• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مغسلة صلاة الفجر
    خميس النقيب
  •  
    من صور الخروج عن الاستقامة
    ناصر عبدالغفور
  •  
    كيف تستعيد البركة في وقتك؟ وصية عملية (أكثر من ...
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    رعاية الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وكفايته
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    المغضوب عليهم (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    الوقف بالروم على الكلمات التي لحقتها الياءات ...
    بلحسن بن محمد لطفي الشاذلي
  •  
    بيع الحاضر للباد وشراؤه له
    محمد علي عباد حميسان
  •  
    مفتاح الخيرات (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    فذكر (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    حكم الشك في بقاء الطهارة؟
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    النهي عن قول السلام على الله لأن الله هو السلام
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    منطلقات قرآنية في التوثيق العلمي
    أ. د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    الوالدان القدوة (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    النجاة من التيه - لزوم المحكم واتخاذ الشيطان عدوا
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    إدمان السفر
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من درر العلامة ابن القيم عن اللذات
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير سورة العلق

تفسير سورة العلق
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/1/2025 ميلادي - 29/7/1446 هجري

الزيارات: 2400

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سُورَةُ الْعَلَقِ

 

سُورَةُ (الْعَلَقِ): سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ[1]، وَآيُهَا تِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً.

 

أَسْمَاءُ السُّورَةِ:

وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمَائِهَا: سُورَةُ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)، وَسُورَةُ (الْعَلَقِ)، وَسُورَةُ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، وَسُورَةُ (اقْرَأْ)، وَسُورَةُ (اقْرَأْ وَالْعَلَقِ)، وَسُورَةُ (الْقَلَمِ)[2].

 

الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:

احْتَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى مَقَاصِدَ عَظِيمَةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا[3]:

• الْأَمْرُ بِعِبَادَةِ مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.

 

• تَلْقينُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الْكَلَامَ الْقُرْآنِيَّ وَتِلَاوَتَه.

 

• التَّوْجيهُ إِلى النَّظَرِ في خَلْقِ اللهِ الْمَوْجُودَاتِ، وَخَاصَّةً خَلْقُهُ الْإِنْسَانَ.

 

• تَهْدِيدُ مَنْ كَذَّبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَعَرَّضَ لَهُ.

 

• تَثْبيتُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا جَاءَهُ مِنَ الْحَقِّ.

 

سَبُبُ النُّزُولِ:

جَاءَ في ذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِ بَعْضِ الْآيَاتِ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيرةَ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ وَلَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِي لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا، قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ -لَا أَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا-: ﴿ كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق:6] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ»[4].

 

وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ في عِلْمِ الْأُصُولِ.

 

مِنْ فَضَائِلِ السُّورَةِ:

هَذِهِ السُّورَةُ الْعَظيمَةُ جَاءَ في فَضْلِهَا مَا رَوْتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ: التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَات الْعَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتُزَوَّدُ لِمَثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّني حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق ﴾ [العلق:1] حَتَّى بَلَغَ: ﴿ مَا لَمْ يَعْلَم ﴾ [العلق:5]، قَالَ: فَرَجَعَ بِهَا تَرجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ، مَا لِي: فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، وَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ عَلَيَّ، فَقَالَتْ لَهُ: كَلَّا أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبَ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنِ قُصَيٍّ -وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ، أَخِي أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُكْتَبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ -فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ وَرَقَةُ: ابنَ أَخِي، مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا رَأَى، فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤزَرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّي، وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -فِيمَا بَلَغَنَا- حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذُرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ مِنْهُ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ بِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقَرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذُرْوَةِ الْجَبَلِ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ»[5].

 

وَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَديثُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ هَذِهِ الآيَاتُ الْأُوَلُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ في غَارِ حِرَاءٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَالنَّوَوِيُّ رحمه الله: "هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: ﴿ اقْرَأْ ﴾ [العلق:1]، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيُر مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ"[6].


وَأَصْرَحُ مِنْ هَذا: مَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق ﴾ [العلق:1]»[7].

 

وَالْحِكْمَةُ في هَذِهِ الْأَوَّلِيَّةِ -كَمَا قَالَابْنُ حَجَرٍ-: "أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الْخَمْسَ اشْتَمَلَتْ عَلى مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ، فَفِيهَا بَراعَةُ الاِسْتِهْلالِ، وَهِيَ جَدِيرَةٌ أَنْ تُسَمَّى: (عُنْوَانَ الْقُرْآنِ)؛ لِأَنَّ عُنْوانَ الْكِتَابِ يَجْمَعُ مَقَاصِدَهُ بِعِبارَةٍ وَجِيزَةٍ في أَوَّلِهِ". ثُمَّ قَالَ: "وَبَيَانُ كَوْنِهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ: أَنَّها تَنْحَصِرُ في عُلُومِ التَّوْحيدِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ، وَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْأَمْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْبَدَاءَةِ فيهَا بِبِسْمِ اللهِ، وَفي هَذِهِ الْإِشَارَةُ إِلى الْأَحْكَامِ، وَفيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَوْحِيدِ الرَّبِّ وَإِثْبَاتِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، مِنْ صِفَةِ ذَاتٍ وَصِفَةِ فِعْلٍ، وَفي هَذَا إِشَارَةٌ إِلى أُصُولِ الدِّينِ، وَفِيها مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَخْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم ﴾ [العلق:5]"[8].

 

شَرْحُ الْآيَاتِ:

قَولُهُ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، أَيْ: اقْرَأْ وَاتْلُ الْقُرْآنَ مُفْتَتِحًا بِاسْمِهِ سبحان وتعالى وَمُسْتَعِينًا بِهِ[9]، ﴿ الَّذِي خَلَق ﴾، أَيْ: الْمُتَفَرِّد بِخَلْقِ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، أَوِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ حَذَفَ الْمَفْعُولَ، وَحَذْفُهُ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ[10].

 

قَولُهُ: ﴿ خَلَقَ الإِنسَانَ ﴾، هَذَا تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ؛ لِتَفْخِيمِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، وَلِلدَّلالَةِ عَلَى عَجِيبِ فِطْرَتِهِ، ﴿ مِنْ عَلَق ﴾، الْعَلَقُ: جَمْعُ عَلَقَةٍ، وَهِيَ: قِطْعَةُ دَمٍ غَلِيظٍ أَحْمَرَ عَالِقٍ في رَحِمِ الْمَرْأَةِ[11]، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى في هَذِهِ الْآيَةِ الْعَلَقَةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ النُّطْفَةَ كَمَا في الْآيَاتِ الْأُخْرَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَلَقَةَ أُولَى مَرَاحِلِ التَّكْوِينِ الْحَقِيقِيِّ لِلْجَنيِنِ في بَطْنِ أُمِّهِ[12].

 

قَولُهُ: ﴿ اقْرَأْ ﴾ تَكْرِيرٌ لِلْمُبالَغَةِ وَالِاهْتِمامِ بِالْقِرَاءَةِ[13]، ﴿ وَرَبُّكَ الأَكْرَم ﴾، أَيْ: كَثِيرُ الْإِحْسَانِ، وَاسِعُ الْجُودِ وَالْعَطَاءِ، فَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ كُلِّ كَريمٍ سُبْحَانَهُ[14].

 

قَولُهُ: ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم ﴾، أي: الْإِنْسَانَ الْخَطَّ بِالْقَلَمِ[15].

 

قَولُهُ: ﴿ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم ﴾، فَجَعَلَ لَهُ وَسَائِلَ الْإِدْرَاكِ مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقَلْبِ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمْ[16]، وَهَذِهِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ﴾ [النحل:78][17].

 

قَولُهُ: ﴿ كَلاَّ ﴾، أَيْ: حَقًّا، وَقِيلَ: كَلِمَةُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ[18]، ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ﴾، أَيْ: لَيَتَجَاوَزُ حَدَّهُ، وَيَسْتَكْبِرُ عَلَى رَبِّهِ[19].

 

قَولُهُ: ﴿ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ﴾، أي: بِالْمَالِ[20] وَالْقُوَّةِ.

 

قَولُهُ: ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾، أي: الْمَصيرُ وَالْمَرْجِعُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَيُجَازِي كُلَّ إِنْسَانٍ بِعَمَلِهِ[21].

 

قَولُهُ: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ﴾، الاِسْتِفْهَامُ هُنَا لِلتَّعَجُّبِ، وَالذِيْ يَنْهَىْ هُوَ أَبُو جَهْلٍ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ[22].

 

قَولُهُ: ﴿ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾، وهُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم [23].

 

قَولُهُ: ﴿ أَرَأَيْتَ ﴾ يَا أَبَا جَهْلٍ، ﴿ إِن كَانَ ﴾ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ﴿ عَلَى الْهُدَى ﴾، أي: الْحَقِّ، فَكَيْفَ تَنْهَاهُ؟![24].

 

قَولُهُ: ﴿ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ﴾، أَيْ: أَمَرَ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي تُتَّقَى بِهِ النَّارُ، أَيُنْهَى أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ؟![25].

 

قَولُهُ: ﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ ﴾، أَيْ: أَبُو جَهْلٍ، ﴿ وَتَوَلَّى ﴾، أَيْ: أَعْرَضَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْحَقِّ[26].

 

قَولُهُ: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ ﴾، أَيْ: أَبُو جَهْلٍ، ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ كُلَّ مَا يَفْعَلُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَسَيُجَازِيهِ بِهِ[27]، وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ[28].

 

قَولُهُ: ﴿ كَلاَّ ﴾، أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَفَعَلَ أَبُو جَهْلٍ، وَقِيلَ: إِنَّهَا كَلِمَةُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ لِأَبي جَهْلٍ، ﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ ﴾، أي: عَنْ إِيذَاءِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَكْذِيبِهِ وَتَوَلِّيهِ، ﴿ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَة ﴾، أي: لَنَأْخُذَنْ بِنَاصِيَتِهِ، وَهِيَ شَعَرُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، وَلَنَسْحَبَنَّهُ بِها إِلَى النَّارِ[29].

 

قَولُهُ:، ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَة ﴾أي: صَاحِبُهَا كَاذِبٌ في قَوْلِهِ، خَاطِئٌ في فِعْلِهِ[30].

 

قَولُهُ: ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَه ﴾، أَيْ: أَهْلَ مَجْلِسِهِ وَقَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ لِيُعِينُوهُ[31].

 

قَولُهُ: ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة ﴾، أي: الْمَلَائِكَةَ الْمُوَكَّلِينَ بِالْعَذَابِ؛ لِيَجُرُّوهُ إلَى النَّارِ[32].

 

قَولُهُ: ﴿ كَلاَّ ﴾، أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَظُنُّ أَبُو جَهْلٍ، وَقِيلَ: إِنَّهَا كَلِمَةُ رَدْعٍ لِأَبي جَهْلٍ، ﴿ لاَ تُطِعْهُ ﴾، أي: يَا مُحَمَّدُ فِيمَا دَعَاكَ إِلَيْهِ، ﴿ وَاسْجُدْ ﴾ للهِ، ﴿ وَاقْتَرِب ﴾ إِلَيْهِ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَأَنْوَاعِ العْبَادَاتِ[33].

 

بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:

الْحَثُّ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق ﴾ [العلق:1]: نَسْتَخْلِصُ:

أولًا: الْحَثُّ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلى عَظِيمِ الْعِنَايَةِ بِالْقِرَاءَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ: أَنَّ أَوَّلَ لَفْظٍ نَزَلَ في الْقُرْآنِ هَذَا اللَّفْظُ: ﴿ اقْرَأْ ﴾، وفِيْ هَذَا دِلَالَةٍ وَاضِحَةٍ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ لِيَحُثَّ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَيُرَغِّبَ فِيها، وَيَمْحُوَ الْجَهْلَ وْيُحَذِّرَ مِنْهُ.

 

ثانيًا: الحَثّ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالإِكْثَارِ مِنْها؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ اقْرَأْ ﴾: الْقُرْآنُ بِالْإِجْمَاعِ[34]، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾ [النساء:113] الْآيَةَ، وَالَّذِي عَلَّمَهُ هُوَ هَذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [الشورى:52] الآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين ﴾ [يوسف:3] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

 

ثالثًا: أَنَّ الْعِلْمَ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ لِقَولِهِ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ [العلق:1].

 

التَّنْبِيْهُ إِلَىْ الْاسْتِعَانَةِ بِاللهِ تَعَالَى وَبِاسْمِهِ عِنْدَ بَدْءِ الْعَمَلِ، ومنْهُ الْقِرَاءَةُ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ [العلق:1]: أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْدَأَ كُلَّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ بِاسْمِ اللهِ، وَأَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِاللهِ تَعَالَى عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ، وَأَيِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْإِخْلَاصُ للهِ وَحْدَهُ، وَالاِسْتِعَانَةُ بِهِ دُونَ سِوَاهُ.

 

اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لِذَا اسْتَحَقَّ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَىْ: ﴿ الَّذِي خَلَق ﴾: أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا خَالِقَ غَيْرُهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل ﴾ [الزمر:62]. وَيُسْتَدَلُّ بِكَوْنِ اللهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، فَكَمَا أَنَّهُ هُوَ وَحْدَهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالتَّدْبيرِ، فَهُوَ الْمُتَفَرِّدُ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ دُونَ سِواهُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ؛ فَمَنْ أَقَرَّ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ هُوَ الرَّبُّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ في رُبُوبِيَّتِهِ؛ لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ الْإِقْرَار: أَنْ يُفْرِدَ اللهَ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْبَدَ إلَّا مَنْ كَانَ رَبًّا خَالِقًا مَالِكًا مُدَبِّرًا، وَمَا دَامَ ذَلِكَ كُلُّهُ للهِ وَحْدَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ.

 

وَلِهَذَا جَرَتْ سُنَّةُ الْقُرْآنِ الْكَريمِ عَلَى ذِكْرِ آيَاتِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ مَقْرُونَةً بِآيَاتِ الدَّعْوَةِ إِلى تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون ﴾ [البقرة:21-22].

 

الْإِشَارَةُ إِلَىْ بَعْضِ مَرَاحِلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَق ﴾ [العلق:2]: أَنَّ خَلْقَ الْإِنسَانِ قَدْ مَرَّ بِمَرَاحِلَ، وَمِنْهَا: الْعَلَقَة، وهَذِهِ المَرَاحِلُ كَالْآتِي: النُّطْفَةُ، الْعَلَقَةُ، الْمُضْغَةُ، الْعِظَامُ، كِسْوَةُ الْعِظَامِ بِاللَّحْمِ، الْإِنْشَاءُ خَلْقًا آخَرَ. وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْمَراحِلُ مُجْمَلَةً في مَوَاضِعَ وَمُفَصَّلَةً في مَوَاضِعَ أُخْرَى حَسَبَ مَا يَقْتَضيهِ السِّيَاقُ، وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فَصَّلَتْ ذَلِكَ تَفْصِيلاً دَقِيقًا: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِين * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِين * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين ﴾[المؤمنون:12-14].

 

اللهُ الْأَكْرَمُ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم ﴾ [العلق:3]: أَنَّ اللهَ سبحان وتعالى أَكْرَمُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، فَهُوَ صَاحِبُ الْكَرَمِ وَالْفَضْلِ سبحان وتعالى عَلَى كُلِّ أَحَدٍ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ.

 

مَنْزِلَةُ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم ﴾ [العلق:5]: فَائِدَتَانِ:

الْأُولَى: أَنَّ اللهَ أَكْرَمَ بَنِي آدَمَ بِالْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ، وَمَيَّزَهُم بِهِمَا عَنْ جَميعِ مَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا قَالَ اللهُ: ﴿ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم ﴾، وَقَالَ اللهُ: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ﴾ [البقرة:31].

 

الثَّانِيَةُ: بَيَانُ فَضْلِ عِلْمِ الْكِتابَةِ، فَهِيَ مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ، "لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا هُوَ، وَمَا دُوِّنَتِ الْعُلُومُ وَلَا قُيِّدَتِ الْحِكَمُ وَلَا ضُبِطَتْ أَخْبَارُ الْأَوَّلِينَ وَمَقَالَاتُهُمْ، وَلَا كُتُبُ اللَّهِ الْمَنْزَلَةُ إِلَّا بِالْكِتَابَةِ، وَلَوْلَا هِيَ مَا اسْتَقَامَتْ أُمُورُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا"[35]، كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَبْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَاللَّهُالْقَلَمَ،فَقَالَلَهُ: اكْتُبْ،قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»[36].

 

التَّرْهيبُ مِنَ الطُّغْيَانِ بِالْمَالِ وَالْقُوَّةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾[العلق:6-8]: تَذْكِيرٌ وَتَرْهِيبٌ:

أما التَذْكِيرُ؛ فهُوَ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى دَافَعَ عَنْ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، حَيْثُ أَنْزَلَ آيَاتٍ تُبَيِّنُ حَالَ أَبِيْ جَهْلٍ، وَمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْكِبْرِ وَالطُّغْيَانَ بِنِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ، وَفِيْ هَذَا تَذْكيرٌ لِلْمُسْلِمِ بِأَنَّهُ إِذَا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالى عَلَيْهِ بِالْمَالِ فَإنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ في طاعَةِ اللهِ، وَيَصْرِفَهُ في وُجُوهِ الخَيْرِ الَّتي أَمَرَ اللهُ تَعَالى بِهَا.

 

وَأَمَّا الّتَرْهيبُ؛ فَهُوَ: تَرْهِيْبٌ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الطُّغْيَانِ، وَتَحْذِيرٌ شَدِيدٌ -وَلَا سِيمَا إِذَا اسْتَغْنَى وَكَثُرَ مَالُهُ- أَلَّا يَتَجَاوَزَ حَدَّهُ، وَيَسْتَكْبِرَ عَلَى رَبِّهِ إِذَا رَأَى نَفْسَهُ غَنِيًّا بِالْمَالِ وَالْقُوَّةِ، فَمَهْمَا كَثُرَ مَالُ الْإِنْسَانِ وَزَادَتْ قُوَّتُهُ فَإِنَّ مَرَدَّهُ وَمَرْجِعَهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَسَوْفَ يُسْأَلُ الْإِنْسَانَ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، كَمَا في حَدِيثِ أَبي بَرْزَةَ نَضْلَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»[37].

 

النَّهْيُ عَنِ الْمَعْرُوفِ ومُحَارَبَةُ أَهْلِهِ مِنْ صِفَاتِ الْكُفَّارِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ﴾ الْآيَاتِ: أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْمَعْرُوفِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْكُفْرِ، كما قال تعالى: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ﴾ [التوبة:67]، وَفِي الْآيَاتِ بَيَانُ أَنَّ الْإِنْسَانَ حَتَّى وَإِنْ كَانَ عَلَى الْحَقِّ فَسَيَجِدُ مَنْ يُحَارِبُهُ.

 

كَمَالُ عُبُودِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

فِي تَنْكِيرِ قَوْلِهِ: (عَبْدًا) مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾ دُونَ قَوْلِهِ: (نَبِيَّهُ) أَوْ (رَسُولَهُ): دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ حَقَّقَ الْعُبودِيَّةَ كَمَا حَقَّقَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ بِقَولِهِ: "التَّنْكِيرَ فِي (عَبْدًا): يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَامِلًا فِي الْعُبُودِيَّةِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهُ عَبْدٌ لَا يَفِي الْعَالِمُ بِشَرْحِ بَيَانِهِ، وَصِفَةِ إِخْلَاصِهِ فِي عُبُودِيَّتِهِ"[38].

 

قُبْحِ التَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾[العلق:13-14]: بَيَانُ قُبْحِ التَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى.

 

مِنْ أَسْرَارِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ [العلق:14]: مِنَ اللَّطَائِفِ وَالْأَسْرَارِ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ، وَمَا أَعْظَمَ أَنْ تَكُونَ هِذِهِ الْآيَةُ نصْبَ أَعْيُنِنَا دَائِمًا، وَمِنْ أَسْرَارِهَا وَفَوائِدِهَا مَا يَلِي:

أَوَّلًا: التَّهْدِيدُ وَالْوَعيدُ لِكُلِّ مَنْ آذَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَفيهَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ لِكُلِّ ظَالِمٍ وَطَاغِيَةٍ يُحَارِبُ دِينَ اللهِ تَعَالَى، وَيَنْهَى العِبَادَ عَنِ الْالْتِزَامِ بِالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

 

ثَانِيًا: أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ حَالَ النَّاهِي وَالْمَنْهِيِّ، وَسَوْفَ يُجَازِي كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَسْتَحِقُّ.

 

ثَالِثًا: أَنَّ اللهَ تَعَالى يَرَى كُلَّ شَيْءٍ مَهْمَا خَفِيَ وَدَقَّ، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ مَهْمَا بَعُدَ أَو قَرُبَ، وَمَهْمَا كَثُرَ أَو قَلّ، فَهُوَ تبارك الله يَرَىْ النَّمْلَةَ السَّوْدَاءَ في اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَاءِ، ﴿ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ﴾ [آل عمران:5]، يَعْلَمُ الظَّاهِرَ وَالبَاطِنَ وَيَرَاهُ.

 

رَابِعًا: وُجُوبُ الْمُرَاقَبَةِ[39]، وَهَذِهِ الْآيَةُ الْعَظيمَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَجْعَلَ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ يُرَاقِبُ اللهَ تَعَالَى في خَلَوَاتِهِ وَجَلَوَاتِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ هَذِهِ الْآيَةَ إِذَا امْتَدَّتْ عَيْنُهُ إِلى خِيَانَةٍ، أَوْ يَدُهُ إِلى حَرَامٍ، أَوْ سَارَتْ قَدَمُهُ إِلى سُوءٍ، وَرَحِمَ اللهُ تعَالَى الْإِمَامَ أَحَمْدَ إِذْ كَانَ كَثيرًا مَا يُرَدِّدُ:

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ
خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفَلُ سَاعَةً
وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ

 

خَامسًا: أَنَّهَا تُرَبِّي الْمُؤْمِنَ عَلَى الشُّعُورِ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْمُدَبِّرُ لِكُلِّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْكَوْنِ الْفَسِيحِ، وَهُوَ الْمُتَحَكِّمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ،فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ، وَيَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ، وَيَنْشَرِحُ صَدْرُهُ.

 

إِهْلَاكُ اللهِ لِأَبِي جَهْلٍ دِفَاعًا عَنْ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَة * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَة * فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة ﴾ [العلق:15-18]: دِفَاعٌ آخَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ فيهَا رَدْعٌ شَدِيدٌ لِأَبي جَهْلٍ بَعْدَ أَنْ وَعَظَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلَئِنْ كَانَ الدِّفَاعُ السَّابِقُ لِمَا وَقَعَ مِنْ أَبِي جَهْلٍ فِي الْمَاضِي، فَهَذَا تَهْدِيدٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنِ اتَّصَفَ بِوَصْفِهِ مِنْ أَنْ يَقَعَ مُسْتَقْبَلًا فِي أَذِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

 

وَقَدْ رَوى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنها قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ، فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلِ ابْنِ هِشَامٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ وَتَوَعَّدَهُ، فَأَغْلَظَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَانْتَهَرَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، بِأَيِّ شَيْءٍ تُهَدِّدُنِي؟ أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَكْثَرُ أَهْلِ الْوَادِي نَادِيًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة ﴾»[40].

 

وَقَدْ أَقَرَّ اللهُ تَعَالَى عَيْنَ نَبِيِّهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنينَ بِمَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ - حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا -؛ فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِيْ سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالاَ: لاَ، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: كِلاَكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ، وَكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ»[41].

 

التَنْوِيْهُ إِلَىْ مَنْزِلَةِ السُّجُودِ وَفَضْلِهِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ ﴾ [العلق:19]: ذِكْرٌ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْقُرْبِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَفِي ذَلِكَ عِدَّةُ إِشَارَاتٍ وَدَلَائِلَ، مِنْهَا:

أولًا: أَنَّ السُّجُودَ للهِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ رِضَا اللهِ عَنْهُمْ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، قَالَ اللهُ: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾[الفتح:29]. وَقَدْ وَرَدَ في فَضْلِ السُّجُودِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ:

مِنْهَا: حَدِيثُ مِعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيّ قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: «أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ، أَوْ قَالَ: قُلْتُ: بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ، فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً، قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ؛ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ»[42]. وَمِنْهَا: حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَأْكُلُ النَّارُ مِنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ»[43]. وَمِنْهَا: حَدِيثُ رَبِيعَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «كُنْتُ أَبِيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ»[44].

 

ثانيًا: أَنَّ السُّجُودَ للهِ تَعَالَى قُرْبٌ مِنْهُ، وَقُرْبَةٌ إِلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ التَّقَرُّبِ إِلى اللهِ سُبْحَانَهُ وَمُنَاجَاتِهِ، وَمِنْ أَنْجَعِ الطُّرُقِ لِنَيْلِ مَرْضَاتِهِ، فَلْيَغْتَنِمِ الْعَبْدُ هَذَا، وَلْيُكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ للهِ تَعَالَى.

 

ثالثًا: أَنَّ السُّجُودَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تُصْرَفُ إِلَّا للهِ وَحْدَهُ، قَالَ اللهُعز وجل: ﴿ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾[النجم:62].

 

رابعًا: أَنَّ السُّجُودَ مِنْ مَوَاضِعِ الْقُرْبِ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ وَالرَّجَاءِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ»[45]، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ لَهُ رضي الله عنه قَالَ: «سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ﴿ إِذَا السَّمَاء انشَقَّت ﴾، وَ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾»[46].

 

مَشْرُوعِيَّةُ السُّجُودِ لِلْمُسْلِمِ فِيْ سُوْرَةِ الْعَلَقِ:

فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿ كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ ﴾ [العلق:19]: مَشْرُوعِيَّةُ السُّجُودِ إِذَا قَرَأَ الْمُسْلِمُ هَذِه الآيَة، وَهَذِهِ السَجْدَةُ هِيَ إِحْدَى سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فيها الْعُلَمَاءُ، وَالرَّاجِحُ: أَنَّهَا مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ كَبَاقِي الْمَوَاضِعِ الْأُخْرَى، فَيُسَنُّ سُجُودُ التِّلَاوَة ِعِنْدَ الْمُرُورِ عَلَيْهَا[47]؛ لِحَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ -وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ: يَا وَيْلِي- أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ»[48].

 

النَّهْيُ عَنْ طَاعَةِ الْمَخْلُوْقِ فِيْ مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ ﴾ [العلق:19]: نَهْيٌ عَنْ طَاعَةِ الْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَأَمْرٌ بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ للهِ تَعَالَى وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ سُبْحانَهُ.

 


[1] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 501).

[2] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 433).

[3] ينظر: مصاعد النظر (3/ 213)، التحرير والتنوير (30/ 434).

[4] أخرجه مسلم (2797).

[5] أخرجه البخاري (6982) واللفظ له، ومسلم (160).

[6] شرح صحيح مسلم (2/ 199).

[7] مستدرك الحاكم (3954) وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".

[8] فتح الباري (8/ 718-719).

[9] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 325).

[10] ينظر: تفسير الرازي (32/ 216)، تفسير البيضاوي (5/ 325).

[11] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 119)، تفسير ابن جزي (2/ 496).

[12] ينظر: تفسير القاسمي (9/ 509).

[13] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 325).

[14] ينظر: تفسير السعدي (ص930).

[15] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 120).

[16] ينظر: تفسير السعدي (ص930).

[17] ينظر: أضواء البيان (9/ 17).

[18] ينظر: تفسير الرازي (32/ 219).

[19] ينظر: تفسير البغوي (8/ 479)، تفسير القاسمي (9/ 511).

[20] ينظر: تفسير الماوردي (6/ 306)، تفسير القرطبي (20/ 123).

[21] ينظر: تفسر النسفي (3/ 663).

[22] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 502)، تفسير ابن جزي (2/ 497).

[23] ينظر: تفسير البغوي (8/ 479)، تفسير ابن كثير(8/ 438).

[24] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 438).

[25] ينظر: تفسير البغوي (8/ 480)، فتح القدير (5/ 572).

[26] ينظر: تفسير الطبري (24/ 535)، تفسير القرطبي (20/ 124).

[27] ينظر: تفسير البغوي (8/ 480)، تفسير الخازن (4/ 449).

[28] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 502)، تفسير النسفي (3/ 663).

[29] ينظر: تفسير البغوي (8/ 480).

[30] ينظر: تفسير الماوردي (6/ 308)، تفسير ابن كثير (8/ 438).

[31] ينظر: تفسير الطبري (24/ 536)، تفسير القرطبي (20/ 126)، تفسير البيضاوي (5/ 326).

[32] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 326).

[33] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 503)، تفسير القرطبي (20/ 128).

[34] ينظر: أضواء البيان (9/ 14).

[35] تفسير القرطبي (20/ 120).

[36] أخرجه أبو داود (4700).

[37] أخرجه الترمذي (2417) وقال: "حسن صحيح"، والدارمي (554).

[38] تفسير الرازي (32/ 222).

[39] ينظر: مدارج السالكين (2/ 64 وما بعدها).

[40] أخرجه الترمذي (3349) وقال: "حديث حسن غريب صحيح"، وابن جرير في تفسيره (24/ 537) واللفظ له. والحاكم في المستدرك (3809) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

[41] أخرجه البخاري (3141) واللفظ له، ومسلم (1752).

[42] أخرجه مسلم (488).

[43] أخرجه البخاري (806)، ومسلم (182) واللفظ له.

[44] أخرجه مسلم (489).

[45] أخرجه مسلم (482).

[46] أخرجه مسلم (578).

[47] ينظر: الحاوي الكبير (2/ 203)، أحكام القرآن لابن العربي (4/ 424)، تفسير القرطبي (20/ 128).

[48] أخرجه مسلم (81).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الأنعام الآيات (161: 164)
  • تفسير سورة الفجر
  • تفسير سورة البلد
  • تفسير سورة الشمس
  • تفسير سورة التين

مختارات من الشبكة

  • لطائف البيان في تفسير القرآن: تفسير جزئي العنكبوت والأحزاب (21 - 22) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لطائف البيان في تفسير القرآن: تفسير جزئي يس والزمر (23 - 24) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لطائف البيان في تفسير القرآن: تفسير جزئي الشورى والأحقاف (25 - 26) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لطائف البيان في تفسير القرآن: تفسير جزئي تبارك وعم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سورة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الكوثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الهمزة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة المسد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الماعون(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة كارجلي تحتفل بافتتاح أحد أكبر مساجد البلقان
  • متطوعو أورورا المسلمون يتحركون لدعم مئات الأسر عبر مبادرة غذائية خيرية
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا
  • برنامج تدريبي للأئمة المسلمين في مدينة كارجلي
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/6/1447هـ - الساعة: 15:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب