرَاكِ بْنِ خَالِدٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ فِي النَّاسِ فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَا الضَّحَّاكِ، طَابَ الْمَوْتُ. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَا تَفْعَلْ؛ ‌لَسَاعَةٌ ‌تَعِيشُ فِيهَا تَسْتَغْفِرُ اللَّهَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ مَوْتِ الدَّهْرِ»، وَدَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَسْجِدَ فَرَأَى شَيْخًا كَبِيرًا، فَدَعَا بِهِ فَقَالَ: «يَا شَيْخُ: أَتُحِبُّ الْمَوْتَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: ‌ذَهَبَ ‌الشَّبَابُ ‌وَشَرُّهُ، وَجَاءَ الْكِبَرُ وَخَيْرُهُ، فَإِذَا قُمْتُ قُلْتُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَإِذَا قَعَدْتُ قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَبْقَى لِي هَذَا»، وَقِيلَ لِشَيْخٍ: «مَا بَقِيَ مِنْكَ مِمَّا تُحِبُّ لَهُ الْحَيَاةَ؟ قَالَ: ‌الْبُكَاءُ ‌عَلَى ‌الذُّنُوبِ»، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «كُلُّ يَوْمٍ ‌يَعِيشُهُ الْمُؤْمِنُ ‌غَنِيمَةٌ».

 

وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَتَأَسَّفُونَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ عَلَى انْقِطَاعِ أَعْمَالِهِمْ عَنْهُمْ بِالْمَوْتِ، عَنْ قَتَادَةَ: «أَنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا حُضِرَ جَعَلَ يَبْكِي، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ، وَلَا حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، وَلَكِنْ ‌أَبْكِي ‌عَلَى ‌ظَمَأِ الْهَوَاجِرِ وَقِيَامِ لَيَالِي الشِّتَاءِ».

 

وَبَكَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ: «وَاأَسَفَاهُ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ! وَلَمْ يَزَلْ يَتْلُو الْقُرْآنَ حَتَّى مَاتَ». وَلَمَّا احْتُضِرَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: «مَا يُبْكِيكَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَبْكِي وَاللَّهِ عَلَى مَا يَفُوتُنِي مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَصِيَامِ النَّهَارِ. ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: مَنْ ‌يُصَلِّي ‌لَكَ ‌يَا ‌يَزِيدُ وَمَنْ يَصُومُ؟ وَمَنْ يَتَقَرَّبُ لَكَ إِلَى اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ بَعْدَكَ؟ وَمَنْ يَتُوبُ لَكَ إِلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ السَّالِفَةِ؟ وَيْحَكُمْ يَا إِخْوَتَاهْ، لَا تَغْتَرُنَّ بِشَبَابِكُمْ، فَكَأَنْ قَدْ حَلَّ بِكُمْ مَا حَلَّ بِي مِنْ عَظِيمِ الْأَمْرِ وَشِدَّةِ كَرْبِ الْمَوْتِ. النَّجَاءَ النَّجَاءَ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ يَا إِخْوَتَاهْ، الْمُبَادَرَةَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ».

 

وَجَزِعَ بَعْضُهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ: «إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى أَنْ يَصُومَ الصَّائِمُونَ لِلَّهِ وَلَسْتُ فِيهِمْ، وَيُصَلِّي الْمُصَلُّونَ وَلَسْتُ فِيهِمْ، وَيَذْكُرُ الذَّاكِرُونَ وَلَسْتُ فِيهِمْ، فَذَلِكَ الَّذِي أَبْكَانِي». وَهَلَكَتْ جَارِيَةٌ فِي طَاعُونِ جَارِفَ، فَلَقِيَهَا أَبُوهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهَا: «يَا بُنَيَّةُ، خَبِّرِينِي عَنِ الْآخِرَةِ؟ قَالَتْ: يَا أَبَهْ، قَدِمْنَا عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ نَعْلَمُ وَلَا نَعْمَلُ، وَتَعْمَلُونَ وَلَا تَعْلَمُونَ، لَتَسْبِيحَةٌ ‌أَوْ ‌تَسْبِيحَتَانِ أَوْ رَكْعَةٌ أَوْ رَكْعَتَانِ فِي صَحِيفَةِ عَمَلِي أَحَبُّ لِي مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَنَا رُشْدَنَا، وَأَنْ يَكْفِيَنَا شُرُورَ أَنْفُسِنَا، وَأَنْ يُعِينَنَا عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

تُشْرَعُ الْأُضْحِيَّةُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَالْأَيَّامِ الَّتِي تَلِيهِ إِلَى آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيَنْتَهِي ذَبْحُ الْأَضَاحِي بِغُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهِيَ أَيَّامٌ يَحْرُمُ صَوْمُهَا. وَيُشْرَعُ فِيهَا التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالتَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ بِأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، وَيَنْتَهِي التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ عَقِبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَيَنْتَهِي التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَفِي الْحَثِّ عَلَى التَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [الْبَقَرَةِ: 203]، فَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِأَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَمِنَ الذِّكْرِ فِيهَا التَّكْبِيرُ؛ وَلِذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُكَبِّرُونَ فِيهَا، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: «وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ، وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى ‌تَرْتَجَّ ‌مِنًى تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا، وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ».

 

فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نُحْيِيَ سُنَّةَ التَّكْبِيرِ؛ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَشُكْرًا لَهُ عَلَى هَذَا الْعِيدِ الْكَبِيرِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الشَّعَائِرِ وَالْمَنَاسِكِ، وَعَلَى مَا رَزَقَنَا مِنَ الضَّحَايَا، وَمَا شَرَعَ لَنَا مِنَ التَّقَرُّبِ بِهَا إِلَيْهِ؛ ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الْحَجِّ: 36-37].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار
  • خطبة: الأرزاق والآجال مكتوبة فلم القلق والهم؟

مختارات من الشبكة

  • خطبة: الأعمال الصالحة وثمراتها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن أعمال ترفع الدرجات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القيم النبوية في إدارة المال والأعمال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فقه العمل الصالح (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف يوفق الشباب إلى البركة وحسن العمل؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: {أفمن زين له سوء عمله...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية المسؤولية في العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: أهمية العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر البركة والبركات محقها بالسيئات وللحصول عليها مسببات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كفى بالموت واعظا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان
  • آلاف المسلمين يشاركون في إعادة افتتاح أقدم مسجد بمدينة جراداتشاتس
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 28/4/1447هـ - الساعة: 15:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب